|
الحوار الكردي العربي بين حضور الموجبات وغياب الضوابط
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 964 - 2004 / 9 / 22 - 11:28
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
إذا كانت الدعاوى القوموية العربية – أو الكمالية – أو الفارسية بمثابة طلقة رحمة في رأس الرباط الدولتي الديني بين سائر القوميات المتعايشة تحت رحمة الدولة الإسلامية الواحدة ، كي يتوهم ، ويوهم كل طرف من هاتيك الأطراف الثلاثة أنه الوريث الشرعي لمقومات الإمبراطورية الكبرى، مصرّاً أن تكون البوصلة وقفاً على مشيئته ، كي يهتدي بها سائر الاثنيات المتمايزة التي تعيش إلى جانبها ، فإنه – قد لاحظ رؤوس الهرم الكبيرة من خلال نخبهم السياسية ، آنئذ ، أن ثمة معوّقات كثيرة ستقف في وجه سياساتهم ، ما أن يلجأوا إلى سياسات التعريب ، أو التتريك ، أو التفريس ، مادامت الأقوام الأخرى التي تشاركهم ضمن خريطة كل منهم ، والمتشكلة أصلاً ، بحسب مشيئة الدول الكبرى التي خرجت منتصرة من الحرب الكونية ، وبدأت تعيد تشكيل جغرافيا المكان من خلال العامل الخارجي ، لا العامل الداخلي ، الذي يعدّ حصيلة القراءة التاريخية ، أو الديمغرافية ، كي ينجم عن مثل هذه السياسات – بأجمعها – ترك بؤر ، باتت تستفحل يوماً وراء آخر ، لاسيما إزاء محاولات التصهير في بوتقة هذه القومية السائدة ، رأس هذا الهرم أو ذاك . وحين نحاول تقليص – مساحة الحوار – من خلال تناول أخذ هذه الرؤوس ، منطلقين بذلك من واقع الأكراد ممن توزّعوا بين خريطتي : العراق – سوريا – في هيئتيهما الحاليتين ، بعد اتفاقية سايكس بيكو 1916م ، نجد أن هذا الجزء من الشعب الكردي الذي يعيش في هذين البلدين ، وجد نفسه – تدريجياً – يغوص في مواجهة آلة مستشرسة ، تكاد تكون واحدة الملامح ، لاسيما في ما يخصّ مفردات كثيرة : إلغاء الهوية – محاولات التذويب في البوتقة القومية السائدة ، وإن كنا نجد خصوصية كل جزء منهما ، بيد أن عقلية الاستعلاء – في أقل توصيف لها – في التعامل مع المواطن الكردي ، هي الأخرى ، معطى متماه مع مثل هذا السلوك في نهاية المطاف . طبعاً ، لم أشأ ، أن أمضي بعيداً – خلال هذه الوقفة ، كي أسترسل في رسم حقيقة قتامة اللوحة ، والإمعان بالتالي في تصوير مأساوية الكردي منذ مطلع القرن الماضي ، وهو يدفع الضريبة – باهظة – إزاء ممارسات السلوك الاستعلائي ، الإلغائي ، منطلقاً من ضرورة دفع آليات الحوار إلى الأمام ، مأخوذاً بالروح الوطنية الحقيقية المطلوبة . إن أية عودة إلى العلاقات الكردية العربية ، منذ مهد الفتوحات الإسلامية وإلى البرهة المعيشة ، لتؤكد و – بجلاء – وجود إرث هائل من العلاقات الإيجابية التي يمكن تسجيلها ، وكنتاج طبيعي من فلسفة الرباط الذي كان يجمع مكونات الدولة الإسلامية – باستثناء لحظات نشاز بحكم عصبية الانتماء المتمايز – كان بالتأكيد دافعاً رئيساً لتكاملية الأدوار ، في بناء هذه الحضارة التي باتت تتضعضع – تدريجياً – تحت ضربات آلة الرؤى القومية الأحادية التي بدأت مع "رادةالعفلقية، وما دعوا إليه من شعارات مبرقعة ، دعت الكردي – في المقابل كما هو شأن الأقليات المتعايشة إلى جانب العرب والكرد ، وفي العالم العربي – برمته – أن يدعو إلى خصوصيته ، ونفض الغبار عن ملامحه المغيبة ، كإبن شعب يعيش فوق أرضه ، بل هو أنموذج صارخ عن أكبر شعب في العالم يعيش دون حالة التأطير في إهاب دولته القومية ... !. من هنا ، كنا في التالي إزاء – بؤرة كما يقال – ذات خصوصية – كردية – إن جازت التسمية ، هي حصيلة عدم الفهم للحضور التاريخي للشريك الكردي على امتداد البقعة المكانية ، والالتفاف على ثقافة العقد – في صيغته الأولى – والذي انضوت بموجبه ملل وأعراق شتى تحت لواء هذه الثقافة التي يحسّ كل من مكونيها أنها لـه ، تماماً ، بعكس ما سيتم تجييرها على أتسام الهوى القومي المستقدم ، والذي تفككت بموجبه عرى الإخاء الأقوامي عموماً ، والكردي العربي – على نحو متدرّج .. ! ولا يخفى على أحد ، أنه على الرغم من وجود مثقفين عرب مائزين – في العراق – وسوريا – يتفهمون – بامتياز – خصوصية الشريك الكردي ، ولا ينكرون عليه كامل تطلعاته وحقوقه في العيش كريماً ، أنىّ كان ، بيد أنه – في المقابل – نجد من يستمدّ ثقافته من ذاكرة قريبة ، ويلجأ ، كما يملى عليه إلى التضليل ، والتزوير، وقلب الحقائق ، أو نسفها ، بل والتأليب على الكردي ، كما هو حال أقلام معروفة ، تتحمل وزر أية نقطة دم كردية ، أريقت جوراً ، ولعلّ حادثي 1 شباط في أربيل و 12 آذار خير أنموذجين في هذا الحال ... أعتقد أن الحوار الكردي العربي الذي يبدأ منذ أولى لحظة دخل فيها الكردي حظيرة الدين الحنيف ، ومرّ في محطات عديدة ، رغم بروز المثبّطات ، إلا أن الكردي برز منذ تأسيس الدولة القطرية ، كأول منادٍ بها ، ويأتي ذلك – بالتأكيد – نتيجة أمرين اثنين : - بلوغ سياسات التمييز والإلغاء بحقه أوجها . - الإحساس منه بعمق العلاقة بين هذين الشعبين . إن هذا الحوار يمكن أن يتحرّر من جملة العوامل المسيئة إليه ، بل والتي أودت به عبر العقود الماضية ، ليحلّ عوضاً عنه الصوت الواحد ، الذي لا يسمح إلا بتلقي أصدائه ، وترديده على حساب إلغاء الهوية ، ويكمن مثل هذا التحرر – بالطبع – في اللجوء إلى عقد عصري للتعايش في ضوء جملة موجباته ، وهو يدعو كل منضو تحت شروطه إلى خلق الظرف المناسب لتحقيقه ، وفيه بالتأكيد ثمة تنازل عن جملة قناعات طارئة ، أو أصيلة لدى كل طرف . ومن الضروري – الإشارة – إلى أن وسائل الإعلام العربي ، ولاسيما الفضائيات التي كانت تستضيف عدداً من الوجوه المعادية لمثل هذا العقد ، ينبغي أن تنطلق من أسس واضحة مهمة في تناول مفهوم الشراكة ، لتجاوز الإشكال الأكثر حساسية ، والكف عن سياسة التأليب ، والاستعداء ، ضد الكردي كما لوحظ ذلك – بأسف – منذ 1991م – محاولة بعض البائسين من الكتبة والإعلاميين تشويه صورة الكردي ، واعتباره سبباً لما تم ، دون الغوص في الدواعي الحقيقية لكلّ ذلك ... وتأسيساً على ما سبق – إن أية دعوى كردية – في أقصى أبعادها المشروعة( في ما إذا فسّرت خطأ على إنها استفزازية! ) ، ليست إلا – ردّة فعل طبيعية إزاء ممارسات العقل القوموي المقابل ، والذي يدعو إلى الاستفراد ، وتجاهل ثقافة الآخر ... ! وبدهي ، أن الكردي – هو من ينبغي أن يقرّر حقّه - وضمن الظروف الممكنة له في أية بقعة يتواجد فيها ، كمواطن أصيل ، في أقل تقدير، رغم ما يمارس بحقه من سياسات شتى – بمقاييس كل بلد على حده – من تطهير عرقي ، كما في حلبجة – الأنفال – الهجرة المليونية ، أو ممارسة أشكال العنف ، لدرجة توجيه الرصاص الحي على المشاركين في التشييع السلمي لجنازات شهداء 12 آذار ، والتعذيب حتى القتل ، ودون محاسبة مرتكبي الجريمة الشنعاء في قامشلي ، هذا المواطن المحروم حتى من مجرد وجود صحيفة ناطقة بإسمه ، أو مدرسة ، يتعلم فيها أبناؤه لغتهم الأم ، يضاف إلى ذلك تجاهل وجوده – نهائياً – في الحياة السياسية، وكأنه ضيف طارىءعلى المكان كما يروّج لذلك بعض الأدعياء . وإذا علمنا – أنه ورغم كل ما أشير إليه ، وسواه ، مما يرتكب بحق الكردي ، إلا أن الأحداث الدراماتيكية في العقود الأخيرة ، والتي شهدت مأزق الحل لدى القومية السائدة في مواجهة المشكلة الحقيقية ، فإن جملة الأحداث المذكورة التي مرت على المنطقة ذكرت في الوقت نفسه ضرورة استحداث الأسلوب الناجع لحل المشكلة ، ومن خلال الصيغة التي يستفتي عليها الكردي في كل بعد ، وإن كان أكراد العراق – وجدوا في الفيدرالية ضالتهم ، وذلك في لحظة جد حرجة كان يترقب المتابع لأحداث المنطقة غير ذلك ، بيد أن الأكراد السوريين ، ومن خلال برامج عمل الأحزاب السياسية يرون مطلبهم في نيل حقوقهم ضمن إهاب خريطة الوطن – سوريا – وهو بدوره يؤكد إحساسهم العميق بالروابط المتينة مع أخوة المصير ، في هذه اللحظة الحرجة التي تصرّ فيها الأمم في العالم على تشكيل روابط العلاقة الكبرى . وإذا كان المثقف الكردي – قد انخرط طويلاً – في الذود عن القضايا الوطنية العامة ، وتبنى قضايا شريكه ، عربياً ، في أرقى وأبهى صورة ، وتعرّض في السنوات الأخيرة – في المقابل – إلى الإحساس بخيبة أمل كبرى ، وخذلان مرير ، لاسيما عندما يلحظ بأم عينيه طوابير من الانتلجنسيا في العالم العربي تعمل جهاراً نهاراً ، ودون أي إحساس بالمسؤولية للإساءة إليه ، غير مكترثة بضريبة الدم التي بذلها الكردي عبر التاريخ وتعمدت مع دماء أخيه العربي عبر ملاحم تاريخية معروفة ، بل ودون أي حرص على المصلحة الوطنية ، والقومية ، والإنسانية ، فإن إعادة المثقف العربي للدور المنوط به في تجسير عوامل الإخاء ، ونبذ عقيلة الاستعلاء ، سيسهم في إثراء العلاقة بين هذين المكونين الوطنيين ، لاسيما حين تشكيل إطار مؤسسة – مرجعية – فاعلية ، تلعب دورها المتوخى في هذا الميدان ، تعقد مؤتمرات دورية ، وتدرس من خلال كادر متفهم ، متفرّغ ، ديمومة هذه العلاقة ، بغرض تعزيزها ، واقتلاع كل المثبطات العارضة ، وتكريس ذلك بكل المقومات المتطلبة من خلال اعتماد أعضاء أكفياء ، مجربين ، معروفين بالحرص في المجال الوطني ، واستصدار مطبوعات دورية : مجلة – سلسلة – كتب ... أجل ، إن من شأن مثل هذه المؤسسة – الجمعية – إعادة تفعيل العلاقات بين الشعبين العربي والكردي في هذين البلدين خدمة لتطلعات استراتيجية بخصوص مصلحتيهما معاً ، لاسيما حين يلاقي مثل هذا الإطار الدعم الرسمي ، دون ممارسة الوصاية عليها ، واعتبار ما تقدمه من دراسات ، وتوصيات ، وقرارات ، مكتوبة بداعي الحرص على المنطقة عموماً ، وسوريا والعراق خصوصاً ، مهمة وطنية لا يجوز الإفراط بها البتة ، ولعلّ حاجة البدء بمثل هذه الفكرة تتطلب قرع الأجراس – حالاً – فهل نستجيب ... ؟!
................................ المادة المقد مة إلى ملتقى الحوار الكردي العربي في الفترة مابين17-20ايلول 2004 هولير اربيل – كردستان العراق
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لوثة الانكسار في تقصّي بعض أسباب تقهقر التجربة الاشتراكية...
...
-
شدو- الوطاوط-وسطو الخرائط في حلم الأكراد....وخرط القتاد
-
المقاومة المزوّرة
-
أكذوبة -أسرلة الأكراد- هل هي خدمة مجانية لخطط الموساد؟ 2
-
مرة أخرى:أكذوبة -أسرلة الأكراد- هل هي خدمة مجانية لخطط الموس
...
-
الإجهاز على- معهد الباسل لإعداد المعلمين والمدرسين- في القام
...
-
جادون في تعميق الهوة لاتجسيرها: إلىمسعود حامد..في زنزانته ..
...
-
حظر الاحزاب الكردية...بطش جديد أمبالونة أختبار؟
-
-درفرة -كردستان إلى عارف دليلة و محمد مصطفى وعبد السلام داري
...
-
بين القصيدة والبندقية
-
الأكراد وفزاعةالأسر لة 3 3
-
الأكراد وفزاعة الأسرلة 1|3
-
الأكراد وفزاعة الأسرلة 2/3
-
الأكراد والمعارضة السورية رداً على محمد سيد رصاص
-
سوريا على مفترق طرق
-
قلق عارم ...لا ينتهي
-
معايير مفلوجة.!
-
هذه المسافات الوهمية متى نزيلها ...؟!
-
أنا و التلفزيون....!.
-
أحقاد الرؤوس وحرب الفايروس ....!الى أحمد جان عثمان
المزيد.....
-
إيران تستهدف مستشفى سوروكا في تل أبيب.. وإسرائيل ترد بتصعيد
...
-
قبل إعلان ترامب عن مهلة لإيران.. مصادر تكشف لـCNN عن تحركات
...
-
تحليل لـCNN: هل يستطيع الكونغرس منع ترامب من ضرب إيران؟
-
-كتائب حزب الله- العراقية تتوعد ترامب إذا ضرب إيران: ستخسر ك
...
-
صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل للتحذير من هجوم صاروخي إيراني
...
-
غروسي: إيران لم تكن تصنع قنبلة نووية عند بدء الهجوم.. لا تنس
...
-
34 شهيدا في غزة منذ فجر اليوم أغلبهم من المجوعين
-
الرئيس الأوكراني يعيّن قائدا جديدا للقوات البرية
-
شي وبوتين يتفقان على أولوية وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائ
...
-
وول ستريت جورنال: تكلفة خيالية تتكبدها إسرائيل لاعتراض صاروخ
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|