مكارم ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3246 - 2011 / 1 / 14 - 21:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد كتب البعض من الكتٌاب العٌرب مقالات ربط فيها الإرهاب بالدين الإسلامي ونصوص كتابه , ولن اتناول هذا الموضوع هنا. ولكن هناك ظاهرة اخرى ساتناولها في مقالتي هذه اعتبرها موضة العصر لدى هؤلاء الكتٌاب وهي الربط بين الامراض العضوية والعقد النفسية وسلوك وشخصية الانسان العربي وبالاخص المسلم وكأن هذه الامراض لاتصيب الاخرين.
فمثلا في مقالة للكاتبة السعودية وجيهة الحويدر المعنونة "اثداء السعوديات ومدى اهميتها" ربطت الكاتبة مرض سرطان الصدرعند النساء باضطهادهن الديني والاجتماعي, وكتبنا حينها مقالة وضحنا فيها الاسباب العلمية الوراثية والبيولوجية والتلوثات البيئية المسبٌبة لمرض سرطان الصدرعند النساء .واكدنا بان المرض لاعلاقة له باضطهاد المرأة سواء كانت في السعودية أو في بقية دول العالم.
ثم جاءت مقالة الدكتورة النفسية السورية وفاء سلطان بعنوان "الضحيّة وعقدة -كيس الحاجة" حيث ربطت ظاهرة نفسية تعرف باسم متلازمة استوكهولم ربطتها بشخصية الانسان العربي الذي ينتمي للاقليات المضطهدة واليساريين والماركسيين ايضا. وكتبنا حينها مقالة لنقض هذا الربط الخاطئ. حيث ان ظاهرة متلازمة استوكهولم لاعلاقة لها باضطهاد الاقليات لان هذه الظاهرة النفسية عرفت بعد حادثة تمت في استوكهولم العاصمة السويدية في عام 1973 عندما حاول مجرمون سرقة بنك واختطاف اشخاص كرهائن لمدة ستة ايام وبعد ان تم القبض على المجرمين رفض الضحايا توجيه الاتهام للمجرمين بل تعاطفوا معهم. والضحايا كانوا سويديين اي من غالبية الشعب وليس من الاقليات ولم يعانوا الاضطهاد الديني او القومي . ولهذا اكدنا على ان التعميم مرفوض بنسب مرض أو عقدة ما لفئة كاملة واعتباران الفئات الاخرى لاتعاني من ذات المرض ,فهذا هو التطرف بعينه الذي هو ينبثق أساسا من التخلف الذي ينتقده هؤلاء الكتٌاب وبشكل مستمر.
واليوم أقرا مقالة تحت عنوان :"هل الشريعة الإسلامية تسبب الفِصام للمسلم المتدين" حيث يربط فيها الكاتب عيسى ابراهيم مرض الفصام بشخصية المسلم المتدين ,ولكن ماذا عن المسيحيين واللادينين اللايصابون بمرض الفِصام ؟
لقد عملت في مركز صحي في الدنمارك خاص بمرضى الفِصام ولم يكن فيه مريض واحد مسلم بل كان الجميع دنماركيين ولادينيٌين والمتٌدين الوحيد كان مريضي الخاص وكان اميريكي ويتكلم فقط اللغة الامريكية ولايتكلم الدنماركية وكان يقول بانه هو المسيح لان مخلوقات فضائية تخبره بذلك طوال الوقت .
إن من مسؤولية الكاتب المثقف هو توصيل المعلومة الصحيحة للقارئ والاعتماد على نتائج الابحاث العلمية لمعرفة اسباب أي مرض عضوي او نفسي . فبالنسبة لاعراض مرض الفصام معروف انها بسبب انتاج الدماغ بشكل مفرط للناقل المسمى بالدوبامين وبالتالي لايمكن ان يكون الايمان بالدين الاسلامي هوسبب إفراز الدماغ الغزيرللدوبامين .
في الواقع لقد كان ولفترة قريبة جدا في الغرب إعتقاد بان تعاطي المخٌدرالحشيش(القنٌب)هو أهم أسباب الإصابة بمرض الفِصام الى أن وجد بأن هناك العديد من مرضى الفصام لم يتعاطوا الحشيش ,واثبتت البحوث العلمية العكس أي ان الكثير من المرضى النفسيين يلجؤون الى تعاطي الحشيش لتخفيف حالات الخوف لديهم .وحسب المجلة العلمية الامريكية ارشيف الطب النفسي العام أكدت بان الشاب المصاب بمرض ذهان الحشيش له نفس الأخطاء الوراثية لمريض الفِصام الذي لم يتعاط َ الحشيش .
أما أحدث نتائج الدراسات العلمية لمرض الفِصام والتي قامت بها جامعة كوبنهاكن وضمت باحثين وأطباء متخصصٌين وشملت خمسين ألف شخص مريض و سليم للمراقبة من اربعة عشر دولة اوروبية اكدت بان سبب مرض الفِصام هو وجود ثلاثة انواع من الطفرات الوراثية في الجهاز الوراثي ومنذ الولادة واحدى هذه الطفرات الوراثية مرتبطة بالجهازالمناعي حيث وجد ان غالبية مرضى الفصام اصيبوا بالتهابات حادة كالانفلونزا اثناء الولادة.وحاليا اكتشف خمس طفرات وراثية قريبة تقع قرب بعضها في نفس الكروموسوم وهي المسؤولة عن نوع الانسجة في جسم الانسان وايضا مسؤولة عن الاستجابة في الجهاز المناعي للانسان ضد الالتهابات. واكتشفت ايضا طفرة وراثية اخرى في احدى الجينات المسؤولة عن الذاكرة والقدرة الذكائية للانسان ولهذا السبب تكون هاتان القدرتان مشوشتين لدى مريض الفصام .
واكتشفت ايضا طفرة وراثية اخرى في احدى الجينات المسؤولة عن تطور الدماغ. وفي العام الماضي نشر فريق البحث العلمي أحدث دراساته لهذا المرض حيث اكد ان مرض الفصام سببه تغيرات في مجموعة مختلفة من الكروموسومات والجينات والتعرض اثناء الولادة الى الالتهابات كالانفلونزا وضعف الجهاز المناعي .حسب السيد توماس ويرغ رئيس فريق البحث في المركز النفسي لجامعة كوبنهاكن .
في الواقع عندما يربط كاتب عربي مرض عضوي او نفسي بفئة دينية او فئة سياسية ما , نعتبر ذلك وببساطة تطرفا دينياً او تطرفا سياسياٌ , لان الكاتب عمم وربط مرض ما بفئة من الناس ينتمون لدين او فكر سياسي معين. والكاتب الحيادي الموضوعي لايرتكب هذا الخطأ.
لانه كان بامكانه نقد هذا الدين من خلال نقد شريعته وقوانينه بدون ان يدمغ الفئة المؤمنة به بمرض عضوي او مرض نفسي .ولانه ببساطة الامراض يمكن ان تصيب جميع الناس بغض النظر عن المعتقد الديني او السياسي الذي يؤمن به الفرد. كما ان هذا التصرف من جانب الكاتب يعتبر اثباتا من الكاتب على انه مايزال متمسكا بالموروث الثقافي القديم لمجتمعه الذي كان يؤمن بان المرض النفسي أسبابه ليست علمية بل أسباب ثقافية وهذا طبعا بسبب الجهل والأمية فكما نعلم بان الناس قديما كانوا يؤمنون بان الامراض النفسية اسبابها ليست علمية بل هي تلبيس الفرد بالجن والسحر والشعوذة و العين الحسود.
ونحن نعلم جميعا بان العلم الحديث لايربط الامراض النفسية كالفصام مثلا بالجن او بالنبوءة بل يربطه باسباب علمية بيولوجية وعوامل وراثية وتداعيات التلوث البيئي الهائل الذي يعاني منه الفرد.
ونقرأ للبعض من الذين يعتبرون انفسهم اكثر الناس وعياً لما يجري على الساحة العربية من تراجع وتردي في اوضاع المواطن العربي حيث يرون بان تخلف المواطن العربي والدين الاسلامي بالذات هما السبب ,ويرفضون اي اسباب اخرى مثل استبداد النظام الحاكم وذلك باهماله تطوير المواطن وارتباط الحاكم برجال الدين الذين يساعدون على تغييب المواطن كي لاينشغل بالسياسة وبقاء الحاكم في السلطة لعقود طويلة. حسنا جدا وانا ارى انه فعلا ان التخلف لدى العديد هو احد اسباب تردي الوضع الحالي للمواطن العربي والاثبات على ذلك هو عندما يربط الكاتب مرض عضوي ونفسي بفئة كاملة من البشر بسبب العقيدة الدينية التي يؤمنون بها , بدلاً من ان يربط المرض باسباب علمية بيولوجية بحتة وخاصة على اعتبارأنهم اكثر الناس وعياً !
وختاما وباعتباراننا الان في القرن الواحد والعشرين عصر البحوث والاكتشافات العلمية وكمثقفين واكاديميين نعتمد على الاسباب العلمية البيولوجية وتاثيرات التلوث البيئي لتشخيص الامراض نرى ان على الكاتب المثقف ان لا يربط الامراض بعقيدة دينية كما كان يحدث قديما مثل ربط الفصام بالجن والنبوءة والى ذلك . وعلى هؤلاء
واذا اراد كاتب ما ان ينتقد دين ما عليه ان ينتقد نصوصه وشرائعه ضمن سياقه التاريخي وبموضوعية دون تسقيط ودون ان يدمغ المتدينين به بمرض ما او عقدة ما . فنحن لاننكر عملية نقد الاديان كخطوة اولى لتوعية الافراد وتحفيز مداركهم على الشك في الحقيقة المطلقة, وهذا يعتبر علم من المفروض ان يدرس في قسم الديانات في الجامعات العربية , اما المدارس فمن الواجب تعليم الديانات الاخرى الى جانب الدين الاسلامي في منهاج الطالب وتعلم احترام بقية الاديان والتركيز على تعلم المواطنة وحب الوطن. وبهذه الطريقة لن ينتج الوطن أفراد متخلفين ومتطرفين وأرهابيين.
مكارم ابراهيم
#مكارم_ابراهيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.