محسن صابط الجيلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 925 - 2004 / 8 / 14 - 09:45
المحور:
مقابلات و حوارات
لقاء مع النحات والفنان التشكيلي عماد الطائي
أجرى اللقاء – محسن صابط الجيلاوي
عماد الطائي- المنفى الطويل صعب وقاس..، انتظرر الوقت المناسب لإقامة أول معرض شخصي في العراق.
- بداية نسأل من هو عماد الطائي, وما هي المكونات الأولى التي ساهمت في نشأتك كفنان؟
ولدت في عائلة تحب الرسم. بعث والدي بأخي سعد الطائي في بداية الخمسينيات ليلتحق بفنانينا الرواد للدراسة في ايطاليا وعاد لكي يصبح احد أساتذتي في معهد الفنون ولكي يواصل من بعده دراسة الفن على التوالي الأخوة الثلاثة الأصغر.
وعلى الرغم من إن والدي كان محافظاً إلا انه كان يحب الرسم ويشجع أولاده على تنمية هواياتهم. إلا ان الأمر انقلب فجأة حين لم يعارض أبي أن أُغني أمام جمهور المدرسة كان ذلك في بداية الستينيات حيث فزت بجائزة المدينة لأفضل الأصوات. رغبت إن أواصل تعلم الموسيقى لتحقيق حلم الطفولة لكن ذلك لم يتحقق حيث انتقلت مع الأهل وأنا صغير من مدينة الحلة إلى منطقة المسبح في بغداد، التي أنهيت فيها معهد الفنون الجميلة. حصلت بعدها على الماجستير في النحت خارج العراق ولا زلت أمارس دراسة الفن بجهودي الخاصة.
-ما هي تأثيرات الدراسة الأكاديمية في صقل موهبة الفنان؟
يعتمد ذلك على أستاذك وعلى رغبتك في التعلم والتفرغ للمهنة واعتقد ان التفرغ للمهنة أهم شيء.
- نحن نعرف انك نحات ورسام. أين تجد نفسك في المقام الأول؟
لا هنا... ولا هناك. النحت صعب في ظروف الغربة التي مررت بها ولا تنسى ان مجالاته محدودة، أما الرسم فلا يحرمني من روعة العمل مع الألوان والإمكانيات المتاحة للتعبير.
- إذا كنت لا هنا ولا هناك, كيف تستطيع أن تحدد شكل العلاقة بين هكذا فنون؟
يوجد فنان يمارس الرسم ثم يتحول إلى النحت وهي مسألة مألوفة منذ عصر ليوناردو دافنشي وميكائيل انجلو.ولكن يوجد رسامون آخرون لا يرغبون الجمع بين النحت والرسم أبدا.
- أرى في أعمالك التشكيلية تأثيرات نحتية. ماذا تقول في ذلك؟
ما دمت قد رأيتها بهذا الشكل فهي إذن صحيحة.
-تستخدم في أعمالك الغير زيتية طريقة الحبر الصيني. ماذا يعطيك هذا الأسلوب من فضاءات في خلق اللوحة؟
التخطيط بالحبر الصيني كالكتابة به, وكأن خطوطه كلمات تخرج من قلمك. إنه التطريز على الورق ولكن بمادة الحبر.
- أرى إنك تشتغل على ثلاثة مواضيع إنسانية بشكل أساسي المرأة, الطبيعة والعزلة في الغربة....هل من الممكن أن تعطينا وصفاً لكل حالة أو شكل التداخل بين هذه العوالم الثلاثة؟
هذه من مهام المشاهد أو المهتم بالأعمال الفنية ولم اخطط لها أو يفرضها عليّ أحد. رمزت في المرأة لأشياء كثيرة كالعطاء والجمال والخصب وقوة صبرها. أما الطبيعة في لوحاتي فهي تعكس في نفس الوقت جمالها وجبروتها. فيما يتعلق بالفضاء الواسع في لوحتي فهو الخلاص أو التعبير عن ثقل الظلمة التي أريد إن اهرب منها تجاه عالم واسع بعيد ومفتوح. أما الكون وما يدور فيه فهو عالم الأزل ومن أجمل هواياتي الغير فنية.
- يلاحظ مشاهد لوحاتك أنك تفصل الكثير من رسومك بواسطة خط الأفق.
لا ادري لماذا. ولكن من ناحية أخرى فالأفق هو البعد في عالمنا الواسع وربما الأمل الضائع أو التائه في حياتنا.
- كيف يرى الفنان عماد الطائي الفن التشكيلي العراقي في العراق اليوم؟
مستوياته والقائمون به ذا مواصفات عالمية من الدرجة الأولى. ولولا سياسة دكتاتورية الحزب الواحد وتدخل السياسة في الفن وهجرة هذه الأعداد الهائلة من الفنانين لأصبح العراق اليوم مدرسة فنية ومركز عالمي لتدريس الفنون التشكيلية.
- أنت من جيل فنانين كثيرين عرفناهم في الغربة.... كيف تجدون أنفسكم اليوم بعد هذا المنفى الطويل؟ هل تشعرون بأنكم جيل قد ظُلم؟
هناك الكثير من جيلي في الدول الغربية يعرضون أعمالهم ونشاطاتهم الفنية البديعة إلا إن الغربة قيدت جسدهم وأبقت على الروح عندهم لذلك فقد حصل قطع كبير بين الجيلين مما حرم العراق من مواهب يصعب تكرارها ويضطر من يريد أن يواصل مسيرته الفنية في يومنا هذا إلى الرسم في البداية على الأرصفة أو أن تقطر عليه الشهرة بالقطارة وبشكل مؤقت, لا لشيء إلا لأن عدد ليس بالقليل من فناني جيل نهاية الستينات وما فوق قد اغتربت فاختنقت في بحر الغربة ومشاكلها ولا يوجد ما يلوح في الأفق لإنقاذها وإعادة أمجادها حتى في العراق الجديد. ولا تنسى ان الغالبية منهم قد تعدت أعمارهم الأربعين لتصل إلى أكثر من السبعين عاما أحيانا.
- الأجيال اللاحقة لجيل الرواد لم تستطع أن تحلق بعيداً عن خيمة وحضور هذا الجيل إلى يومنا هذا, ما هو باعتقادك سبب عدم وجود فن تشكيلي تجاوز لوحة الرواد؟
لسبب بسيط جدا وهو عدم توفر الحريات والهجرة من الوطن.لأن الغربة أصبحت هي الواقع والملاذ الأخير حتى بعد سقوط الدكتاتورية لأن القوى الغريبة المتطفلة على شؤون البلد هي بديل سيء للدكتاتورية وتريد فرض التخلف عمداً لمواصلة تهديم كل ما تم بناءه من حضارة وفنون.
- أيا من فناني جيل الرواد أثر في تكوين مشروعك الفني؟
هناك أجيال من طلبة معهد الفنون الجميلة والأكاديمية في بغداد درست عند جيل الرواد العراقيين الذين تخرجوا من المدرسة الإيطالية والفرنسية بالغالب وكغيري عايشت الأساليب الفنية لأساتذتنا مثل رسول علوان الذي أعجبته جداً أعمالي في الألوان المائية وشجعني كثيرا, سعد الطائي في التخطيط والألوان، فتاح الترك الذي أخذ بيدي ونقل مواهبي نحو النحت لكي التقي بالأساتذة نهران السعدي وصالح القرغولي الذي كان يدق بأدمغتنا كالمطرقة على ضرورة حب الفن وعكس المشاعر من خلال كل قطعة طين نعمل بها.
- لماذا أخفيت نفسك بهذا الشكل ولمدة طويلة؟
الاغتراب الطويل صعب بكثير مما يتخيله البعض.
- هل معنى هذا انك ترسم وتنتج فن لنفسك وتمحو الشهرة من قواميس حياتك الفنية؟
ليس بهذا الشكل ولكن ما الذي تمنحه لي الشهرة ولماذا يجب أن تصبح هدف؟
- لاحظت ان مواضيعك تمثل وتلامس هموم الغالبية من حيث الوجع وحرارة الموضوع ؟
هذه احد حسنات العزلة فكثرة الاختلاط خاصة بين ذوي المهنة الواحدة تشوش المشاعر وتضعف الهوية.
- لكنك تختلط يوميا بعدد كبير من طلبتك؟
الطلبة للتدريس ولا يمكن مقارنتهم بأبناء وطنك ولا تنسى إن إطلاعاتهم واهتماماتهم تختلف في نواحي كثيرة عنا.
- عندك في الاستديو هل توجد أجواء معينة تحيط بك وأنت ترسم؟
نعم الموسيقى الكلاسيكية.
- في ختام اللقاء نسأل الفنان عماد الطائي عن مشاريعه المستقبلية في مجال الفن؟
انتظر الوقت المناسب لإقامة أول معرض لي في العراق بعد انتظار طويل. حيث لم أجد أي طعم أو معنى للعرض في بلاد الغربة....!!
#محسن_صابط_الجيلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟