أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - أصل الكلام.. كلمة















المزيد.....

أصل الكلام.. كلمة


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3207 - 2010 / 12 / 6 - 16:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مظهر من مظاهر الوجود، ودالة امتياز ونشاط متواصل، يمتاز به المتكلم عن سواه، ويتمايز المتكلمون فيما بينهم. والكلام أصل التدوين، وكلاهما أصل كلّ شيء، وبدونهما ما كان شي مما تكون.
"في بدء كان الكلمة، والكلمة كان عند العليّ، وكان الكلمة هو القدير. به تكوّن كل شيء، وبغيره لم يتكوّن أيّ شيء مما تكوّن. فيه كانت الحياة، والحياة هذه كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلام، والظلام لم يهزم النور." (انجيل يوحنا 1: 1-5).
بالكلمة كان كلّ شيء. ولفظة (كان) لها دالة ابداعية تشير إلى بدء وجود شيء لم يكن من قبل، أي (كان- تكوّن) والتكوّن دالة (الكون) (cosmos)، وفي نص التوراة تمّ استخدام لفظة عبرية (بارا) للدلالة على عملية خلق من عدم. أي أن بارا العبرية تقابل لفظة (خلق) العربية. وللدلالة على الأصل الديني للفظة، يتم استخدام تعبير (الخلق)..كناية عن البشرية موجز (خليقة)، ولا زالت تتداول في لغات غرب آسي القديمة.
الكلمة وجود حي ذو فعل ابداعي مؤثر، تتم الاشارة إليه باستخدام فعل آخر هو (قال) وهو تعبير عن النطق.. أي خروج الصوت وتموسقه عبر موجات هوائية. وفي الفصل الأول من سفر التكوين يتم فعل الكون باستخدام متكرر للفعل (قال) فالقول الصائت هو أداة تفجير الشيء عن ذاته، (يقول للشيء كن فيكون!). "قال: ليكن نور، فكان نور." (تك1: 3)، "ثم قال: ليكن جلد يحجز بين مياه ومياه، فخلق الله الجلد، وفرّق المياة التي تحملها السحب، والمياه التي نغمر الأرض." (تك1: 6-7). فلفظ القول هو فعل أمر الخلق. وهذه هي دلالة تكوّن كلّ شيء بالكلمة، بلفظ الكلمة، بالصوت والدلالة. فالكلمة.. القول هي فعل خلقي له فعالية كاملة. وهو ما مثله الفصل الأول من قصة التكوين العبرانية. ويشير انجيل توما إلى أن يسوع الذي كان يجول في الأرض ويعمل خيرا، لم يكن يعمل بيده ، كان يقول الشيء فيكون. يقول للمفلوج قم احمل فراشك وامضِ، فقام يحمل فراشه ومضى. يقول للعازر الميت من أربعة أيام.. قم يا لعازر وتعال.. فقام ذاك وخرج من قبره. ان صاحب القدرة والسلطة لا يعمل، انما يقول. الملوك والحكام على الأرض يصدرون الأوامر: يقولون ما يرغبون. والكلمة تتحول إلى فعل، إلى وجود.
ان المكانة التي حباها صاحب قصة التكوين على الكلمة، دليل كبير على أهميه اللغة والكلمة المنطوقة في صناعة الحياة. أي دالة هي أكبر من قول يوحنا الحبيب "في بدء كان الكلمة." أليس في هذا من كفاية للالتفات إلى أهمية الكلمة ومعناها وقيمتها، وثمة.. الانتباه إلى كيفية التعامل معها والنظر إليها والتفاعل فيها. الواقع أن الحيوانات لا تجيد الكلام، لأنها لا تعي. والطفل يستغرق وقتا حتى يتعلم الكلام ويجيده. والناس عموما ليسوا على نفس الدرجة في لغتهم وإلمامهم بالأصوات ومخارجها والتمكن من معارف اللغة. ونسبة المتبذلين في الكلام، أكثر من نسبة المتحكمين فيه، وهؤلاء أقل من عدد الحكماء في الكلام. فزبدة الكلام حكمة!.
كما أن الوجود (كان) بالكلمة، فأن (غاية) الوجود كان الانسان. الانسان هو (زبدة) الخلق، دالة رقيه. دالة رقيه تمثل في جملة توصيفه من قبل أن يوجد. "ثم قال: لنصنع الانسان على صورتنا، كمثالنا!". (تك1: 26). هل ثمة أعظم ثناء وفخرا للمرء، من أن يكون على صورة ذويه. ان وصف نجل الملك بالأمير، ليس بغرض الملك وحصر التوريث. لأن أبناء الملك قد يكونون كثيرين، وكلهم يحمل صفة (أمير). فهي صفة للتبجيل والنسبة للأب، المبجل. لي التبجيل من خارج، من أدنى. وانما التبجيل من الذات. الأمير يدرك كل لحظة بأنه أمير، وبالتالي، للأمارة خصائص وضرورات عليه أن يذكرها باستمرار فيتصف بها ويعمل بها. الأمير ليس صفة بذاته، وانما صفة قائمة بغيرها، الذي هو الملك، ولولا الملك، ما كان أمراء. ولو لم يكن أبوهم الملك، لما لحقتهم تلك الصفة. فالاحتفاظ باللقب والاتصاف به، والالتزام بما له وما عليه، ليس فضلا للشخص على نفسه أو غيره، ولا ثناء له في ذاته، وانما اعتراف لصاحب الفضل واللقب الأساسي. فالأمير المتصف بسمات الأمارة، مدعاة فخر الملك، واعتداده بنفسه وأسرته ورعيته. فالأمير هنا يكمّل الملك، فينمو الملك وترسخ المملكة وتزدهر. والعكس بالعكس.
الملك صفة بشرية، بينما الكلمة صفة فوق بشرية، وقبل وجودية. والانسان ليس عامة ابنا لملك، لكنه بالتأكيد ابن الكلمة، (وعلى شبهه، كمثاله). يلحظ في قصة التكوين، أنه عند سرد قصة الخلق المتتابعة بالتدريج، عند ذكر النباتات (تك1: 11-13) والحيوانات المائية (تك1: 21) والكائنات الحية الخارجة من الأرض (تك1: 24) أنها كانت جميعا، كلا بحسب جنسها، وذكر وحوش الأرض والبهائم والزواحف كلا بحسب نوعها (تك1: 24-25)، لكنه عند ذكر الانسان اختلف اسلوب السرد، وذلك في أمرين:-
1- اختلاف صيغة التعبير من جملة المبني للمجهول مع استمرار لغة الأمر (لام الأمر): ليكن.../ لتتجمع المياه../ لتنبت الأرض.../ لتكن أنوار../ لتزخر المياه.../ لتخرج الأرض كائنات../ ، إلى صيغة المبني للمعلوم (لنصنع الانسانَ..). صحيح أن فعل الخلق يعود لنفس المصدر سواء كان التعبير في صيغة مبنى للمجهول (اخفاء الفاعل) أو صيغة مبنى معلوم (ذكر صريح للفاعل)، فأن في صيغة المعلوم، إعلاء لشأن المفعول به ورفع لاعتباره. بعبارة أخرى أن للانسان عقلا وعاطفة وكرامة، ثلاثة عناصر رئيسة اقترنت به واقترن بها، ولا ينبغي لها افتراق. صورة الانسان المحددة عند خالقه أنه ذو عقل، ذو عاطفة، ذو اعتبار وكرامة في ذاته. وعندما تختل واحدة من هذه المقومات، تتراجع أهميتها الاستعمالية أو الاعتبارية، فأنه ينحطّ بذاته عن الصورة المحددة له، والاطار المراد له. عندها سيكون الاطار كبيرا، بينما نقطة صغيرة في أحدى الزوايا، يحيط بها فراغ كبير، فارغ. هذا الاعلاء، الثناء الرفيع.. على صعيد اللغة، يتأكد ضمنيا في معنى الخطاب..
2- "لنصنع الانسان على صورتنا، كمثالنا" (تك1: 26). لا يتضمن الفكر البشري على معلومات مسبقة/ بما فيها الصورة والمثال مما يتعلق بذات الإله، لكن مجرد رغبة العليّ برفع خلقة الانسان إلى مستوى صورته وجعلها كمثاله، يشكل تقديرا ساميا لا سابق له ولا مثيل.
هكذا تلتقي دالة اللغة مع دالة المعنى في تعريف الانسان وتحديد إطاره ومحتواه وتوجهه. الله سيد الكون كله في لا محدوديته ولا نهائية أبعاده، المنظور ومنها وغير المنظور. والانسان تكون له سيادة، مشتقة من سيادة السيد الأعلى، على ما هو في نطاق محدوديته وحاجته. هذه السيادة (الجزئية) لا تخرج عن السيادة العليا ولا تتعارض معها، بل هي ضمنها وفي إطارها. وضمن خصائص سيادة الانسان كانت اللغة. وهو ما يتجلى في دلالة العددين 19 و 20 من فصل التكوين الثاني حيث يتولى آدم إطلاق أسماء الكائنات الحية المحيطة به داخل بيئته، والتي تدخل في إطار معاملاته اللاحقة: "وكان الربّ قد جبل من التراب ك وحوش البرية وطيور الفضاء وأحضرها جميعا إلى آدم، ليرى بأي أسماء يدعوها. فصار كلّ إسم أطلقه آدم على كلّ مخلوق حيّ إسما له. وهكذا أطلق آدم أسماء على كل الطيور والحيوانات والبهائم.". السؤال المنطقي هنا هو: لماذا أوكلت مهمة التسميات إلى آدم، ولم يتولى العليّ بنفسه اطلاق الاسماء عليها. وقد يكون جواب البعض، أنها كانت محض اختبار أولي لقدرات آدم الذهنية واللغوية. أو أنها استهلال سلطات آدم كما جرت تسميته سيدا متسلطا عليها في (تك1: 26، 28). يبقى أن السيادة هي الادارة، والسلطة والتسلط بمعنى الرعاية.
كلّ ما معروف هو كلمة، وبدون كلمة لا يُعرّف، ولا يُعرَف. كلمة كانت في البدء، أنتجت هذا الوجود، ونفخت صور الحياة وقادت إلى هذه التكنولوجيا على الأرض. وما زالت الكلمة بفعاليتها الحية الأزلية تدير دوائر الكون الكثيرة بما فيها الأرض وتتعهدها بالرعاية والمتابعة، لكنها تركت مجالا محدودا من ذلك لرعاية الانسان بحسب حاجاته. وفي هذه الرعاية، الوكالة تشكل اللغة دعامة رئيسة ومفتاح أساس لتنفيذ الأمر. الملاحظ هنا أن موضوع التسميات لم يتضمن الكائنات السماوية، كالشمس والقمر والنجوم وما جاء على قياسها. وذلك لأن إدارتها ورعايتها غير منوطة بالانسان. فاللغة كائن اجتماعي حي ومتداول يمثل صلة الوصل بين مخلوق وآخر. ولاستكمال منظومة اللغة لا بدّ من وضع مصادرها وقواعد الأسماء والأفعال ما تقتضيه من أحرف وأصوات وأدوات اعرابية. وقد بدأ تأسيس اللغة بتحديد المعارف ومسمياتها، تمهيدا لاستكمال بقية الأدوات على الأرض. وما زال الأمر كذلك، مع أي ظاهرة جديدة أو معلوم مستجد، أو مولود يولد، يصار إلى إطلاق إسم محدد للتعريف به ومعرفته بواسطته. وكلّ ما كان ذو إسم فهو معروف ومعرّف، وكل ما لم يكن له ذلك، تعصى معرفته أو التعريف به. بالنتيجة فكل ما هو معروف ومعرّف، هو موجود، وكلّ ما سواه لا يمكن ادراكه أو ادراك وجوده.
خلاصة هذه المداخلة، أن الكلمة لها مكانة مركزية وأهمية مميزة في الكون والوجود والحياة، وعلاقة الانسان بكل ذلك. وأن الانسان مخلوق على صورة الكلمة ومثالها السامي، وهو اعتبار تميز به الانسان عن كل ما سواه من مخلوقات، وكونه على هذه الصورة يتطلب منه مستوى لائقا من الوعي والادراك والمسؤولية في النظر إلى نفسه، والتعامل مع البيئة المحيطة به. وعدم محافظته على تلك الصورة أو الاعتداد بها في فكره وسلوكه، انما يمثل طامة المأساة وانحدار القيم ومستويات التفكير لما لا يليق. والمسألة الثالثة هي الاهتمام باللغة والرقي بها والارتقاء بها ومعها لتجويد اللفظ والمعنى والرقي بالفكر والتعبير، للمحافظة على صورة الانسجام الكوني، بانسجام انساني أرضي، يفتح آفاق الحياة ويرتفع بالانسان نحو صورة المثال، بما يجعل كل شيء جديرا بوجوده، ويكشف عمق حكمة الوجود الأزلية.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما ندم الله.. (25) الأخير
- عندما ندم الله.. (24)- ما قبل الأخير
- الاطفال.. طريق إلى أنانية الأنثى
- عندما ندم الله.. (23)
- أصل الشر..(1)
- عندما ندم الله.. (22)
- عندما ندم الله.. (21)
- عندما في الأعالي.. (20)
- عندما ندم الله.. (19)
- عندما ندم الله (18)
- عندما ندم الله.. (17)
- عندما ندم الله.. (16)
- عندما ندم الله.. (15)
- عندما ندم الله..(14)
- عندما ندم الله..(13)
- عندما ندم الله.. (12)
- عندما ندم الله .. (11)
- عندما ندم الله ..(10)
- عندما ندم الله.. (9)
- عندما ندم الله .. (8)


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - أصل الكلام.. كلمة