أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - صلاح عبد العاطي - دور التربية في تعزيز السلم الاهلي















المزيد.....



دور التربية في تعزيز السلم الاهلي


صلاح عبد العاطي

الحوار المتمدن-العدد: 3176 - 2010 / 11 / 5 - 15:12
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


تمهيد:

ظاهرة العنف ليست ظاهرة حديثة وليدة العولمة وإنما يعود تاريخها إلى المجتمع الإنساني الأول.. من حكاية قابيل مع أخيه هابيل. ومنذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا شهدت البشرية أصنافاً لا تحصى كمَّاً وكيفاً من مظاهر القسوة والبربرية.. و العنف.. التي سببت سلسلة من الكوارث المأساوية المتعاقبة، لأن العنف لا يولِّد إلا العنف.
وهذه الظاهرة الخطيرة تتنافى والفطرة السليمة وطبيعة التكوين البشري كما تتنافى وروح التعاليم الإلهية والشرائع السماوية، ومواثيق حقوق الإنسان باعتبارها مجتمعة تؤكد بوضوح أن الأصل في الحياة وفي معاملة الإنسان مع أخيه الإنسان، هو مبدأ السلم والعفو والتسامح، أما القسوة والعنف فهو الاستثناء والذي لا يلجأ إليه إلا العاجزون عن التعبير بالوسائل الطبيعية السلمية أو المتجردين من الإنسانية.

فقد عانت البشرية وعدد كبير من مجتمعات الأرض من مخاطر الحروب والنزاعات الداخلية التي هددت تماسك بنيانها الداخلي وعرضتها إلي أثار مدمرة علي كافة الصعد وبرغم من ذلك يبدوا ن البشرية لم تتعلم بعد من نتائج ما احدثتة النزاعات والحروب علي البشر فلا تزال تنهك حقوق وكرامة الإنسان في معظم إرجاء المعمورة وان بنسب متفاوتة وبرغم وجود الأمم المتحدة، ومؤسساتها، وانتشار قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الرشيد إلا أن التحدي الذي يتعرض له العالم، والعالم الثالث علي وجهة الخصوص يتلخص في قدرته على التكيف مع المستجدات والمتغيرات الدولية والوطنية، وبالقدر الذي يحرص على حقه في التنمية وحقه في السيادة على موارده الطبيعية ورفض الامتثال لسياسات إملاء الإرادة ، فإن تحقيق دولة المواطنة الديمقراطية يمر من خلال إتاحة المشاركة السياسية في إدارة شؤون الدولة، وإلغاء احتكار العمل السياسي والمهني، وتأكيد حق الأقلية في المعارضة الذي هو حق أصيل، كما هو حق الأغلبية في الحكم، الذي يتأتى عبر صندوق الاقتراع والانتخابات الحرة الدستورية، إلى جانب احترام حقوق الإنسان وإشاعة قيم التسامح والحريات الديمقراطية وتامين مستلزمات نمو المجتمع المدني.

فأين نحن من هذه المتطلبات ؟ أن الواقع المر الذي يعيشه المجتمع العربي ومجتمعنا الفلسطيني يشير إلى غير ذلك، فلا نهضة دون عمل جاد وبدون مشاركة الجميع في المسؤوليات السياسية والاقتصادية عن طريق الديمقراطية والتعددية ، ولا ديمقراطية بدون مؤسسات" الأحزاب السياسية، النقابات المهنية والعمالية ومنظمات حقوق الإنسان والصحافة الحرة وغيرها"، ولا تسامح في بلد لا يطبق الديمقراطية ولا يحترم حقوق الإنسان ،ولا تنمية بدون المشاركة الشعبية في التنمية، واحترام الإنسان كفاعل في التنمية.
وإذا كانت حقوق الإنسان والتنمية المستديمة والديمقراطية متداخلة مع بعضها وأي تقدم في أي منها يقود إلى التقدم في الجبهتين الأخريين فان التسامح واللاعنف الداخلي ركن أساسي في كل منها ولا سيما في وطننا الكبير، ونظرة على ما يجري وجري في العراق والسودان والصومال والجزائر ولبنان وبقية الأقطار تثير الحزن وربما الاكتئاب، كما أن نظرة موضوعية إلي واقعنا الفلسطيني المنقسم و المقبل علي فقدان جميع أركان السلم الاجتماعي إذا ما استمرت خالة الانقسام تثير الخوف واليأس والإحباط في أوساط الناس .

ولذا فقضية نبذ الانقسام والعنف الداخلي والتسامح قضية لا تقبل التأجيل، كما إن مقولة استخدام العنف واعتماد القوة العنفية كوسيلة لتحقيق الأهداف أو الاستئثار بالسلطة مقولة أثبتت فشلها الذريع ، كون الوصول إلى الحكم والمشاركة فيه، لا يمكن أن يتم إلا عن طريق سلمي وديمقراطي، وكل توجّه آخر مرفوض جملة وتفصيلا وتداعيات الانقسام وانتهاك حقوق الإنسان وتهتك النسيج الاجتماعي حاضرة في ذهن الجميع ... كما أن وضعنا الفلسطيني القابع تحت احتلال إجلائي يمارس جرائم العدوان اليومي علي شعبنا ومقدراته وضعا خاصا لا يمكن معه التسليم بأي مبررات أو ذرائع لاستمرار الانقسام كون المستفيد الأول منه هو الاحتلال.

وفلسطينياً أظهرت الإحداث التي مر بها المجتمع الفلسطيني خلال السنوات السابقة بصورة خطيرة حالة العجز والتدهور وسيادة ثقافة العنف في التفكير والممارسة والتي أوصلتنا إلى انقسام أفقي وعمودي في المجتمعي أدي فيما أدي إليه إلى تهتك للنسيج الاجتماعي و تراجع قيم الحوار و التضامن والتكافل والتسامح وسيادة القانون ، لحساب شريعة الغاب والصالح الخاص والفئوية والعصبية القبلية والفئوية وعقلية الانتقام، لتصبح حياة المواطنين في المجتمع الفلسطيني حياة مأساوية على كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية تحدق بها كل المخاطر ومفتوحة على احتمالات المستقبل الاسؤ.

وحيث أن العلاقة القائمة بين أفراد أي "تجمع" بشري، وبالتالي أي كيان سياسي، هي علاقة جدلية ـ عضوية، فان سلامة المسيرة التطورية، واستمرار تقدمها (أي عدم تراجعها وحتى عدم مراوحتها في مكانها)، وقف على شرطين موضوعيين متلازمين. الأول أن يكون معظم الإفراد المنتمين إلى الكيان السياسي، أن لم يكونوا كلهم، عاملين من خلال وظائفهم الاجتماعية وعبر عاداتهم السلوكية، على دفع المسيرة التطورية إلى الإمام. والثاني أن يكون النظام السياسي القائم قائدا لمجموع تلك الإعمال الفردية وموجها لها.

والشرط الموضوعي الأول لا يمكن أن يتحقق إلا عبر عملية تربوية سليمة، أي عبر تنشئة وطنية ـ إنسانية ـ مهنية، لكل الأعضاء الجدد المندمجين في الكيان الاجتماعي. وذلك منذ ولادتهم وحتى بلوغهم. وهي عملية ثلاثية الجوانب، إذ يقوم الأهل بالجانب العائلي منها، والمؤسسات التربوية بالجانب المدرسي ـ الأكاديمي، والحالة الإنسانية السائدة بالجانب الاجتماعي منها، ونعني بالحالة الإنسانية مجموعة المبادئ والأفكار والمثل العليا (أو الدنيا) التي تحكم فعليا - العلاقات السياسية ـ الاقتصادية القائمة بين إفراد المجتمع، والتي تتكون بنتيجتها سائر الأهداف والغايات التي يسعى هؤلاء الإفراد إلى تحقيقها عبر تفاصيل حياتهم اليومية. وهذا الجانب الأخير، رغم تساويه في الأهمية مع الجانبين الآخرين. هو اخطر منهما، من حيث قدرته على إفراغ التربية العائلية والمدرسية من مضمونها، فالتوجيه العائلي المدرسي نحو مجموعة من المبادئ والمثل العليا والأهداف النبيلة والسامية، سيؤدي إلى أفدح العواقب إذا كان المجتمع محكوما في الواقع بمجموعة من المبادئ والمثل والأهداف المناقضة للأولى.
والشرط الموضوعي الثاني لا يمكن أن يتحقق إلا إذا قام النظام السياسي على أساس عقيدة وطنية ـ إنسانية واضحة. إما العقيدة الوطنية مختصرها الوحيد هو المساواة الحقيقية بين المواطنين، رغم اختلافهم واختلاف وظائفهم الاجتماعية، لان الوطن، ليس شركة مساهمة خاصة لتنظيم دون أخر أو لعائلة أو قبيلة او مجموعة أشخاص مهما علت مواقعهم، وإنما الوطن يحتاج إلى جميع مواطنيه دون استثناء.
وإما العقيدة الإنسانية، فعنصرها الوحيد هو جعل المواطن ـ الإنسان القيمة الأولى والغاية النهائية والمعيار الأول والأخير فلا مبادئ وطنية من دون مواطن حقيقي، ولا قيم إنسانية من دون إنسان حقيقي ولا إنسان دون احترام حقوقه.

مفهوم السلم الأهلي:

يعني السلم الأهلي الدائم رفض كل إشكال التقاتل، أو مجرد الدعوة إليه أو التحريض عليه، او تبريره، أو نشر ثقافة تعتبر التصادم حتميًا بسبب جذورية التباين، وتحويل مفهوم الحق بالاختلاف إلى إيديولوجية الاختلاف والتنظير لها ونشرها. ويعتبر أيضا إعادة إنتاج لحرب أهلية التشكيك في جوهر البناء الدستوري ومواثيقه وحظوظ نجاحه في الإدارة الديمقراطية للتنوع. ويعني السلم الأهلي الدائم إيجابا العمل على منع الحرب الأهلية في المجتمع.
وينطلق العمل في سبيل إرساء السلم الأهلي الدائم من قاعدة اختباريه معايشه وعملية وهي أن الحرب الأهلية أو الداخلية في المجتمع هي الشر المطلق، أيا كانت الأهداف أو القضية التي تتلبّس بها هذه الحرب أو تسعى للدفاع عنها، لأن هذا النوع من الحروب في الواقع الدولي هو مصدر شرور أخرى داخلية وإقليمية ودولية، فتتحول الحرب الأهلية إلى حرب من اجل الآخرين.

وبالرغم من مسئولية الاحتلال الإسرائيلي وسياسته وجرائمه عن تردي الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، إلا انه نستطيع القول بأنه لم تفلح الجهود المبذولة من قبل السلطة ومنظمات المجتمع الأهلي في فلسطين من تجنب حالة الاقتتال والعنف وحالة الانقسام وتزايد ثقافة الكره والتعصيب الفئوي وكانت اغلب المحاولات لا تستند إلى أي أساس علمي وواقعي أو منطقي أو علمي في التعاطي مع مظاهر الانفلات والعنف والاقتتال والتي أفضت إلى انقسام كارثي ترك بصماته على مجمل الحياة الفلسطينية .
ولعل المبررات التي سيقت كأسباب من جميع الإطراف قد تصبح أسبابا بنفس الوقت للتشديد على أهمية الحرص على إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وترتيب البيت الداخلي على أسس ديمقراطية الأمر الذي يعزز من تماسك المجتمع وتطوره ويعظم قدرته على التصدي إلى جرائم ومخططات الاحتلال.

السلم الأهلي في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان:

تحث و تنص كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني لحقوق الإنسان من الإعلان العالمي والعهدين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وميثاق الأمم المتحدة واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على كافة إشكال التميز ضد المرأة وغيرها من الإعلانات والاتفاقيات :علي حماية حقوق الإنسان في الحياة والأمن والحرية في التعبير والاعتقاد ، والمساواة والعدالة وتدين العنف وتحث علي قيم الحوار والتسامح والعدل وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وحرياته السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقدا شرنا خلال الورقة إلي معظم قيم حقوق الإنسان التي أوردتها الاتفاقيات والإعلانات الدولية كونها نبعت من تراث الإنسانية وتجاربها وأديانها السمحة وعلومها ومعارفها المتصاعدة التطور، ولكنها لا تتوافر دون تربية تقوم على احترام حقوق الإنسان وضمان المشاركة الجماعية للمواطنين في الحكم الذي يسعى إلى تلبية احتياجات المجتمع الممأسس على أخذ دوره في المراقبة والمسائلة والتغيير على قاعدة عدم إنكار دور الدولة ومؤسساتها وأهمية وجودها ، بما يعني إيجاد آلية تشارك إيجابي فيما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني استناداً إلى أسس الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وهذا يعني بوضوح أهمية إدراك وتطبيق الآلية المثلى لتقاسم الأدوار ما بين الحاكمين والمحكومين عبر احترام متبادل للأدوار الايجابية لكل منهما لصالح مجتمع حر مدني ديمقراطي يوفر البيئة السليمة لتطبيق مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الفردية والجماعية.

السلم الأهلي في القانون الفلسطيني:

وإذا ما نظرنا للقانون الأساسي الفلسطيني والقوانين ذات الصلة سنجد أن نصوص القانون الأساسي قد نصت علي نبذ العنف وتعزيز سيادة القانون وصيانة السلم الأهلي فقد ضمن القانون الأساسي وكفل حقوق الإنسان ومعظم معايير الحكم الصالح" وتحديدا مبدأ سيادة القانون وحفظ الحقوق وصيانة الحريات" حيث تنص المادة 6 علي إن مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، حيث تخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص كما تنص المادة العاشرة علي ان تعمل السلطة الوطنية الفلسطينية دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان،وتكفل المادة 18 حرية العقيدة والعبادة وممارسة الشعائر الدينية شريطة عدم الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة، كما وتضمن المادة 26 للفلسطينيين على حق المشاركة في الحياة السياسية أفرادا وجماعات من خلال كفالة حق تشكيل الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والانضمام إليها وفقا للقانون، وحق التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقا للقانون، و تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص، وحق عقد الاجتماعات الخاصة دون حضور أفراد الشرطة وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات في حدود القانون، كما وتكفل المادة 27 حرية تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام ،كما ويؤكد القانون الأساسي استقلال السلطة القضائية باعتبار لا سلطان علي القضاء إلا القانون.
وتؤكد المادة 32 بان كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضا عادلا لمن وقع عليه الضرر .
ونص القانون الأساسي علي ضمان التعددية السياسية التي تعني بكل تأكيد تداول السلطة داخل النظام السياسي بين القوى والأحزاب المختلفة، أي اللجوء إلى الشعب في فترات دورية، لكي يختار الشعب من خلال صناديق الاقتراع ممثليه «السلطة التشريعية» وحكومته «السلطة التنفيذية» من خلال انتخابات عامة وحرة ونزيهة لكافة المواطنين الذين لهم حق الانتخاب بموجب قانون يحدد ذلك.
وحدد القانون الأساسي اختصاصات السلطات العامة وأخضعها للرقابة المستمرة وضمن مبدأ الفصل بين سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية باعتبار ذلك من المبادئ الأساسية المستقرة في دولة المؤسسات لأن ذلك يضمن عدم خروج السلطات في الدولة عن حدود اختصاصاتها حيث تقوم كل سلطة بممارسة اختصاصاتها بشكل مستقل ومرن ولا تسمح للسلطات الأخرى بالتدخل أو التغول على اختصاصاتها. وحدد القانون دور أجهزة الأمن والشرطة باعتبارها المخول الوحيد بإنفاذ القانون.
وكما ونص القانون الأساسي علي جملة من الضمانات والحقوق والحريات للمواطن تكفل في حال تطبيقها أركان السلم الاجتماعي، بإيجاز نستطيع القول بان نصوص القانون الأساسي تشير وبشكل واضح إلى رفض العنف والفوضى باعتبارها نقيض سيادة القانون وحقوق الإنسان .

وتبقي العبرة بمدي احترام وتطبيق نصوص القانون الأساسي والتشريعات السارية في المجتمع الفلسطيني وضمان عدم مخالفتها من خلال المؤسسات أو الإفراد وهذا ما لا يتأتى إلا من خلال ممارسة السلطة والمؤسسات المعنية لدورها من جهة، ومن جهة أخري من خلال تربية وتوعية المواطنين بحقوقهم وبلورتهم لآليات للدفاع عنها وعلى قاعدة أن الحقوق تنزع ولا توهب.

ومن الجدير التأكيد على أن احترام حقوق الإنسان طفلاً أو مرأة أو معاق أو شاب وحرياته الأساسية يعد المعيار الأساسي لقياس إنسانية وتطور أي مجتمع، مع الانتباه إلي أن حقوق الإنسان تعد كمثل عليا لم تطبق بالكامل في إي مجتمع، ولكن هناك دول ومجتمعات أكثر اقترابا منها فتقدمت وتطورت ، وهناك مجتمعات أكثر ابتعادا عنها فتراجعت وتخلفت وسادت فيها الصراعات الطائفية العرقية والعنف.
فأنة بقدر ما تكون الثقافة السّائدة والممارسة السياسية مرتكزة على تقديس المجموعة عبر أيّ شكل من أشكالها (الأمّة -الدين- السياسة-الوطن) بقدر ما يكون الحكم فردانيا استبداديا، وبقدر ما تكون الثقافة السّائدة والممارسة السياسية مرتكزة على قيمة الإنسان بقدر ما يكون الحكم ديمقراطيا حرا جماعيا.

إنّ انتشار العنف والفوضى الانقسام ما هي إلا صورة للنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي السائد، وما يترتب عنها من عنف وعنف مضادّ ظواهر نعايشها يوميا ولا تحتاج لشرح مطول، يبقى علينا أن لا ننسى دوما أننا ليس إلاّ جزءا من كلّ حضاري ثقافي و سياسي واجتماعي.


دور التربية في تعزيز السلم الأهلي :

مفهوم التربية على السلم الأهلي حقوق الإنسان :

هي سلسلة متكاملة من النشاطات التربوية الهادفة إلى تنشئة الفرد اجتماعياً من خلال توعيته بالحقائق والمفاهيم والمبادئ والقيم والاتجاهات والمهارات المتصلة بحقوقه الإنسانية التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الدولية وعلى نحو يمكنه من ممارسة مسؤولياته وواجباته في احترام هذه الحقوق والدفاع عنها وضمان وانتمائه ومشاركته الفاعلة في بناء المجتمع.

وتعد التربية على حقوق الإنسان إحدى أدوات وضع معايير السلم الأهلي و حقوق الإنسان، التي وردت في الإعلانات والمعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الفلسطينية موضع التطبيق، وذلك بهدف مساعدة الناس على فهم نظرية حقوق الإنسان وإدماجها في حياتهم اليومية، ولعب دور في حماية حقوقهم والتحرك من أجل الدفاع عن حقوق الآخرين وبالتالي تربية من اجل تعزيز التضامن والسلم المجتمعي.
لذا ينبغي أن ينطوي التثقيف في مجال حقوق الإنسان على أكثر من مجرد تقديم المعلومات، ولأن يشكل عملية شاملة تستمر مدى الحياة يتعلم من خلالها الناس احترام كرامة الآخرين ووسائل طرق كفالة هذا الاحترام في المجتمعات.
لقد أصبحت قضية التعليم اليوم من قضايا حقوق الإنسان الأساسية التي أكد عليها المجتمع الدولي من خلال الإعلانات والمعاهدات والمواثيق الدولية، وحث الدول، من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، على توفير التعليم المجاني لمراحل التعليم الأساسية وإتاحة كافة إشكال التعليم الثانوي والجامعي وضمان جودة التعليم وإعداد المدرسين على أساس التربية على حقوق الإنسان التي يجب أن تصير جزءً من التربية العامة.
. وحرص المجتمع الدولي على حث حكومات الدول على إدراج مواضيع حقوق الإنسان كجزء من المادة التعليمية الرسمية، حتى يتحول التعليم والتربية إلى وسيلة لتعزيز السلم الأهلي وضمان صيانة حقوق الإنسان، يجب أن يتضمن طائفة متنوعة من الأنشطة التعليمية والمعلومات تهدف إلى احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعزيز النماء الكامل للشخصية الإنسانية والقيمة الأساسية للكرامة الإنسانية. ولتعزيز التفاهم والتسامح ومساواة النوع الاجتماعي والصداقة بين ابناء الشعب الواحد وبغض النظر عن الاختلافات العرقية والإثنية والدينية واللغوية، وتمكين كل الأشخاص من المشاركة الفاعلة في مجتمعاتهم.

لذا فان تعليم حقوق الإنسان هي مهمة على درجة كبيرة من الأهمية، حيث تساهم بشكل رئيس في تعزيز قيم التسامح والعدالة في المجتمع وفي أي من مؤسساته. ويمكن القول أن تعليم حقوق الإنسان ليس موضوعا تعليميا بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هو فهم الموضوعات والظواهر المحيطة بنا من خلال التعلم عن حقوقنا وإدراك الواجبات الناتجة مباشرة عن تلك الحقوق. لذلك، فإن حقوق الإنسان يمكن تضمينها في أي موضوع تعليمي بحيث تصبح تدريجيا جزءا من جو المدرسة، والمجتمع ومن ثم الدولة. إن تعليم حقوق الإنسان يساعد ولاسيما صغار السن على فهم وإدراك دورهم كمواطنين في مجتمع ديمقراطي. وللوصول إلى ذلك، فإن مستوى معينا من الفهم مطلوب وعلى وجه الخصوص، تاريخ نشأة وتطور حقوق الإنسان والمواثيق الدولية ولاسيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إن التعليم في العادة يهدف إلى تطوير المعرفة، ولكن التعليم الذي نحن يصدده يجب وبالضرورة أن يساعد على تطوير نسق من القيم والمهارات لدى الأفراد المستهدفين، بحيث يؤدي هذا النوع من التعليم في المحصلة النهائية إلى توفير بيئة ملائمة ونموذجية حيث تؤخذ حقوق الإنسان جديا وتكون مضمونة وحاضرة في كل طريقة تدريسية وفي كل علاقة قائمة.

ما دام التعليم حق، فإنه يصير وسيلة لجعل الإنسان يكتسب الكثير من المهارات التي تؤهله للعب الأدوار الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، إن قضية التربية والتعليم قضية إنسانية تحطي باهتمام وحرص الشعوب على التمتع بإنسانيتها, لأن الكيان البشري عندما يفقد حقه في التربية والتعليم، تنعدم فيه الإنسانية، لأن مدخل الإنسانية المعرفة، و السبيل إلى المعرفة لا يتم إلا بامتلاك الأدوات التي تمكن الإنسان من امتلاك المعرفة اللازمة لإنسانية الإنسان.
إما أن تحولت علاقات التعليم إلى تعليم تلقيني يكرس التقليد والتكيف والعنف ، ويخدم مصالح الطبقة الحاكمة في تخريج أجيال تابعة تملك شهادات كرتونية دون معرفة تواكب التطور وتحترم الإنسان وتنمي فيه قيم العقلانية واحترام الآخرين الأمر الذي يكرس قيم التبعية والتقليد والإقصاء والعنف ويحول التعليم إلى وسيلة لتكريس التخلف على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي تتم صياغتها وفق ما تقتضيه مصالح النخب المسيطرة على أجهزة الدولة، إذا كانت التربية على حقوق الإنسان في الأنظمة التعليمية القائمة تكاد تكون مستحيلة، وحتي لو ادعى نظام معين الاهتمام بها فلأجل خطاب موجه إلى الخارج في الغالب فكما لا ديمقراطية دون ديمقراطيين .. لا ديمقراطيين دون تربية ، الأمر الذي يطرح ضرورة العمل على جعل التعليم متحررا، و شعبيا و ديمقراطيا.
ولعل الفشل التربوي الكبير في العالم العربي ودول العالم الثالث رغم انتشار التعليم مدعاة لإعادة النظر لضمان تربية وتعلم ديمقراطي قائم على المشاركة وطرق التعلم النشط والفاعل ، تعلم يستند إلى فلسفة تربوية تعلميه وطنية واضحة تعزز قيم الانتماء والولاء للوطن وقيم حقوق الإنسان والمساواة والعدالة والحرية حتى يكون التعليم منتجا، و متلائما مع احتياجات المجتمع في إطار ربط التعليم بالتنمية والثقافة.

وختاما لدينا مهمات وإعمال كثيرة نقوم بها لعل أبرزها:

الأولى: هي العمل القانوني كون الحقوق والمسؤوليات المتعلقة بتعزيز السلم الأهلي وصيانة حقوق الإنسان والتسامح راسخة في القانون الأساسي والوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان لذا لابد من العمل على إنهاء حالة الانقسام وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية تكفل تفعيل كافة الأدوات القانونية وتعزيز دور المؤسسات الرسمية وعلى رأسها مؤائمة التشريعات والمناهج التربوية لضمان اشتمالها وتأكيدها على قيم التسامح وحقوق الإنسان.
الثانية: هي التربية، إذ يجب أن تسهم السياسات والبرامج التربوية في تعزيز التفاهم والتضامن والسلم الاجتماعي والتسامح واللاعنف بين الأفراد وكذلك بين الجماعات السياسية والاجتماعية والدينية.
والتربية تبدأ في كل مكان في البيت و رياض الأطفال وفي كافة مراحل التعليم وفي المؤسسات والأحزاب والحركات الاجتماعية التي يجب أن تتشابك وتتكامل جهودها في خلق جو من التسامح والتضامن بين أبناء المجتمع الواحد .

الثالثة: هي الممارسة، فلن نكتسب قيم سيادة القانون والحوار والتسامح والسلم الاجتماعي إلا بتربية تقوم على الممارسة فالتسامح والحوار وسيادة القانون ونبذ العنف، كالسباحة لا يمكن تعلمها إلا بالممارسة. وما أسهل تعلم السباحة في الهواء ولكن عند النزول في الماء وبدون تدريب يغرق الكثيرون.

الرابعة : العمل السياسي باعتباره يشكل نقطة ارتكاز لانتشار الثقافة الحقوقية، وللتربية على هذه الثقافة فإذا كانت المستويات المطروحة سابقا تؤسس بعضها البعض، وتتكامل فيما بينها، وتتقاطع وتتداخل، فإن المستوى السياسي يمثل بالنسبة إليها جميعها ذلك المحور الذي يديرها أو يعطل حركتها. فإدماج ثقافة السلم الأهلي وحقوق الإنسان في الحقل التعليمي، وترسيخ تلك الثقافة عبر التربية الشاملة، يتطلب فضاء ثقافي مجتمعي عقلاني تنويري ويتطلب عقلنه وتمدن الممارسة السياسية.
الأمر الذي يضمن انسجام التربية والثقافة مع واقع الإنسان، من حيث مدى الاعتراف له بحقوقه، نظريا وتشريعيا، ومن حيث مدى احترام هذه الحقوق عمليا. وأما أن يظل الكائن البشري موضوع استغلال وضرب وعنف فإن التنشئة التربوية والتثقيف التنويري ستظل عمليات فوقية تعوزها القاعدة التي تضمن لها المشروعية العملية.

فنبذ العنف وتعزيز السلم الأهلي وإنهاء حالة الانقسام كما هي بحاجة إلى قرار سياسي حازم يصدر عن القيادة السياسية، ويحتاج إلى الإرادة والرغبة الصادقة من جميع الإطراف ،ويحتاج إلى ضغط شعبي وإرادة جماعية تجبر جميع الفرقاء على تغليب مصلحة الشعب الفلسطيني والقيام بكل مما من شانه انجاز المصالحة ... لحين ذلك علينا التمسك بنهج التربية الديمقراطية تربية حقوق الإنسان التي تتيح لنا تأسيس ثقافة تغلب أساليب الحوار وقبول التعددية واحترام الاختلاف.

وعلي المجتمع ومؤسساته العمل على تربية أبنائه تربية تعزز الحب والتضامن والاحترام المتبادل بين أبناء المجتمع الواحد تربية تضمن نشر إدراك جماعي حول عبثية العنف والحروب الداخلية والفوضى و تحويل الصراعات الخارجية إلى نزاعات داخلية، وتوضيح كلفة ومخاطر هذه الحروب بالنسبة إلى قضيتنا الفلسطينية وكيان مجتمعنا ومصالح أبنائنا، واعتبار الوحدة الوطنية والالتزام بإحكام القانون هو مقياس الولاء، وان ميثاق العيش المشترك هو قضية المجتمع الأولى لا تعلو عليها أية قضية أخرى، لأنها موضوع الحياة، وموضوع الكرامة.

إن هذا الأمل مشروعنا للعقد المقبل نواصل به من أجل أطفالنا،حلم كل من حلموا طوال أجيال الألم والنضال، حلم بوطن ديمقراطي حر لا نستحي منه ولا يستحي منّا.


قدمت الورقة من قبل الكاتب ضمن فعاليات المؤتمر التربوي العالمي- فلسطين غزة 31/10/2010



#صلاح_عبد_العاطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناهضة التعذيب في المعايير الدولية و الوطنية و الواقع الفلسط ...
- ازمة الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني
- مسئوليات الاحتلال الإسرائيلي الجنائية والمدنية عن جرائم حربه ...
- ورقة عمل حول خطة السلطة الوطنية لاعوام 2008-2010
- الحريات العامة بين التعصب والتسامح
- قراءة نقدية في كتاب -صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالم ...
- المخادعون والمخدوعون
- المشاركة السياسية في المجتمع العربي
- إلف.. باء الحريات.. في مجتمع تتراجع فيه الحرية
- المرأة الفلسطينيةبين الواقع والطموح
- الواقع الاجتماعي والثقافي للشباب الفلسطيني
- الاستيطان الصهيوني في فلسطين حتى عام 1948
- مشروع الشرق الأوسط وتداعياته على الأمن القومي العربي
- المرأة الفلسطينية بين الواقع والمأمول
- الصهيونية المسيحية الأصولية الأمريكية المعاصرة
- كلام عن الحرية.. العزلة .. الانكشاف
- الاقليات وحقوق الانسان في المجتمع العربي
- الحركة السياسية الفلسطينية -دراسة تطبيقية- حركة القوميين الع ...
- العلمانية والأصولية في المجتمع العربي
- الموقف القانوني من الانفصال احادي الجانب واعادة الانتشار لقو ...


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - صلاح عبد العاطي - دور التربية في تعزيز السلم الاهلي