أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى الحاج صالح - ما بعد الفطنة مقدمة عن الوسواس الخناس















المزيد.....

ما بعد الفطنة مقدمة عن الوسواس الخناس


مصطفى الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3240 - 2011 / 1 / 8 - 22:38
المحور: الادب والفن
    


في طريق عودتي من مكان لن أبوح باسمه، عرضت أفكار نفسها علي. كنت مشغول الذهن بأمر آخر، ولم أشأ في البدء، إدراجها في جدل بعضي مع بعضي الآخر لكنها كانت أكثر عنادا من غضبي الذي أخرجني من سبات اليقينيات الصغرى ومن أحكام العادة إلى قلق الأسئلة والشكوك ولأنّها مريبة، مجهولة المصدر، بدت لي كوسواس خناس، وسواس يريد إحالة غضبي وانزعاجي إلى خارج نفسي، وإلحاقه بعوامل وظروف( موضوعية.. قديمة .. تاريخية وثقافية) أيضا، وهذه ليست أول مرة أتعرض فيها لمثل هذه الوساوس المحرقة نهارا، المؤرقة ليلا.

مذ بدأتُ بتلمس أبعاد وجودي في قرية "جرن أسود تحتاني"، مقارنا هذا الوجود بالموجودات الأخرى المختلفة، ونفسي عرضة لوساوس شتى ولأسئلة كثيرة محرمة وممنوعة، سواء تعلقت بي وبجسدي أو بالآخرين، بالأشياء وبالكائنات الأخرى، بأبعاد الأرض وبموقع الله في السماء، آنذاك كانت سماء القرية زرقاء محيطة في النهار وكانت قريبة مـُنجمة في الليل، ولم تكن تشبه سماء الغربة الرمادي والخالي من أحاسيس القرب بين سكان الأرض وسكان السماء.

ـ ألا تعتقد يا صاح، أنّ الغضب في بعض منه إرث وثقافة ؟.

استعذت بالله من الشيطان الرجيم، لعنت بنات أفكاري ثلاث مرات لكن الفكرة ظلت تدور في مخيلتي ، مـُبدلة كل حين أشكال وجودها، مـُستعرضة في نفس الوقت عددا من الشواهد الحية والذكريات القديمة، ومن واقع خبرتي مع شيطاني أو إذا شئتم مع نفسي الأمارة المسكونة بشيطانين وبثلاثة من الجن، كما قال قريب لي ممن يقرؤون العيون ويرون ما في الضمائر والصدور، لا ينصرف المعلون عني ما لم أشغل نفسي بحلم من أحلام اليقظة، حلم يقيلني من عثرة التفكير، ويبعدني عن دوامة الهموم المسببة للغضب وللحزن على حد سواء، وبالتالي ينقذني من أفكار الشيطانين ومن نفث الجن. فأي الأحلام ابتدعت؟.

رأت فيما يرى المستيقظ ، رأيت قريتي الصغيرة وهي تتحول أمام عيوني، من قرية فقيرة مجهولة ، تحيط بها أرض عطشى، تشبه الصحراء ، إلى جنة؛ إلى فردوس صغير. ومثل هذه الرؤية أو الرؤى فـَرؤاي كثيرة لا تقبل الحصر، اجترحها عادة مستخدما طاقات وقدرات مستعارة ، طاقات وقدرات خارجية لا يد لي في صنعها ولا في تكوينها ، يمكن القول{ طاقات جاهزة أو مسبقة الصنع ، مفتاح باليد}ومثل هذه الطاقات والقدرات توفرها لي ثقافة البيئة التي نشأت فيها وتربيتُ، من ذلك استخدام اسم الله الأعظم أو استخدام الجن أو بعض من الجن، ولي في جدي أسوة بهذا الشأن وسيأتيكم لاحقا خبر علاقة جدي بالجن وكيف أخضع واحد منها، يقال له " دكدوك". لا أخفيكم ، ولعل بعضا منكم يعلم من واقع حاله ، لست الوحيد ممن يستخدمون مثل هذه الأشياء الجاهزة والمعدة لاستخدام من يرغب، على حد علمي، غالبية الرجال من أهل قريتي ولربما النساء أيضا، في الماضي وفي الحاضر، يلجئون إلى مثل تلك التخيلات إما لتغيير شروط حياتهم القاسية أو للانتصار على عدو مبين، ولن أحدثكم هنا عن عدد المرات التي قمت فيها بتحرير فلسطين وبتوحيد العرب في دولة واحدة.

أحيانا أمج تلك العلاجات وهذا الأسلوب في الهروب من أسئلة الشياطين، ومن شكوك نفسي، كما من قلق النهار وأرق الليل ، فأنحو في تخيلاتي منحى آخر، منحى أكثر واقعية، منحى تـَمـُدني بعناصره المكونة، معطيات العصر واتجاهاته السائدة، من ذلك تخيل سائد عند غالبية الناس في عصرنا وهو في رأيي لا يقل ابتذالا ولا افتراقا عن بقية أوهام امتلاك القوة والثروة، حلم أو وهم ربح الجائزة الكبرى في اليانصيب، وهذا الوهم، مازال يشكل ملجئا وملاذا لي من هاجرة الأرق والمال كما تعلمون، سواء تأتى بهذه الطريقة أو بغيرها من الطرق، قوة. قوة بلا حدود، قوة يخر لها كثير من الناس راكعين، وكي أكون أكثر أمانة في عرض أحلام الامتلاك تلك، أرى فيما يرى المخلصون لأحلامهم أو قل أوهامهم، تقسيم هذه الأوهام إلى فترتين زمنيتين، أوهام ماقبل " اليورو" ، أقصد ما قبل الغربة وأوهام الغربة وهي أوهام ترتكز بالدرجة الأولى على " اليورو" كعملة نقدية، وشتان قطعا بين قوة مبنية على هذه العملة وقوة مبنية على عملة نقدية منخفضة القيمة، عانت هي الأخرى الأمرين من جدل الانحطاط في ظل الطغيان والاستئثار .

في كل الأحوال وبغض النظر عن العملة النقدية وعن وحداتها الحـُلمية ، ينسيني الشعور بالقوة الأسى ، يجعلني أكثر صفحا وتسامحا . أعود إلى " الجرن" لأعيد إعمارها وإحيائها وفق خطط علمية مدروسة تقوم على العامل البيئي من جهة وعلى العمل الدؤوب من جهة أخرى، أزرع أشجار مثمرة من كل الأنواع والأصناف، أنشأ مزرعة للدواجن وأخرى للأبقار، أبني بيوتا بلاستيكية، فيرى الناس عندئذ نجاحي ويتبعون مثالي. عند هذا الحد أو عند غيره من حدود الوهم وأحلام اليقظة، تـَجْبهني الأسئلة من جديد، عن المال الأول ، عن القوة الأولى ، فأعود إلى الواقع، أعود إلى الحقائق المريرة وتتشكل في الحال أمام عيوني تلك الثلاثية المـُعطلة المـُخـَربة لكل حلم ولكل رؤية، ثقافة تواكلية متخلفة، بيئة مـُتـَردية مـُخـَربةٌ ونظام طغيان جهول وظالم.

فبأي الأسماء نتغلب على هذه الثلاثية الكابحة ..؟ وبأي الأساليب نفكك طلاسم لحمتها ..؟ تلك وغيرها أسئلة واقعية باردة، لها صدى مقشعر في النفوس، صدى لا أطيق الإحساس به طويلا ، فألجأ من جديد إلى نفسي استمطرها مدد الوهم وأنا منقسم على نفسي بين مشاعر لطيفة توفرها الغايات النبيلة، ومشاعر ملتبسةَ تنجم عن الوسائل المتبعة في تحقيق تلك الأهداف. فكيف يمكنني تسويغ استخدام اسم الله الأعظم وأنا .. أنا ماذا ..؟ كيف أعرف نفسي في هذا المجال. لست مؤمنا ولست كافرا، في نفس الوقت أعتبر نفسي مسلما بغض النظر عن رأي مسلمين بإسلامي . أنا مسلم لكنني لا أقيم طقوس الإسلام ولا أحفل بها . أحب الرسول وهذه حقيقة عاطفية وواقعية، لكن حبي وتقديري له مختلفان كل الاختلاف عما هو سائد، فيما شهد أمر اعترافي بوجود الله حالات مد وجزر عديدة ولا أظن الأمر سيختلف في قادمات الأيام، لكنني أفضل والحق يقال إلها متعاليا، إن كان ولا بد إلها رحيما لا يتدخل في الصغائر ولا ينتقم من عباد هو خالقهم وهو من قدر حيواتهم الدنيا كما يقول الخطاب الديني العام .. إذن وبعد كل هذا، كيف ألجأ إلى من أنكرت أما الجن فلن تطيعني ما لم أومن أولا بالمقوم الأساسي لها ، ما لم أومن بالله كما استقر وثبت في عقول أهل" الجرن" ..

رغم كل التضادات والتناقضات، مازالت أحلامي وأوهامي إسلامية في طابعها، شرقية في أدواتها ووسائلها وما زلت بين حين وآخر أشعر بالحاجة إلى( يقين الجاهلين) كما يقول بعضي لبعضي الآخر أو لنقل بصيغة إسلامية شرقية، وهي صيغة تقول أنّ من يوسوس للمرء ليس نفسه بل شيطانه ، وحسب علوم تعلمتها في الصغر، يوجد لكل إنسان قرين أو أكثر من الجن أو من الشياطين وقريني أو بالأحرى أقراني يمتازون عن غيرهم من الشياطين بالعناد والوقاحة، ولا يكفون عن الوسوسة و لا عن إبداء الشكوك في كثير من الأفعال والأقوال، الآراء والتصرفات، سواء كانت تلك الأفعال والأقوال، أفعالي وأقوالي أم كانت أفعالا وأقولا لآخرين، فلطالما وجدت نفسي في وضع حرج، بسبب ما كانوا يلقونه على لساني من آراء حدية وأقوال انتقادية تخلو من اللباقة المرجوة ومن الظرف لتبدو في كثير من الأحيان نشازا وأقرب ما تكون إلى الجلافة، وهذا الجمع الخبيث هو من كان يدعوني أحيانا إلى تبني أفكار خيالية لا يقتصر مفعولها على الحاضر، ففي أغلب الأحوال يمتد فعلها إلى الماضي، بأثر رجعي ، كأنّ يطرح القرين فكرة أو تصورا احتماليا، يـُنشيء واقعا آخر، ويقيم صيرورة مختلفة كل الاختلاف عن الصيرورة الحالية، بالتالي نجد أنفسنا أمام تاريخ آخر ، أمام سياسات أخرى ، ربما أمام ثقافة أخرى .

ولعل أكثر تلك التصورات إغراء وأكثرها إلهاما وتحفيزا للخيال ، انتفاء وجود أسرائيل ولمثل هذا الانتفاء عندي بدايات متباينة ومختلفة ، كأنْ لا يعد" بلفور" وعده أو ولسبب من الأسباب لا يفي بذاك الوعد أو أنْ ينجح الفلسطينيون في ثورتهم أو تنتصر الجيوش العربية، أو ... وانتفاء أسرائيل يعني الكثير بالنسبة لي شخصيا ... عند هذا الحد المتاح من الكلام ، أنهي رسالتي الأولى وكلي أمل في كتابة رسالة أخرى، من رسائل الفطنة ، رسالة أبين فيها مصلحتي الشخصية في انتفاء ذاك الوجود (الشيطاني ).. في الواقع ما زلت محتارا في تسمية هذا الوجود وفي وصفه وصفا يجمع بين الحقائق والمشاعر..



#مصطفى_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة اعتذار
- هل يحتاج الإسلام إلى إخوان له وهل يحتاج الله إلى حزب له؟
- بين هنا وهناك
- صناعة الخوف/ الخوف مطلب للمستبدين والطائفيين
- في بيان الطائفية
- آفات الجزيرة الثلاث
- العلمانيه المنافقه
- هز البطن على إيقاع النشيد الوطني/ حماة الديار
- قدر سياسي
- جعلوني خروفا .. يًما أو انتخابات الرئاسة في السجن
- من تجارب السجن الإضراب
- البيان في أحوال الإنسان
- نقد الشعب أولا نقد المرأة
- تأسيس الصراع العربي الإسرائيلي ؛ الإنسان أولا
- نص انفعالي تجريبي
- من أوراق السجن جماعة ( أبوصالح )
- رهائن
- المسلسل السوري - طل الملوحي- سيناريو رديء وإخراج سخيف


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى الحاج صالح - ما بعد الفطنة مقدمة عن الوسواس الخناس