أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - مفاهيم مقلوبه















المزيد.....

مفاهيم مقلوبه


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3218 - 2010 / 12 / 17 - 21:53
المحور: كتابات ساخرة
    


هذا المقال لا يعني بأن كل ممنوع مرغوب بل يعني أننا نفهم الإعلانات والتعليمات بالمقلوب.
في رجل كنت أشتغل معه في المقاولات المعمارية وكان دائم الشكوى عن ابنه الذي يعمل معنا ويقول عنه بأنه يفهم كل شيء بالشقلوب, بعني إذا حكاله روح على اليمين بروح على اليسار وإذا قال له روح اشتريلنا بندوره فإنه يشتري أي شيء آخر ما عدى البندوره, وأنا أيضا كنت وأنا ولد صغيركذلك الأمر ولكني تركتُ هذه العادة وأورثتها للوزراء ولأصحاب الدكاكين الذين يفهمون أيضا قوانين وزارة التموين بالشكل المقلوب ..وقلت له مرة: يا رجل لا تزعل ولا تتعب حالك إذا الوزراء يفهمون القوانين بالمقلوب, وكذلك ضباط المخابرات يفهمون تصريحات الحكومة بالمقلوب , يعني إذا قال رئيس الحكومة نريد أحزابا سياسية فإن المخابرات في باح اليوم التالي يقومون باعتقال من يعتقدون بأنه سينتمي لحزب سياسي جديد وكذلك كافة التعليمات والقوانين والإرشادات والتوجيهات والإشارات المرورية كلها نفهمها كعرب بشكلٍ خاطئ جدا,فإشارة ممنوع الوقوف يتعمد سائقي السيارات الوقوف بها, وإشارة تحديد السرعة المسموح بها يقرأها المواطن ويتجاوزها عامدا متعمدا, والإعلانات المبوبة نفهمها بشكل خاطئ, فمثلا إذا مررتُ أنا شخصيا بجانب محل تجاري للملابس وهو يعرضها وعليها الأسعار فإنني أفهم بأن ثمن هذه البضاعة 10 دنانير إذا كان مكتوبٌ عليها ب15 دينارا, والدليل على ذلك هو أنني لا أشتريها بالسعر المكتوب عليها ففي داخلي قناعة بأن هذا السعر ليس حقيقيا.

إننا نفهم الأمور ونستوعبها بشكل خاطئ فحتى العامل حين يتجاوز عمله مدة 3 أشهر وهي المدة القانونية التي تمنع رب العمل من الاستغناء عن خدماته يبدأ بعد هذه المرة العامل بارتكاب تجاوزات كبيرة في العمل فيفهم من أن القانون يقول له (تجاوز) واسمعوا هذه الحادثة البسيطة التي وقعت معي: قمتُ ذات مرة وبالذات سنة 1995م بتأسيس مكتب للدعاية والإعلان وكان المكتب الذي استأجرته في وسط مدينة إربد بحاجة إلى طلاء جدرانه فطليت الجدارَ والممر الخارجي وخشيت أن تتعرض ملابس الزبائن للأذى فطبعت ورقة على الحاسوب مكتوب عليها (احذر..يرجى عدم اللمس أو الاقتراب) وكان مكتبي في الطابق الثاني والعمارة مؤلفة من أربعة أدوار وفي الطابق الثالث طبيبة أسنان ومحامي ومهندس وكان المراجعون يمرون من الممر المحاذي لمكتبي لكي يصعدوا الدرج للطابق الثالث والرابع فيقرؤون تلك العبارة الملتصقة على الجدار (ممنوع اللمس) فكان كل شخص يقرأها يقوم على الفور بلمسها لكي يتأكد من صدق الإعلان أو لأنه حقا يفهم الإعلان بالمقلوب مثل الذي يقرأ إشارة ممنوع الوقوف فيتوقف أو ممنوع التزمير (الطوط) فيستخدم الزامور وكنتُ وأنا أجلس أشاهد بعض الزبائن يدخلون عليّ ليلوموني فأقول لهم: أمركم يا الشعب العربي عجيب وغريب ! وكأني كاتب في الإعلان :اقتربوا والمسوا الجدار.
ومرة من ذات المرات كنت بصحبة صديق ليي في سيارته الخاصة فوجدنا شارعا مكتوبٌ عليه (ممنوع المرور) فوقف صاحبي محتار جدا فقلت له : شو مالك ممنوع المرور, فقال:يا زلمه ليش ممنوع المرور ؟أنا مش محتاج للمرور من هذا الشارع بس على شان اشارة ممنوع المرور لازم أعبر.. صدقني غير أعبر الشارع.

إحنا المسلمين ما فيش عندنا حل وسط, وكمان لا نفهم التعليمات بالشكل الصحيح ودائما ما يركض العربي وراء أوهامه وتخيلاته المغلوطة,يعني مثل ما قال المثل (إما بنطخه وإما ابنكسر مُخه) ومجتمعنا كله لا يؤمن بحلول الوسط وغالبا ما يفهم مجتمعنا الإعلانات والإرشادات بشكل خاطئ فمثلا إذا قالت الحكومة يحق للموظف أن يصلي أثناء الدوام الرسمي فإن الموظف يبدأ بمضيعة الوقت وبإهمال الدوام وبالتسكع هنا وهناك بحجة الصلاة وإذا اعترض عليه المواطن فإنه يسب بالمواطن ويعتبره قد أهان شعوره الديني, وإذا صام المسلم فمعنى صيامه التبذير والإسراف وإذا قلنا: ليس من المدنية في شيء أن يتخذ الرجل زوجتين أو ثلاث أو أربع, فعلى الفور يقول المستمع لنا: يعني شو بدك المرأة تتزوج أربعه! فيفهمون عدم السماح للرجل هو من أجل السماح للمرأة وإعطائها هذه الفرصة بدل الرجل,وإذا قلنا ممنوع أن يضرب الرجل زوجته فإن غالبية الزوجات يقمن باستغلال هذه النقطة فيوجهن ضرباتهن للأزواج, وإذا قررت وزارة التموين رفع الرقابة عن المواد التموينية فإن التاجر يفهم من ذلك أن الوزارة قد سمحت له ببيع معلبات فاسدة ومنتهية الصلاحية فيبدأ على الفور بملء ثلاجته ورفوف محله بشتى أنواع الجبن واللحوم المنتهية والفاسدة وإذا منعت وزارة التربية والتعليم ضرب الطلاب واستعمال العصا كأسلوب سحري في تربية الطالب فإن الطالب يفهم من هذا المنع أنه من المسموح له هو أن يمسك العصا للمعلم فإما أن يضرب المعلمُ التلميذَ داخل الصف وإما أن يضرب الطالبُ المعلمَ داخل الصف..يعني إما ذابح أو مذبوح وإما قاتل أو مقتول, وإذا ما قمنا بحماية المواطن من اللصوص فإن المواطن سيقوم فورا بمداهمة بيوت اللصوص وسرقتها وكأن الحكومة تقول للمواطن أسرقوهم ...فإذا ما حمينا المواطن مرة أخرى من قسوة السلطة فإن المواطن يقسو على السلطة, وإذا ما قمنا بحماية المواطن من هراوة الشرطي فإن هذا معناه أن يعتدي المواطن على الشرطي بالضرب المبرح حتى يغمى على العسكري وإذا ما قمنا بحماية الطالب من هراوة المعلم ومن شلح زناره للطالب وضربه به أثناء الحصة المدرسية فإن هذا معناه عند الطالب أن يستخدم هراوته وزناره وعصاته ولسانه البذيء والمتسخ في جَلد المعلم وضربه كونه أصبح الطالب محميا من هراوة المعلم وزناره وعصاته, وكل هذا بسبب التربية الفاشلة التي لا يعرف فيها المواطن العربي أو الأردني حقوقه وواجباته ومتى يكون سائلا غيره ومسئولا عنه ومحل ثقة ومتى يكون هو بموضع المسئولية نفسها.

قبل ثلاثة سنين دخلتُ إلى إحدى الدوائر الحكومية الأردنية ووجدت أحد أقربائي يتربع على رئاسة إحدى الأقسام فذهلت لأنني على حسب ظني ومعرفتي به أنه يعمل أستاذُ مدرسةٍ لطلاب المرحلة الثانوية واستغربت جدا حين رأيته في وزارة الاتصالات الأردنية فسألته:

-انت مش في وزارة التربية والتعليم؟

فابتسم ابتسامة كلها سخرية وقال لي أولا خليني أخدمك في هذه الوزارة واسمح لي بهذا الشرف العظيم , فابتسمت وقلت له (على الرحب والسعة يا ابن العم) أنت خير رجل كريم وابن رجل كريم, وحين أنهى أوراقي ومعاملتي شرح لي سبب تركه لوزارة التربية والتعليم وقال ضاحكاً:
يا أبو علي أنا تعرضت للضرب من قبل طلاب الصف اللي أنا أقوم بتدريسهم مادة اللغة الانكليزية, وبناء على ذلك تقدمت بطلب إلى مدير المدرسة من أجل حمايتي من الطلاب الزعران الذين يعتدون عليّ إما بالضرب وإما بالكلام الفاحش , وبصراحة في آخر مرة تعرضت فيها للضرب قلت لأبي وشعرت بأن التاريخ أصبح مقلوبا رأسا على عقب وأن العلم والتنوير قلب الموازين ومراكز القوى بعضها على بعض وبدل أن أحمل أنا العصا للطالب فإن الطالب يحملها بدلا عني ويشوّح لي بها في الشارع حين أغادر المدرسة وبدل أن يذهب الطالب لأبيه يشكوني كما كنتُ أنا أشكو لأبي من مُعلمي المدرسة فإن الآية المقدسة أصبحت أليوم مقلوبة أو منسوخة ....وطلبت من أبي المساعدة وطبعا أبي ذهب معي إلى المدرسة وتقدم بشكوى إلى مدير المدرسة أما مدير المدرسة فقد شرح عليها بأن تحفظ في السجل الشخصي الخاص بي وقال لأبي(روحوا اشتكوا لأقرب مركز أمني) أنا لا أستطيع أن اضرب أي طالب والله إذا امتدت يدي إلى أي طالب سوف تقوم الدنيا وتقعد وستعتبرني وزارة التربية والتعليم المتسبب الأول في فشل الطلاب في الدراسة رغم أنهم فاشلون من دار أبوهم ,وصدقني يا (أبو هاشم) غير الطلاب يشخطوا سيارتي بالمسامير أو يبنشرولي عجلاتها , فاستغرب أبي وقال:

- معقول؟ كنا زمان نخاف من أستاذ المدرسة إذا رآنا في الشارع نلعب أو إذا جاءته شكوى على أي واحد منا وخصوصا إذا كان المشتكي علينا واحد من أولياء أمورنا.
فقال مدير المدرسة بعد أن هز رأسه ضاحكاً:

- هذيك الأيام الله يرحمها والله عمرها ما ابترجع ولا عمرنا بنشوفها , يا رجل كنت وأنا طالب في المدرسة أستحي من أن أنظر في عين أستاذي ومعلمي..إلخ.
وخرجنا أنا وأبي من المدرسة وذهبنا لتقديم شكوى بحق المعتدين ..وقام مدير المركز الأمني بتحويل الشكوى إلى شكوى إدارية كونها لم تقع فيها إصابات وكونها خالية من التقارير الطبية وحين ذهبنا إلى الحاكم الإداري وطالبنا بتوقيع أقسى العقوبة بحق المخالفين استغرب الحاكم الإداري وابتسم وقال : زمان كانت الدولة تبحث عن قوانين وعن نظريات علمية من أجل حماية الطالب من قسوة ومن عصا المعلم واليوم من الظاهر أننا سنبحث عن قانون يحمي المعلم من قسوة الطالب.
يا رجل الطالب المدرسي فهم من القانون الذي يمنعني من ضربه بأن يضربني هو ولهذا السبب تركت التدريس وتقدمت باستقالة خطية وبعد مضي عام على استقالتي حصلت هنا على هذه الوظيفة .



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقوط أمي
- اقرأ تفرح جرّب تحزن
- مواطن أمريكي
- انحلال الشعور(1)
- الفصام السخيف
- وجوه جديدة وأصناف جديدة
- التجار يحكمون المدينة
- أزياء الحراميه
- أسعار تشجيعية
- المرأة العربية لاجئة سياسية
- يسافرون للعلاج!
- الطلاق بالثلاث
- في الجلجثة
- عرق الجبين
- براءة الأطفال
- الهجوم وسيلة للدفاع
- رسالة إلى الشعب الأمريكي
- تشابه أسماء
- ما زلتُ أنتظر الرحيل
- العقل السليم في الجسم السليم


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - مفاهيم مقلوبه