أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - كتب قديمة مستعملة














المزيد.....

كتب قديمة مستعملة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3221 - 2010 / 12 / 20 - 17:48
المحور: الادب والفن
    


هل تشبه حال الكتب المستعملة حال الملابس المستعملة ( البالات )؟. في جيوب الملابس المستعملة قد تجد قصاصات ورق عليها ملاحظات بلغات غريبة. وأحياناً تشم في قماشها روائح غبار مدن بعيدة، وعرق أناس ربما يكونون قد رحلوا عن عالمنا منذ سنين، وعطور عشّاق شابت رؤوسهم الآن. قد تستنشق في قميص رجالي بقايا عطر امرأة لا تدري من أي البلاد هي. ولك أن تتخيل عمرها وطبيعة شخصيتها، ملامحها تسريحة شعرها وطولها.. في كل قطعة ملابس مستعملة يحضر شخص ما، لن تتعرف عليه أبداً، لكنك قد تعرف عنه بضعة أشياء.
وأيضاً، يثير الكتاب القديم المستعمل الخيال.. يجعلك تطل على تفاصيل يتهيأ لك أنها حدثت فعلاً لمن كان، في وقت ما، يمتلك ذلك الكتاب. وبذا فإن للكتب القديمة المستعملة سير حياتها الخاصة، وهي سير مرمّزة في الغالب.. إنها مسكونة بالأطراس. مملوءة بشفرات حيوات من اقتنوها وقرأوها ودونوا هوامشهم على حوافها وفراغاتها.. تركوا بصماتهم وشيئاً من أنفاسهم على جلودها وبين سطورها. وبذا فإن الكتاب القديم المستعمل يقترح، في الأقل، قراءتين؛ قراءة أولى لمحتوى النص، وقراءة ثانية لآثار القارئ السابق ( أو القراء السابقين ) للكتاب.. إن استهوى كتاب مستعمل قارئاً فضولياً فإن عليه أن يكون سيميائياً بطريقة ما، يتقن كيفية تعقب آثار أسلافه من القراء.
تكتشف عبر ملاحظة مكتوبة، بالقلم الرصاص، أو خط دقيق متعرج تحت عبارة، شيئاً من مزاج ذلك القارئ المجهول.. شيئاً من طريقة تفكيره، ربما إيديولوجيته التي يعتنقها والاتجاه السياسي الذي ينتمي إليه.. تدرك إن كان قارئاً ذكياً أو لا. أكان يتحلى، ساعة القراءة، بالهدوء أم كان غاضباً.. مستمتعاً أو برماً أو ضجراً؟.
بين طيات كل كتاب قديم مستعمل كتاب آخر يحمل إشارات لا تعد تنبئك عن شخصية من قرأه. حتى الكتاب الفارغ من أية إشارة ظاهرة له إيحاءاته السرية.. تعرف أن هذه النسخة من الكتاب تداولتها أيادٍ كثيرة.. الغلاف المتغضن والأوراق التي بليت والحواف المثلومة والكلمات والإشارات التي كتبت والصور التي رُسمت.. وليس من الغريب أن تكون هناك شخابيط أطفال عبثوا بأقلامهم على بعض الصفحات وخرّبوا سطورها.
يعبِّر العاشق، حامل الكتاب، عن يوم جميل قضاه مع حبيبته بجملة شعرية دافئة يخطّها على الصفحة الأخيرة.. يعكس القارئ المهموم أو المحبط مشاعره برسم أشكال غامضة، خطوطها وزواياها حادة، على الجلد الداخلي.. وغالباً ما تجد رقم هاتف شخص مجهول، حسابات ميزانية عائلة، ملاحظة لتذكّر موعد هام ، وردة يابسة قدّمها شاب، في يوم بعيد، لفتاة. تعثر على ورقة وصفة طبية، بطاقة سفر إلى البصرة أو الموصل بالقطار، أو إحدى بطاقات مصلحة نقل الركاب، تعود لسبعينيات القرن المنصرم فيها عبارة ( درجة أولى 15 فلس ).. الخ.
تُفاجأ بتوقيعات مؤلفين في أعلى الصفحة الأولى لكتبهم وكلمات إهداءاتهم لأصدقائهم أو لقراء عابرين.. تصدمك واقعة أن يكون كتاب مهدى من كاتب معروف لآخر ما زال على قيد الحياة بين أكوام الكتب في سوق المتنبي. وتتساءل إن كان صاحبنا المهدى إليه قد باع الكتاب/ الهدية، أو أن أحدهم استعاره منه وقام ببيعه. ( لا تستغربوا، أعرف قصصاً من هذا القبيل ).
يفقد الكتاب براءته الأولى وعذريته مع القراءة، وبهذا يكتسب شرف وجوده.. إن قيمته تكبر كلما وهب نفسه بسخاء لقرائه. وكلما خلّف أولئك القراء آثاراً أكثر على جسده دلّ ذلك على عِظم غوايته وقوة إغرائه، كذلك على رفعة مكانته، على درجة الاحترام العالية التي حظي ويحظى بها.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغموض في القصص
- مع محيي الدين زنكنة.. خواطر وذكريات
- القابض على الجمر.. يوميات قاسم عبد الأمير عجام
- أنْ نأسر المكان داخل النص: قراءة في -خرائط منتصف الليل- لعلي ...
- إدوارد سعيد: المنفى والهوية.. الأنا والآخر
- تمثلات النهضة: 4 معوقات النهضة في العراق، ونقد مشروعها
- تمثلات النهضة: طبيعة ثقافة النهضة في العراق ومعضلة الهوية
- تمثلات النهضة 2 ثقافة النهضة والمثقفون والدولة
- تمثلات النهضة 1 المنهج والمفاهيم وحدود البحث
- أفق النهضة وأسئلة الحداثة: قراءة في كتاب ( نحو وعي ثقافي جدي ...
- عن أدب اليوميات
- رواية -فيكتوريا-: أشكال السرد وتحيّزات السارد
- عن -أمكنة تدعى نحن-
- الأستاذ محمد خضير
- الجابري في مكتبة مؤيد
- محنة اللغة واضطراب البناء في رواية ( سرير الأستاذ )
- الكتابة عن المكان العراقي
- قصة قصيرة؛ ( غداً ربما )
- قراءة في ( ذاكرة الكتابة )؛ خفة المهمل وثقل التاريخ
- مذكرات تنيسي ويليامز: بين الانشداد للحياة والانجذاب نحو المو ...


المزيد.....




- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...
- -لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...
- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
- جمعية التشكيليين العراقيين تستعد لاقامة معرض للنحت العراقي ا ...
- من الدلتا إلى العالمية.. أحمد نوار يحكي بقلب فنان وروح مناضل ...
- الأدب، أداة سياسية وعنصرية في -اسرائيل-


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - كتب قديمة مستعملة