صباح كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 3143 - 2010 / 10 / 3 - 11:58
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
أعود ثانية لمناقشة الآراء التي طرحها المعقبون في مداخلاتهم من قراء الحلقات السابقة.. في الوقت الذي احيي فيه من قيّمها واعتبرها ضرورية.. أود أن أشير الى حق الآخرين في النقد والاعتراض والرد وحتى رفض كل ما وردَ من آراء فيها وما سيردُ لاحقاً في المقبل منها.. لكن اود ان أؤكد أيضاً لمن حاول أن يسير على طريقة الاتجاه المعاكس وفضل استخدام الشتائم ولجأ للتبرير والانكار والتسفيه.. حينما قررت طرح هذه الآراء كنت قد وضعت في توقعي ما اقرأه اليوم من احتمال لورود هكذا ردود فعل مستفزة تسعى لصرف النقاش عن مجراه وأهدافه.. لهؤلاء المناضلين الذين تحركهم العواطف أقول.. من الأفضل لكم أن تبحثوا عن الأسباب الحقيقية لحالة التردي والتراجع في وضع الحزب الشيوعي وقوى اليسار بدلاً من اللجوء الى هكذا اساليب لاتقدم ولا تؤخر.. لو كانت المشكلة – الأزمة التي تحيط بكم - تُحَلْ بتوجيه الشتائم لكاتب هذه الحلقات لكنتُ ساعدتكم قبل الآن وطلبت منكم ممارستها كي تسرع من اخراجكم من المأزق الذي انتم فيه وتضعكم في الطريق المؤدي للوصول الى الاهداف التي تدعو الى محو استغلال الانسان للأنسان في كل زمان ومكان..
لماذا نخاف من النقد؟!.. لماذا لا نرى فيه إلاّ وسيلة للهدم والتخريب؟!.. لماذا يخشى الشيوعيون من النقد ويتجنبون ممارسته في حياتهم الداخلية؟!..
أين تكمن العلة في الموقف اللاماركسي من النقد في الوسط الشيوعي؟..
إن الماركسية مبنية على ارضية النقد.. نقد المجتمع والنظريات التفسيرية له وهي تدعو للتغيير لا بدَّ وانها تلجأ للنقد وقد مارس ماركس وبقية المفكرين كافة اشكال النقد بما فيه النقد اللاذع والساخر وذهب لينين في اكثر من موقف وحالة الى "تطوير" نقده وتخطاه الى استخدام الشتائم والعبارات النابية ليس اقلها ما وصف به البرجوازيون حينما شبَههم بالعاهرات ناهيك عن استخدام مصطلحات مهينة كحثالة البروليتاريا في الأدب الماركسي لوصف العديد من المشتغلين في مهن يضطرُّ لمزاولتها البشر...
إن الخوف من النقد يتأتى من حالتين..
الاولى.. عندما يعتبر الشيوعيون انفسهم حاملين للحقيقة.. كل الحقيقة ويحتكرون اكتشافهم المطلق لها.. ويجعلون ذلك في مصاف المقدسات لاتحتمل النقد، لأن نبي القرن العشرين، كما اطلقوا على لينين، قال هذا في كتاب أو خطاب ما، أو أن ماركس قد أشار له في مؤلفاته.. ومن بعدهم اصبح ستالين وعندنا في العراق فهد ومن بعده كافة الرهط القيادي لاحقاً من المعصومين... أن هذا التعامل اللاماركسي مع الواقع واجترار مقولات قد تجاوزها الزمن وتقديسها هو اساس البلية التي مرت بها التجارب السابقة ومنها تجربة الحزب الشيوعي العراقي وهكذا الحال في روسيا والاتحاد السوفييتي وسوريا وكوريا والصين وكوبا التي افرزت زعامات مؤلهة جعلت من جمهرة الشيوعيين عبيداً يرددون ما يلقنون به من تحليلات ومواقف سياسية يجترها الزعيم أو المكتب السياسي الذي اصبح جهازاً فوقياً اعلى من اللجنة المركزية يفكرُ ويقررُ بالنيابة عن جمهرة المناضلين والمكافحين المنضوين في صفوف الحزب.. ومع الزمن اصبحت مهمة هؤلاء خدمة المكتب السياسي والدفاع عن سياساته في الحق والباطل، مما ادى لحالة شيزوفرينيا تنظيمية حولت الشيوعيين من مكافحين يسترشدون بالفكر الماركسي الحي الذي يمنحهم الصلابة الثورية والقدرة على التحليل والتشخيص الفعلي لميزان القوى واستنباط أساليب فاعلة ومجدية لتغيير المجتمع الى اتباع مهانون يُسَّخرون لخدمة الجهاز البيرقراطي في الحزب وسلطة القيادة والدولة.. اتباع يرددون الشعارات والمقولات التي تجاوزها الزمن لا تنسجم مع الواقع.. اتباع اصبح مستقبلهم ماضيهم يجترون مآثره وبطولاته وتاريخه لتبرير واقع بائس ومبتذل ليس اقل بؤساً منه ما حلّ بالحزب الشيوعي العراقي ذاته من حالة تراجع في كافة الميادين بسب الأزمة البنيوية التي تعصف به..
الثانية التردد والخوف من كشف الحقائق وفك بعض طلاسم وملابسات التاريخ المخزي لمن كان في الموقع القيادي للحزب وساهم في تغييب الوعي وتضليل المناضلين وجمهور الحزب وانحرف عن النهج الماركسي في التعامل مع الاحداث والوقائع وتبنى النقيض لها في الممارسة العملية وبالتالي اصبح في خانة المعرقل للتقدم الاجتماعي وساهم في خلق وشيوع حالة الركود والتحجر التي قوّضت الفرص ومنعت نشوء ونمو البديل الفكري الاساس الجوهري للنشاط السياسي والاجتماعي.. هذا ما ادى الى تراكم العقد والمخلفات الصعبة التي تواجه جيل الماركسيين المعاصرين الذين ينشغلون بجدية في معالجة القضايا الملحة التي تواجه المجتمع العراقي في زمن التحولات الخطيرة في المرحلة الانتقالية الحالية التي تفرز المزيد من الانقسامات والاصطفافات المعادية لمصلحة الكادحين والمستقبل الديمقراطي..
للأسف مع كل هذا الكم الهائل من الخراب والتراجع المستمر نصطدم ونرى بيننا من لا يتقبل النقد.. هل هناك وسيلة غير النقد تساعد على تجاوز المحنة والانتقال الى البديل الافضل المطلوب؟.. هل ننتظر حلولاً من السماء؟... هل للحزب الشيوعي - قيادته وتنظيماته الحالية- القدرة على معالجة اوضاعه وتجاوزها؟ هل بامكانهم تشخيص الحلول؟..
هل يفرز الصراع الداخلي للحزب اية مؤشرات فعلية يمكن التعويل عليها لتحقيق التغيير؟..
هل هناك ما يُنبأ بما يمكن التعويل عليه لاحقاً للخلاص من الوضع المبتذل والبائس للشيوعيين اليوم؟؟؟..
هل يمكن ان يحدث التغيير في ظل قيادة الحزب الحالية؟!!!!..
الى اين يسير الشيوعيون وحزبهم؟.. ماهي آفاق عملهم اللاحق؟... هل يمكن ان يفرز الصراع الداخلي في الحزب حلولاً؟... هل هناك صراع داخلي يؤهل الشيوعيين ويمنحهم القدرة على معالجة اوضاعهم الصعبة؟... هل هناك افكار متبلورة تطرح للمناقشة؟.. هل ان قيادة الحزب الشيوعي مستعدة وجاهزة للاستقبال الاراء المطروحة؟... اسئلة باتت تطرح في الوسط الجماهيري اليوم في الشارع والاعلام والفضائيات لايمكن ان يكون اللاموقف والصمت الرسمي للقيادة الحالية العاجزة هو الموقف الصحيح المنتظر..
في ذات الوقت يمكن أن نطرح ونظيف ماذا ستكون نتائج السكوت وعدم ممارسة النقد؟.. هل ستنقذ الشيوعيين وتطور اوضاعهم ومواقفهم؟.. هل يمكن الاستمرار في معالجة الموقف بالصمت؟!..
مع تقديري العالي لأهمية ما طرحه (عمار علي) في تعقيبه من ضرورة لطرح مفاهيم وحلول معرفية ترتقي بالحوار وتنقل المشاركين به الى حالة ارقى وافضلْ في تشخيص البدائل المطلوبه للعمل.. اجد نفسي مرغماً للتأكيد من جديد إن الهروب للأمام وعدم التوقف عند المشكلات والمعضلات الفكرية والسياسية والتنظيمية التي تواجه الشيوعيين بصورة جديه او القفز عليها.. تخطيها.. اهمالها.. إنكارها.. حجبها بدلَ الاعتراف بها لا يلغيها.. ومن يتوهم ويسعى لأيهام الآخرين معه بالتقليل من حجمها ومخاطرها من العاجزين المتحجرة عقولهم الذين يفضلون الخواء الفكري وتلميع الصورة الداكنة بالمزيد من المهاترات وتوجيه التهم للمعترضين والمنتقدين للوضع المرفوض الذي ينحو للأسوء.. لهؤلاء وغيرهم اقول بوضوح رؤية وموقف ثابت ينطلق من الهدف البناء للحوار وليس الهدم والتخريب كما يستنج البعض بسبب قصور او حالة التباس ناجمة من عدم استيعاب اهمية النقد... سوف لن تفلحوا في جرّي الى هكذا منزلق مهما فعلتم.. وان مسعاكم لتكميم الافواه لن يجدي نفعاً.. اقولها بصوت عال لمن يسعى للشوشرة على الهدف والغاية من هذا الجهد سأواصل الكتابة .. لن اتوقف.. سأكمل ما أود طرحه في حلقات لاحقة.. سأدع من حاول او يرغب في الاساءة خلف خط الشروع يلهثُ كما يشاء ويرغب غير مبالياً بما حوله من متغيرات إذ مازالَ يعتقدُ ان مستقبله "الماركسي" يكمنُ في الخلف مُعللا ذلك بالخطوتين الى الوراء.. دون الحاجة لخطوة الى الأمام..
بالعودة الى تعقيبات القراء ومداخلاتهم التي تشخص طبيعة تفكريهم ومواقفهم المتباينة في الحوار يمكننا أن نحدد الاتجاهات التالية:
الاتجاه الأول... الذي يعتقد ان الحزب الشيوعي يواصل عطاؤه بفعالية وهو جدير بأن تنحني له الهامات، ويعتبر كل شيء على مايرام، وان نهج الحزب ووضعه وسياساته ومجل نشاطه صحيح وملائم للمرحلة الراهنة يعكس تجاوباً مع مصالح الكادحين.. يرفض النقد ويشجب ممارسته ويدعو لتنظيم الموقف في مواجهة أي مسعى للنقاش والتمسك بالماضي معللاً سبب النواقص والاخطاء بالاوضاع القاهرة الصعبة التي مرت على الشيوعيين ويعتبر ان ما وردَ يصب في خانة معاداة الشيوعية وتقف خلفهُ جهات مشبوهة معادية حاقدة تنظم حملات التشهير بالحزب الشيوعي وتستهدفه يتطلب صدّها ومعارضتها وتفنيدها، وأن مهمتهم الثورية الملحة اليوم، تتجسد بالتصدي لما يسمى بطروحات اليسار المزيفة التي لا يعترفون بها..
الاتجاه الثاني... الذي يعترف بالاخطاء والنواقص والحالة المزرية ويقرها لكنه لا يتفق مع النقد العلني وتوقيته ويعتبر ذلك مسيئاً ويصب في خانة الاعداء جسدتها مداخلات الكاتب المتابع لشؤون الحزب الشيوعي وتاريخه محمد علي محي الدين والدكتور يوسف شيت ومحمد ناجي وسامي الدجيلي وآخرين والدكتور كسر وآخرين..
الاتجاه الثالث... الذي حسم قناعاته وموقفه ولا يرى ضرورة لمواصلة العمل في صفوف الحزب الشيوعي ويعتبره من الماضي .. كما جاء في تعقيب سلام بغدادي ومحسن الجيلاوي وسلام علي ويوسف علي وسهاد بابان ورعد الحافظ ورامي حنا ومالك سعيد وطلال السوري وعبدالكريم البدري..
وطبعا هناك قراء ومتابعون يحملون نفس الهم يراقبون الحوار من الشيوعيين والماركسيين المعروفين ممن يحملون رؤى وتطلعات غير معادية للشيوعية حريصون على المستقبل الديمقراطي شاركوا في الحوار عبر مداخلات رصينة هادئة كالدكتور اطيمش وفؤاد النمري والسيدة نسرين السامرائي نحتاج تدخلهم الضروري لتطوير النقاش وتوجيهه كما فعلوا في الحلقات الماضية.. ادعوهم لمواصلة دورهم المراقب و"المحايد" بقدر ما يسمح لهم الوقت..
ونعد بالمزيد من الحوار والتواصل ..
#صباح_كنجي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟