أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأمكنة الكمائنُ 8: أسطحُ الأصحاب















المزيد.....

الأمكنة الكمائنُ 8: أسطحُ الأصحاب


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 3156 - 2010 / 10 / 16 - 01:27
المحور: الادب والفن
    


من ليل غاسق إلى نهار مُحْرق، كانت رَغبتي قد أسْجَتْ مَلولة، غيرَ مُنتصرَة.
كذلكَ أمري مع صداقةٍ، مُقيمَة على حدّ طبعَيْن، بيّنيْ الاختلاف كالليل والنهار؛ مَثلها " سيفو " و" آدم ". هذا الأخير، رأيتني مُجدداً على صِلةٍ معه، وَثيقة، مذ فترَة تجدّد رسوبي في امتحان الشهادَة الإعداديّة. هذا الفتى، المُنفتح الذهن على كلّ ما هوَ مَحْسوسٌ، كانَ مَحظوظا بخصلتيْ الوسامَة والجسارَة. إلا أنه، كصديق، كانَ صَعْبَ الاحتمال لما في خلقِهِ من مزاجيّة ونزق وأثرَة. بما أنّ الأضدادَ تتآلفُ في مُزدلفة الحياة، فلم يكُ أكثرَ صعوبَة اعتيادُ طبعي على طبع صديقي هذا.
ذلك الربيع، أثناء التحضير للامتحان، كنتُ من التساهل أنني لم أرَ مانعاً في مُشاركة " آدم " ببعض ٍ مما يَتصلُ بخلقه، البائس ـ كما في تعقب أثر أعقاب السجائر، المُهمَلة في دروب الأزقة. لم أكن مُدَخناً، بطبيعة الحال. ولكنني كنتُ أشعرُ بالشفقة إزاء الآخر، المُنكّد الهيئة بسبب تحرّق عروقه لجذوَة التبغ، المُحترقة. والدته، كانت تضعُ علبَ السجائر في حِرز مَكين، بعيداً عن مُتناوَل يَده. غير أنها، في الواقع، ما كانت بحاجَة لمثل هذا العناء: إنّ " آدم "، المُتأثلَ خصلة الحِرْص على وفرَة الأسرَة، كانَ ضليعاً بتدبير أمر مَصروفه. وفي سبيل المِتع، العابرَة ، ما كانَ يَتحرّجُ عن الانحدار إلى مَرتبَة التسوّل.
ومن السيجارَة إلى البيرَة، رأيتني على التساهل نفسه، المَوْصوف. بدءاً، عليّ القول، بأنّ تغرّب عروقي عن الدخان، المُخمّر، يَتصلُ أيضاً بهذا الصديق. ففي أحد أيام طفولتنا، المُبكرَة، وكانَ الوَقتُ عيداً، وَجَدتنا معاً في صالة سينما " الدنيا ". إذاك، أردّتُ مُجاراة " آدم " في التدخين. فما أن أتبعتُ نصيحته، المُجرّبَة، ساحباً نفساً عميقا من السيجارة، حتى أضحى حالي غير محمودٍ. الدّوار الشديد، علاوة على السّعال والمَرارة والغثيان؛ كلّ ذلك ترسّخ في ذاكرتي وجَعلني، أبداً، عدوّ السيجارَة، اللدود. ويتعيّن عليّ القولَ أيضاً، بأنّ تجربَة مُماثلة، جدّتْ هذه المرّة على أعتاب سنّ المُراهقة، جعلتني مُتغرّباً لفترَة طويلة عن العادَة السريّة؛ وهيَ المُتعة، القرينة، التي كانَ " آدمُ " وآخرون من جيلنا، يَتباهونَ بمُمارَستها، علناً.

" عليكَ أنتَ ثمَنُ زجاجة البيرة، وأنا عليّ ثمَنُ المُكسّرات "
هكذا كانَ يُشدّد عليّ الصديقُ، الحَريصُ، قبلَ مَوعد توجّهنا إلى مَحلّ " طانيوس ". إنّ اكتشافي مُتعة الشراب، الكحوليّ، كانَ يَمتّ ولا رَيْب لفترَة أسبق: فعلى العكس من آل " كُرّيْ عَيْشة "، المُتسمين بالمُحافظة والجمود؛ فإنّ آلَ " حاج حسين " كانوا همُ من وَهبوا الحارَة أشهرَ الماجنين والسّكيرين. بيْدَ أنّ المُروقَ عن شيمَة العائلة، طبَعَ خلق " آدم "، فضلاً عن " صابر " الحَشاش؛ ابن عمّ أبيه. قريبه هذا، كانَ شخصاً طريفا وفي غايَة اللطف. عندما كنا نجتمعُ معاً، غالباً، قدّام عتبَة منزل الحشاش، فإننا اعتدنا على تبادل الحديث بمودّة وألفة. من ناحيَة أخرى، كانَ " صابر " يَجزمُ بأنّ الخمرَ لا الحشيش ما يَضرّ بالصحّة.
" وإلا فكيفَ حُرّم الأوّلُ في القرآن الكريم، بينما أنّ ذكرَ الآخر مفقودٌ ثمّة..؟ "، كانَ يُضيف مُتسائلاً. " نجلاء "، امرأة أخيه، كانت أحياناً تقطعُ خلوَتنا بإطلالتها، البهيّة، خلل صفق باب البيت. وكنتُ، عادة ً، من يُلبّي طلبها في شراء مسكّ اللبّان، الأثير، المُوافق لنصاعة أسنانها. ويَبدو أنّ الحَماة، الصارمَة، كانت ترفض الإذعان لرغبَة كنتها الحسناء تلك، حينما تتوجّه إلى السوق لشراء ما يَلزم من حاجات المنزل. في إحدى المرّات، وكنا على مألوف جَمْعتنا على عتبَة منزلهم، إذا بالحسناء تتمادى في العَبَث معنا حدّ أن تخرجَ رجلها من الباب لتركلَ أحدنا. كانَ ثوبُ منامتها، الطويل، مَشقوقَ الطرَف إلى حدّ الفخذ الربّاني، الأخاذ النصاعَة. فما كانَ من " صابر "، المَسطول دوماً، إلا انتهارها بحنق. فأجابته هيَ، فيما كانت ترمقني بابتسامتها الوَضاءة: " إنه مِثلُ أبني.. ".
هذه الحَسناء، كانت في مساء يوم آخر، حارّ، سبباً لمَشادَة في الدور الأرضيّ من منزل صديقي. كنت وإياه، إذاً، جالسَيْن على أرضيّة سطح المَطبخ. خلل المَنوَر، المُحاذي لمَجلسنا، تصاعدَ على غرّة صراخُ أمّ " آدم "، والمُوافق للهجَة رَجلها، المُهدّئة. إذاك، كانَ هذا يَرجوها ألا ترفعَ صَوْتها على مَسْمَع من الأولاد. وكما جاز لي التأكد منه لاحقا، فإنّ الغيرَة على الزوج كانَ هوَ مَبْعث المَشادة، الطارئة. وكانَ من النادر، حقا، أن تخرجَ هذه المَرأة اللطيفة عن طورها. بالرغم من عدَم تسميَة المرأة، الثائرَة، لاسم الغريمة، المُفترَضة؛ فإنّ إشاراتٍ أخرى جعلتني أتكهنُ بماهيّة شخصها.

في مُبتدأ الأمر، كانَ قد أشكِلَ عليّ بخصوص الطرَف الآخر، المُذكّر، المُتورّط بالفضيحَة.
لأنني اعتقدّتُ ولا غرو أنّ صهرَ " آدم "، الغنيّ، هوَ المُشكِلُ هنا. إنّ عمَلَ " نجلاء " في مَشغل التريكو، الذي يَملكه الصهرُ، كانَ قد لبّسَ كلاها شُبهة العلاقة، المُحرّمَة. فيما بعد، راقبتُ بانتباه تكرّر زيارات والد صديقي، مُنفرداً، إلى منزل أخته؛ أين كانت حسناءُ الحارَة تقيم في حجرَة الإيجار. مُتسائلاً في نفسي عما يَجعله مُهتمّاً على غرّة بالأخت الأرملة، كنتُ ألحظ كذلكَ كيف كانَ الزائرُ يُجشم نفسه، في كلّ مرّة، عناءَ حَمل كيس بلاستيكيّ، مُعلّم بماركة أحد محلات " بوابَة الصالحيّة ".
" حمودة "، ابن عمّة " آدم " تلك، كانَ في يوم آخر رفيقا لنا ثمّة؛ على سطح الدار نفسه. هذا الفتى، الذي يَصغرني بعامَيْن، كانَ يُقدّمُ معنا امتحان الشهادة الإعداديّة. حينما اشتعلتْ المَشادة الزوجيّة، مُجدّداً، فإنّ الفتى رَسَمَ ابتسامة على فمه، خبيثة، لفتتْ نظرَ أبن خاله. هذا، ما لبث أن رَمَقَ قريبَهُ بنظرَة مَشحونة معاً بالحنق والغلّ: " هيا، حانَ وقتُ عودنكَ إلى البيت "، خاطبَه بنبرَة ازدراء. همّ القريبُ إذاً بالمَضيّ في سبيله، مُحمّلاً بابتسامةٍ على مُنقلبٍ آخر، ذليل. إذاك، التفتَ إليه " آدم " مُشيعاً إياه بالقول: " في المرّة القادمَة، إذا أردّتَ الحضور للمُذاكرَة، لا تنسَ تنظيف أسنانكَ من أثر البصل، المُقيت الرائحة ".
من ناحيتي، ومع أنني لم أعلّق على المَوقف ذاك، إلا أنّ فكرَة مُحزنة دَهمتني: " إنّ صديقي، المَجروح الكبرياء ولا شكّ، أرادَ أن يَعيّر قريبَهُ بفقر حال أسرته ". لقد كنتُ مُتوهّماً أنّ ذلكَ هوَ مَردّ تشديد " آدم " على مَوضوع البصل. في فترة لاحقة، أيضاً، سألمّ بحقيقة المَوضوع ذاك، المَوْسوم، وعلى خلفيّة تتصلُ بعلاقة جَسَديّة أخرى، مُحَرّمة.
كانَ ذلكَ، عندما شاءَ أحدُ أقرباء " آدم " الهمزَ من قناة ابن عمّنا، " جوامير ". عمّة هذا، الوَحيدة، كانت على مَرمى سهام الآخر؛ هيَ التي كانت آنذاك في مُستهلّ سيرةٍ، سيئة السُمعة. شريكها في العلاقة، ما كانَ سوى زوج خالة " آدم "؛ المَنعوت بلقبٍ يُحيل لعينيْه، الكبيرتيْن. وعلى كلّ حال، فما أن طرقَ سَمْعُ " جوامير " بهمز النعت ذاك، حتى بادرَ من فوره إلى الردّ: " إنّ رائحة البصل، يا هذا، تفوحُ من عائلتكم "، قالها بنبرَة شديدة مُضرَمة بأوار خلقه، الناريّ.

إنّ الفقرَ يُدمّر كلّ شيءٍ، جميل، في طريقه؛ أكانَ من كائنات العالم أم من مُجرّداته.
ويبدو أنّ أمّ " حمودة "، الأرملة، كانت في شبابها أجمل امرأة في الحارَة. ويُقال، أنه بلغ من فتنة المرأة، أنّ حَميها حاولَ مرّة أن يَنتهكَ بَدَنها: إنه والدُ زوجها، الأوّل، والذي طلقت منه على الأثر دونما أن تحظى بأولاد. هذا المُنتهك، ما كانَ سوى جدّ قريبتي " سوزان " لأمّها. أما زوجها الثاني، والد " حمودة "، فكانَ يَكبرها كثيراً في السنّ علاوة على كونه أرملَ. بيْدَ أنّ رفيق الدراسة ذاك، ما كانَ شبيهاً بأيّ من أخوته؛ وهمُ الذين كانوا مُوزعي المَلامح بين الأمّ والأبّ.
" يا للولد، المسكين. إنه على جهل بعدُ بأنّ " بيفاظو " هوَ والده، الحقيقيّ "، هكذا باحَ لي أبن عمّنا، الأخرق، بُعيدَ سويعة من شهودي مُنازلته الكلاميّة مع قريب " آدم ". الوالدُ ذاك، المَزعوم، كانَ بدَوره قريباً لنا؛ وتحديداً، من جهة الفرع الآخر،" لحّو "، من عشيرتنا. كانَ رَجلاً رَبعة، ذا رأس ضخم وقسمات غليظة بعض الشيء. أما لقبه، " بيفاظو "، فإنه يَعني: الرّجلُ البَصليّ. وعلى مَرجوح التأويل، فإنّ هذا اللقب، المُشنّع، له علاقة برائحَة الفضيحة لا برائحة البصل.
في تلك الآونة من مُراهقتي، كنتُ مَعنياً بتتبّع أخبار حسناء الحارَة، التي كانت وقتئذٍ تقيمُ لدى قريبتها؛ صاحبَة تاج الحُسْن، السابق. إنها أمّ " حمودة "، المرأة الطيّبة والجمّة التهذيب، المُتكرّمَة علينا أيضاً بضيافتها اللطيفة، الكريمَة، وبالرغم من حال فقر أسرتها، المُتأثر بوفاة مُعيلها. وبما أنّ " آدم ، المُتكبّر، كانَ يَرفضُ مُرافقتي إلى منزل أبن عمّته، فإنني بالتالي أكونَ عادة ً مُتوحّداً هناك.
مُعاملتي الحَسَنة للفتى، " حمودة "، جَعلتني مَدخراً لأسرار عائلته، المَبثوثة على لسانه، المرّة تلوَ الأخرى. ولم يَكُ ساذجاً أبداً، ذاك الفتى المسكين. بل كانَ واع، خصوصاً، لفقر حال أسرته وما يلحقها جراء ذلك من إقصاء ونبذ وتحقير من لدُن أقرب الأهل.

" إنّ نجلاءَ، على ما أظنّ، مُغرَمَة بكَ.. "
قالها لي " حمودة " في أحد أيام الصّيف، المُعقبَة مَوسم الامتحانات. ابتسامته العريضة، المُتسامحة، شجَعتني على سؤاله بلهجةٍ مُوارَبَة، مُتكلّفة اللامُبالاة: " ولكن، كيفَ عرَفتَ بذلك؟ "
" لأنها تسأل عنكَ في كلّ مرّة، وحالما تغادر أنتَ بيتنا "
" عمّ تسألكَ، مَثلاً..؟ "، تطامنتُ عندئذٍ برأسي في اهتمام. فاستدركَ " حمودة " عند إجابته بالقول: " إنها لا تسألني أنا، في الحقيقة. بل أسمُعها تتحدّث عنكَ إلى أمّي. ومرّة قالت لها نجلاء، أنكَ وسيفو من أحلى أولاد الحارَة ". ليسَ ذلك، حَسْب، هوَ كلّ ما باح به صديقي، الصغير. إنّ ما أثارَ الرّماد عن جمار رغبتي، المؤرّثة، كانَ تصويره لبَدَن قريبته، الحسناء، آنَ توَجّهها إلى الحمّام ليلاً.
الحجرَة الضيّقة، المُتقاسم الفتى سكناها مع أخوَيه الطفلَيْن، كانت تقومُ بمُقابل حجرَة الحمّام تلك. إلا أنني، بطبيعة الحال، لم أبدِ أيّ علامَة على رغبتي بالمكوث ثمّة، لحين مُنتصف الليل؛ الشاهد على تخاطرها بغلالة النوم، الرقيقة، المُكتنزة جواهر الجَسَد الأبهى. إنّ سطحَ الدار، المُشرف على حجرَة الحَسناء، هوَ ما شغلَ ليلتئذٍ بالي. سلمٌ قزمٌ، يَصِلُ السّطح بأرضيّة الدور العلويّ. من هناك، وعبْرَ الدّرجات القليلة للسلّم، انتهينا تسلّلاً إلى السطح المَطلوب. فما أن أستوى كلّ منا ثمّة، حتى راحَ يَمدّ بَصَرَه نحوَ السّماء الصافيَة، المليئة بالنجوم. ولما كانَ لكلّ نجم، سماويّ، علّة له مُشاكلة على الأرض؛ فلا غرو أن يكونَ هميّ مَحصوراً بالنافذة تلك، المُضاءة بنور وَرديّ، خفيف. وكانت عينايَ مُتعلقة بمأوى سميّة نجم " الزهرَة "، عندما باغتني على حين فجأة صوتٌ أجش، خفيض.
إنه " بشر "، صديق الطفولة والجهالة، ومن ندَرَتْ فرَصُ لقائي معه مؤخراً، بالنظر لمواظبته على العمل لدى شقيقه الكبير، المعلّم في حدادة السيارات. " أبن الشاميّة "، إذاً، أجاز لنفسه مُشاركتنا في التلصّص؛ هوَ من كانَ قد أنصتَ خفيَة ً لحديثنا، المُتواشج بمرامي السَهر على سطح الدار. إلا أنني، ولسببٍ لا أعلم كنهه لحدّ اليوم، انسَحَبتُ على جناح العجلة من تلك الصُحبَة، الليليّة. أولاً بأوّل، ومُذ لقاء النهار التالي، راحَ كلّ من " حمودة " وجارُهُ ذاك، الأخرَق، يُوافيني بأخبار الليالي السّود، المُنارَة بالضوء الوَرديّ، الشاحب، كما وبمَشاعل الشهوَة، المُضطرمَة.

ثمّة، بالقرب من مَنزل "حمودة " في أعلى الزقاق، كنتُ شاهداً على حَدَثٍ آخر.
ذاكَ الحدث، له صِلة أيضاً بحكايَة أسطح الأصحاب، السرّية. كنتُ و" آدم " في طريق العودَة من مَحلّ " مطانيوس "، مُحمّلاً في يَدي بكيس وَرَقيّ يَحتوي زجاجة بيرَة وضمّة مُكسّرات. عندَ الناصيَة، المُفضيَة من تلك الأعالي إلى زقاقنا، إذا بحضور أليفٍ يَنبثقُ من تلكَ الناحيَة. هذا، كانَ العمّ الوَحيد لصَديقي، برفقة زوجته. وكانَ " آدم " يَهمّ بالسلام عليهما، عندما حَصَلَ شيء غريب. العمّ، وفي اللحظة التاليَة، أمسَكَ فجأة بابن أخيه وانهالَ عليه ضرباً وركلاً.
جَرَى ذلك بلمحَة، وكأنه حلمٌ أو كابوس. وبما أنني، مُروّعاً، لم ألتفتْ حتى إلى الوراء، فقد تابعتُ سَيْري وبخطىً سَريعة. ما أن أركنتُ الكيسَ الورقي خلفَ باب منزلنا، حتى رأيتني أهرع نحوَ منزل صديقي. هناك، أمام الباب، ظهرَتْ أمّه خلف شقيقه الكبير. ما أن هَمَمتُ بالإبلاغ بالأمر، الداهم، حتى أسكتني ظهور شبح قادم من جهة الزقاق العليا: كانَ " آدم " هوَ القادم، مُترنحاً ومُنتحباً. عند ذلك، أخبرتُ أمّه بجُملة واحدَة، مُقتضبَة، ما جرى لولدها الأثير.
" كانَ عمّي، يومَ أمس، حانقا عليّ بسبب شتمي لامرأته، الحقيرَة "، قالَ لي صديقي فيما بعد. المرأة تلك، كانت ابنة عمّ والدته. وكنتُ على مَعرفة بها، مُذ أن كانت بعدُ بنتاً صغيرَة. كانت تأتي من برّ الشام مع ذويها، لزيارة أقاربهم. وبغض الطرْف عن جَمالها، فإنها كانت جلفة وسيئة الخلق. في إحدى زيارات أهلها، وما أن تركتْ هذه مع بنات عمومتها، حتى انقضتْ عليهم بشراسَة. وحينما استدعيَتْ أمّ " آدم "، فإنها صرَختْ ببنتها البكر وبنات العائلة المُتواجدات: " كيفَ لم تتمَكنّ أنتن جميعاً من صدّ تلك الذئب، الوَحيدة؟ ".
أيامٌ قليلة، قبل الحادث الليليّ ذاك، المَوْصوف، كنتُ على سطح منزل صديقي. وكما هيَ عادته، ما أن تنتصف الليلة، استأذنني في الغياب لبرهة. عندئذٍ، تسلقَ سطحَ دار جدّه، ثمّ اختفى ثمّة لسويعة أو نحوها. لدى عودته، أخلدَ للصمت وهوَ يتنفس بعسر فيما عقب السيجارَة يُضيء سحنته، المتوترَة: لقد كانَ هناك، على السطح المُشرف على حجرَة نوم عمّه، يتلصّصُ على ما يَجري فيها من تلاحم، حميم.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمكنة الكمائنُ 7: خرائبُ الرّغبة
- الأمكنة الكمائنُ 6: أوابدُ الوَجاهة
- الأمكنة الكمائنُ 5: بيتُ بَديع
- الأمكنة الكمائنُ 4: مَأوى آموجنيْ
- الأمكنة الكمائنُ 3: كهف الفتوّة
- الأمكنة الكمائنُ 2: حجرة الحَديقة
- الأمكنة الكمائنُ: جنينة جَميل
- الأوانس والجَواري 5
- الأوانس والجَواري 4
- الأوانس والجَواري 3
- الأوانس والجَواري 2
- ثمرَة الشرّ: الأوانس والجَواري
- المُتسكعون والمَجانين 4
- المُتسكعون والمَجانين 3
- المُتسكعون والمَجانين 2
- ثمرَة الشرّ: المُتسكعون والمَجانين
- القبلة ، القلب 5
- القبلة ، القلب 4
- القبلة ، القلب 3
- القبلة ، القلب 2


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأمكنة الكمائنُ 8: أسطحُ الأصحاب