أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صلاح عبد العاطي - الحركة السياسية الفلسطينية -دراسة تطبيقية- حركة القوميين العرب















المزيد.....



الحركة السياسية الفلسطينية -دراسة تطبيقية- حركة القوميين العرب


صلاح عبد العاطي

الحوار المتمدن-العدد: 1589 - 2006 / 6 / 22 - 09:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة:-

شهدت الحياة السياسية العربية والفلسطينية، ظهور أحزاب وحركات سياسية عديدة ساهمت في التأثير على عمل القضية الفلسطينية, حيث تنافست التيارات الفكرية والوطنية والقومية، لتحجز لها مكانا في الصراع الدائر مع الاحتلال الصهيوني الاسرائيلى .

فمنذ نكبة فلسطين عام 1948، اتجهت أنظار القوميين العرب صوب فلسطين، بعدما شاهدوا القهر والظلم والممارسات الاستيطانية والقمعية التي يمارسها الصهاينة على ارض فلسطين، وبرغم أن حركة القوميين العرب تعتبر عربية النشأة ، وكانت تنادى بالقومية العربية، إلا أنها أولت القضية الفلسطينية الاهتمام الأعظم، وبشكل ميزها عن غيرها من الأحزاب، حيث بقى تأثير الحركة في الحياة السياسة الفلسطينية حتى عام 1967.

ونظرا لان الحركة لم تحظى بالدراسة الكافية، إلا من قلة من الباحثين الذين كتبوا عن تجربتها في أطار المجتمع العربي عموما, حيث بقي مجال دراسة علاقة الحركة بالحياة السياسية والقضية الفلسطينية غير متناول إلا من قلة من الباحثين، وفي أطار تناول دور حركة القومين العرب ككل.
ولعل من ابرز الدراسات السابقة في هذا المجال دراسة باسل الكبيسى، الذي تناول في أطروحته للدكتوراه حركة القوميين العرب، وكتاب حركة القوميين العرب النشأة والتطور لسهير التل، وكتاب حركة القوميين العرب والقضية الفلسطينية لسامي عبد المجيد، وهناك دراسات أخري لهاني الهندي وإبراهيم أبراش وأبو علي مصطفي وآخرين تناولت حركة القوميين العرب ودورها.
وان كانت دراستنا امتداد للدراسات السابقة ومكملة لها، إلا أنها تتميز بتركيزها علي تناول فرع الحركة الفلسطيني باعتباره امتداد لحركة القوميين العرب، وأثره في الحياة السياسية الفلسطينية، ومواقفه من القضية الفلسطينية والعمل الثوري، وما آلت إليه أوضاع الحركة اثر حرب حزيران 1967.

والذي دفعني لأعداد هذه الدراسة - غير أنها احد متطلبات إتمام مساق الحدود والدولة القومية مع الدكتور صبحي الأستاذ - هو إيماني بدور الحركات السياسية في صناعة التغيير، وإدراكي بان الحركة السياسية الفلسطينية لا تراجع خبراتها، أو لم تتاح لها الفرصة لمراجعة خبراتها، بقصد التعلم والاستفادة من تجارب الماضي، ولإيماني بأهمية العمق العربي للقضية الفلسطينية، كما أن نقص الدراسات السابقة حول الحركة وتحديدا تجربتها الفلسطينية شكل لنا دافعا أخرا لانجازها.

وانطلاقا مما سبق تأتي هذه الدراسة، والتي تعتمد علي المنهج التاريخي لوصف نشأة وتطور حركة القومين العرب وخاصة فرع الحركة الفلسطيني، وتنقسم لثلاثة فصول: حيث يتناول الفصل الأول الحركة السياسية الفلسطينية بعد نكبة 1948، وبوادر ظهور القوى والتيارات المختلفة، ومنها حركة القوميين العرب التي لعبت دور مهم في الساحة العربية والفلسطينية ، وتناول الفصل الثاني نشأة وتطور حركة القوميين العرب، واختص الفصل الثالث بفرع فلسطين في حركة القوميين العرب، تشكلاً وهيكلةً وانشطةً ودوراً، واختُتِمت الدراسة بمجموعة من الاستخلاصات والاستنتاجات.

وإذ يتقدم الباحث بالشكر لكل من ساعدوه في الحصول على المراجع المطلوبة والتي كان لها الدور الكبير في كتابة هذه الدراسة.



الفصل الأول

مقدمه تاريخية تمهيدية

نشأة الحركة السياسية الفلسطينية:-


منذ بداية النشاط القومي العربي عبرت الحركة الوطنية الفلسطينية في أطار الحركة القومية العربية عن نشاط بارز في الأحداث السياسية التي اتجهت إلى مقاومة السيطرة العثمانية ورفع شعار الوحدة القومية العربية.

فقد شارك الفلسطينيين في تأسيس الحركات القومية العربية السرية والعلنية مثل حزب اللامركزية، والمؤتمر القومي، باعتبار إن فلسطين كانت جزء من سوريا الكبرى بل أن الأعضاء الفلسطينيين انتموا لهذه المنظمات العربية باعتبارهم فلسطينيين، وكونهم جزء لا يتجزأ من الأمة العربية.


على اثر السياسيات التركية التي انتهجتها جمعية تركيا الفتاة، وحزب الاتحاد والترقي، ظهرت بذور اليقظة العربية، الهادفة إلى الثورة ضد سياسة الترييك، التي انتهجتها الدولة العثمانية، فتحالف العرب مع الانجليز، بقيادة حسين بن علي، للتخلص من الدولة العثمانية المريضة في حينه، ونجحوا في ذلك، إلا أن انجلترا لم تفِ بوعودها للعرب، بل الأدهى من ذلك أن انجلترا وحليفتها فرنسا قد قسما الوطن العربي وفق اتفاقية سايكس بيكو، وكما سهلت انجلترا في هجرة اليهود إلى فلسطين وساهمت في أقامة الكيان الصهيوني.

مع إدراك العرب والفلسطينيون تحديدا لمخاطر الهجمة الصهيونية، مما اضطرهم لمواجهة المخطط الصهيوني، وفي وقت مبكر فقاموا بتأسيس عدد من الأحزاب والجماعات، لمقاومة الهجرة الصهيونية، فقد تأسست في بيروت جمعية تحت مسمي "الشبيبة النابلسية" والتي شكلت بدورها جمعية الفاروق، التي اتخذت من القدس مقر لها، وهدفت إلى الكشف عن الخطر الصهيوني بالمنطقة ومجابهته .


ولم تحل اليقظة الفلسطينية والعربية، من تزايد الخطر الصهيوني، الذي منح دفعة كبيرة، اثر وعد بلفور عام 1917، الذي منح اليهود وطنا قوميا في فلسطين، والذي كان من ابرز تداعياته دخول القضية الفلسطينية في مرحلة جديدة، وقعت على أثرها فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي بدء يكشف عن وجهه الحقيقي، الداعم إلى الجماعات الصهيونية والمسهل لها سبل الهجرة والإقامة، والمتغاضي عن جرائم الصهيونية واستفزاز للعرب .

وبالرغم من المحاولات الفلسطينية والعربية الممانعة للوجود الصهيوني، إلا إن موقف الحركة الوطنية في حينه، كان يراهن على إمكانية إحداث تغير في موقف الحكومة البريطانية الداعم للمشروع الصهيوني. من جهة كما إن الأحزاب السياسية الفلسطينية في حينه كانت أحزاب عائلات متصارعة من اجل النفوذ والمكانة من الجهة الثانية.

من هنا انحرفت الحركة الوطنية من حركة تعمل لأجل الشعب وضد الصهيونية والاستعمار إلى ساحة تتناقض فيها الشخصيات ذات الارتباطات المشبوهة وسماسرة الأرض وكل من لدية مرض السلطة والوجاهة، ما جعل الجماهير الفلسطينية تفقد ثقتها بقيادتها، وتلجأ إلى وسائل جديدة في النضال، كان من أهم سماتها معاداة بريطانيا واعتبارها عدو، واللجوء إلى العنف المسلح، هذه الإستراتيجية الجديدة في النضال، التي اقترنت بعودة الفكر الوحدوي إلى ساحة النضال، والعودة أيضا إلى مطلب الوحدة العربية، كتعبير عن اعتراف الفلسطينيين بفشل المراهنة عن العمل الوطني المنفصل عن الأمة العربية .
فعادت فكرة الوحدة القومية العربية، لتمثل موقع الصدارة في إطار الفكر السياسي الفلسطيني، اعتبارا من مطلع الثلاثينات، حيث شعرت الحركة الوطنية الفلسطينية بأهمية العمق العربي إبان إحداث هبّة البراق .

قد تعزز هذا التوجه بإعلان تشكيل حزب الاستقلال العربي، في فلسطين أغسطس 1932، على أساس مبادئ القومية العربية، حيث رأى مؤسسي الحزب، بان القضية الفلسطينية تتقاذفها الرياح والعوامل المتناقضة، منذ إن انفصلت عن القضية العربية الكبرى ، وينسحب هذا الأمر على كافة الأحزاب العربية، التي ظهرت في فلسطين في النصف الأول من الثلاثينيات، مثل الحزب العربي الفلسطيني برئاسة جمال الحسيني عام 35، وحزب الإصلاح , الكتلة الوطنية ، حزب الدفاع الوطني، إلى حد ما .

واثر اشتداد الثورة الفلسطينية، وزيادة التضامن العربي مع فلسطين، اقترحت بريطانيا تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام، إلا إن هذا الاقتراح رفضه العرب، وإزاء المعارضة العربية قامت بريطانيا بإحالة القضية الفلسطينية للأمم المتحدة، والتي بدورها قررت في اجتماع الجمعية العامة عام 1947، إنهاء الانتداب وتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، وفق خرائط قررت سلفا، كما وقررت تدويل القدس، وتعاون الدولتين اقتصاديا .

ولقد أدى قرار التقسيم إلى ثورة عارمة من قبل العرب والفلسطينيين، الذين رفضوا القرار، وعبروا عن استيائهم من الدول التي أيدت إقامة دولة يهودية على جزء من فلسطين، وقاموا بعدد من الاحتجاجات وإعمال عنف مسلح ضد قنصليات الدول التي وافقت على القرار .

ومن الجدير ذكره بان الواقع العربي المتردي في حينه كان من أهم العوامل التي ساهمت في إقامة الدولة الصهيونية واستيلائها على مساحات كبيرة خارج حدود التقسيم، فدول الجامعة العربية كانت تعاني حالة من الفرقة والانهيار .

وما إن دخل الجيش العربي إلى فلسطين، بقيادة الجنرال حلوب، في مايو 1948، حتى سارع الجيش العربي لنزع سلاح الفلسطينيين، وتقييد حريتهم في الحركة، منذ ذلك التاريخ غيّب الفلسطينيين عن ميدان قضيتهم، وكان هذا بداية التدخل الرسمي العربي، لتوضع القضية في هايدى الجامعة العربية ، إما الحركة الوطنية الفلسطينية في حينه، فقد كانت سماتها الارتجال وغياب الرؤى ونقص الإمكانيات، مع إن الفلسطينيين قد أبدو في حينها بسالة في الدفاع عن مدنهم وقراهم، في وجه العصابات الصهيونية .

وجاءت نكبة عام 1948، لتشكل صدمة كبيرة للشعب الفلسطيني، الذي أجبرته الممارسات الاسرائيلية الصهيونية القمعية والمجازر، على النزوح والهجرة إلى بلدان الوطن العربي، سوريا ولبنان والأردن، حيث نزح قرابة سبعمائة إلف لاجئ إلى البلدان المذكورة، وقد ساهمت النكبة في إجراء تحول جذري في الفكر القومي العربي، لدرجة أضحت فيها النكبة رمزاً لجميع مظاهر التخلف والضعف الذي عانى منها الوطن العربي، من استعمار وتجزئة .

بالرغم من كبر الهزيمة التي مُني بها الفلسطينيون، والتي أوقعتهم في مشاكل جديدة، منها الانشغال بالتحديات التي فرضتها الهجرة والنزوح عن أرضيهم، إلا أنهم بدئوا مرحلة جديدة من عمر نضالهم خاضوا فيها معارك وصراعات دامية، من اجل الحفاظ علي كيانهم وانتزاع حريتهم .
فالي جانب النضال الشعبي في المناطق الفلسطينية، وتحركات اللاجئين ومناداتهم بحق العودة، ظهرت في العالم العربي منظمة كتائب الفداء العربي، كمنظمة ثورية، أخذت على عاتقها مسئولية معاقبة المسئولين عن نكبة فلسطين .

بالرغم من إن المنظمة قد مارست عملها في توعية الرأي العام، من خلال القيام بأعمال بطولية وتضحيات بالنفس، من اجل تسليط الضوء على المشكلة الفلسطينية، لكنها لم توطن جذورها وانتهي أمرها عام 1950، خاصة بعد فشلها في اغتيال أديب الشيشكى في نوفبمر1950، وعلى أثرها، تم اعتقال العديد من قيادة التنظيم، واختفاء البقية من مسرح الإحداث.

ومن بين الهاربين كان جورج حبش وهانى الهندى، اللذان قطعا كل صلتهم بكتائب الفداء العربي، وتوجها لبناء حركة جديدة هي حركة القوميين العرب محل دراستنا .


الفصل الثاني



حركة القوميين العرب النشأة والتطور


في بيروت، وفي هذه الظروف، بدء جورج حبش بتأسيس منظمة للنضال الثوري ، هو وهاني الهندي، حيث بدءوا في تجنيد أعضاء المنظمة السرية، و أثمرت جهودهم على انعقاد الاجتماع التأسيسي الأول في مارس 1949، بين كلا من قيادة المجموعات الثلاثة، مجموعة جهاد ضاحي في سوريا، جورج حبش وهاني الهندي من بيروت، حسين توفيق وعبد القادر عامر من مصر .
وحملت المجموعات اسم" كتائب الفداء العربي"، وتبنت الكتائب برنامج سياسي أكدت فيه على الوحدة العربية وتحرير فلسطين، وكانت قاعدتها السياسية تنطلق من عملية الرد الانتقامي ، وتلخصت أفكار المنظمة في إزالة إسرائيل، ورهنت الأمر بقيام الوحدة العربية .

وقامت الكتائب بعدد من العمليات بعد أشهر من تأسيسها، ففي 6 نوفمبر 1949 ألقت القنابل في وقت واحد على المعبد اليهودي في دمشق، ومدرسة الاليانس اليهودية في بيروت، ومقر وكالة الغوث في دمشق . ،واستمرت المنظمة بالقيام بعمليات أخرى، ولكنها سرعان ما تفككت بعد محاولة اغتيال نائب رئيس الأركان السوري أديب الشيشكلي في 12 ديسمبر1950، حيث ساهمت هذه المحاولة الفاشلة، في تفجير صراع بين تيارين متعارضين داخلها ، بين تيار المنظمة المصري الذي تعاون مع بعض السياسيين السوريين لتنفيذ الاغتيال المذكور، في حين عارض مثلوا المجموعتين السورية واللبنانية العملية، من منطلق الشبهة بأهدافها، كما لم يكن الشيشكلي في نظرهم أحد المسئولين عن النكبة .

وعلى أثر ذلك رفض جورج حبش المُضي في طريق المغامرات السياسية ، توجه وعيه نحو تأسيس منظمة بديلة للنضال الجماهيري والثوري، من خلال الجامعة الأمريكية في بيروت، باعتبارها مقرا لنشاطه كونه معروفا ومحترما فيها، بسبب الأعمال التي قام بها سابقا ، إضافة إلى وجود عدد من أصدقائه القدامى فيها، ولم تمضِ سوى أسابيع قليلة حتى نجح في إجراء الاتصالات اللازمة، من أجل السيطرة على جمعية العروة الوثقى بالجامعة، وبعد إن أتم جميع الاستعدادات اللازمة للمشاركة في انتخابات اللجنة التنفيذية للجمعية.

وبعد نجاح التيار القومي، وحصوله على أكثرية الأصوات، فاز حبش برئاسة الهيئة العليا لجمعية العروة الوثقى، مما مكنه من الانتقال إلى تأسيس حركة القوميين العرب والتي تبنت شعارها الأول ( وحدة ، تحرير، ثأر ) ، بعد إن وجه حبش مقترحا لأعضاء اللجنة التنفيذية لجمعية العروة الوثقى لتأسيس منظمة سرية قومية جديدة تكون اللجنة التنفيذية للجمعية نواة لها، وقد استجاب لهذا الاقتراح جميع الأعضاء.

وقد بدأت الحركة نشاطها بشكل علني حتى عام 1954، ونشطت في مخيمات اللاجئين بالشتات، وشكلت الحركة أطرا تنظيمية منها "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل" ولجنة كل مواطن غفير، والمؤتمر العام للنازحين، وتشكيلات الشباب العربي، والتي نشطت في توعية وأتطير الجماهير العربية، وفي مؤتمر الحركة الأول المنعقد يوم 25 ديسمبر 1956 في بيروت اقر المؤتمر أن تحمل الحركة في عموم تنظيمها اسم الشباب القومي العربي، وقد كان الهدف من ذلك تحديد هوية الحركة كجسم مستقل عن الأحزاب القومية الأخرى.


وقد عرفت الحركة في الوسط السياسي، تارة باسم الحزب القومي العربي وتارة أخرى، باسم حركة القوميين العرب، ويبدو أن المؤسسين للحركة لم يفصلوا بموضوع التسمية، كونهم اختاروا أن يعملوا تحت أسماء متعددة، لكي يجمعوا أكبر قدر ممكن من المناصرين . ، ورست الحركة على اسم حركة القوميين العرب بشكل مستقر منذ عام 1958، كما يؤكد هاني الهندي ونايف حواتمة .


هيكلية الحركة وتوجهاتها والمراحل التي مرت بها:-

يمكن القول أن حركة القوميين العرب قد اعتمدت في أسلوب تنظيمها وهياكلها على الأسلوب المركزي التي تحكمه العلاقات المركزية العمودية والذي تخضع فيه المراتب الدنيا إلى المراتب العليا، وفق مبدأ نفذ ثم ناقش، وكان من حق أي عربي يؤمن بأهداف الحركة ومبادئها أن ينتسب للحركة، شريطة التزامه بتنفيذ أوامرها بإخلاص، ويساهم في تمويل ميزانيتها، كما كانت الحركة تشترط تزكية عضوين على الأقل ممن يعرفون المرشح شخصيا . واستمرت الحركة في التطور والمواظبة على عقد مؤتمراتها السنوية لمراجعة نشاطها، وللتخطيط لأنشطتها المستقبلية، ولتنتخب رئيس للجنة التنفيذية.

أما عن الاتجاه الفكري الذي حكم حركة القوميين العرب، فيمكن القول أن القضية الفلسطينية كانت أولوية الاهتمام المركزي لدى الحركة، وسبق وأن اشرنا إلى أن الحركة في بداية انطلاقها قد قامت بتأسيس هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل عام 1952 ، بهدف حشد العرب والفلسطينيين ضد أي حل سلمي مع إسرائيل تحديدا، كما ونجحت الحركة في إصدار نشرة أسبوعية اسمها "الثأر" تنشر من خلالها أفكارها، والتي لاقت رواجا كبيرا من قبل الفلسطينيين ، ولقد اهتمت الحركة بالنضال السياسي، والذي هدف للتخلص من الصهيونية والامبريالية في الوطن العربي، وخلق دولة عربية من المحيط للخليج، كما وتبنت الحركة أفكار المفكر السوري قسطنطسن زريق، وأفكار الحكم دروازة، وحامد جبوري.


المراحل التاريخية التي مرت بها الحركة:-

ويمكن اعتبار أن الحركة قد تدرجت في فكرها على مراحل:

الأولى : منذ عام 1951 حتى 1954، وكانت عبارة عن انغماس الحركة في النضال السياسي والجماهيري وبشعارها المعروف ( وحدة، تحرير، ثار)، تلاها انفتاح علاقات الحركة مع الثورة المصرية، واتجاهها نحو الوحدة وفلسطين، تأثرت فيها الحركة بصورة خاصة بثورة يوليو، وإن لم تكن الحركة مرتاحة لتركيز ثورة يوليو في بداياتها على القضايا الداخلية المصرية.

المرحلة الثانية: ما بين 1954 حتى 1958، والتي تعد فترة انطلاقة الحركة الواسع، والذي اتسع فيه نشاطها إثر التحول الذي حدث في ثورة مصر، والتي انفتحت بدوها على الهم العربي، مما ساهم في اقتراب الحركة أكثر فأكثر من ثورة مصر وقياداتها.

المرحلة الثالثة: والتي تمتد منذ عام 1958 حتى عام 1961 حيث أدى نشوء الجمهورية العربية المتحدة، بين مصر وسوريا، إلى بداية مرحلة جديدة في تطور الحركة، فقد رحبت الحركة بنشوء دولة الوحدة واعتبرتها بداية يقظة عربية ثابتة، وربطت نفسها وجهودها على أساس أن الوحدة هي طريق التحرير، لدرجة أصبح مقر عمل الحركة منذ عام 58 في دمشق، وقد ركزت الحركة خلال هذه الفترة على برنامجها الذي أقرته عام 1959، والذي ركز على الوحدة العربية، والصراع ضد الشيوعيين، وسياسة الحياد الايجابي، ودعم الثورة الجزائرية، ودعم سياسة الجمهورية العربية المتحدة.

المرحلة الرابعة: منذ عام 1961 حتى عام 1967، والتي جاءت في إعقاب فشل تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، حيث اعتمدت الحركة على برنامج عام 1962 ذو التوجهات الاشتراكية، والذي بدأ في تشخيص الواقع العربي على الأساس الطبقي، ولقد لعب عبد الناصر بتأثيره وثقله دورا في هذا المجال من خلال تبنيه للفكر الاشتراكي، وعلى إثر ذلك دعت الحركة إلى إنشاء دولة عربية اشتراكية واحدة، وفي أعوام 1964 -1965 توطدت علاقة الحركة مع الناصرية بدعوى إمكانية وحدة القوى السياسية، بعد فشل وحدة الدول العربية .

ولقد أدت هزيمة حزيران 1967 إلى نكسة هائلة في فلسطين والوطن العربي، على إثرها شكل الحدث نقطة فارقة في تحول الحركة، التي كان مبرر وجودها هو قضية فلسطين بالدرجة الأولى، مما دفع الحركة وخاصة الفرع الفلسطيني، إلى الالتفاف حول القيادات الثورية في الحركة في سبيل استرجاع فلسطين، وخاصة أن الفرع الفلسطيني كان قد مارس العمل الفدائي والكفاح المسلح، وقطع شوطا فيه قبل الهزيمة، ويمكن القول أن حركة القوميين العرب قد انتهت فعلياً مع الإعلان عن تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 11 /12/1967.


الفصل الثالث

الفرع الفلسطيني في حركة القوميين العرب" النشاءة والتطور"

بدأت الحركة تشعر بأهمية إبراز الشخصية الفلسطينية، وخاصة وأن معظم قياداتها المؤسسة كانوا من الفلسطينيين، الذين كانوا يتساءلون عن دورهم الخاص باتجاه فلسطين، وكيفية التوفيق بين انتمائهم القومي، وبين مشكلتهم في إحياء الوعي بالكيان الفلسطيني، ومنح الشعب الفلسطيني الفرصة للمشاركة في النضال القومي، واثبات ذاته، ووضع حد للاغتراب عن القضية، دون التخلي عن الشعارات والمفاهيم القومية .

وخاصة في ضوء تعدد الأزمات والتحديات القطرية أمام فروع الحركة في المجتمع العربي، حيث أخذ سؤال دور الفلسطينيين الخاص في إطار العمل القومي؟؟ يطرح نفسه وبقوة وخاصة في بدايات عام 1958، حيث تم تشكيل من بين القيادات الفلسطينية لجنة في الحركة، سميت "لجنة فلسطين" والتي تكونت من كل من جورج حبش ووديع حداد وأحمد اليماني وأسامة النقيب وعبد الكريم حمد وآخرين .

وقد أتت اللجنة كاستجابة لواقع جديد، أكثر منه لنزعة مسبقة لإيجاد تنظيم قطري، فقد كانت الحركة مضطرة لتشكيل هذه اللجنة، لكي تتمكن من الاتصال بتشكيلات الفدائيين الفلسطينيين في الجيش الإقليم الشمالي، والجيش السوري السابق، ويمكن القول أن اللجنة الفلسطينية لم تكن تنظيم قطري، كما أن التجمعات الفلسطينية في الأقطار العربية المجازة لفلسطين، كانت تشهد حيوية ونشاط أسفرت عن إنشاء عدد من المنظمات المقاتلة، والتي رفعت شعار القتال من اجل فلسطين، وقد كانت لجنة فلسطين النواة الأولى، لانطلاق منظمة شباب الثأر، والتي تعد الجهاز النضالي الثوري للفرع الفلسطيني في حركة القوميين العرب .

وقد اعتمدت لجنة فلسطين،خيار تحرير فلسطين من خلال الفلسطينيين، اعتمادا على دولة الوحدة، وعرفت اللجنة بعد ذلك"بإقليم فلسطين" منذ عام 1960 ، ونظرا لمركزية الفلسطينيين بشكل عام في فروع وهيكلية الحركة المختلفة في العالم العربي ، استغرق عملية فرز الكادرات الفلسطينية وقتا طويلا لها، وذلك بهدف عدم حرمان مختلف الفروع الأخرى من بعض قيادتها المركزية، ولقد ضم إقليم فلسطين أيضا ما يعرف بالساحات الفلسطينية والتي انطوت تحت قيادة الإقليم الفلسطيني للحركة، وهي ساحات (الأردن– مصر– لبنان– سوريا – الكويت– العراق- وفرع فلسطين الداخلي ) والذي تأخر بالظهور، بسبب البحث عن الآليات والأطر المناسبة لتنظيم الفلسطينيين، في ساحات العمل المختلفة .

ولعل الأدب الصادر عن حركة القوميين العرب في مطلع الستينيات قد أشار إلى وجود جدل حول مسألة تجنيد الفلسطينيين، تجنيدا منظم يجعلهم طاقة ثورية فاعلة في معركة التحرر، باعتباره هدفا مركزيا، ولم يكن الهدف هو إطلاق حزب جديد، وخاصة إذا ما علمنا أن الفترة ما بين عامي 61 و 62 والتي نتحدث عنها تشير إلى وجود حوالي 36 تنظيم فلسطيني .

كما وساهمت الانتصارات السياسية التي حققتها الناصرية وخاصة انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في منتصف مارس 1957 في ترك آثار واضحة على حركة القوميين العرب، والتي بدورها ساهمت في تعزيز التقارب في حركة القوميين العرب والإدارة المصرية، والتي ساهم بعودتها رفض الجماهير الفلسطينية للقوات الدولية، ومطالبتهم بعودة الإدارة المصرية لقطاع غزة ، وعلى إثر عودة الإدارة المصرية للقطاع بدأت حركة القوميين العرب تشق طريقها بقطاع غزة، حيث لاقت شعارات وأفكار الحركة تعاطفا شعبيا شديدا من قبل جماهير القطاع ، فقد كانت شعارات الحركة صارخة في فلسطينيتها ولكنها أيضا كانت ملتزمة بشعار الوحدة العربية .

وبحكم التعاطف من جانب الإدارة المصرية، استطاعت الحركة وفي فترة وجيزة، أن تبسط نفوذها وبشكل كبير على المستوى الجماهيري، وبشكل فاق القوى السياسية الأخرى، مثل حزب البعث، والحزب الشيوعي، والإخوان المسلمون، بحكم وجودهم في قطاع غزة قبل حركة القوميين العرب، وقد كانت انطلاقة الحركة الأولى من خلال مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الدارسين في الجامعات المصرية والذين أسسوا أول خلية من مجموعة من مدرسين وكالة الغوث في مخيمات القطاع وتحديدا في مخيم جباليا، ومنهم:عمر خليل، محمد المسلماني، ناصر ثابت، محمد شعبان أيوب، يوسف العجرمي، عبد القادر أبو سمرة ، عبد الله أبو زعيتر، صالح أبو ريه ، وآخرين .

وبدأت الحركة في تأسيس خلاياها الأخرى مركزة على مخيمات اللاجئين، ولقد تعاملت حركة القوميين العرب مع الأوضاع القائمة في قطاع غزة بذكاء سياسي حيث حرصت على إخفاء خلافاتها مع الإدارة المصرية، باعتبار أن شعبية الرئيس جمال عبد الناصر في القطاع كانت لا تقاوم في حينها، ولاحقا وبرغم توتر العلاقة بين قيادة الحركة وبين القيادة الناصرية بسبب رفض الحركة حل نفسها، والاندماج في منظمة التحرير، التي جاءت بناء على رضي القاهرة، إلا أن هذه العلاقة لم تصل إلى حد الفرقة أو التصادم كما كان عليه الأمر مع حركة الإخوان المسلمين، والشيوعيين، والبعثيين .

هيكلية ونشاط فرع الحركة الفلسطيني:

كانت تركيبة الحركة في قطاع غزة تركيبة هرمية كما هو حال الحركة الأم، حيث كانت اعلي مرتبة في القطاع هي "المرتبة المسئولة" التي كانت موزعة على مستويات ومسؤوليات متعددة تضم (المسئول السياسي، المالي، العسكري، الإداري ..) ويأتي بعد ذلك الشُعب وهي مرتبة ثانية بعد المرتبة المسئولة، وكل شعبة تتكون من ثلاثة إلى خمسة أفراد، يشرفون على المناطق، تتبعها الرابطة، التي كانت تتشكل من ثلاثة إلى خمسة أعضاء، الذين بدورهم يشرفوا على خلايا الحركة، باعتبار الخلية هي الوحدة الأساسية في التنظيم، وكانت كل خلية تتكون من مجموعة من الحلقات، والحلقة كانت تعد الوحدة ألاختباريه للأعضاء، من خلالها يتم اختيار الشخص ليكون عضوا في الحركة ، حيث كانت الحركة تشترط في العضوية مجموعة من الشروط، يمكن إجمالها في: السمعة الجيدة، الاستعداد والقبول بما يطلب من العضو من مهمات، وحضور الاجتماعات.

ويشير النقاد بان الحركة رضيت مثل أحزاب عربية عديدة بوضع السعي من أجل الديمقراطية، في المجتمع وداخل الحزب، في آخر جدول أعمالها، حيث أجلت الديمقراطية لصالح الوحدة، ثم لصالح الاشتراكية، وتحرير فلسطين، وجعلت الأولوية "للوطن" على "المواطن"، إلا أن "الحركة" تميزت عن أحزاب أخرى من نفس النوع "الثوري"، بأنها نجحت في عدم تسليم قيادة التنظيم لفرد واحد، بنجاحها في تطبيق مبدأ القيادة الجماعية التي تلغي انحرافات الفرد، وهي أقدر على التخطيط لتعدد كفاءاتها .

لاحقاً في تقييم تجربة "الحركة" رأى مؤسسها –جورج حبش- أنه لو فكر بإعادة تأسيسها من جديد فسيضيف شعارا أساسيا وهو الديمقراطية.. فلا يجوز أن يكون هناك أي شيء على حساب الديمقراطية.. ولا يمكن للشعب أن يحقق أهدافه الكبرى إلا من خلالها، فهي الشرط للسير نحو الوحدة والتطور والتنمية، ومواجهة الأعداء وليس العكس، كما أن جزءاً كبيراً من مسؤولية فشلنا يعود إلى أننا لم نكن ديمقراطيين، فالديمقراطية هي نظام حياة تشمل الاقتصاد والسياسة.

الجانب المالي للحركة في قطاع غزة:- لقد كان تمويل الحركة تمويلا ذاتيا حيث لم تتلق الحركة أي دعم مالي خارجي، فقد كانت تشترط الحركة على أعضائها أن يساهموا ب 5% من رواتبهم، وفي حين الأزمات المالية التي تعرضت للحركة، وصل الأمر للطلب من الأعضاء المساهمة ب 50 % من رواتبهم .

نشاط وفاعلية الحركة في فلسطين:- بدأ الفرع أنشطته وبرامجه من خلال استثمار المناسبات السياسية لعقد الندوات والمهرجانات الجماهيرية والتي كانت تلقى فيها خطابات الحركة السياسية، إلى جانب قيام الحركة بعقد الندوات السياسية والاجتماعية والثقافية في المدارس والنقابات والمراكز والأندية ، وتطور هذا النشاط وبشكل ظاهر وفاعل من خلال مشاركة وسيطرة الحركة على الاتحاد القومي العربي الفلسطيني الذي تم تأسيسه في عام 1958، حيث برهنت نتائج الانتخابات في الاتحاد على وجود امتداد واسع لحركة القوميين العرب في القطاع .

كما ولعبت الحركة دورا فاعلا إلى جانب التيارات السياسية العربية والفلسطينية الأخرى، في رفض كل مشاريع التوطين، التي طرحت من أطراف متعددة ،سواء من الولايات المتحدة الأمريكية، أو الأمم المتحدة أو الأطراف العربية، من خلال ما قامت به من تحريض وتحركات جماهيرية، أدت في نهاية المطاف إلى إسقاط ورفض هذه المشاريع.

وإثر تشكيل التنظيم الناصري في مصر، والذي أصبح له فيما بعد امتداد في صفوف الموظفين المصريين في القطاع، تطور نشاط الحركة واتسع ،حيث استفاد القوميون من هذه العلاقة والتي سهلت سفرهم وتنقلهم للخارج ، للالتقاء بقيادات الحركة ، إضافة لتردد قيادات الحركة في الخارج على القطاع .

نشاط الحركة العسكري:- بدأ بالفعل وتطور بعد عام 1963، حيث أرسلت الحركة عدد من كادراتها لتقلي دورات عسكرية في سوريا ولبنان ومصر بهدف تشكيل جناح عسكري للحركة، وتزامن تشكيل وفعل الجناح العسكري للحركة مع بواكير تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964، والتي بدورها بادرت لتأسيس الجيش الفلسطيني، والتنظيم الشعبي، في قطاع غزة .

بعد أن جاء قرار حل الاتحاد القومي العربي الفلسطيني ونقل موظفيه وأملاكه للتنظيم الشعبي ، وقد حظا التنظيم الشعبي بدعم حركة القوميين العرب، لأنه سن قانون التجنيد الإجباري والذي اعتبرته الحركة انجازا وطنيا وعملت من أجل إنجاحه، وبالرغم من معارضتها الأولية للانخراط في منظمة التحرير في بداية تشكيلها، وشاركت الحركة وبقوة في انتخابات قيادة التنظيم الشعبي، حيث انتخب يونس الجرو رئيسا للتنظيم، وهو أحد قيادات حركة القوميين العرب الشابة في حينه، وبعد فترة وجيزة أعادت الحركة وتنازلت عن المنصب للدكتور حيدر عبد الشافي .

وبالرغم من فوز حركة القوميين العرب بمعظم القوائم الانتخابية، في انتخابات التنظيم الشعبي إلا أنها آثرت إن تعمل من داخل المنظمة، وأن تقوم بدور إيجابي بتفعيلها، عن طريق التنظيم الشعبي، الذي نظرت له الحركة علي انه انجاز هام من خلاله يمكن تعبئة طاقات الجماهير وتحشيدها، وتجنيدها في المعركة، من اجل الحرية والوحدة العربية، وعلى ذلك كانت الحركة تعتبر التنظيم الشعبي هو المنظمة، وليس دائرة من دوائرها .

علاقة الحركة بالأحزاب السياسية الاخري:-

تجنب مؤسسو الحركة في الخمسينيات تسمية منظمتهم حزباً، بسبب موقفهم من التجربة الحزبية في الوطن العربي، المقسمة إلى أحزاب قطرية غير ثورية،" مثل حزب الوفد في مصر، والكتلة الوطنية في سوريا ، والتي همها الأول كان الوصول إلى السلطة، وأحزاب إقليمية معادية للقومية العربية كالقوميين السوريين، والكتائب اللبنانية، وأحزاب دينية متعصبة مثل الإخوان المسلمين، وحزب التحرير الإسلامي، وأحزاب رغم أهدافها القومية مثل "البعث" تبحث عن مكاسب للحزب وليس للقضية، فطوال مسيرة الحركة، لم تنشأ أي علاقة مستقرة معها، والي جانب أسباب أخري أهمها، اعتقاد الحركة والأحزاب الأخرى أن مبادئ كل منها هي الحقيقة المطلقة التي لا يمكن التنازل عنها، حتى المواقف الآنية في أقطار وأزمان معينة لم تستوجب الاتفاق على علاقات تعاون إلا فيما ندر ولفترات قصيرة .

هذا علي الصعيد العربي، إما الصعيد الفلسطيني: فمنذ تأسيس فرع الحركة في فلسطين وتحديدا في قطاع غزة يمكن القول، بان العلاقة التي سادت مع باقي القوى الفلسطينية اتسمت بالمد والجزر، وسادها في فترات متعددة خلافات جانبية، أدت في بعض الأحيان إلى التصادم، مما استدعى مبادرة الإدارة المصرية في القطاع، بالدعوى إلى تنظيم مصالحة بين الأحزاب المختلفة، حيث كان من المطلوب من الأحزاب أن تحل نفسها وتندمج في منظمة التحرير.

ولكن رفض الحركة حل نفسها، بسبب اعتقادها بان المنظمة يجب أن تكون ثورية، وغير تابعة للأنظمة الرسمية التي كانت سبب في ضياع فلسطين ساهم في تأجيج الخلاف، والذي بدورة افشل مؤتمر المصالحة، ما فتأ هذا الموقف إلا وأن تراجع حيث استطاعت الإدارة المصرية، وبسبب موقفها الايجابي من المنظمة، إلا وأن أقنعت حركة القوميين العرب بالانخراط في المنظمة وهيئاتها .

واستمر دور الحركة في التصاعد حتى عام 67، وبسبب هزيمة الجيوش العربية في اليوم الخامس من حزيران 67 من قبل إسرائيل، والتي استطاعت أن تشن حربا مباغتة على مصر والأردن وسوريا وتنهيها لصالحها في ستة أيام، فقد أحدثت الهزيمة تداعيات عميقة على الأحزاب العربية والمجتمع العربي عموما، وعلى وجه الخصوص على حركة القوميين العرب والتي شكلت لها الهزيمة زلزالا، قلبها رأسا على عقب.


تداعيات هزيمة حزيران علي الحركة:-


أثر الهزيمة عقدت منظمات حركة القوميين العرب سلسلة من الاجتماعات لبحث وتحليل أسباب الهزيمة وتداعياتها كان حصيلتها الطلاق مع الناصرية باعتبارها حركة برجوازية صغيرة محكوم عليها بالفشل، ودعت إلى بداية جديدة كان من شانها، تحول الحركة فيما بعد إلى حزب يساري اشتراكي، وبعد الاجتماع الموسع الذي عقدته اللجنة التنفيذية القومية للحركة في أواخر يونيو 67 ،رأت الحركة أن الحرب مع إسرائيل، هي حرب مع الاستعمار في الأصل ، وأن هذه الحرب يجب ألا تنحصر مع ميدان القتال مع إسرائيل فقط، بل يجب أن تتسع لتشمل الوطن العربي ككل .

أدت نكسة 1967 إلى ما يشبه الزلزال في صفوف حركة القوميين العرب، انعكست في تناقضات في صفوف الحركة كانت من مظاهرها، التخبط الواضح لدى القيادة والفروع المختلفة للحركة، كما لم تفلح اجتماعات الحركة في إيجاد رؤيا واضحة تسير عليها الحركة، مما أدى إلى ظهور تناقضات في المستوى القيادي من جهة، ومن الجهة الأخرى أدى غياب دور جماهير الحركة في كثير من الأقطار إلى بروز مظاهر أزمة واسعة عبرت عنها البيانات المقالات التي صدرت عن فروع الحركة، وقياداتها المختلفة فمن مقال محسن إبراهيم في مجلة الحرية حول حرب حزيران المعنون بعنوان لم يهزم العرب إلى بيان اللجنة التنفيذية تحت عنوان ردا على فريق مجلة الحرية المنشق ، إلى ولادة حزب العمل الاشتراكي العربي كبديل عن الحركة يف كل الأقطار العربية والذي فشلت تجربته بسرعة ، مرورا بإرهاصات التحول إلى حزب يساري والذي اصطدمت محاولات إنشائه بإطار واسع من قيادات الحركة التي لا تعرف عن الاشتراكية والماركسية إلا الاسم .

في خضم هذه التناقضات، كان الفرع الفلسطيني في حركة القوميين العرب، والذي كانت لديه تجربة في ممارسة الكفاح المسلح، حيث كان يعتقد أن المعركة ستحسم لصالح العرب، فقد كان الفرع قد هيأ نفسه للمشاركة في المعركة، من خلال الطلب من أعضائه التطوع في الجيش، بناء على دعوة من عبد الناصر، ولكن الفرع بعد الهزيمة واحتلال إسرائيل لقطاع غزة والضفة، تحولت الحركة في فلسطين إلى تنظيم سري، احتاج إلى وقت ليس بالطويل ليباشر ويستكمل نشاطه في قطاع غزة، وبشكل منفرد، ودون الانضمام إلى التحالف الوطني، الذي دعي إليه الشيوعيون وجيش التحرير الفلسطيني، لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في 1967.

فأصدرت الحركة تعميما داخليا أكدت فيه توجهها نحو العمل العسكري الكفاحي وطلبت من أعضائها الالتحاق بالعمل العسكري، أو العمل السياسي، أو العمل في كلا الإطارين، واستطاعت الحركة القيام بمجموعة من الأعمال الكفاحية العسكرية، من خلال إلقاء القنابل، وزرع الألغام، وإطلاق الرصاص، على قوات الاحتلال الإسرائيلي، وصدرت في حينه بيانات الحركة تحت اسم طلائع المقاومة الشعبية، والتي كانت تقودها الحركة، واستمرت الحركة في عملها حتى انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي أعلنت عن انطلاقتها من خلال بيانها الأول، معلنة عن عملياتها العسكرية في الأراضي المحتلة.

وتؤكد معظم الدراسات: بأن حركة القوميين العرب قد انتهت فعليا، مع إعلان انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتاريخ11/12/1967، حيث ذابت الحركة في تنظيم الجبهة، من خلال ائتلاف منظمات (شباب الثأر الفرع الفلسطيني في الحركة بقيادة جورج حبش )، (ومنظمة أبطال العودة بقيادة فايز جابر)،( وجبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد جبريل )، ومن الجدير ذكره بأن حركة فتح كانت قد شاركت في مشاورات إقامة الجبهة والاندماج معها إلا أنها تراجعت في اللحظة الأخيرة وفضلت العمل بصورة مستقلة .


استنتاجات

1- تشكلت حركة القوميين العرب وتطورت خلال 25 عام من قبل مجموعة صغيرة من الشباب الثوري المتطلع نحو القيم بدور نضالي حيوي في الحركة القومية التحررية ووصلت لتكون حزب سياسي وجماهيري منظم في معظم الأقطار العربية .

2- ساهمت عدة قوى سياسية واجتماعية عاملة في الساحة العربية وبالذات التجربة الناصرية وأفكارها القومية في إحداث تغيرات بنيوية في حياة الحركة أدت مستقبلا لتفاعل الحركة مع الاتجاهات التقدمية واليسارية .

3- ساهمت الحركة في خلق وعي قومي ونزعة تصدي وتحدي للهزيمة منذ نشأتها ولعبت دورا فاعلا إلى جانب التيارات السياسية العربية والفلسطينية الأخرى في رفض كل مشاريع التوطين التي طرحت من أطراف متعددة سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو الأمم المتحدة أو الأطراف العربية ، من خلال ما قامت به من تحريض وتحركات جماهيرية ، أدت في نهاية المطاف إلى إسقاط ورفض هذه المشاريع .

4- بالرغم من جماهيرية الحركة الواسعة إلا أن الحركة كانت تعتبر حزبا نخبويا يعتمد في قراراته على النخبة السياسية والفكرية في الصفوف القيادية الأولى .

5- معظم قيادات الحركة هم من الشباب الفلسطيني من مختلف مناطق التواجد الفلسطيني عملوا على تأسيس الحركة وقيادة عملها في معظم الأقطار العربية .

6- الفرع الفلسطيني تركزت فعاليته في قطاع غزة وساهم في ذلك وجود قطاع غزة تحت الإدارة المصرية من جهة ومن الجهة الأخرى بسبب ضم الضفة الغربية للأردن فقد كان أعضاء الحركة في الضفة يتبعون الفرع الأردني للحركة .

7- مرت حركة القوميين العرب بمجموعة من المراحل التي أثرت فيها وحكمت فعلها السياسي والعسكري وساهمت في تطوير أدائها، فمنذ بداية نشأتها وقفت الحركة موقف غير واضح اتجاه ألكيانيه الفلسطينية ونفس الموقف كان بالنسبة للعمل العسكري نظرا لإيمان الحركة بالاندماج بالحركة القومية العربية والكيانيه العربية، وباعتبارها نشأت لتنادي بالوحدة العربية إلا أن تعقد الأمور والظروف السياسية وكبر حجم التحديات القطرية القومية دفع بالحركة إلى التركيز على القضية الفلسطينية وتبني العمل المسلح دون التخلي عن مواقفها السابقة، كما وساهم فشل تجربة الوحدة بين مصر وسوريا في تركيز انتباه الحركة على الفرع الفلسطيني الذي أصبح الظاهرة الفلسطينية الأولى إلى أن انفرط عقد الحركة إثر هزيمة حزيران 67 .

8- برغم الزخم الشعبي والجماهيري والقومي والذي ساهمت الحركة في إيجاده منذ ولادتها، وبرغم الالتفاف الشعبي حول شعاراتها وأفكارها في عدد من الأقطار العربية وفلسطين إلا أنها فشلت أن تتولى زمام الحكم في إي دولة عربية .

9- تشير تجربة الحركة إلى أهمية البعد القومي للقضية الفلسطينية برغم أن كل الشواهد تدل إلى تراجع إمكانية قيام دولة الوحدة، إلا أن الاستنتاج الرئيسي يظهر بأن العدو الإسرائيلي وحلفاؤه سعوا جاهدين، لإجهاض كل المحاولات الهادفة إلى تركيم الانجازات الوحدوية العربية، وسعوا أيضا إلى إسقاط أي بعد قومي للقضية الفلسطينية.

10- أظهرت تجربة الحركة أن هامش الديمقراطية لم يكن كافيا في ممارسات الحركة منذ نشأتها برغم بعض الشواهد التي أشارت إلى وجود انتخابات لهياكل الحركة المختلفة.


الخلاصة

ساهمت حركة القوميين العرب في التصدي للهزيمة منذ ولادتها وساهمت وبفاعلية في تعزيز الوعي القومي العربي، وتنظيم وتطوير الأداء الشعبي والجماهيري الفلسطيني والعربي، ولكن الحركة أخفقت في مسائل متعددة منها: عدم قدرتها على التقاط لحظات التغيير السياسي والحالة الثورية الناضجة في عدد من البلدان ما يمكنها من الإمساك بنظام ما، إلى جانب اكتفائها بشعارات قومية عامة وعدم إدراكها لخصوصية كل قطر بما يعين غياب البرمجة في مسألة تحقيق شعار الوحدة العربية كما وفوتت الحركة الفرصة المواتية لإعلان الكفاح المسلح الفلسطيني في وقت مبكر وبرغم أن الظروف كانت مواتية ، كما لم تولي الحركة الأهمية الكافية للديمقراطية والإدارة والتخطيط والتقييم السليم بما يتناسب مع الشعارات التي كانت ترفعها .

وتبقى تجربة حركة القوميين العرب أحد أهم معالم معركة النضال الفلسطيني المستمرة من أجل الانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي، تبعتها مراحل أخرى في عمر النضال الفلسطيني، الذي رآكم على تجربتها من خلال نشأة أحزاب فلسطينية من رحم تجربتها.

إلا أن الحركة السياسية الفلسطينية الراهنة، لا تزال تكرر بعض الأخطاء السابقة والتي مارستها حركة القوميين العرب، مثل تأخرها في الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وغياب الديمقراطية فيها،وغياب التخطيط والبرمجة، وسؤ علاقات الوحدة الوطنية بين التيارات المختلفة، وأخطاء أخرى مما يستدعي من الحركة السياسية الفلسطينية الراهنة، إن تولي أهمية بالغة لعمليات المراجعة والنقد الذاتي والتقييم لأدائها، وأداء الحركات السياسية السابقة، بقصد الاستفادة والتعلم من التجارب التاريخية، والمراكمة على الايجابي في فعل الحركة السياسية الفلسطينية، وإن كنا نعلم أن المتغيرات كثيرة والفوارق كبيرة، بين الحركات السياسية الراهنة، والحركات السياسية الفلسطينية السابقة.

ولعل من أهم الدروس التي رسختها حركة القوميين العرب بأنه لا مكانة في عالم اليوم إلا لعالم الاتحادات والتكتلات الإقليمية الاقتصادية والسياسية، هذا إن أراد العرب الخلاص من واقعهم المر.



#صلاح_عبد_العاطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية والأصولية في المجتمع العربي
- الموقف القانوني من الانفصال احادي الجانب واعادة الانتشار لقو ...
- الحماية الاجتماعية بين الحاجة .. و الإطار القانوني
- الفلتان الأمني .. ظاهرة خطف الأجانب.. تلحق أفدح الضرر بالقضي ...
- العمل النقابي في فلسطين ... بين الواقع والطموحات؟؟
- السلم الأهلي و نبذ العنف في القانون الأساسي والمواثيق الدولي ...
- المرأة والقانون
- المرأة الفلسطينية والمشاركة السياسية والاجتماعية
- الديمقراطية والتنمية في العالم العربي وفلسطين
- الحكم المحلي والهيئات المحلية في فلسطين
- قراءة في التعاطي القانوني والرسمي مع ملف الأراضي التي ستخليه ...
- حقوق المواطن في ظل الواقع الراهن ..وسؤال ماالعمل؟؟
- قانون رعاية الشباب الفلسطيني الي اين...؟
- دور منظمات المجتمع المدني في الرقابة على الانتخابات
- قراءة في تقرير الهيئة المستقلة لحقوق المواطن -الرقابة علي ان ...
- ازمة الثقافة
- ما العمل؟؟!
- جدار الضم والفصل العنصري
- الشباب والانتخابات
- واقع الطفل الفلسطيني في ظل اتفاقية حقوق الطفل


المزيد.....




- سعودي يوثق مشهد التهام -عصابة- من الأسماك لقنديل بحر -غير مح ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل ضرباته ضد أهداف تابعة لحماس في غزة
- نشطاء: -الكنوز- التي تملأ منازلنا في تزايد
- برلين تدعو إسرائيل للتخلي عن السيطرة على غزة بعد الحرب
- مصر تعلن عن هزة أرضية قوية في البلاد
- روسيا تحضر لإطلاق أحدث أقمارها لاستشعار الأرض عن بعد (صور)
- -حزب الله- يعلن استهداف ثكنة إسرائيلية في مزارع شبعا
- كييف: مستعدون لبحث مقترح ترامب تقديم المساعدات لأوكرانيا على ...
- وسائل إعلام: صواريخ -تسيركون- قد تظهر على منظومات -باستيون- ...
- رئيس الوزراء البولندي: أوروبا تمر بمرحلة ما قبل الحرب وجميع ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صلاح عبد العاطي - الحركة السياسية الفلسطينية -دراسة تطبيقية- حركة القوميين العرب