أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى الحاج صالح - رسالة اعتذار














المزيد.....

رسالة اعتذار


مصطفى الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3236 - 2011 / 1 / 4 - 00:41
المحور: الادب والفن
    


إلى أبي

أعتذر يا أبي عن عقوقي وعن عنادي فلم أكن ابنا صالحا ، مـُرْضيا لوالديه وعذري أقدمه بين يدي روحك وهي تعود للسكنى فينا وفي أحفادك، عذري وعذر أخوتي أننا أردنا تغيير العالم، أردنا عالما أقل ظلما وأقل فقرا ، كانت أحلامنا جميلة لكنها ساذجة ولم تكن ببعيدة عن أحلامك أنت ولا عن أحلام أمي شهيدة القهر . أنت وهي أيضا أردتم قرية طيبة لا يظلم الناس فيها بعضهم بعضا ولا يظلمون أنفسهم بالجهل والتواكل، فنسجت لنا من أحلامك أسرة ودروبا، علمتنا ولم تكن أقل عنادا منا في بلوغ مآربك فينا، أردتنا أطباء ومهندسين، أردتنا معلمين، كنت تقول " أساتذة" . أتـَذكر.؟ وفي الحد الأدنى كنت ترانا رجال درك!!. كان ذلك قبل نصف قرن، في زمن لم يكن فيه أبناء القرى يصلحون لغير رعاية المواشي، في زمن كان فيه الناس جميعا يلومونك على عنادك وإصرارك على تعليمنا، عناد قادك إلى الفقر وشظف العيش، في حين كان بني قومك الأقربين يستمتعون بالظلال وأحاديث الهرج وبالتقلب بين المذاهب والطرق.. فعذرا يا أبي ، لم نحقق لك أحلامك التي تريد فلقد كنا مثلك في العناد، شابهناك ولأننا فعلنا ذلك خيبنا آمالك . ثمة شئ في دواخلنا غير مدرك على وجة التحديد يجعلنا نسلك مسالك الخطر . أهو قدر كما كنت ترى أم لعنة كما يرى أقرباء لك ولنا.؟ . أحقا نحن ملعونيين يا والدي ومن فعل ذلك..؟ قطعا ليس أنت، فكل مرات غضبك كانت مؤقتة وكل شتائمك لم تكن تعدو طرف اللسان فقلبك لم يكن يسمح وأنت من قال لي: ( كل شئ فيكم وفي شيوعيتكم هذه عظيم إلا الإلحاد وإنكار وجود الله ) وبالقطع ليست أمي من لعننا فلقد كانت تخشى علينا من الهبوب، من الغياب، من الغضب، من حسد الحاسدين .. فما دمتما لم تفعلا ذلك فكل اللعنات الأخرى لا تساوي في موازيننا شيئا.. فأنت أعلم منا باللاعنين !!. هم من حرم الصلاة ببيتك أو بالقرب منه، بسببنا، وهم من كتب التقارير على مر الأيام والسنين وهم النظام الذي نجح في تشكيل كثير من البشر ، في القرى وفي المدن ، على شاكلته.

هل كان الأمر سيتغير يا والدي لو أنك كففت عن الحلم وتوقفت عن العناد ملتزما بسنة قريتك والقرى المجاوره؟. من يدري .. لربما كان الحال أسوأ مما كنت تظن في أوقاتك العصيبة، في أوقات اليأس والقنوط، في أوقات المحنة والعذاب وما كان أكثرها .. هل تنعمت بيوم في حياتك المديدة..؟ مذ بدأت أحلامك تتخذ شكل صبية مكلفين بتحقيق تلك الأحلام في مدرسة الكتاب ومدارس التعليم في القرى المجاورة.

قبل اكتمال نصاب اللعنات واكتمال دائرة الاستبداد الخانقة في عام 1980، كـُنتَ سعيدا بنجاحانتا المدرسية، كنت فخورا بنا وبالمتميزين منا بـ" ياسين " و" محمد" وبالكاد كنت قادرا على إخفاء ابتسامتك المقتضبة كما لو أنك تخشى علينا من نفسك وفي ظن بعض منك، بعضك الموروث عن جدي، أنّ الابتسام والمرح يقللان من هيبة المرء ، من مكانته ومن درجته العلمية، فلم تشأ أنْ نراك مبتسما متبسطا متهرجا خشية علينا من طوائف الهرج ومن صغار الأفعال .

كل الآباء يا أبي يحبون أبنائهم ويرغبون في أنْ يصبحوا أفضل منهم : لكن محبتك لنا كانت متميزة، كانت عنيدة مكابرة . لبست أسمالنا؛ أكلت الطعام البائت، مسرورا بفكرتك عنا ، كتمت قلقك، أخفيت حاجتك، نهرت شكوك، حتى فاضت مرارتك.. فعذرا يا أبي .. بلا ، أنت وأمي كنتم بشكل أو بآخر ضحايا عنادنا وإصرارنا على موقفنا من الطغيان، لم نترفق ربما لأننا كنا منذورين للمساهمة في كتابة تاريخ آخر للبلاد ، فكما أحببنا قرية" جرن أسود تحتاني"، كذلك أحببنا الرقة وأحببنا سوريا، أردنا لكل تلك الأماكن حالا أفضل ، لم ننجح لكننا زرعنا غراسا في أماكن شتى ولعل شجيرات الزيتون في القرية شاهد على عصر قادم ، عصر تتغلب فيه، يا أبي، الخضرة على الجفاف ، المحبة على البغضاء، الحرية على الذل والهوان، العدل على الظلم.

ختاما.. أمانه وأمانة الله ثقيلة كما يقولون، سلم على الموتى وبلغهم أخبار الدنيا وحـِمـلُ روحك سلام إلى والدتي ، شهيدة القهر، بلغها أخبار أبنائها وأحفادها، اذكرهم بالإسم عندها وقل لها أنّ وطننا اتسع ليشمل العالم كله، لم يعد قرية صغيرة مجهولة ولم يعد مدينة مهملة، أصبح العالم وطننا ولنا فيه أصدقاء وأحبة.

ابنك العاق

مصطفى



#مصطفى_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يحتاج الإسلام إلى إخوان له وهل يحتاج الله إلى حزب له؟
- بين هنا وهناك
- صناعة الخوف/ الخوف مطلب للمستبدين والطائفيين
- في بيان الطائفية
- آفات الجزيرة الثلاث
- العلمانيه المنافقه
- هز البطن على إيقاع النشيد الوطني/ حماة الديار
- قدر سياسي
- جعلوني خروفا .. يًما أو انتخابات الرئاسة في السجن
- من تجارب السجن الإضراب
- البيان في أحوال الإنسان
- نقد الشعب أولا نقد المرأة
- تأسيس الصراع العربي الإسرائيلي ؛ الإنسان أولا
- نص انفعالي تجريبي
- من أوراق السجن جماعة ( أبوصالح )
- رهائن
- المسلسل السوري - طل الملوحي- سيناريو رديء وإخراج سخيف


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى الحاج صالح - رسالة اعتذار