أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - الكرسي المسحور















المزيد.....

الكرسي المسحور


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3245 - 2011 / 1 / 13 - 17:44
المحور: كتابات ساخرة
    


حين يزورني الضيوف في منزلي فإنني أبدأ الحديث معهم كالأطفال الذين يتحدون بعضهم بألعابهم البهلوانية وحركاتهم الغريبة فأقول لهم مثلا هل تستطيعون الجلوس على مقعدي ؟ وبصراحة أكثرهم يسخر مني ويتهمني بالجنون أو بجنون العظمة ولكن ما إن يجلس أحدهم بمكاني إلا ويبدأ برواية أحداث غريبة عن مثلث برمودا أو عن الكرسي ومنهم من يقول بأنه مسحور يشاهدون أمامهم حين يجلسون عليه منعطفات تاريخية وقالت لي امرأة ذات يوم بأن الجلوس على مقعدي هو كالجلوس في مغارة أشباح لأنها جلست عليه مرة وشاهدت هياكل عظمية من التراث ومن الماضي وأنا أجلسُ الآن على مقعدي الوثير المصنوع من السامبا وهو ليس مسحور كما يراه البعض فالمادة التي صنع منها معروفة ومتوافرة في الأسواق وأنا أعتبره عرشي الذي تهتزُ له القلوب وتركعُ أمامه مشاعركم الرقيقة على اليابسة ,والناس تجلسُ على المقاعد حين تشعرُ بالتعب وبالإرهاق لترتاح من صخب الحياة إلا أنا أجلس عليه وأنا مرتاح لكي أشعر بصخب الحياة وبالتعب وبالإرهاق فكثيرون هم الذين قالوا لي حين جلسوا عليه بأنه كرسي متعب ولا يساوي ثمنه عشرة قروش أردنيات ولكونه يجلب المتاعب فقد نصحوني ببيعه أو بإعطائه لأي أحد وبصراحة ذات مرة أعطيته لجاري ولكنه أعاده لي لأن زوجته قالت له بأن هذا الكرسي منحوس ويجلب النحس والبخت السيئ لأصحاب البيت وقد عللت سبب رسوب ولدها في امتحانات التوجيهي بسبب دخول مقعدي على بيتهم وقالت :من يوم ما شفنا كرسي جهاد العلاونه أبو علي والمصائب تأتينا الواحدة منها تلوى الأخرى, طبعاً أنا قبلت جدا بعودته لي سالما غانما لأنني بصراحة ندمت على إعطاءه لجاري فقد اشتقتُ إليه وللسهر عليه وللتعب عليه وللبكاء عليه وللحزن عليه وللنوم عليه ,انا مكتئبٌ وحزين وللطرب عليه وأنا أستمع لألحان سيد درويش وصباح فخري وفيروز وأبو العلا محمد واشتقت لقراءة هيغل عليه ولقراءة الصادق النيهوم والطيب تيزيني ولمشاهدة الحوار المتمدن وأنا أجلسُ لأبكي عليه ولكي أحكَ رأسي ولكي أفكرَ في أمور الحياة أما غيري من الناس فإنهم يشترون كراسي فرارة لكي يجلسوا عليها لينسوا العالم والناس والمتعبين إلا أنا أجلس على الكرسي لكي ألفُ به أنا بدل أن يلف ويفرفر بي هو من منصب إلى منصب ومن وزارة إلى وزارة والرجال وأصحاب المناصب تفرفر وتلفلف بهم كراسيهم وهم مرتاحون وكأنهم يركبون بساط الريح ,فمن على الكرسي أقرأ ومنه أصدّرّ مقالاتي وقلقي للعالم كله ومنه أجعل قلوبكم تبكي أحيانا وتفرحُ أحيانا ومنه أحركُ شفاهكم غصباً فأجعلها تتمدد على وجوهكم لأظهر الابتسامة عليها كما يتمددُ البحر على الشواطئ, ويوجدُ على جانبي جهاز الكمبيوتر وأمامي مباشرة المدفئة أو (صوبة الغاز) وبيدي كأسٌ من الشاي الساخن أنقله بيدي من تحت عيوني خشية أن يمتلئ بدموعي التي بدأ رذاذها يظهر على وجهي مثل التوتر السطحي على سطح المعادن التي في داخلها أشياء باردة وقدمي اليمين تلتفُ على قدمي اليسار وأحكهما ببعض من شدة البرد حين أطفأ المدفئة لأنني أشعرُ أحياناً بأن حرارة جسمي قادرة على أن تبعث الدفء في كل مكان أو أنها قادرة على أن تحرق الأرض من تحتي ومن فوقي ً وأحيانا أشعلُ المدفئة حين يعتريني البرد مع جملةٍ كبيرة وطويلة من تناقضات الحياة فتحترق قدمي اليمين فأحكها بالشمال وعيوني مغمضة ورأسي مُدلى إلى الأسفل كأنه غصنُ زيتونٍ أو سَعَفُ نخلٍ تدلى على الأرض من كُثر الأحمال والأثقال والأثمار كقول الشاعر : "ملئَ السنابلُ تنحني بتواضعٍ ...والفارغاتُ رؤوسهن عوالي" أو كأن أحدٌ قد قطع رأسي بحد السيف فأشعرُ بأنه غريب عني وأشعرُ بأنه ثقيل جدا كأن شخصاً آخرَ قد وضع فوقه حملاً كبيرا ولا أستطيع رفعه فيغلبني التعبُ والنعاسُ وأنا جالس على مقعدي والذكريات الأليمة تمر من جانبي وأشاهدها من تحت رجلي ومن فوقي رأسي تمرُ كوميض البرق وأنا مغمضُ العينين وأشعر كأنني رجلٌ طاعنٌ في السن قد بلغ عمره 100 عامٍ وأكثر ...وما زالَ رأسي متدلي للأسفل والرياح تضربُ بالنافذة ووحدي أجلس على الكرسي مع ذكرياتي وأشعرُ بأن الكرسي مُتمسكٌ بي بعكس أصحاب النفوذ الذين يتمسكون هم بكراسيهم فالكرسي الذي أجلس عليه لا يريدني أن أرحل عنه ولا يريد من أحدٍ غيري أن يشغل مكاني عليه بعكس كرسي الوزراء وأصحاب النفوذ الذي يمتطيه أصحاب العقول وأصحاب العاهات البدنية والعقلية وأي شخص آخر يجلس على كرسي الوزارة ليصدر من عليه قرارات وبيده ختم أسطواني الشكل أو توماتيكي إلا الكرسي الذي أجلس عليه فلا يستطيع أحد مثلاً أن يجلس عليه ليأخذ مكاني فمكاني لي وحدي ولن يقدر ولن يجرأ أعتا إنسان أو حيوان أن يأخذه مني أو أن يجلس عليه حتى لمجرد التقليد وقد حاول أحد أصدقائي ذات يوم أن يأخذ الكرسي الخاص بي ليجلس عليه ولكنه أعاده لي بعد مضي أسبوع على استلافه مني وأوضح لي أن الكرسي تسبب له بالقلق وبالصداع وبأمراض فكرية وقال بأنه لم يجعله ينام وقال بأنه شاهد عليه وهو يجلس أحلاما كبيرة وراودته أفكار غريبة وقال لي بأن هذا الكرسي مسحور وملعون حرسي أو أنه مجنون قد جُن عقله بسبب كثرة ما قرأت عليه من أديان وفلسفات ولا يجلس عليه إلا ساحر كبير .

أنا أجلس عليه مع ذكرياتي فأنا ولدتُ وحيدا وأعيش وحيدا لا أنيس يقترب مني ليؤنس وحدتي كأنني وحش كاسر أو كأنني شيء مُخيف أو مُرعب وأشعر أحيانا بأنني رجلٌ قد توحش وتبربر بسبب العزلة والوحدة فوجهي منذ شهرين لا أحلقه إلا مرة واحدة كل عشرة أيام أو في كل أسبوعين وأمي تدعي بأن الكرسي هو السبب وسمعتها اليوم تقول (لو في تحت الكرسي بيض دجاج كان زمان البيض فقص) وتقول زوجتي (لو ألقى حدى يوخذه ويريحني منه) وحين يسمع الجيران كلامها يقولون لها (شو أنت مبتليه وبدك ترمي همك وبلاكي وقرفك على الناس!؟) على كل حال أنا مرتاح حتى وإن لم أحلق وجهي في آخر مرة منذ شهر على أبلغ تقدير فلمن أحلقه؟ ولماذا؟, ولمن أتزينُ ولمن أتعطرُ؟ والحياة أمامي بانت على حقيقتها وقد اكتشفتُ بأنها أكبر مشروع خاسر 100% يضع الإنسان بمشروعه زهرة شبابه ومن ثم يمضي ويمضي الشباب ولا أحد يخرج من هذه الدنيا إلا وهو خسران عمره وشبابه ,وأحيانا أشعر بأنني ملاك طاهر قد ملأتُ هذا العالم عدلاً بعد أن كان ممتلئاً بالظلم وبالجور وكل ذلك بفضل سحر الكرسي وبأنني أيضاً قد ملأته نورا وأن المكان الذي أجلس به قد امتلئ من نوري أنا وليس من نور الكهرباء أو الشمس أو القمر وأحيانا أشعر بأنني جئتُ إلى هذا العالم فقط من أجل أن أوصفه بالكلمات الشاعرية ولكن هذا العالم لا يفهمني أو لا يريدُ أن يفهمني لأنني سابق لعصري بمئات السنين وأشعر بأنني سابق لعصري ولزماني لأنني أذرف دموعي على العالم وعلى وحدتي وعلى تعاسة الناس وأشعرُ أحياناً بأنني قادمٌ من كوكب الزهرة والعالم والناس قادمون من كوكب المريخ أو من أي كوكب آخر.. وأحيانا أشعرُ بأنني متخلف وأهبل وساذج والكرسي اللعين هو سبب تخلفي والجيران والناس والأصحاب صادقون فيما يقولونه وأحياناً وأنا نائم تأتيني فكرة رائعة عن الإمساك بالكرسي وضربه بالأرض وتقطيعه إرباً إرباً وتفرح زوجتي لهذا الخبر وتنهض لتقول لي بأنه أجمل خبر سمعته بحياتها منذ أكثر من عشرة أعوام , وأهزُ لها برأسي موافقا لها على كل ذلك وحين يطلع الصباح أدخل غرفة مكتبي وأمسك بالكرسي لكي أضربه لكي أبرهن على صدقي ولكن سرعان ما أضعه على الأرض وأجثي أمامه وأضع رأسي بمكان جلوسي وأبكي عليه وأقبله وأتحسسه بأصابع يدي الاثنتين وأقول له (الله يلعن الشيطان..سامحني هذه المره) ومن ثمَ أحتضنه في مشهد أدرامي من مشاهد أفلام المجانين وأضعه على رأسي ومن ثم أنزله من على رأسي وأجلس عليه لأتخيل شكل العلم والقلق والحزن من جديد وأقول ما أجمله من كرسي ساحر فعلاً أنت كرسي ساحر وعظيم في سحرك وحبك لي وحبي لك نحن أجمل عشاق لأننا لم نتزوج بعد.

وأشعر بحنين الكرسي لي كما يحنُ الحصان الأصيل لصاحبه وفعلاً هو حصاني الذي أجلس عليه والذكريات تمر بجانبي بحيث تكون عيوني مغمضة ورأسي متدلي للأسفل وأصابع يدي متشابكة في بعضهما ودموعي بدأت تسقطُ أولا من أنفي لأشعر بعدها بأن عيوني قد أصبحت حارة جدا بمستوى الحرارة في خط الاستواء ساعة الظهيرة, وأشعر بجسمي يرتجف وأنا أضع على رأسي طاقية مصنوعة من الصوف لأتقي بها لسعات البرد ولكنني لا استعملها لتلك الغاية بل دائما ما أخلعها عن رأسي لأضعها في يدي اليمين لأمسح فيها دموعي قبل أن تسقط في كأس الشاي الساخن وأحيانا أبقى متشابك الأصابع والطاقية على رأسي ودموعي تسقطُ رُغما عني في الكأس الذي أمامي فكم شربتُ وارتويت من أحزاني وكلما شربتُ من دموعي كلما تساقطت أكثر واشتد سقوطها مثل سقوط حبات المطر الكبيرة..كل ذلك بفعل الكرسي المصنوع من السامبا فهل لأحد كرسي ككرسيي؟



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصورة الحقيقية
- أحلامي في اليقظة
- قصة حب بوليسية
- باب داري
- العدس لحم الفقراء
- كيف تريدون ذبحي؟
- الأموات يحكمون الأحياء
- لو أداة تمني
- الصحافة تلعب دور البوليس
- في العام الماضي
- واو القسم
- ملاحقة المهنيين
- الحق على مين؟
- الإنسان البليد
- الأم هي أول مدرسة
- هلوسات
- أصوات مزعجة
- كل عام والعالم بخير
- من يمثل الفكر الإسلامي!
- الانسان مثل الساعة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - الكرسي المسحور