أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن صابط الجيلاوي - الجنرال واللوحة














المزيد.....

الجنرال واللوحة


محسن صابط الجيلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 949 - 2004 / 9 / 7 - 10:09
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة :- محسن صابط الجيلاوي- سدة الكوت

قالها ذات يوم "أشعر أنك متعبة وفاقدة الإحساس بجدوى عالمنا الذي كنا نتمناه ذات يوم، والذي رسمنا خطوطه بوهم طائش على انه يتحقق... "
ألح عليها بإيحاء عميق أن تتفق معه ب "أليس كذلك"... صمتت كصمت القبور ثم انزوت خلف ساتر شاحب، عتيق، يفصل غرفة النوم عن غرفة الاستقبال، وعلى شفتيها شيء من الاستهزاء الحزين...عكس الأشياء التي تعلمها في المعهد تناثرت حياته، بصق على اليوم الذي زجوه فيه بهذه اللعبة المتقنة القوانين رغم أنفه...
تبا لهؤلاء، كان المفترض أن أرفض...، تحسس بنظراته موضوع اللوحة المعلقة أمامه، والتي تؤمره بالجلوس، المزهرية التي أسفل اللوحة تعلو أغصانها مع ارتفاع "البردة"الخضراء، عاكسة شحوبا فجا على الغرفة المزدانة بشرائط حريرية باليه لكي تؤثر بنهايتها الدقيقة المستدقة على موقع اللوحة المضطرب... موضوع اللوحة يسرق أشياءه، وتأملاته الحسية، تجعله أسير التفكير لجوهر الأشياء التي أستطاع أو حاول الفنان أن يجسدها.
أجاب مع نفسه بالتأكيد كان يرسم بعيداً عن "طاخ... طاخ... "كما قالت سلوى وهي محقة بكل تأكيد... أشياءه التي ألفها ابتداء من اللوحة وموضوعها وسائر الأشياء التي تحيطها كان يمر عليها يوميا بلا أبالية، ببرود، بشرود ذهني مُعتم يعتصر روحه يطحنها يسحقها لكي تودعه بحفيف ساحر كالضباب، كعتمة الصباح...
كل الخرق التي رتبت على أساس من الزينة، أضافت جو أكثر إثارة وجمالا لكي يمارس الاثنان طقوسهم السرية الفاضحة، لتتكشف بخسة محلقة في سماوات غير مألوفة، جديدة قاسية ووحشية..." لقد أعطته... لقد أعطته ظهرها..." دون أي التفاتة لمعنى حياته القادمة.. يخرج جنرال من الزاوية العليا للوحة، قاسي القسمات، طويل، كث الشاربين...، تهرب روحه، تعترف بخنوع بفشله كطالب في استيعاب مفردات الجنرال التي حفظها الأخير عن ظهر قلب، بحكم العادة، أو لنقل بحكم سعة تفكيره....ا
- كفى أنت تثير متاعبي أيها الصعلوك، اعرف كيف سأدخل في رأسك "براغي" هذا السلاح، سأجعلك صامولة في مزابلنا الحديدية الكثيرة، المتكاثرة...
- أعرف ذلك انها تقترب من أبواب بيوتنا الوديعة، قالها هامسا بصوت مهزوم....

سلوى بالنسبة له "ملجأ" كبير، يستوعب حياته، انفعالاته، جسده، أمله القادم... أما هذا الضابط اللعين، ينز على كامل حياته، يجعله مرن التفكير وأكثر إحساسا باقتراب الموت من جميع الجوانب التي يتعامل معها... هدير المدافع يأتي من بعيد مُقيتاً كحكاية متكررة... ترتج اللوحة، الأواني، المزهرية، تراب البردة، صور العائلة والحائط... يتناول قدحا من العرق المغشوش، يداه ترتجفان...
يضغط بيديه على كامل وجهه، يتحسس بقاءه كالمجنون، ثم يبكي بكل ذلك الألم الضاغط على روحه المعتلة...
"آه أيتها الأرض الطيبة "كنت أشتهيك سماء صافية، أرضا ندية
حبا طلقا...
حرية متجددة، عاصفة...."
صوت ارتطام المغلاق على قاعدة القذيفة يثير لديه شعور حاد بالانزعاج.... يلصق بغضب صورة لطفل يرفع يديه عالياً فوق فوهة المدفع... يأتي صوت ا لضابط ”أرم...أرم ...أرم. ..."صوت يأتيه من بعيد على صورة زئير وحشي "أنت هالك لا محالة" يحتفي بصوت آخر"الرحمة"...نرجو بل نأمر، بأن لا تزجي هذا الوقت في لهو فارغ، بل في قتال وقتال، وكفى أسئلة....
دنا من فوهة المدفع... تتقاطع نيران القذائف بعشوائية، يتلوى الجنود كالأشباح وسط الدخان الرخو، الذي يترك ظلالاً عبثية إزاء المشهد الضاري للقتال المحتد... تتحدد ماهية الموقف "والموقف ذاته لعدة مرات "... النيران تأتي من كل الجوانب، وهو يقف بعيداً قريباً في الوسط عن المشهد المعاد بسهولة مدهشة... يرنو له بنظرة ناعسة، باهتة جداً... "الفنان"يدفعه من الخلف لزجه داخل إطار اللوحة ليصبح جزءا منها.... شاهد سرفة الدبابة تهرش الأجساد الممدة، الملتصقة بالأرض، بأنين أو بصمت، صابغة الأرض بلون يراه لأول مرة، رائحة اللحوم جعلت أحشاءه تقترب من فمه، حتى كادت تلامس أو تدخل كامل نسيج اللوحة المشدود لإطار يمتلك قدرة عجيبة على تحطيم كامل كيانه وروحه الواهنة....
تفاً سأخرج منها... المضمدة تضع لفافات جديدة على رأسه الثقيل، يشعر بدوار مرعب وبأن الحرب تقترب وتستمر بهمجية قرب سريره، العالم من حوله يتسع للتأمل الجاد، خارج اللوحة تقف سلوى والجنرال، وحديقة المنزل، وبندقيته وجموع الأصدقاء، فيما تؤطر اللوحة ببياض حاد كالرخام وبدماء تفصلها إلى نصفين...!

نهاية- 1992



#محسن_صابط_الجيلاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بدل الورد
- رياضة
- الفاشية العربية -البعث كنموذج
- لقاء مع الفنان عماد الطائي
- عن الشيوعية واليسار، مع بعض التطبيقات..-3
- وردة حمراء
- هذيان عند كاس عرق مغشوش
- الشخصية العراقية بين الحضور... والغياب القسري
- عن الشيوعية واليسار، مع بعض التطبيقات... -2-
- على حافة الشعر
- عن الشيوعية واليسار، مع بعض التطبيقات...
- قصص قصيرة جداً
- إشكالية العلاقة بين السلطة والمثقف
- النار فوق قمة جبل
- موقع الشباب الغائب في قانون إدارة الدولة العراقية يعني غياب ...
- شاعر وقصيدة
- يعد الصمت ممكناً…!
- دورة استحالة القائد كيف تصبح قياديا في حزب عراقي بسبعة ….بدو ...
- قلق
- في يوم الشهيد الشيوعي …وجهة نظر أخرى للحفاظ على الحياة


المزيد.....




- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن صابط الجيلاوي - الجنرال واللوحة