|
عرض فيلم -تأريخ الرمال- للمخرج داني ماريكا:الصحراء بنبضها ومخزونها وناسها وتاريخها وحاضرها بقالب فني آسر
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 3166 - 2010 / 10 / 26 - 21:50
المحور:
الادب والفن
كيف يمكن ان نكتب تاريخ الكائنات التي عبرت على رمال الصحراء في القارة الافريقية بدءا من الانسان البدائي وتحولاته الى ما نصادفه اليوم من قبائل او تجمعات بشرية تتعايش مع الندرة القاتلة للماء وما هي حتى الحيوانات والحشرات والنباتات التي تكيفت مع هذا المناخ القاسي الشحيح كان هذا موضوع الفيلم الوثائقي"تأريخ الرمال" الذي عرض في صالة المركز الثقافي العربي لبلد لييج مساء يوم الاثنين 25/10/2010 وبعدته التقليدية التي تبدو غريبة في يومنا امام تسارع التكنولوجيات الرقمية لتصل الى مستويات متقدمة من التطوير نجد ان المخرج داني ماريكا يعبر من خلال تقنياته واجهزته المستخدمة عن فلسفة خاصة لعالم التوثيق والصورة والكاميرا والتقنيات المتوفرة وهو يصرح بهذا في الندوة النقاشية التي تلت عرض الفيلم يستخدم المخرج ماريكا ثلاثة بلجيكتورات مع مناقل متنقلة تشبه سلاح الكلاشينكوف ذو المخزن المدور وهو تماما كألية الاطلاق التسليحية تمر خراطيش السلايتات - النيكتيف - بمخزن مدور يدور اتوماتيكيا امام البلجكتورات لتنقلها الى الشاشة المنصوبة في المركز الثقافي العربي لبلد لييج وعملية اعداد الصوت تتم بشكل منفصل عنها ليوقت بدء بث الصور مع شريط الصوت الذي تبثه ماكينة مختلفة ليجتمعا مونتاجيا امام ناظري المشاهد ليبهر الحاضرين بهذه الصور التي أخذت في اوقات اختيرت بعناية جدا والدليل هي مساقط الاجسام المسنودة في الصور فهي اما في الصباح الباكر جدا او المساء المتأخر واول الليل او الليل المضاء باشعة القمر صوت ماريكا الاذاعي يرافق الصور بعناية مختارة بدقة المزج بين حضور الصورة الطاغي بالموسيقى التصويرية وبصوت رخيم يقدم معلومات مكثفة في عباراته المختصرة ليختلط بها علم الحياة بعلم الاحياء مع الجغرافية السياسية والاستراتيجية مع ما تضمنه باطن هذه الصحراء من ماء زلال ونفط وما نتج عنهما من تحولات عميقة في مكانة الصحراء والبشر والحروب الذي اشعلها النفط والصراعات الدولية على رمال الصحراء التي تبدو عدما الا ان فيها ما يدير اقتصادات العالم لعشرات السنين القادمة لهذا يأتي ذكر البنك الدولي وما نعرفه عن مشاكل السودان وباقي الدول الصحراوية ولاينسى المخرج ان يقدم لنا فن الانسان البدائي والحيوانات التي عاش معها وعليها وايضا تعبيرات الصور واذا ماكانت تدل على توفر المياه للسباحة ام انها جرداء منذ البداية في حديث مع محرر هذه السطور اعرب داني ماريكا عن عشقه لهذا العمل وبهذه الطريقة التقليدية ..وانه لايفضل اضافة المؤثرات على بانوراما الصور المتداعية لوحدها ليكون مخلصا لها وليجعلها تقدم نفسها بنفسها وهذا ما ابداه الحضور الذي ابدى ملاحظاته انه كان يتمنى لو ان بعض الصور كانت تقدم بطريقة ابطأ.. و رد المخرج ماريكا ان الزمن الاطول لصورة معروضة لايزيد عن ست ثوان فيما احصى محرر هذه السطور معدل من ثلاثة الى خمس صور في العشر ثوان محاولا المصور داني ان يستفيد من الاثارة التي يثيرها هذا التشويق بعرض المزيد من الصور في زمن مختار حسب رؤيته رد المخرج ان الصور التي اعجبت البعض قد يرغب اخرين ان لاتكون هي بذاتها بل صورا اخرى وهذا ما يجعل العمل غير متوازن لذا فضل هذا الاختيار ليكون حلا وسطا لم تقنعه بعد تكنولوجيا الكاميرات الرقمية ولا القدر اللامتناهي من المؤثرات الفنية والتحويرية والادماجية والتحريرية للصور فالمخرج داني يعتبر ان الصورة بالكاميرا التقليدية غير الرقمية هي افضل من حيث النوعية والقيمة الفنية ولانها تكشف حتى عن طبيعة المخرج وشخصيته وربما يلجأ في مراحل قادمة الى التكنولوجيا الرقمية اذا وصلت جودتها الى مستويات فنية عالية وقربية من التقليدية هذا ما تحدث به الى الجمهور الحاضر في صالة المركز لمتابعة فيلمه والتعليق عليه سألته احدى الحاضرات عن زيارته لواحات الصحراء المصرية فاعرب انه دائما يزور لوحده مع سيارته الا ان اصبح هناك الزاما ان يرافقه شرطي قد يكون احيانا لطيفا واحيانا من طبيعة خاصة وفي السابق كان ملزما اذا نزل مع امرأة في الفندق ان يشهر عقد زواجه الا ان اليوم غير مطلوب في الواحات - هذا مع العلم ان نسبة كبيرة من البلجيك لاتتزوج رسميا بل يتعايش الرجل مع المرأة حتى تحسبهم ازواجا-..الا انه في كل رحلاته لا يجد ان ثمة مشكلة فحتى ينجز فيلمه زار مصر وليبيا وتونس والجزائر واغلب الدول التي تتعايش فيها الصحراء الافريقية الكبرى وبعض هذه الدول زارها لحوالي ثلاث او اربع مرات دون ان يواجه مشكلة تذكر بين القبائل والتجمعات البشرية التي زارها هذا اوحى لاحد الحضور امكانية للاقتراح بان يوثق ماريكا فيلما يواجه تنميطات الاعلام الغربي الصهيوني لشخصية العربي والمسلم بانه ارهابي وشخصيته منفرة وقبيحة وغير الاخلاقية معربا ان زياراته التي لاقت الترحاب والاستقبال الطيب والانساني من العرب والمسلمين - باعتراف ماريكا - الذين يسكنون الصحراء اكبر دليل على خرافات الاعلام اليومي الذي يديره البيزنس الغربي والصهيوني في الغرب التي تلصق الارهاب بشخصيته ليكون عند الرأي العام الغربي مستحقا للذبح والابادة الجماعية عندما تشن شركات السلاح والصناعة والبنوك والتأمين والخدمات العابرة للقارات حروبها ..واكد ماريكا حقيقة احترام الناس هناك له وانه وجد التسهيلات ولم يجد أي مشكلة مع الشعوب التي التقى الكثير منها بحكم اعداده لفيلمه ولم يتعرض لاي حادث وان اقصى ما حصل معه هو احتدام النقاش مع شخص في اليمن عن شمال وجنوب اليمن وكان تعاطف ماريكا واضحا في فيلمه مع سكان هذه الصحراء شارحا مشاكل بعض الاساتذة وعدم تلقيهم لرواتبهم منذ شهرين مما يجعل المساجد تأخذ دورهم التعليمي وعن الاهمال الحكومي الواضح على معيشة هؤلاءالذين تقدم صحرائهم الماء العذب لشعوب المنطقة لمئات السنين والنفط الذي يمول خزانة الدولة ليحرموا حتى من فتات ثرواتهم المخزونة والمهدورة على العقود الاستهلاكية الانتحارية اجتماعيا للبترودولار لتمول ريوع صحرائهم القمع والفساد والارهاب الحكومي العربي فيلم داني ماريكا يقدم بحثا عن متعة بصرية و فنية وجمالية آخاذة ولكن ايضا بحثا تاريخيا وانسانيا وجغرافيا وسياسيا معمقا مما يجعل مشاهدته مرة واكثر من مرة مدرسة فنية وتقنية وتأريخية لتعلم الأناة التي يعمل بها ليقدم هذه النوعية الممتعة من الافلام الوثائقية التي تكاد تغيب عن عالم الاعلام والبث الفضائي فنحن مع فيلم داني ماريكا ننتصر للثقافة امام هجوم الفيلم الاعلامي والفضائي الذي يخدر المشاهد بالمؤثرات الفنية والصوتية والتصميمية لتصل مهزلة الافلام الامريكية في هوليود وبرامج فضائيات النفط العربي الخليجي الى ان تقدم لنا افلاما وهمية هي مجرد عصي فرعون متحركة يحولها الغرافيك الى افاعي وديناصورات تمد للمشاهدين لسانها سخرية منهم ومستوى وعيهم المتخلف وتمد يدها لجيوبهم لتسرق اموالهم ولتحصد المليارات مقابل اللاشيء فقط الضحك على الذقون ونحن في هذا الفيلم الوثائقي تأريخ الرمال وهذه الصناعة المرهقة والممتعة امام منتج ثقافي - مناهضا للاعلام - يحترم العقل ويقدم له المعلومة المنحوتة بالتعب في قالب فني بصري لايحورشيئا منه أي بمعنى أخر نحن امام منتج معاد لافلام هوليود التي تدخل الانسان في عالم وهمي مفتعل ومثير للسخرية من صراع الديناصورات والكائنات الخرافية بعيدا عن تأريخ الانسان حياته وهمومه وترحاله وتحولاته الغنية والحزينة والمفرحة معا ..............................
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة:قهوتي المحمصة على نيرانكِ
-
عرض المسرحية في صالة المركز الثقافي العربي لبلد لييج:هل عكس
...
-
قصيدة:أنوثتكِ العابرة للقارات
-
زنقة ابن رشد وجائزته والحوار المتمدن
-
قصيدة: حديث الصبية الذهبية
-
قصيدة: دوائر الابتلاء المفرغة
-
عبد ربه: الوجه الآخر للمشروع الصهيوني
-
قصيدة: أفق
-
قصيدة:التحليق بين غاباتي استوائية
-
قصيدة: سفر
-
آن موريللي المؤرخة البلجيكية تفكك اليات التبرير الديني بالاس
...
-
قصيدة:كلام الحب عن حضارة عشقكِ
-
قصيدة:دمكَ الوردي ينتصر على مقاولات الارهاب الصهيوني
-
قصيدة:نقاب الالهة
-
-جاز الرحالة- ومعطف -رينغي- الأعظم في عزف الجيتار على مسرح ا
...
-
فعاليات الثقافة العربية من الفصل الأخير لعام 2010:الموسيقار
...
-
رجم الشعوب بجرائم سياسات البيزنس الغربي وعلاقة ايران بذلك؟
-
الغيتو النازي الذي يحلو فيه العيش على جثث الضحايا؟
-
حديث المقاومة :بين ايران والطرف الاحتلالي؟
-
ايران وحقها التنموي والردعي امام طلائع الانحطاط الامريكي الص
...
المزيد.....
-
كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا
...
-
إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
-
سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال
...
-
الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
-
من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام
...
-
دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-.
...
-
-سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر
...
-
البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة)
...
-
تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
-
المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز
...
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|