أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محسن صابط الجيلاوي - الفاشية العربية -البعث كنموذج















المزيد.....

الفاشية العربية -البعث كنموذج


محسن صابط الجيلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 928 - 2004 / 8 / 17 - 10:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد بلغت الفاشية بصفتها ظاهرة تاريخية الكثير من التعقيد والتركيب ما تعذر معه( للبعض) تحديد جوهر مبادئها أو" الحد الأدنى الفاشي". فأين تبدأ الفاشية؟ وأين تنتهي؟ وما هي الحركات والأنظمة التي يمكن أن تُصنف بأنها فاشية خالصة؟ وبهذا تكمن هناك صعوبة في تحديد ملامح وخصائص عامة للفكر الفاشي وخصوصا للحركات المستورِدة وتحديدا في بلدان العالم الثالث، وهذا بالضبط ما يكتنف كامل مسيرة وتاريخ حزب البعث...!
إن الفاشية تجدد نفسها كالحرباء، دون أن تُحيد عن الثوابت الفكرية التي تعكس فهمها للعالم...لهذا يجب الحذر في التحليل من الشكل الخادع الخارجي للفكر الفاشي...علينا الغور في عمق هذا الفكر وفي خلفية الشعارات والآليات التي توجد في طيات الكواليس الفكرية المعقدة ليميكانزم الفكر برمته كوحدة وكمنظومة من الأفكار المترابطة بذلك الخيط العجيب من الانتقائيات المتناثرة ولكنها مستندة على مرتكزات واحدة، تختفي أحيانا خلف بريق فكري شديد الخداع...
فالفاشية باختصار تؤمن بالمذهب الحيوي الذي يفسح المجال فقط لذوي الإرادة، وبنفس الوقت تجري معاقبة الكسلة، قليلي الذكاء، وغير الأكفاء..، ولا يمكن زرع الصفات القومية القوية إلا بالصراع، فالصراع يقوي شكيمة الأمة وهيبتها، وهذا الصراع هو صراع أبدي فيه ومن خلاله تُصقل ذات الأمة، ولا ينتهي إلا بالنصر أو الفتح..وهي تؤمن بالتفوق لأمة على أخرى، وتسعى إلى دعم ما هو أكثر من الوطنية وحب الوطن، فهي ترمي إلى خلق شعور كثيف وعسكري بالهوية القومية، وهو ما عُرِف بـ "القومية المتكاملة"، وتجسد الفاشية شكلاً من أشكال الدولة المتعصبة أملا في انبعاث القومية وميلاد الكبرياء القومي من جديد. ..وتعمل على خضوع الفرد التام للدولة، وليس هناك من مكان لمجتمع مدني أو ديني أو معارضة، أو صحافة أو ثقافة أخرى...فالفاشية لا تعترف إلا بالقبضة الحديدية، وتتحول عندها الدولة إلى وسيلة رافعة لهيبة الأمة وتقدمها...والفاشية مليئة بالشعارات، والتبدل في ضغط( القطيع)، الذي لا يعي دوره التاريخي، بجعله مستسلما لهذا الحشو الهائل من المفردات، والأعداء، والمصطلحات...فالتكرار الممل عندها هو الذي يزرع الثوابت، التي تُغرس في وجدان الشعب على أنها قيم خالدة، وأزلية...
الأساسي في الفاشية هو (الخوف من الحرية) على حد تعبير( اريك فروم)...
بهذا بإيجاز يمكن اعتبار التحليل الماركسي الكلاسيكي القائل بان الفاشية هي فقط ظاهرة تتميز بها فقط البلدان الرأسمالية المتطورة، قد دحضته الحياة، فالفكر الفاشي شأنه أي فكر قابل للنقل والانتشار في أي مكان طالما وجدت أرضية تساعد على ذلك، كوجود أزمة سياسية وتناقضات طبقية، وواقع فكري مأزوم، وضعف وعدم يقظة القوى الديمقراطية...
كذلك النقاش الدائر أحيانا بالتقسيم القسري بين فاشيات كلاسيكية وفاشيات حديثة لا يلغي ما هو جوهري ومشترك ومتلازم بين الاثنين...
أما القول عن تجربة البعث كونها أتسمت فقط بأساليب فاشية فيه تجني على الحقيقة كلها، لقد عشنا فاشية حقيقة، مقتدرة، تعرف أهدافها لهذا استطاعت وبكفاءة عالية أن تُغيب وطنا عريق بالحضارة كل هذا الزمن الطويل..
إن طريقة تحليل النُخب السياسية لظاهرة صعود البعث، تلك الطريقة الجامدة في التحليل، أثبتت الوقائع أنها طريقة مبتسرة وغبية في أغلب الأحيان، لأنها أغفلت الوقائع فيما تحقق على صعيد الممارسة في تكامل فاشية متخلفة الوسائل والطرق إن صح هذا الوصف...، ففي أغلب الأحيان كانت تلك التحليلات تقف ورائها أيضا أيدلوجيات متكلسة لا تؤمن بالديمقراطية، أعطت أمكانية هائلة لكي يُكيف البعث نفسه ليدخل حياتنا السياسية كأي فكر سياسي آخر...
كما أن هناك أسئلة موضوعة أمام الجميع، لماذا لم نستطع خلق تنظير عراقي ( لفاشيتنا المحلية ) وبشكل مبكر؟ ولماذا كان منطلقنا فقط تحليلات ديمتروف أو غرامشي وبعض الكتاب الغربيين ؟ هل يكمن وراء ذلك خطأ أو ضعف في معارفنا الفكرية أو مصادر البحث لدينا؟ ، أم استسلاما أمام خبث السلطة في شكل خطابها الخارجي..؟ أم ان التحليل لدينا يرتبط بالشائك السياسي السهل ؟أم.... ؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى نقاش واسع، يمتلك كل تلك الجرأة والصدق...!
لنعمل من هذا التكثيف الشديد لجوهر الفاشية عالميا كإسقاطات على فكر وتسويق البعث لسياسته ونفوذه...
إن تحليل فكر حزب البعث، يحتاج إلى دراسات فكرية، وندوات مكثفة، وبحث معمق في آلية ونمط وفكر البعث. لقد شغل البعث عالمنا العربي لمدة تزيد على 70 عاما، لهذا بمكان ضرورة التوقف عند هذه المرحلة التاريخية من حياة الشعوب العربية. فبدون التحليل الطبقي وجوهر التغيرات الاجتماعية التي حدثت بعد مرحلة بناء الدولة المستقلة، ونتائج الحرب العالمية الأولى والثانية وتأثيرات الفكر الغربي، وأخيرا ما يسمى بالصراع العربي – الإسرائيلي...هذه المسائل هي ابرز ما يمكن التوقف عنده لتبيان العوامل التي جعلت من حضور البعث ماثلا في حياتنا السياسية – الفكرية، فالبعث ليس وليد صدفه، بل هو نتاج لمرحلة سياسية شهدها العالم جميعا وبالتالي تأثر بها عالمنا العربي أيضا...ففي ألمانيا كان صعود الحزب النازي، وفي ايطاليا رديف الفاشية الحزب النازي وفي أسبانيا فاشية فرانكو..كل ذلك تزامن مع مسالة الهوية، ومعنى الأمة... كانت الشعوب المتطورة اقتصاديا، تبحث عن شكل ما لقيمها ومجدها، مدفوعا برغبات راس المال وعبر ذلك محاولة تقاسم العالم من جديد، في رغبة أحياء الماضي الاستعماري، عبر أمم قوية وقادرة، أمم فوق الجميع...وليس غريبا أن يجد هذا المفهوم صداه في عالمنا العربي، على أيدي نخب مثقفة، وأبناء ذوات، وكذلك على أيدي أبناء طبقة ناشئة تريد أن تقلد الغرب بكل شيء، ألا وهي البرجوازية الصاعدة حديثا، والتي وجدت في( الشعاراتيه) في الفكر القومي مدخلا هاما لكسب عقول الناس...
هناك شيء ما يتكرر في أدبيات البعث مفاده ، في سنة 1932م عاد من باريس قادما إلى دمشق كل من ميشيل عفلق وصلاح البيطار وذلك بعد دراستهم العالية محملين بأفكار (قومية وثقافة أجنبية) وهذا ما وجدته مكررا مرات عديدة في أدبياتهم، وكأنهم يتناسون الفكرة التي شغلوا بها الناس كثيرا، ألا وهي فكرة الأفكار المستوردة، فهم لديهم الحق بذلك أما الآخر فهو عميل ومارق وخائن للأمة..طبعا هذا التاريخ (1932) له معطى ومغزى يتمثل، بأي أفكار تأثر بها، هذان الرجلان، فعام 1933 تم انتخاب هتلر لمنصب المستشار الألماني، وقبلها موسيليني في ايطاليا، كما أن أوربا الثلاثينات والأربعينات، أوربا صراعات فكرية هائلة بين يسار شيوعي في الغالب وبين يمين (فاشي) في الغالب، ولم يعد عفلق وزميلة البيطار إلى عالمنا العربي، إلا بما هو أكثر انحطاطا في الفكر الأوربي، الذي كلف صعود الفاشية فيها إلى بحار من الدماء والعذابات الهائلة...

لقد عمل كل من عفلق والبيطار في التدريس ومن خلاله أخذا ينشران أفكارهما بين الزملاء والطلاب والشباب، وهنا نجد تشابها هائلا في الفكر الفاشي الغربي في تركيزه على الطلبة والشباب، إنها خبرة مماثلة في التطبيق وفي المنهج... .

عام1947 تأسس حزب البعث تحت اسم ( حزب البعث العربي)، وكان من المؤسسين: ميشيل عفلق، صلاح البيطار، جلال السيد، زكي الارسوزي، كما أصدروا مجلة تحمل نفس الاسم...إن هذا التاريخ والأسماء المشتركة في التأسيس تنطوي على أهمية كبيرة، فالأربعينات هو عقد فترة صعود الفاشية في الغرب وبشكل خاص في ألمانيا كقوة عالمية، وكذلك لنوعية المساهمين الطبقية والفكرية وانحدار بعضهم الديني، معنى مهم في وجود هكذا حزب براغاماتي يريد أن يوظف كل ما هو ممكن لحشد الناس في كتلة تاريخية اسمها:أمة واحدة...
لقد اندمج في سنة 1953م كل من (حزب البعث) و (الحزب العربي الاشتراكي) الذي كان يقوده أكرم الحوراني في حزب واحد أسمياه (حزب البعث العربي الاشتراكي).لقد كان فكر المجموعتين، والتسميات تدل بعمق إلى الخلفية الفكرية التي تقف ورائها.. لقد تغيرت بعض المفاهيم لحزب البعث حسب الظروف، ولكن الجوهري الواحد، هو تلك الدوغما المدروسة التي تطارد الإنسان كل لحظة، فمن فصل الدين عن الدولة إلى الحملات الإيمانية خيط مشترك هو سحق إرادة الإنسان وتطلعه الحر...
يقول ميشيل عفلق في سبيل البعث، ما مفاده أن محاربة الشيوعية- حينها كان لها نفوذ جماهيري- لا يتم إلا بالدين، ولا تتم محاربة الدين إلا بالعروبة، إن هذا التفكير الإقصائي هو لب معاداة هذا الحزب لكل الآخر إن صح التعبير...
فمفهوم بعث الأمة لا يتم إلا بسحق كل فكر مناوئ، وهذا يتطلب انبعاث فكر الحزب كقائد للأمة، رب للأمة وصانع مستقبلها، وبالتالي إن وجود الحزب على رأس السلطة هو الهدف لتحقيق هذا الانبعاث، وهنا لا أهمية لكيفية الوصول للسلطة، بقدر هذا السعي الجاد لها، مما طبع الحزب (بالفكر الانقلابي) وبهذا لن يكون هناك من عائق أمام الحزب لجعل ذلك التداخل التام والشائك بين وظيفة الدولة ووظيفة الحزب، لدرجة أحدهم يأخذ شكل الآخر...
لنأخذ هذا التعريف العجيب للحزب(حزب البعث حزب قومي علماني يدعو إلى الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم العربية لصهرها وتحويلها إلى التوجه الاشتراكي)، انظر كلمة صهر، وهي نفس المفردة للفاشية الألمانية في صهر الأمة الألمانية نحو المجد، تحت راية الفوهرر...
والقومية والوحدة لدى البعث يرتكزان على مبادئ الانصهار، فالفكرتان ترفضان التعددية بكل شيء، بل صهر ومن هنا ينصهر المختلف دينيا وقوميا وعرقيا في مفهوم واحد لجلاء الأمة وعظمتها...وهنا تكمن أخطر وظيفة فاشية لهذا الحزب...الكثير تناسى هذا العمق الفلسفي للبعث في محاربة الآخر، معتبرين ان ذلك حب للسلطة، لكن القارئ والمتمعن يجد ان خلف ذلك ارث نظري ضخم في محاربة كل شيء يبدو غير مشابه( للعروبة ولتاريخها)، وتحت هذا الفهم تمت محاربة الشعوب الأخرى، كالشعب الكردي، والشعوب الإيرانية... وكان حاضرا دائما التاريخ في احتقار الشعوب الأخرى - مثل فكرة الفرس المجوس- والتي تحت رِدائها تم التدقيق بكل التفاصيل الصغيرة التي تجعل من الكراهية عنوان أمة، بحيث طالت حتى شاعر مثل أبو نواس...
والبعث واضح في مرتكزاته الأساسية، لكنه يترك هامشا من المناورة دائما في بعض المفاصل، مثل مفهوم الإيمان، والايدولوجيا، فهناك متناقضات وهوامش مطاطة، أعتقد جازما وراءها مكر فكري يتمثل في وجود ذلك الفراغ الحاضر دائما في شحذ الفكر في نقطة معينه، قد تكون عدو وهمي أو شعار رنان..إن اللعب بعقلية( الجمهور) هي مهمة فكرية على درجة من الذكاء طبعت كامل تفكير حزب البعث...فحتى غزو الكويت وجد لها ذك الجزر التاريخي في كيفية إحياء أمّة ميتة..فالبعث يعتقد بشيء ما انه طليعة، أما الآخرون فهم قطيع من الأغبياء لا يعرفون هذا العمق التاريخي لوجودهم..لهذا فتشوا عن صلاح الدين ، القعقاع، وبعض رموزنا الدينية لكي يُذكروننا،( نحن القطيع )بان البعث وحده قادر على أعادة مجدنا حتى لو كلف ذلك كل هذا الدم الغزير...!
والبعث يعتقد ان القَدر وإرادة الأمة هي التي أعطته تلك الرسالة، وتحت هذا يوجد مبرر قائم إزاء عظمة هذه الرسالة، لتحقيق أهداف الحزب بالقوة، والقوة وحدها هي التي تستطيع رفع عظمة الأمة وتقويمها...لهذا نجد كل ذلك الحشد الهائل لتجربة بعث العراق في قيام دولة مخابراتيه تندمج فيها شبكات عديدة وعلى رأسها الحزب، في فرض قسري للأفكار والسياسات وبالتالي جعل المواطن يتلبسه الخوف ويتعايش معه كحقيقة مطلوبة، وكانت الفكرة الأساسية لإشاعة الإرهاب هي بإرسال عدد اكبر من الناس تحت التراب لإخافة البقية التي تمشي فوق الأرض......!
نرى هنا ان شعارات الحزب في الوحدة /هي الصهر/ أما الحرية: فخير تعبير عن ذلك قول صدام (سوف نبقى نتمنطق صف الرصاص، ونحن نمارس الديمقراطية بأوسع أبوابها) أي ديمقراطية قوامها الرصاص؟ أما الاشتراكية فهو ذلك الغموض الهائل للبحث في تحديد دور الدولة الرأسمالي، فعند ذاك تتحول الدولة – نخب الحزب- إلى مالكة لكل شيء..
أما الرسالة الخالدة للأمة فهي شعار مبهم غير محدد الملامح، ولماذا هي خالدة ؟وما هو شكل هذه الرسالة؟ ولماذا لها كل هذا الخلود دون سواها؟ فهذه الرسالة جوهرها الأساسي هو التعالي على الشعوب الأخرى، ومعها أيضا احتقار الفرد الذي لا يعي حيوية وأهمية هذه الرسالة السرمدية…!

لقد قام كامل فكر البعث على التماثل التام مع التجارب الفاشية في العالم في ما يتعلق بمفاهيم مثل تفوق الأمة، رسالتها التاريخية، العرق، الموقف من الشعوب الأخرى، الكتلة التاريخية، المستقبل، نظام الطاعة، عسكرة المجتمع، ضرورة وجود قائد عبقري يفكر بالنيابة عن القطيع، فهمه للثقافة، للصحافة، للتعليم، لدور المؤسسة العسكرية، لوظيفة الحرب، للشعار، للرياضة، باختصار كل المفاهيم المتعلقة بخلق إنسان يستجيب ويستسلم لكامل فرضيات هذا الفكر......، مضافا إلى ذلك الاستفادة من الخصوصيات المحلية وغير المحلية اللاحقة، فهناك خليط عجيب من فهم جديد للعروبة، وتحليل مثير لوظيفة الدين، فمن الشيوعية شكل بناء الدولة ووظيفة الحزب القائد وكيفية صناعة أحزاب تابعة له، ومن الغرب شكل إنشاء أجهزة بوليسية على أسس حديثة ومتطورة، كما تفنن البعث في الإضافة الهائلة للراديكالية المتمثلة بشدة القمع الغير مسبوق أبدا...لقد قدم البعث وباقتدار فاشية عربية تفوق الأصل قسوة ومكرا...
ان إجراء مقاربة عبر تشريح هيمنة الحزب الواحد في العراق مع النموذج الألماني تعطي تقاربا شديد التماثل...وقد تَدرج البعث بمصادرة الحريات بالاستفادة من التجربة الأخرى في كيفية الإمساك بقبضة قوية متدرجة على كامل المجتمع.
إن كلمة الفاشية والدكتاتورية ومهما كانت التنظيرات، بالنسبة لي يرمزان إلى شيء واحد هو القسوة والاستبداد والقهر في تحطيم ثوابت الأمة وإخراجها من جدل الحداثة والتقدم والفعل الإنساني المطلوب...لهذا استخدم كلا المصطلحين للتعبير عن شكل سياسي واحد من حيث الجوهر...!
إن الفكر الفاشي كما يتغنى بالجماهير، نرى في الوقت نفسه يخاف منها، والدولة الفاشية مع الزمن تنحسر القاعدة التي تثق بها، فتضيق من القومية إلى الطائفة ثم العشيرة أو المنطقة حتى تصل إلى العائلة، ومعها يبدأ عصر انحطاطها بالصراع العائلي نفسه ( مثال صراع أخوة صدام وقصة حسين كامل)
فالفاشية تخاف من كل شيء وشعارها الضرب بلا رحمة لكي تستمر اللعبة التي أرادتها...

كيف يمكن لنا تطهير المجتمع وحمايته من الأفكار الفاشستية (البعث في الحالة الراهنة )؟

إن تقديم عناصر العصابة الحاكمة وعلى رأسها الدكتاتور، ضمن محاكمة عادلة، تقدم من حيث الشكل والمحتوى بديلا صادقا عن ما ساد من انتهاكات في وجود قانون عراقي نزيه ومستقل.هذه المحكمة يجب أن تكون مناسبة ليس فقط لإدانة جرائم الدكتاتور المادية، بل لسائر فكر البعث..ان محاكمة علنية، تستهدف القتلة ستؤسس حتما لعراق جديد، وستجعل ماثلا بكل قوة لكل من يريد أن يجرم بحق الشعب، أن هناك جزاء عادل، سيأتي حتما...تلك هي إرادة التاريخ، وإرادة الشعوب في البحث عن عالم أكثر عدلا...نحن لن نأتي بشيء جديد إلى تجربة البشرية وذاكرتها، عندما نقول ليست هناك مصالحة مع القتلة والفاشست مهما كانت المبررات، لأنها تنطوي على مخاطر تهدد مستقبل الوطن والأجيال القادمة...
ومن المهم جدا الإسراع بسَن قوانين تُحرم العنصرية أو التمييز على أسس طائفية أو قومية أو دينية أو فكرية... فهذا سيقوض قاعدة هكذا أفكار خطرة...يترافق مع ذلك مهمة إشاعة ثقافة تحترم الشعوب الأخرى، الثقافات الأخرى، التي ستخلق حتما مناخا جديدا لكي يتصالح العراقي مع الذات العراقية بكل تنوعها، وهذا سيبني بالتأكيد عراق ديمقراطي تعددي، يحترم المواثيق والالتزامات الدولية، وسيجعل العراق منطلق وركيزة لعلاقات حسن جوار مع الدول الأخرى على أسس من احترام السيادة، والتعايش، واحترام خيرات الشعوب في طريقة العيش، وفي بناء نُظمها السياسية بدون أي تدخل...

ان الشعوب التي ابتلت بالفاشية لازالت تضع الكثير من الضوابط والقوانين بعدم عودتها، فهكذا إجراءات للحد من الخطر الفاشي رغم أهميتها، لكن الحاجة تبدو أهم لتغيير كامل ثقافتنا، وهذا يتطلب إشاعة الديمقراطية في حياة المجتمع، وتطبيق المنهج العلمي في حياتنا التعليمية، وإشاعة
روحية التعددية في حياة المجتمع كمصدر غنى للأمة ( اقصد أمة عراقية ) يتمازج ويندمج بها بطواعية وبوعي مسؤول كل مكونان الشعب العراقي من قومية، دينية، طائفية، فكرية...
كما ان تجديد خطابنا الثقافي، والعودة إلى سلوك الشخصية العراقية السوية التي اجتهدت الفاشية على تدميرها، يتطلب أعادة مفاهيم أولية للحياة، مثل المساواة، والحق، واحترام الغير، والحفاظ على الضمير كمصدر للتوازن الشخصي في الموقف من المجتمع، وإسقاط فكرة احترام القوي القادم من فكرة العنف والقبضة الحديدية وإحلال محلها القوي القادم من أجماع الناس عبر صناديق الاقتراع...كل ذلك يتطلب جهدا من النخب النظيفة، من النخب الشابة التي لم تتلوث بأخطاء الطبقة السياسية التقليدية، في أن تتقدم الصفوف لبناء الوطن على أسس جديدة تصمد أمام الحياة وأسئلتها الكبرى.. إن إشاعة الجديد وعدم الخوف من نقل التكنلوجيا والمعرفة وحتى الفكر، دون التنازل عن الخصوصيات الجميلة والأصيلة لشعبنا سيكون مصدر هام لبعث ثقافة مستقبلية، لازدهار الحداثة، ولإشاعة فكر يحترم الرأي والرأي الآخر...
ذلك هو التحدي الكبير الموضوع أمام شعبنا، وفي ألفية جديدة لا خيار لنا سوى التقدم إلى الأمام نحو عالم أكثر إشراقا وعدلاً...



#محسن_صابط_الجيلاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء مع الفنان عماد الطائي
- عن الشيوعية واليسار، مع بعض التطبيقات..-3
- وردة حمراء
- هذيان عند كاس عرق مغشوش
- الشخصية العراقية بين الحضور... والغياب القسري
- عن الشيوعية واليسار، مع بعض التطبيقات... -2-
- على حافة الشعر
- عن الشيوعية واليسار، مع بعض التطبيقات...
- قصص قصيرة جداً
- إشكالية العلاقة بين السلطة والمثقف
- النار فوق قمة جبل
- موقع الشباب الغائب في قانون إدارة الدولة العراقية يعني غياب ...
- شاعر وقصيدة
- يعد الصمت ممكناً…!
- دورة استحالة القائد كيف تصبح قياديا في حزب عراقي بسبعة ….بدو ...
- قلق
- في يوم الشهيد الشيوعي …وجهة نظر أخرى للحفاظ على الحياة
- مدخل إلى عالم المترجم والقاص الدكتور علي عبد الأمير صالح
- خيون حسون الدراجي – أبو سلام
- شاعر وقصيدة - حميد حسن جعفر …. والكلام


المزيد.....




- وزير الخارجية الأمريكي يزور السعودية لمناقشة وضع غزة مع -شرك ...
- السلطات الروسية توقف مشتبهاً به جديد في الهجوم الدامي على قا ...
- حماس تنشر مقطع فيديو يوضح محتجزين أمريكي وإسرائيلي أحياء لدي ...
- حزب الله يقصف إسرائيل ويرد على مبادرات وقف إطلاق النار
- نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب بسام محي: نرفض التمييز ضد ...
- طلبة بجامعة كولومبيا يعتبرون تضامنهم مع غزة درسا حيا بالتاري ...
- كيف تنقذ طفلك من عادة قضم الأظافر وتخلصه منها؟
- مظاهرات جامعة كولومبيا.. كيف بدأت ولماذا انتقلت لجامعات أخرى ...
- مظاهرة طلابية في باريس تندد بالحرب على قطاع غزة
- صفقة التبادل أم اجتياح رفح؟.. خلاف يهدد الائتلاف الحكومي بإس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محسن صابط الجيلاوي - الفاشية العربية -البعث كنموذج