أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مصطفى الحاج صالح - قدر سياسي














المزيد.....

قدر سياسي


مصطفى الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3193 - 2010 / 11 / 22 - 19:59
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


في 15 كانول الأول من عام1985 اعتقلت .. كنت على علم بأنني مطلوب وأنهم سيعتقلونني إنْ لم يكن اليوم ففي الغد .. رغم علمي لم أهرب ليس من باب الشجاعة والتحدي لعل الأمر عكس ذلك ؛ الآن وأنا في الغربة بل وبعد الاعتقال مباشرة لطالما راودتني مشاعر ندم وتبكيت للنفس لا تخلو من اتهامات شديدة .. لربما أقول ؛ لربما عشت حياة أخرى مختلفة عن الحياة التي عشتها بعد الخامس عشر من كانون الأول .. لكن (ربما )هذه لاتنفع قط ولا قيمة لها في بلاد كـ "سوريا" حيث تشعر أنك مربوط إلى قدر أعمى ؛ لا خيارات ولا احتمالات إلا ما كان وما صار .. هو بالقطع ليس قدرا .. إذا كان القدر من عند الله .. فالله ـ كما أعرفه ـ لا يكتب أقدارا ظالمة من ذاك النوع الذي عاشه مئات ألوف السوريون إن لم يكن ملايينهم .. من كتب أقدار السوريين بتلط الطريقة الدامية الظالمة هم أيضا سوريون للأسف ؛ أهل النظام وبغض النظر عن التصنيفات والمعايير ( كالتصنيف الطائفي) أو التصنيف السياسي .. إلخ .. هم ( سوريون) رأس النظام وبغض النظر عن طائفته أو حزبه السياسي هو سوري منذ أجيال .. ضباطه ومعاونوه هم أيضا سوريون ؛ لم يأتوا من بلاد أخرى ولا من مجرات بعيده ؛ أعضاء حزبه ومنظماته الشعبية هم أيضا سوريون وسورية عناصر أجهزة الأمن بأنواعها المختلفة لا يجادل فيها مع ذلك كانوا في تصرفاتهم وفي سلوكهم ؛ ممارساتهم وأفعالهم تجاه أبناء وطنهم أسوأ بكثير من تصرفات جيش احتلال ..

في فترة الثمانينات سيئة الذكر طالما خطر ببال الناس مقارنة أفعال هؤلاء ( السوريون) مع أفعال وتصرفات جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين أو اتجاه اللبنانيين فإن كان الإسرائيلي عدو فما حال هؤلاء ..؟ كيف يتم تصنيفهم .. إلى أي خانة ينتمون ..؟ .. هذه هي الأرضية التي انبنى عليها موقفي من الهرب أو التخفي .. فالذاكرة مليئة بقصص ( تشيب لها الولدان) كما يقال ؛ أخبار عن تصرفات الأجهزة ؛ عن سلوكها ؛ عن أفعالها تجاه أهل الفار المتخفي وكان لنا قبل ذلك( أقصد عائلتنا ؛ أسرة الحاج صالح) تجربة لا تقل مرارة عن اعتقال ( ياسين) وتوقيفه ؛ فبعد اعتقال " ياسين" اضطر أخ آخر ( .. ) إلى التواري والاختباء هذه الحالة ؛ حالة الفرار؛ حسب تقديري لا تقل مرارة ولا ألما عن آلام السجن وعن مرارته إن لم تتفوق في بعض جوانبها ففي السجن يستقر مقدار خوفك عند حد معين في حين ستجد نفسك وأنت فار ؛ متوار ؛ دائم الخوف والقلق..

كانت تجربة أخي الآخر بين عيوني وكانت ذاكرتي مليئة بأخبار ما فعلوه في حلب وحماه؛ في جسر الشغور وفي غيرها من المدن والبلدات السورية ؛ مجازر ؛ اعتقالات جماعية طالت أسر بكاملها بالإضافة إلى اتخاذ رهائن فأي نظام هذا الذي يتخذ من مواطنيه رهائن .. لم أسمع عن ذلك إلا في أمريكا اللاتينية .. حتى أسرائيل نفسها عدوتنا اللعينة ؛ سبب كل بلاء وكل مصيبة لم تكن تتخذ رهائن .. كيف يبررون ذلك..؟ بالقطع لا يمكن مقارنة أعمال مجموعة تنظيمية متطرفة حملت السلاح ضد النظام وضد طائفة بعينها مع أعمال تظام يمسك بمقاليد الدولة ويسيطر على أدوات تلك الدولة .. المقارنة بالقطع ليست في صالح النظام لا من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية الساسية ومن يقيس هذا بهذا يسيء للنظام ذاته .. في الحقيقة هذا هو واقع الحال .. النظام نفسه من رأسه إلى قواعده ارتضى التصرف كعصابة ؛ استخدم نفس الإسلوب ؛ لجأ إلى ذات الطرق ؛ لجأ إلى الانتقام ؛ إلى الثأر وهو من أسقط عن نفسه بعضا من شرعية امتلكها حينا من الوقت .

بالإضافة إلى الخشية من تعرض أهلي لأمور لا أحب أن يتعرضوا لها خاصة وأنّ جروح العائلة ما زالت مفتوحة لم يكن لدي آنذاك بصيص أمل في خروج قريب من محنة البلاد والعباد .. إلى أين المفر..؟ لبنان لم يعد مكانا آمنا .. البقاء في البلاد متخفيا خائفا ليس حلا وفي النهاية قد تجد نفسك معتقلا.. إنّه القدر إذن وما عليّ إلا الاستسلام لمجرياته .. هل هناك خيارات أخرى .. ؟ قطعا لا .. ضيقوا علينا البلاد على سعتها .. أمسكوا بمنافذها .. بأبوابها .. سيطروا على الاقتصاد ؛ صار النظام رب عمل أوحد وحيد وليس لك فرصة العثور عن فرصة عمل بعيدا عن عيونهم ؛ كيفما تحركت ستجدهم بانتظارك.. حتى في دور السينما في محطات القطارات.. في وسائط النقل.. لا شيء البتة خارج رقابتهم؛ هم ليسوا جهازا أمنيا واحدا بل عدة أجهزة .. هم ليسوا رئيسا يدير البلاد بنفسه فلا تخفاه صغيرة ولا كبيرة بل هم حزبا يتابع أدق التفاصيل في حياة الناس وهم ليسوا جيشا تخلى عن مكانه في مواجهة إسرائيل لينشغل في احتلال مدن البلاد ومدن لبنان بل ومنظمات ( فاشية؛ شعبية) تعتقل وتعذب ؛ هم كتائب مسلحة وكتاب تقارير .. هم نصف البلاد أو أكثر .. هم كل المستفيدون من نظام يعمل عمل عصابة فيكسر المرفوع ويرفع المكسور ؛ ينصب ساحات الإعدام والسجون بنفس السهولة التي ينصب بها سرادق الاحتفالات والانتخابات.

مع ذلك مازال الندم بطانة لكل تبرير أو تصور عن تلك الفترة .. هل أخطأت بالاستسلام لمشيئة تلك العصبة ..؟ .. ربما .. لكنني لم أكن آنذاك قادرا على التفكير بهدوء وروية ليس لأنني خائف فحسب بل ولأنني أنتمي إلى بلاد غير محصنة؛ بلاد بلا قانون .



#مصطفى_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جعلوني خروفا .. يًما أو انتخابات الرئاسة في السجن
- من تجارب السجن الإضراب
- البيان في أحوال الإنسان
- نقد الشعب أولا نقد المرأة
- تأسيس الصراع العربي الإسرائيلي ؛ الإنسان أولا
- نص انفعالي تجريبي
- من أوراق السجن جماعة ( أبوصالح )
- رهائن
- المسلسل السوري - طل الملوحي- سيناريو رديء وإخراج سخيف


المزيد.....




- رئيس لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان يندد بالإبادة الجماعي ...
- البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل لترحيل طالبي اللجو ...
- -طعنها بآلة حادة-.. داخلية السعودية تعلن إعدام الرويلي بعد إ ...
- انتشال 19 جثة لمهاجرين غرقى بسواحل صفاقس التونسية
- غارتان إسرائيليتان تستهدفان خيام النازحين في حي زعرب برفح
- جندته عميلة أوكرانية.. اعتقال المشتبه به الثالث في محاولة اغ ...
- الحكومة اليمنية تطالب الأمم المتحدة بإعادة النظر في التعامل ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى إجراء تحقيق دولي بشأن المقابر الجماعي ...
- مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: نحاول إعادة تشغيل مستشفى الأ ...
- الأمم المتحدة: توزيع مساعدات على نحو 14 ألف نازح حديث في الي ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مصطفى الحاج صالح - قدر سياسي