|
لمعانُ غيابكِ يدلّ على أنكِ اللؤلؤة ..
عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 3188 - 2010 / 11 / 17 - 18:07
المحور:
الادب والفن
" في الحب والنسيان والذاكرة .. "
ليس عليَّ أن أتذكركِ ، فالنسيان لا يسع طوفان جمالكِ الذي يقتلع السدود ، كل السدود ، التي تحصّنت خلفها قوارب ذاكرتي .
لا لطفولتكِ أو ليأسكِ ، ولا لتحطيمكِ زجاج نوافذ النواميس مكان إلا في هذا الألم الذي أخوضُ في أيامه العميقة ، فيجرفني إلى تقاويم ليس فيها إلا أنتِ ، إلا انشقاقكِ عن العائلة ، إلا هروبكِ الذي لا ينتهي بتمزيق الكراريس ، بل بالجلوس على السياج ، ورجم الملاك الذي عبثا يحاول رفع غبار قدميكِ عن صفحات كتاب الطريق المؤدي إلى خارج المدرسة .
تحفرين وجودكِ في وجود لا وجود له إلا خلف اسطورة المرأة التي تولد في قصائد غير مكتوبة ، لكنها تقود أعنـّة الخيال إلى أرخبيلكِ المحفوف بالأمان والهلاك معا .
لا أحد ، حتى أنتِ ، يفهم أن نسيانكِ يحرمني امتياز أن أكون خاسرا يليقُ بطراز فقدانك الغامض ، فقدانكِ الباهر ، عندما ضعتِ في العالم ، عندما أشعلتِ الحريق ، وأفنيتِ نفسكِ فيه ، مثل شرارة :
تلاشيتِ فلم يعرف أحد عنكِ شيئا إلاي ، أنا الذي أعرفُ اللاشيء عنكِ ، وهو كافٍ لأن أنفد من خلال الاحتمالات إلى أشكالكِ المؤجلة : أشكالكِ التي تجعل من الكتابةِ مجرة آهلة بكواكب من اليائسين : اؤلئك الذين يصنعون الربيع للوردة ، وهم في طريقهم إلى الخريف .
ذلك ما يؤهلني عاشقا يعبثُ بمصيره الذي فقد مغزاه ، فإما أنتِ أو أنتِ ، ولا ثالث إلا هذا الشتات الذي يجدل مني شاعرا مهملا ، يكتبكِ في الحانات ، ويقرأ قصائده على حزانى يعرفون ، أكثر منه ، أنكِ ما عدتِ له ، ومع ذلك ينصتون إليه ، لأنه يبعث نداءا خفيا في أعماقهم إلى السطح .
ذلك ما يجعلكِ عنصرا غير مكتشف ، لأن في محيط روحكِ قارات اخرى تعجز عن الوصول إليها قوارب البلاغة ، ويرتبك أمام خضتها محيط المجازات .
العالمُ يحكُّ رأسه حائرا عندما تمرين ، ومن جميع النوافذ تطل رؤوس عشاق انتظروكِ كآلهة تأمر الساعات أن تعلن الحب في خوابي الزمن .
كان الموتُ يقف على مقربة منكِ ، وكنتِ فخورة أن تمنحيه برهة من اللعب ، وهم يضعونكِ على الحد : بين أن اُقتلَ أو اُقتلَ ، ففضلتِ أن تذبحي قلبكِ بموساك ، عسى أن أبقى حيا فيه .
لماذا فعلتِ هذا ، وأنت الأعرف بي : الأدرى أنني أملكُ من الشجاعة مقدارا يجعلني أقبل بالهزيمة ؟! لمّ أدميتِ بياض هذه الورقة بدمكِ ؟!
كان الصدقُ يخافُ صدقكِ ، وأنتِ تحرثين الأرض : ترشين بذور الاضطراب تحت خطوات الراعي الذي يتملقه القطيع .
ـ الشيطان أولى بالورد ، عندما نكتشفُ عطر وجودنا من خلاله . لا حرام في العالم : الحرام الوحيد أن لا أحبكَ . لا أب إلا البحر ، وأنتَ تعوم فيه من خلالي ، وأغرقُ فيه من خلالكَ . لا ام إلا تلك الشجرة ، التي أتسلقها لأنكَ تجلس هناك في داخل الثمرة .
كنتِ ترسلين قبلة عبر الهواء ، لتولد الحمامة . كان غناؤكِ يأسر العصفور ، ويجعل للعاصفة ريشا . كانت أنفاسكِ تكسو الصباح بعادات الندى . كانت نظراتكِ تلاطف السائرين في نومهم ، وتشطفُ جروح الحزانى .
لا يمكن إقصاء حضوركِ في حياتي إلا بإقصاء حياتي ، كما لا يمكن أن أحدّه بالسنوات ، فلستِ الحاضر ، ولا الماضي : أنتِ الوقتُ الذي لا تشير إليه الساعات ، و لا يرن لقدومه الزمن ، فليس لوقع أقدامكِ من رصيف ، ولا لجلوسكِ من مصطبة .
خارج الجميع أنتِ ، خارج التسمية . آه ، لم يكن امتزاجنا ينتمي إلى هذا الحيّز الضئيل الذي يطلقون عليه الحب ، بل هو من التشرد في الأغاني ، من النوم بين صفحات الكتب ، من المشي في عروق الكلمات ، و من عبث وجودنا ضالعين بالإثم أو بالطهر . ولهكِ بي ، ومن ثم شغفي ، هو من جنسكِ المتعذر معرفة انحداره ، فلا أصل ، إلا أنتِ : لا قبيلة إلا أنت ، ولا أعراف إلا قفزاتك الكونية بين الشعر والموسيقى ، بين المطر وصيحات البرق ، وبين مفاصل الجمرة التي لا تأكل إلا نفسها .
مادام التيهان هو مَن دلني عليك ، فسيأخذني إليك ثانية . آه ، التمزق ، وحده ، مَن سيجمعني بكِ .
لا مكان لأقدامي إلا حافة الهاوية : هاوية جمالكِ ، أو جمال هاويتكِ .
احبكِ لأن هذا هو الشفاء الوحيد من مرض الوقوع في حب امرأة اخرى ، ففي ذلك خيانة كبرى للجمال وللحب .
هكذا يقودني اختفاؤك إليك ، فليس ثمة ما يدل على أنكِ اللؤلؤة إلا لمعان غيابكِ ، وليس ما يثبتُ أنكِ المرأة التي افنيتُ حياتي في حل لغزها إلا لغزكِ وأنتِ تتشعبين في طرقي : تفتحين كل باب أطرقه بحثا عنكِ ، وتشيرين إلى هناك ، حيث لا يمكن أن اقابلك إلا في وجود يتعذر العثور عليه إلا في الشِعر ..
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مو سيقى سومرية ..
-
عندما طعنتُ قلبها ..
-
... معنى أن تكون شاعرا
-
كل يوم اشيّعُ عصفورا يسقطُ قتيلا في طريقه إليكِ ..
-
في الصباح اجدني نائما عند أقدامكِ ..
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 40
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 39
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 38
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 37
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 36
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 35
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 34
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 32
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 31
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 30
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 29
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 28
-
اكتشاف ريلكه : الملاك وديانة الفن
-
العالم عندما القصيدة نثر / 27
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 26
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|