أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - جواد البشيتي - حتى لا تصبح -الثورة المغدورة-!















المزيد.....

حتى لا تصبح -الثورة المغدورة-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3248 - 2011 / 1 / 16 - 15:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


لم أعرف اليوم من أين أبدأ؛ هل أبدأ من "تونس اليوم" أم من "تونس الأمس"؟

وها أنا أبدأ من "تونس الأمس"، أي من الدول العربية التي ما زالت تَنْعُم بما نَعِمَت به "تونس زين العابدين بن علي" زمناً طويلاً من "أمن واستقرار".

على حين غرة، توحَّدت "كلمة العرب"، أي كلمة الدول والزعماء والقادة، فأصدروا البيان نفسه تقريباً، وكأنَّهم اجتمعوا سِرَّاً، واتَّفقوا وهُمْ الذين نادراً ما اتَّفقوا.

جميعهم أعربوا عن "احترامهم لخيارات الشعب التونسي (الشقيق)"، وعن اهتمامهم بـ "أمن المواطنين والممتلكات" في تونس، مُتَمنِّين على شعبها أنْ يتكاتف ويتعاضد تلافياً لخطر الانزلاق نحو "الفوضى".

إنَّهم يحترمون خيارات الشعب التونسي؛ أمَّا الخيارات المشابهة لشعوبهم فغير جديرة بالاحترام!

تلك كانت "البليَّة"؛ أمَّا "شَرُّها الذي يُضْحِكُ" فأتى من زعيم، يُشْهَد له بأنَّ لديه أُفقاً يَسَع كل شيء ولا يَسَعْهُ شيء؛ ولديه من قوَّة البصر والبصيرة ما جَعَلَه يرى ويُدْرِك ما لم يره ويُدْرِكه أحد من قبله؛ فهو، والحقُّ يقال، صاحب براءة اكتشاف الفَرْق النوعي والجوهري بين الرجل والمرأة، فـ "المرأة تحيض؛ أمَّا الرجل فلا يحيض".

بجرأة يحسده عليها كثيرٌ من زملائه وبَّخ الشعب التونسي وثورته العظيمة، فإنَّ زين العابدين بن علي، وعلى ما اكتشف، يَصْلُح لحكم تونس إلى الأبد.

لقد قال قوله هذا موضِحاً أنَّه غنيٌّ عن نعمة ينعم بها عليه زين العابدين بن علي؛ لكنَّه ضرب صفحاً عن السبب الحقيقي الذي حمله على قول ما قال، ألا وهو الخشية من أنْ تنتقل إلى شعبه عدوى "أنفلونزا الياسمين"، فلا فَرْق بين الشعبين يَكْبُر ذلك الفَرْق بين الرجل والمرأة.

والآن، لِنَكُفَّ عن التلهِّي عن عظائم الأمور بصغائرها؛ و"لنصعد" من "القمَّة" إلى "القاعدة"، فلا صعود من الآن وصاعداً إلاَّ هذا الصعود.. الصعود إلى تونس حيث يُصْنَع التاريخ، أي حيث الهدم من أجل البناء، والبناء من بعد هدم.

عن سؤال "هل ولَّى إلى غير رجعة زمن الثورات؟"، أجابت تونس وشعبها بما أنهى الحاجة إلى السؤال، وبما جَعَلَ إجابتها كلاماً جامعاً مانعاً.

لقد كانت "ثورة"؛ لا بل كانت "الثورة"؛ وإنَّها لخير ثورة أُخْرِجت للناس كافة في مستهل القرن الحادي والعشرين، الذي سلَّحها بـ "سلاحه الإلكتروني الفتَّاك".

ومع ذلك، ما زال الخطر يتهدَّدها، ويُحْدِق بها؛ فإنَّ للثورة ثلاث أضلاع، رأينا منها (حتى الآن) الأوَّل، إلا وهو "الهدم"، أي الإطاحة برأس نظام الحكم الاستبدادي الفاسد؛ و"الرأس"، على أهميته، ليس الجسد أو الجسم كله.

إنَّ نظام الحكم التونسي المقطوع الرأس يسعى الآن، ومع حلفاء له من الداخل والخارج، في استجماع قواه، وتنظيم صفوفه، وإتقان الخديعة والحيلة والروغان والرشوة، لعلَّه يُوفَّق في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وجوده، وفي منع الشعب من قطف ثمار ثورته وتضحياته، فالثورة يجب أن تتوقَّف في منتصف الطريق، وكأنَّ الغاية هي أنْ يذهب "الرجل" ليبقى نظام الحكم نفسه.

وهذا إنَّما يوضِّح ويؤكِّد للشعب التونسي أنَّ "الاستمرار" هو "مهمَّة الساعة" لديه، فإذا كانت الإطاحة برأس نظام الحكم هي الضلع الأوَّل، فإنَّ الضلع الثاني هي الوصول إلى السلطة، أي أنْ يبتني الشعب لنفسه، وبنفسه، سلطة ديمقراطيةً حرَّةً، وأنْ يعرف من ثمَّ (وهذا هو الضلع الثالث) كيف يحافظ عليها، ويحتفظ بها، فإنَّ ابتناء السلطة الجديدة هو أهم من إطاحة السلطة القديمة، وإنَّ الاحتفاظ بالسلطة الجديدة هو الأهم من الأمرين معاً.

لِيَنْسَ الشعب التونسي الآن زين العابدين بن علي، وليَتْرُكه يؤدِّي مناسك العمرة، وليَتذكَّر أنَّ الثورات كالمرأة يمكن أنْ تُغْتَصَب، ويُزْنى بها، وأنَّ التضحيات على عِظَمها يمكن أن تذهب أدراج الرياح، وأنَّ رياح الثورة نفسها يمكن أن تجري بما تشتهي سفينة أعدائها الظاهرين والمستترين، وأنَّ الموت الأسوأ هو أنْ يموت المرء وهو على بُعْد شبر من الهدف، وأنَّ التوقُّف في منتصف الطريق هو أقصر طريق إلى الوراء حيث الجحيم.

التنظيم؛ ثم التنظيم؛ ثم التنظيم؛ فهذا هو وحده الطريق إلى النصر النهائي؛ فالثورة الشعبية قد تبدأ عفوية، تلقائية؛ لكنَّها لن تستمر، ولن تستمر بما يكفل لها النجاح والنصر، إنْ لم تبادر إلى تنظيم نفسها بنفسها، وخلق ما يشبه "الأجنَّة" لسلطة جديدة، تهدم كل ما يمكن أن تستمد منه السلطة القديمة قوَّةً وحياةً، فإنَّ الأجهزة المتخصِّصة في قمع الشعب، باعتباره العدو الداخلي لنظام الحكم الاستبدادي، يجب أنْ تُهْدَم جميعاً، وألاَّ يبقى منها حجر على حجر، لا أنْ يُحْتَفَظ بها، وتبقى في الحفظ والصون؛ فإنَّ بقاءها لا يبقي على الإنجاز التاريخي الذي أحرزه الشعب عبر ثورته.

والشعب التونسي الشقيق الذي يُظْهِر الآن يقظة ثورية واضحة جلية شرع ينظِّم نفسه بنفسه، مؤسِّساً اللجان الشعبية في الأحياء للدفاع عن نفسه في مواجهة أعمال التخريب والتدمير والحرق والقتل والسرقة والنهب.. التي يرتكبها (كلها، أو معظمها على الأقل) أعضاء الأجهزة الأمنية لنظام الحكم، الملثَّمون الآن، والذين يرتدون الثياب المدنية.

وإنَّنا لنحمد الله على ما جاءت به الثورة الشعبية التونسية (العربية) العظمى من أدلة مفحمة على أنَّ القوى المندسة، الملثَّمة، المرتدية للثياب المدنية، والمخرِّبة للممتلكات العامة والخاصة، ليست من الشعب، وليست من المتظاهرين، وإنْ أتت من بين صفوفهم وجموعهم.

ونحمده أيضاً على ما جاءت به من أدلة على سخف فكرة أنَّ الثورات الشعبية يصنعها مثيرو فِتَنٍ وقلاقل واضطِّراب، فإنَّ ظروف عيش الناس هي التي بسوئها تحملهم على السير في "الطريق التونسي"، وإنَّ أحداً من المحرِّضين على الثورة لن ينجح في مسعاه إذا لم يكن نظام الحكم نفسه قد هيَّأ للناس أسباب وظروف الثورة.

لكن إيَّاكم أن تظنوا أنَّ نظام الحكم في الدول العربية، والذي هو الواحد إذ تعدَّد، يمكنه أن يحكم، وأن يستمر في الحكم، من غير أنْ يهيِّئ للناس، في الوقت نفسه، أسباب وظروف الثورة.

لقد انقضُّوا على الشعب وثورته إذ أطاح برأسهم، فظهروا في الشوارع على حقيقتهم العارية من الأوهام؛ عصابات منظَّمة للتخريب والتدمير والحرق والقتل والسرقة والنهب..، لعلَّ الشعب يستخذي لمشيئتهم، فيبقي لهم السلطة والحكم، ليحصل منهم في المقابل على الأمن والغذاء؛ فهل رأيتم الآن، وبعيون يقظة لا تغشاها أوهام، حقيقية وجوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم في عالمنا العربي، الذي كان حتى الأمس القريب، كالجنَّة يخلد فيها الحاكم أبداً، وكجهنَّم يخلد فيها الشعب أبداً؟!

وهؤلاء ضيِّقو الأفق، معميُّو الأبصار والبصائر، ما كان لهم أن يتوقَّعوا أنْ يأتي فعلهم المشين هذا بما يذهب بهم، فالشعب شرع يبتني لنفسه، وبنفسه، سلطة جديدة، أجنَّتها، أو بعض أجنَّتها، هي هذه اللجان الشعبية للدفاع الذاتي التي تنتشر في أحياء العاصمة والمدن.

إنَّ التنظيم الذاتي المستقل للشعب، والذي يمكن (ويجب) أنْ ينتهي بنشوء مجالس شعبية منتخَبة، هو وحده الطريق الآن إلى جَعْل الثورة الشعبية الديمقراطية التونسية تقطف، أو قادرة على قطف، ثمارها، فالفراغ في السلطة يجب ألاَّ يُملأ إلاَّ بما يسمح ببدء فترة انتقال سياسي، يُحلُّ فيها مجلس النواب، وأجهزة القمع، ويُجرَّد ممثِّلو العهد البائد من كل سلطة ونفوذ، وتُطْلَق الحرِّيات الديمقراطية كافة، وتتبارى الأحزاب السياسية في إظهار وتأكيد أوزانها السياسية والشعبية، لتُجْرى من ثمَّ انتخابات لجمعية تأسيسية، تَضَع دستوراً جديداً للبلاد، فينتهي، وإلى الأبد، نظام الحكم الرئاسي، فلا نظام حكم ديمقراطياً حقيقياً في عالمنا العربي إلاَّ الحكومة البرلمانية الحزبية المنتخبة، ولا انتخابات ديمقراطية حقيقية إلاَّ التي تُجْرى وفق نظام التمثيل النسبي، والذي بموجبه يغدو الوطن كله دائرة انتخابية واحدة كبيرة، فنتغلَّب على كل انتماء يُفْسِد الحياة الديمقراطية، منطقاً وواقعاً.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السقوط العظيم!
- أُمَّة ينهشها الفقر والجوع والغلاء والبطالة!
- ظاهرة -العنف المجتمعي- وظاهرة -إساءة فهمه-!
- كيف يكون السفر في الفضاء سفر في الزمان؟
- سياسة -الانتظار- و-أزمة الخيار-!
- جريمة أكبر من تُواجَه بعبارات الإدانة والاستنكار!
- فكرة -فناء المادة-.. كيف تحوَّلت من لاهوتية إلى -فيزيائية-؟!
- عمرو موسى.. مُقَوِّماً للتجربة!
- -الانهيار القومي- في -محطَّته السودانية-!
- هل يتوقَّف الزمن؟
- هذا الخلل التفاوضي الكبير!
- هل ماتت الفلسفة حقَّاً؟
- تدخُّل الإعلام في الشأن الداخلي لدولنا!
- خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء!
- إشكاليات في المعرفة الكونية
- الخيارات الستَّة البديلة!
- حلٌّ من طريق -تجميد- خيار المفاوضات!
- العالم على شفير -حرب عملات-!
- مصر تضيف -العلمانية- إلى -الديمقراطية- في انتخاباتها البرلما ...
- أُمَّة تَنْتَحِر بسلاح التعصُّب!


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - جواد البشيتي - حتى لا تصبح -الثورة المغدورة-!