أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأمكنة الكمائنُ 7: خرائبُ الرّغبة















المزيد.....

الأمكنة الكمائنُ 7: خرائبُ الرّغبة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 3154 - 2010 / 10 / 14 - 17:59
المحور: الادب والفن
    


" هلا أسمَعُ منكَ، يومَ غد، عن تمكنكَ من رَكب المًستأجرَة، الجميلة؟ "
شدّدَ عليّ صديقي، " سيفو "، قبيلَ مُغادرَته حجرَة الجدّة. بيْدَ أنّ نبرَة تساؤله، كما لاحظتُ، كانت غائمَة بسُحُب الشكّ. إنه على خبرَة، ولا رَيْب، بخلق صديقه، الحَيي. على ذلك، أردَفَ قائلاً " على الأقل، تكلّم معها في البدايَة عن أيّ شيء. إنها مُتزوّجة ولديها خبرَة، وستساعدكَ "
" تساعدني..؟ "
" أقصدُ، أنها مُشتعلة بالرغبة. أنظر بنفسكَ إلى مَنظرها، المُثير، وكيفَ تدعوكَ إليها "، قالها هذه المرّة وهوَ يَنفخ بقنوط. إلا أنني، مُطرقاً بعدُ، لم أعلّق بشيء.
خارجاً، كانت المرأة الشابّة، الشقراء، ما تفتأ جالسَة ً قربَ طشت غسيلها. من خلف ستارَة النافذة الوَحيدَة، كنتُ بدَوري ما أزال مُتتبعاً بعينيّ خطى الصديق المُغادر. فما أن أغلِقَ صَفقُ باب الدار، الخارجيّ، حتى رأيتَ أعيننا، المَرأة وأنا، على تماس مُوارَبٍ مع بعضهما البعض. إذاك، اتسَعَتْ المَساحَة الفاصلة بين رجليْ الحسناء، العاجيَتيْن، لكي يُتاح للسروال الأحمر، الداخليّ، فسْحَة من التنفس. من جهتي، كنتُ عندئذِ أتنفسُ بعسر ولا غرو.
مثل مُعجزة شتويّة، فإنّ هذه الوَردة، المونقة الحُسْن، كانت تتفتحُ رويداً في تربَة دار الجدّة، الخربَة. ولكنها، في نظري على أيّ حال، أضحَتْ أكثر نأياً من نجم في فلكه، الأطلس. خجلي، كانَ يُحيل الإرادَة إلى مَراتب العَجز، الدّنيا. ثلاثة أيام، والفتى المُراهق الذي كنته، وهوَ على همّة تردّده؛ ثمّة، في الحجرَة الرَثة، التي سبقَ وشغلها جدّي لأمّي؛ المُعرّف في زمنه ـ كزير نساء.
بصفة الخجل نفسها، كنتُ أتجنبُ أيضاً لقاءَ " سيفو "، مُحرَجاً من إحباطي لأمله. ولكنه صديقنا الآخر، أبن " كُرّيْ عَيْشة "، مَن قدّمَ إليّ أخيراً ما اعتقده هوَ أنه المَدَد. وإذاً، عُدّت من منزل صديقي " آدم " في وَقتٍ من تلكَ الليلة، قصيّ. ثملاً نوعاً، وَقفتُ قدّام باب منزل الجدّة، الخشبيّ، مُنتظراً أن يُفتحَ لي من لدُن المرأة، المُتأجّجَة الجَسَد. عند ذلك، كنتُ أقنعُ داخلي بأنّ كلّ شيء سيكونُ على ما يُرام. إلا أنّ خفقَ فؤادي، الواجف، ما عتمَ أن رافقَ وَقع الخطى، الهيّن، المُتأتي من الداخل. ولم أدر ليلتئذٍ حقا، أكنتُ في خيبَة أم سعادَة عندما رأيتني أمامَ الجار الآخر، الشرطيّ، المُتعهّد مُهمّة فتح الباب لحفيد صاحبَة البيت.

هذا الرّجلُ الشابّ، الأصفر الشعر والدقيق القسمات، كانَ أيضاً من أهالي " عفرين ".
أسرته، المُكوّنة من زوجة فتيّة ووَلدَيْن صغيرَيْن، كانت آنذاك في زيارَة للمَوطن الأول، المُشرف من الجبال العَصيّة، الحالِقة، على برّ الحاضرَة الشهباء. وإذاً، استقبلني هوَ بشيء من البرود فيما كنتُ أمرُقُ من جانبه في الطريق لحجرَتي: كانَ الرّجلُ مُتديّناً، يواظبُ على مَواقيت الصلاة. فلم يَفتني عندئذِ تبرّم سِحْنته من عبَق العَرَق، الحرّيف، المَشحونة فيه هيئتي جميعاً.
" مُشط شعر رأسي كُسِرَ للتوّ؛ مُمكن أن تعيرَني واحداً من عندكم؟ "، سألتني الجارَة الجميلة بالكرديّة في صباح اليوم التالي. الخصلاتُ الشقر، كانت عندئذ تهفو عليّ بلطف ، مُنبعثا منها أريجٌ رَطب وطيّبٌ. " تفضلي؛ إنه مُشط جدّتي "، أجبتها بالعربيّة وأنا أناولها الغرَضَ، المَطلوب. مذ ذاك الحين، صارَ دأبنا تبادل الحديث بهذه الطريقة، المُوَفِقة بين اللغتيْن، القريبَة والغريبَة. اهتمامي بالشقراء، البهيّة، جَعلَ حضوري إلى منزل الجدّة ضرورياً في آناء الليل والنهار سواءً بسواء. على المُنقلب الآخر، فإنّ شعورَ الحرَج بدا وكأنما على عجلة من أمر الرّحيل؛ وهوَ الشعورُ، المُتأثلُ حتى ذلكَ الحين مَسلكي مع المرأة.
جسارتي، تناهتْ إلى حدّ لمسي أسفل بطن السيّدة الصغيرَة ، اللّدن والضامر، حينما كنتُ ذاتَ صباح أتشاغلُ بمُداعبة قدَمَ كبرى طفلتيْها، المُناهزة على كلّ حال السنتيْن من العُمْر. كانت البنتُ مَحمولة بين يَديّ الأمّ؛ هناك، بالقرب من باب عريني. إذاك، كنتُ مَبهوراً بشعاع شمس الشتاء الخفِرَ، الذهبيّ، المُتماهيَ مع سبائك إبريز الرأس المَنحوت الملامح بدقة . حركتي تلك، المَوْصوفة، ربّما لاقتْ رضا رَوْضة الحُسْن، المُحرّمَة. على الأثر، وفي ساعة مُتأخرَة من الليلة ذاتها، كانت هيَ من تسمّرَ بمُواجهتي عند مَدخل المَنزل. غلالتها المُرهفة، المَحبوكة بنسيج وَرديّ برّاق، كادَت وقتئذِ أن تشعلَ بجمار عُريّ البَدَن، العارم، جوَّ العتمَة، الشديدَ البرودة. قالت لي بنبرَة شكوى وإغراء في آن: " أنتَ تتأخر، دوماً ". بيْدَ أنني، مُبلبلاً كالعادَة من أيّ اقتحام نسَويّ، تملّصتُ من المَوقف مُندفعاً نحوَ حجرتي وأنا أتمتمُ عباراتٍ، مُبهمَة.

لم تهدأ نارُ الجَسَد المُتأجّج، اللجوج.
هيَ ذي المرأة، المَشبوبَة، تلحَق فيّ بعيدَ هنيهة لتفتحَ بلطف بابَ غرفتي: " إنني وَحيدَة هنا، غالباً، وأحسّ بالخوف في الليل.. خصوصاً، عندما أسمَعُ صوتاً ما "، نطقتها الجميلة بلهجَة انكسار أو عتاب. أجبتها بلهجةٍ ضائعة، مُستخدماً عفواً ضميرَ الجَمع: " ولِِمَ عليكم غلقَ باب البيت من الداخل، ما دمتُ أتوفرُ على مُفتاحِهِ؟ ". بَصَري، كانَ يتهرّبُ آنئذٍ من البدَن ذي العُري الشفاف، المَبذول بسخاء. وإذا بصاحبَة البدَن، على دَهشتي، تطلقُ ضحكة خافتة. أجابتني من ثمّ وهيَ أكثر مَرحاً، مُتملّيَة ً فيّ بعينيْها الخضر، الشديدَتي الصّفاء: " عندما تتزوّج أنتَ، ستدرك بنفسكَ لماذا يَستخدمُ الرّجالُ والنساءُ الحمّامَ، ليلاً ". عندما لم تحظ بجَواب، فإنها ما لبثتْ أن ًأتبعَتْ القولَ بتأمّل مَوجودات الحجرَة: " لديكَ العديدُ من الكتب، مع أنّ دوامكَ في المدرسة نادرٌ؟ "
" إنها ليسَت كتبَ، مَدرسيّة "
" آه.. "، ندّت عنها بنوع من الحَرَج. فهمتُ أنها خجلة بأمّيتها. فتساءلتُ، مُحاولاً تغيير المَوضوع: " ولكن، كيفَ جاز لكِ أنتِ مَعرفة ندرَة ذهابي للمدرسة؟ ". فهزتْ كتفها بدلال، مُتبسّمة عن أسنان نضيدة: " أعرفُ، وكفى "، أجابتني هذه المرّة مٌتنهّدة بعمق. وعُدّتُ أريّش سهمَ سؤال آخر، طائش، من قوس عروقي، المُتوتر: ً" وهل تعرفي أيضاً، أنني أجهلُ بعدُ اسمكِ؟ ". أضحَتْ أكثرَ قرَباً، أنفاسُها. وقالتْ أنها تدعى " خيرو ". ثمّ استطرَدَتْ بوَله: " يُعجبني اسمكَ، كثيراً ".
في ظهر اليوم التالي، كنتُ عند باب المَنزل أهمّ بالخروج في سبيلي. على غرّة، إذا بصَوت جارتي، الحَسناء، يَنطلقُ عالياً من الحمّام، مُترنماً بمَقطع من أغنيَة كرديّة، كلاسيكيّة. الأغنيَة تلك، المَعروفة، كانت تكرّرُ مُفردة " القلب "؛ وهيَ المُفردَة المُرَكّبُ منها اسمي نفسه. حجرَة الحمّام، المُهتزة بالصوت الصادح، كانَ بابُها من خشب عتيق، مَملوء بالثقوب الكبيرَة. بيْدَ أنني، آنذاك، كنتُ على عتبَة سنّ الوَعي، العتيد. على ذلك، رَبئتُ بنفسي عن خصلة التلصّص، الصبيانيّة، مُندفعاً من ثمّ خلل باب البيت. مساءً، قصصتُ على " سيفو " مُفصلَ أخباري الأخيرَة مع المُستأجرَة، الجميلة. اكتفى صديقي بجوابٍ مُقتضب، ساخطٍ: " تفوو.. ".

" سيفو "، إذاً، كانَ يَلبسُ تحتَ قميص وسامَتِهِ، الزاهي، دِرْعاً صَلداً من الجرأة.
في ربيع عام أسبق، كنتُ شاهداً على صِفة الخلق تلك؛ وهذه المرّة في الخرابَة، المَنعوتة باسم جدّه لأبيه. " خرابَة مرعي "، كانت مُلحقة ببيت صديقي من ناحيَة القسم المَبذول للمُستأجرين، القادمين من ريف الساحل. مُبتدأ الأمر، عندما كنتُ في مساء أحد الأيام تلك، الحارّة، أراجعُ بعضَ مواضيع امتحان الشهادَة الإعداديّة في حجرَة الدور العلويّ من منزل العمّ، الحاج. ابنته الكبرى، التي تصغرني بعامَيْن، كانت آنذاك صديقة للجارَة الجَميلة، " مَليكة ". وبما أنّ شبّاكيْ المنزليْن، الجارَيْن، يَركنان بمُقابل بعضهما البعض، فلا غروَ إذاً أن يَزوغ بصري بينهما توقا لمُستقرّ مُحتمَل، مُثير. ثمّة، في النافذة الأخرى، كانت هيئة الفتاة، الفاتنة، تظهر وتختفي كلّ فينة وأخرى، مَصحوبَة أحياناً بابنة أختها، " سوزي "؛ التي كانت أيضاً بمثابَة رَبيبة لها.
" لماذا لا ترمي عنكِ العباءة..؟ "، سألتْ ابنة العمّ صديقتها بُعيدَ حضور هذه للحجرَة. وكانت إجابة الأخرى نوعاً من الغمْغمَة، المُتدلّهة. جَسَدُ الجارَة، الجَميلة، كان مَلفوفاً إذاً بعباءة طويلة، سوداء اللون، فيما أطرافه الناصعة مَلمومَة في حرَكة تحفظِ، بيّنة. سويعة، على الأثر، وتناهضتْ " مليكة " لكي تغادرنا مُمسكة ً بكتاب يَخصها. إذاك، كنتُ جالساً على جانب السرير، المُحاذي لباب الحجرَة. ثمّة، وفيما كانت الجميلة تهمّ بالمروق إلى الخارج، إذا بالكتاب يَفلتْ من يَدها. ليسَ ذلك الغرَض، حَسْب، من أفلتَ. فإنّ العباءة شاءَت أن تكونَ مَعنية، أيضاً. لحظة واحدة، إذاً، استغرقها انحناء صاحبة العباءة على الأرض لكي تلتقط الكتابَ. عندئذِ تسللَ بَصري، مَشدوهاً، خلل الثديَيْن الكبيرَيْن، الثرّيْن، ونزولاً حتى أسفل البَطن، المُعافى، المُتكوّر مثل تلّ بهيّ، مُزهر وأجرَدَ في آن: لقد عرفنا سببَ تشبّث " مليكة " بعباءتها؛ هيَ المُكتسية تحتها بغلالة فيروزيّة اللون، كانت من الرقة أنها فضحَت البدَن العاري من أيّ لباس داخليّ. إنه بدَنُ الجارَة الجميلة، الآسر، الذي كنتُ قد عايَنته من قبل في زمن التلصّص، التليد، وعبْرَ نافذة حجرَة منزل العمّ، المُشرفة على حمّام منزلها.

" يا لها من لعوب، جارتكم هذه "
هتفَ " سيفو" مَشغوفا بما قصصته من أمر الليلة، السابقة. كنتُ آنذاك عنده، في المنزل. فما عتمَ صديقي أن أبدى رَغبته في القيام بجولة، تفقديّة، قريبَة من مَوقع الحدَث. هناك، إزاء باب بيتنا، قرفصَ كلّ منا مُستنداً إلى الجدار، فيما بَصَره يتناهى خطفا إلى الأعلى. عبثا، كانَ انتظارنا. على ذلك، غادرَ الصديقُ إلى شأن من شؤونه، على أمل أن نلتقي مساءً. وهذا ما كانَ، فعلاً. على حدّ ساعة العشيّة، وفيما كنتُ أستفتحُ بابَ منزلنا على مَرأى " مليكة "، لحظتُ مُستثاراً بشدّة أنها كانت في ذات ملبَس الفضيحَة. الظهْرُ الوَليّ، رَنا إلى مُريده داعياً إياه لفرض السّجود. ولكن، أما آنَ لهذا " القلب " أن يُخمَدَ حريقه بحريق الجسَد، الأشهى.
أمّ العباءة، اللعوب، كانت عندئذٍ واقفة بالقرب من بيت آل " كري عيشة "، تتحدّث مع أبنهم الأصغر. عندما اقتربتُ بدَوري، رأيتُ أنها كانت تشكو ضياع فردَتيْ حذاء شقيقها الصغير، الشقيّ. بما أنني كنتُ دائماً ذا خيال خصب وسريع البديهة، فإنّ فكرَة خرقاء دَهَمَتني للتوّ. فما كانَ مني، ولا غرو، إلا الإسراع إلى لقاء " سيفو ". لحُسن الفأل، كانَ هذا في بيته. حينما كنتُ عند الباب أهمسُ في مَسمعه الخبرَ الأكثر جدّة، إذا بأخيه الأصغر يَطلّ مُتبسّماً. فما كانَ من صديقي إلا انتهارَ الآخر، آمراً إياه بالدخول للبيت. برهة أخرى، وكنا معاً في الطريق لنجدَة الجارَة، الجميلة. بجرأة قلبه، المَشفوعة بذلاقة لسانه، تمكّنَ " سيفو " من إيهام البنت، المَلولة، بأنّ الغرَضَ الضائع لا بدّ أن يكونَ في مكان ما من الخرابَة؛ طالما أنها مَلعبُ أطفال الزقاق. انحدرتُ وصديقي إذاً في الدرب العتمة، نكوصاً على أعقابنا، فيما " مليكة " تسير برفقتنا. خلال الطريق، القصير، رُحُتُ أرمي يَدي بين إليَتيْ الحسناء، الفارهتيْن، وكما لو أنّ ذلكَ مُجرّد حرَكة عفويّة. ثمّة، عند مَدخل باب بيت الجيران، المُستأجرين، المَفتوح على مصراعيْه أبداً، إذا بالبنت اللعوب تؤوب إلى خصلة التحفظ: " لا، لا أستطيعُ مرافقتكم إلى داخل الخرابَة "، قالتها بوضوح إنما بدون إصرار. عند ذلك، ألتفتَ " سيفو " نحوي ليهمُسَ في أذني: " قف هناك، وكما لو كنتَ تنتظر خروجي من منزلنا "، قالها مُشيراً إلى مَدخل الدَخلة، المَنعوتة كذلكَ باسم جدّه.

ما مَضى على وجودي هناك دقائق قليلة، حتى احتفى المكانُ بحضور ثقيل، مُتطفل.
ذلك، كانَ أبن " علكيْ " الأصغر، المُلقب بنعتٍ طريف؛ " كَرْفو ". لو أنّ لإبليس اللعين طفولة، لكانت هيَ طفولة أبن زقاقنا هذا، الأكثر مَكراً وخبثا. ولمُ يكُ وَحيداً عندئذٍ. إنّ شقيقَ " آدم " ذاك، الصغير، كانَ برفقة قرين إبليس ؛ وهوَ من كانَ على الأرجح قد أخبرَه بمَوضوع الحذاء، الضائع. بدأ المُتطفلُ يَحومُ في البقعة المُتاخمَة لسور الخرابَة، الأسمنتيّ، دونما أن يكونَ له تصريفٌ في مُلابسات ما كانَ يَجري داخلها. وبالرغم من ذلك، فإنني ارتأيتُ أن أضعَ " سيفو " في صورَة الأمر.
انتهزتُ سانحَة انشغال الغلامَيْن بالحديث، لأدلف بسرعة إلى المَكان المُحرّم. على ضوء المصباح الصغير، المثبّتْ في قمّة جدار الخرابَة، تمكنتُ من تمييز شخصيْ العاشق والمَعشوق، المُلتحمَيْن في عناق مُلتهب، شبه عار. وفيما كانَ صديقي يَنهضُ لمُقابلتي، مُسوياً من شأن بنطاله، إذا برفيقته تنقلب على بطنها في حرَكة تفصحُ عن خجلها من وجودي. بَدَنُ " مليكة "، في مُنقلب حرَكته، كانَ إذاك يَكشف لعينيّ، المَذهولتيْن، مَنظراً دانياً، كنتُ قد افتقدته عُمْراً.
رَدفٌ فارهٌ، تفجّر ديناميتُ عُريه إلى شظيّتيْن، صَخرَتيْن. فيما كلّ من الفخذيْن، المَصقولتيْن من لجيْن، يطشّ ببوارق صواعقه. غلالتها، سحابَة ٌ من ليلك، مُتكاثفة عند أسفل العنق السماويّ، المَفتوح على سيل من غيثٍ إبريز ٍ : وَجهُ جارتنا، الجَميل، كانَ إذاً مَدفوناً خلل شعرها الغزير، الأشقر.
في اللحظة نفسها، التي توافق فيها خروج العاشق مع بيان حَرَج المَعشوق، إذا بحفنة من التراب تتطايرُ من خلف السور. حفنة أخرى، وَقعتْ من ثمّ فوق عري الرّدف العظيم، الرائع. كنتُ مُتسمّراً ثمّة للحظات، حَسْب. فما أن تناهى، خارجاً، صراخ الغلام المُتطفل، حتى رأيتني أهرع لمُعايَنة ما يَجري. " سيفو "، كانَ وقتئذْ مُمسكاً بحَزم وشدّة بيَد " كَرفو " ذاك، ساحباً إياه إلى مَدخل منازل آل " علكي "، الواسع المَدخل. هناك، أخذ يُعنفه بصوت خفيض: " ولاه، سأقطعُ لسانك، القذر، إذا سَمعتكَ تتفوّه بكلام كهذا ". كانَ هوَ ، إذاً، من رَشقَ الترابَ نحوَ الخرابَة. في الهنيهة نفسها، خيّل إليّ أنّ شبحاً ما، أسودَ الهيئة، كانَ قد مَرَق خفيَة ً من خلفنا. ودونما حاجة ليقين العيْن، أدركتُ أنها " مليكة "، من كانت تفرّ لحظتئذٍ ببَدَنها المُكتنز، المُلتبَس في سِتره كما وفي عُريه.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمكنة الكمائنُ 6: أوابدُ الوَجاهة
- الأمكنة الكمائنُ 5: بيتُ بَديع
- الأمكنة الكمائنُ 4: مَأوى آموجنيْ
- الأمكنة الكمائنُ 3: كهف الفتوّة
- الأمكنة الكمائنُ 2: حجرة الحَديقة
- الأمكنة الكمائنُ: جنينة جَميل
- الأوانس والجَواري 5
- الأوانس والجَواري 4
- الأوانس والجَواري 3
- الأوانس والجَواري 2
- ثمرَة الشرّ: الأوانس والجَواري
- المُتسكعون والمَجانين 4
- المُتسكعون والمَجانين 3
- المُتسكعون والمَجانين 2
- ثمرَة الشرّ: المُتسكعون والمَجانين
- القبلة ، القلب 5
- القبلة ، القلب 4
- القبلة ، القلب 3
- القبلة ، القلب 2
- الأولى والآخرة : الخاتمة


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأمكنة الكمائنُ 7: خرائبُ الرّغبة