أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - سياسة الرفع















المزيد.....

سياسة الرفع


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3250 - 2011 / 1 / 18 - 15:39
المحور: كتابات ساخرة
    


نحن بلد في القمة ومرفوعا عاليَ الهامات نسابقُ الريح ونطاول الغيوم وناطحات السحاب في ارتفاع الأسعار.
أينما نحلُ في الأردن وأينما نذهب نجد أمامنا مصطلح الرفع فمثلا يتوقف البرنامج التلفزيوني حين يحين موعد آذان الظهر ليقولوا لنا (سنعود بعد رفع الآذان) وكذلك في ساعة العصر يكتبون لنا على الشاشة الصغيرة(سنعود بعد رفع الآذان) وحين أدخل البيت يقول لي أولادي : استسلم ارفع يدك.. وأذكر قبل عام بأنني دخلت على محل سوبر ماركت لبيع المواد التموينية والغذائية فسألته عن سعر كيلو (الأرز) وفوجئتُ حين علمت بأن سعره (مرفوع) فقلت ومن رفعه؟ فرد البائع الحكومة الجديدة فقلت ما شاء ألله والله إنه رئيس هالحكومه بطل عالمي في سياسة رفع الأسعار , وبعد مضي عام دخلت على نفس المحل وسألت عن سعر كيلو (السُكر) وفوجئتُ حين علمتُ بأنه مرفوع للأعلى فقلت ومن رفعه فقالوا رفعه (الفايز) فقلت سبحان ألله بموتوا على الرفع.

العرب يعشقون سياسة الرفع حد الجنون فالسُكر مرفوع في العالي والأرز مرفوع للأعلى والأرجل مرفوعة للأعلى , والعَلم الوطني في كل البلدان العربية مرفوع للأعلى وسيبقى كما يقول المذيعون في نشرات الأخبار دائما مرفوعا عاليا وللأبد والمجتمع الأوروبي موهوب برفع القضايا القانونية من أجل تحصيل تعويضات مالية والشعب العربي موهوب برفع الأسعار والأرجل والأيدي للاستسلام فكلما جاء رئيس حكومة جديد كلما رأينا على عهده رفعاً جديدا وتنحل الحكومة بعد أن تنهي عملية الرفع لترثها من بعدها وترثنا حكومة أخرى بسياسة رفع جديدة فمثلاً الذي رفع العدس يختلف عن الذي رفع البنزين ولكن جميعهم ينتمون إلى مدرسة الرفع الحديثة والمحروقات يرفعها رئيس حكومة متمرد ليظهر لغيره ممن سبقوه مهارته في سياسة الرفع فهنالك رؤساء حكومات متخصصون برفع الحبوب والبقوليات وهنالك تخصصات دقيقة علمية أكاديمية برفع الخبز وحده وهنالك من رؤساء الحكومات العربية وخصوصا الأردنية من لديهم مواهب فردية في رفع السُكر والأرز,وهنالك طُرفة مضحكة ومخجلة عن رئيس إحدى الحكومات أثناء دورته حين سأله مواطن: شو هو اللي ابترفعوه ما بنزلش نهائياً؟ فرد عليه رئيس الحكومة قائلاً: ما فيش إشي في هذه البلد بنزل إلا الكلسون(الملابس الداخليه للمرأة) ..طبعا والشعب صامت كما كنا ونحن طلاب في المدارس ,فأذكر منذ كنت في المدرسة كان أستاذ اللغة الانكليزية يدخل ليقول للطلاب وأنا على رأسهم (اشلحوا من أرجلكم وارفعوا أرجلكم على الكرسي بشكل مستقيم) طبعا كان يخرج الأستاذ مرفوع الرأس من الصف بعد ضربنا ضربة(الفَلَقه) وهي سياسة موروثة عن كركونات ومخافر العثمانيين وكان أستاذ المدرسة يخرج من الصف ليخلفه من بعده أستاذ اللغة الانكليزية فيأمرنا برفع الأرجل, وهذا مثل سياسة الحكومات فيأتي رئيس حكومة ويرفع سعر البندورة والخضروات وبعد أن تنتهي فترة سياسة رفعه يأتي من بعده رئيس حكومة آخر وأول ما يبدأ به هو رفع بعض المواد الغذائية وحين يعترض أحدنا يشحطوه إلى الحبس ليتم هنالك رفع أرجله للأعلى وليس بشكل مستقيم ,ويحافظ بعض الرؤساء على بعض المواد الغذائية بدون رفع تاركها للذي سيأتي من بعده ليرفعها ويرفعنا كما كان أستاذ المدرسة وبصراحة نحن ننتمي إلى مدرسة واحدة وهي مدرسة رفع كل شيء ولا أدري لماذا العرب يحبون رفع الأسعار كما يفعل بعض ضباط المخابرات الذين يعتقلون المثقفين وأول شيء يأمرونهم به هو رفع أرجلهم للأعلى فالعرب بصراحة يموتون بسياسة رفع الأرجل للأعلى أكثر من اللازم وأعتقد أنه بإمكانهم أن يعذبوني وأرجلي في الأرض ورأسي في الأرض ويداي مسبلة على جوانبي من اليمين ومن اليسار وعيوني في الأرض ,وطوال عمري وأنا اسمع بأن الزعماء العرب يحترقون من أجل النسوان ولم أسمع بأن أحدهم احترق من أجل أن يعيش الشعب أو من أجل أن يبقى الشعب مرفوع الرأس وقد استنوا هذه السنة لأعوانهم فجميعهم مشغولون برفع الأرجل وبرفع الأسعار ولم ينشغل واحد منهم برفع رأس المرأة والشعب علما أن الإنسان خُلقَ من أجل أن يرفع رأسه وليس من أجل أن يرفع أرجله للأعلى ونحن نحترق بالآلاف في كل يوم أكثر من ألف مرة ويرفعون لنا المشانق ويموتون بسياسة الرفع من أجل أن يعيش حوت واحد في العاصمة (عمان) ولم نسمع طوال حياتنا عن (الحوت الذي أحرق نفسه ) كما نحرق نحن في كل يوم أعصابنا وجلودنا ووجوهنا تحت أشعة الشمس, ومن قال أننا لم نحترق بعد؟ نحن أعصابنا تحترق وقلوبنا تحترق كلما رأينا المواد التموينية مرفوعة إلى السماء السابعة ووجوهنا تمتعض ونحن نموت في كل يوم مائة مرة ولا يموت ُ من أجلنا الحكام ولا يموت من أجل شعبه الحاكم القصاب فهم يتوارثوننا حطبا لمدافئهم وهم يتوارثونا وقودا لسياراتهم إن الحكّام العرب لم يموتوا من أجل الشعب ولم يحيوا من أجل الشعب بل من أجل مصالحهم الشخصية وزيادة أرصدتهم في سويسرا والسويد , ونحنُ لوحدنا من يحترق ورؤوسنا في الأسفل وأرجلنا في الأعلى.
لم نسمع طوال حياتنا عن حاكم عربي أحرق شبرا من جسده من أجل مصلحة الشعب ولم نسمع طوال حياتنا عن أي حاكم عربي أحرق أعصابه من أجل تنزيل الأرجل وتنزيل الأسعار ولم يحترق فيهم أي واحد وهو يفكر بالشعب وبطريقة حياته كما نحرقُ نحن أعصابنا وقلوبنا وتكاد النارُ أن تبتلعنا من أسفلنا لأعلانا وكل شيء مرتفع في الأعلى ونحن نحترق في كل لحظة على كل شبر من أرضنا وترابنا ووطننا الحزين والمقتول والمذبوح بسكاكين الجلادين وبمقاصلهم التي يقطعون فيها وعليها أرزاقنا وأعمارنا , فلنعمل جميعا في هذه الظروف العصيبة من أجل أن تنتحر الحيتان في عمان ودمشق وفي كل العواصم العربية, ولنعمل من أجل أن يسقط التنين وتمثال أبو الهول ونسخه المتكررة في الدول العربية وليسقط الذين يرثوننا كابرا عن ظهر كابر ويرفعوا بنا حتى وصلنا حدود السماء ,وليسقط الذين يمحقونا ويمحقوا أبناءنا من بعدنا وليسقط كل الطغاة في كل العواصم العربية كما تسقطُ أوراق الشجر وليقعوا على الأرض كما تقع حبات المطر وليكن يومنا هذا يوما ثوريا وليكن عامنا هذا بداية لانكشاف الحزن والغم عن وجوهنا ولتقع في كل البلدان العربية الفوضى الخلاقة ولتنتشر العصابات في الشوارع من أجل أن لا يرتاح الجلادون في فللهم وقصورهم العالية وليكن عامنا هذا بداية لنهضة تستمر ألف عام وليكن يومنا وليلنا كله في التفكير وفي الإعداد من أجل التخطيط للثورة التي تبني وللثورة التي تُبدع وتخلق وليكن ليلنا كله تعب وإرهاق بدل أن يكون رفع أسعار وأرجل من أجل أن يرتاح أبناءنا نحن يا سادة يا كرام لم نهنئ بحياتنا لأن إسلافنا لم يُسقطوا التنين ولم يقتلوا الحيتان بل كانوا يتركون الحيتان تبتلعهم وهم صاغرون رافعونَ الأرجل وها هي بعد أن ابتلعتهم الحيتان تفكر بابتلاعنا في حفلات رقصٍ ماجنة وصاخبة في الشوارع وفي الوزارات وفي قصور الفساد وفلل التعهر وها نحن نستمر في الحياة ونموت على لقمة الخبز وما زلنا كبدايتنا في المدرسة حين كان يخرج المعلم بعد رفعه لأرجلنا ليرثه من بعده أستاذ آخر يرفع أرجلنا للأعلى أو بشكل مستقيم من أجل ضربنا ووخزنا بالعَصا المصنوعة من الرمان فهذه السياسة ما زالت مستمر وهي لم تتغير فما زال يذهب رئيس حكومة بعد أن ينهي عملية رفعنا ليأت من بعده رئيس حكومة آخر يرفعنا كما رفعنا الذي من قبله وهم يموتون على صدور الغواني والراقصات وملكات الجمال والملاهي الليلية, وكبرياءنا لم يعد يحمينا وكرامتنا لم نعد نطيقها ولا تطيقنا والشرف لم يعد يحبنا أو نحبه فمن كثرة الرفع فقدنا عذريتنا وكرامتنا وكلنا فقدنا عذريتنا في قصص القمع والفساد وتركنا عالم الوحوش يستمر في حكمنا وفي أكلنا وفي شربنا مع كل وجبة دماء ومع كل وجبة عذاب ورفع, إن الليل الذي طال لا بد أن ينكشف على يد الحرائق التي ستبدأ في قلوبنا وفي باطن أيدينا , ولتقم يا ليل ولتقعد ولتشتعل يا نهار ولتسقطي على الأرض يا نجوم الطغاة لأن كواكبكم ونجومكم قد أفلت وليكن يومنا هذا يوما عنيفا لا نترحمُ فيه على أحد كما أنهم لا يترحمون علينا.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاختبار الصعب
- هل أحرق نفسي؟
- انتفاضة البسطات
- وأنا المسئول
- الكرسي المسحور
- الصورة الحقيقية
- أحلامي في اليقظة
- قصة حب بوليسية
- باب داري
- العدس لحم الفقراء
- كيف تريدون ذبحي؟
- الأموات يحكمون الأحياء
- لو أداة تمني
- الصحافة تلعب دور البوليس
- في العام الماضي
- واو القسم
- ملاحقة المهنيين
- الحق على مين؟
- الإنسان البليد
- الأم هي أول مدرسة


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - سياسة الرفع