أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - الفن المصري الحديث في الستينيات والسبعينيات (2)















المزيد.....

الفن المصري الحديث في الستينيات والسبعينيات (2)


يوسف ليمود

الحوار المتمدن-العدد: 3126 - 2010 / 9 / 16 - 16:13
المحور: الادب والفن
    


تجريد الستينات

عودةً إلى الجيل المشحون، يلفت النظرَ هذا العدد الكبير من ممارسي التجريد في ذلك الوقت، سواء التجريد اللاموضوعي أو التجريد الداخل في نسيجه ظل موضوع أو أصداء رموز وتعبير وغنائيات وشجن، لاتجاهاتٍ ومدارسَ أخرى تداخلت معه كساحة مفتوحة على إمكانات تجريب وامتزاج عوالم. هذا التنوع في الأداء والممارسة الهاضمة للتجريد كمفهوم وتوجّه، هو قيمة في ذاتها، تشير إلى نضج وجدية ذلك الجيل الستيني وكثير ممن سبقوهم في السن وشملتهم الصورة في إطار زمني واحد. قصة اكتشاف التجريد، المروية بلسان رائدها واسيلي كاندينسكي معروفة، مفادها أنه اكتشف الجمال الآسر بمعزل عن الشيئية التي تنتقص من ذلك الجمال، شكلاً ومعنىً. يرجع اكتشافه ذاك إلى سنة 1910 تقريباً، حين دخل مرسمه فوجد لوحة رائعة التشكيل فاقترب منها فإذا هي إحدى لوحاته وقد عُلّقت مقلوبة... إلى آخر الحكاية. وحين نلاحظ أنها، أي التجريدية، قد أخذت، في مكان ولادتها، بضع سنوات أخرى حتى تبلورت ووصلت إلى شكلها الأنقى، ندرك التقدمية التي تمتعت بها الروح الفنية في مصر مطلع الستينات حين تعاملت بجرأة وبروحٍ مغامرة مع ذلك الاتجاه الحديث في الفن، الذي لا يمكن الخطو فيه وتحقيق شيء يذكر إلا باستيعاب أساسه النظري والفكري، وهنا لن نغفل ملحوظة صغيرة نظن أنها مهمة وهي أنه لا وجود لشيء في الواقع اسمه تجريد، وأن اللفظ يستخدم مجازاً، إذ التجريد المطلق، فلسفياً، يعني العدم. فكأنّ تبنِّي كثير من فناني ذلك الجيل التجريدَ منهجاً، واعتصار إمكاناته ومزجها بالروح المصرية عبر الرموز والايحاءات المحلية، كأنه كان نوعاً من التواصل المعملي مع رواد ذلك الاتجاه في الغرب، وليس مجرد استقطاب شيء والتعامل معه بإملاءاته الباردة دون توظيفه ليقول الـ "نحن" والهوية. كذلك يؤكد الصورة التقدمية الرائعة لتلك الفترة، وجود نماذج فنية نسائية برهنت أعمالها على لا جنسية الفن، أي أن الفن لا جنس له، وذلك في عالم ضاربة جذوره في ذكورية سحيقة ومعتقة. عفت ناجي وانجي أفلاطون نموذجان رائعان، نمر على عملهما، كما نمر على أعمال آخرين رأينا فيهم رموزاً تتكلم عن الحركة الفنية ككل، وهنا يجب التنويه بأنه ليس بالضرورة أن المذكورين هنا من الفنانين أفضل أو أكثر فنية من الذين لم تسعفنا المناسبة ولا الحيز لذكرهم، إذ من المسحتيل الإتيان على مئات الفنانين في مساحة كهذه:


عفت ناجي .. سحرية الشكل في ملعب التجريد

قلنا تواً إن التجريد المطلق هو العدم، ويبدو أن هذا ما فهمته الفنانة السكندرية عفت ناجي التي، لا أدري لماذا تتداخل صورة كيانها المبدع في ذهني مع الفنانة الفرنسية الشهيرة المعاصرة لويز بورجوا. في أي حال، ورغم تباين الظرف والتوقيت والتوجه، أجدهما من نفس المعدن الفني، ككيان. وجدت ناجي في التبسيط الشكلي الذي وصل اقصى حدود اختزاله، حقلاً مسطحاً يحتوي كل أشكال ورموز وإشارات وأشياء الفنانة التي تقول بها العالم وتتحكم في طاقاتها والعلاقات الشكلية والرمزية والتعبيرية الناشئة عن ترتيبها ومجاورتها معاً على سطحٍ، مستنبتةً الطاقة السحرية الكامنة وبثها بهدوء في أوصال العمل الذي كانت ناجي، مع منير كنعان، من أوائل المحطمين لشكله المتساوي الأضلاع، سواء كان مستطيلاً أو مربعاً، فقد أتت أشكالها البارزة على إطار المساحة التي تعمل الفنانة عليها، فتخلت اللوحة عن كيانها كلوحة، لتدخل إلى أجواء العمل المركّب، بل لتقترب من مفهوم العمل الفراغي (الانستاليشن)، ماحيةً بذلك الهوة بين الأجناس الفنية، دامجةً النحت بالكولاج بالرسم بالتصوير، وذلك منذ وقت سابق على الستينات بسنوات عديدة، متماشٍ مع الستينات وما بعدها بسنوات عديدة، حيث عاشت فنانتنا هذه من 1912 إلى 1994.



منير كنعان .. اللاشيء كهدف

مأخوذاً بملصقات الحائط المتراكمة المتقشّرة المتهشّرة المنزوعة المختفيةُ تفاصيلُها عبر الطبقات فلا يبين منها سوى تأثيرات بصرية لا معنى ولا مغزى ولا هدف وراءها سوى وجودها في ذاته كبقع ونثار مساحات تراوغ العين جمالياً فتدور العين فيها وداخلها وحولها كي تحظى بلحظة وصل، دفع الفنان التجريدي العتيد منير كنعان عربته الفنية في دهاليز الشكل الخالص غير عابئ بوجود بضاعة تشخيصية أو أشياء فوقها من ما يلحّ في طلبها المتفرجون. الطريق نفسه، والوصول إلى اللاشكل، كانا هدفه. و"طمس" الشكل كانت طريقته، كما ذكرت الناقدة الفرنسية كريستين روسيون في رسالتها الماجستير في السوربون عن الفنان. يقول الناقد مختار العطار في مقال له عن كنعان، منشور في كتاب "رواد الفن وطليعة التنوير في مصر، الجزء الثاني" بعد أن ذكر أن المعرض الفردي للفنان كان سنة 1961 بدار أخبار اليوم وكان تجريدياً تعبيرياً، وأن المعرض الثاني كان في العام الذي تلاه وكان كذلك تجريدياً، يقول: "أما المعرض الثالث فكان في قاعة اتيليه القاهرة سنة 1966، كان داديا (يقصد دادائياً)، أي حافلاً بالأخشاب المحترقة والقفف القديمة والمشدودة الى الجدران، وإطار المنخل وسلك النملية المستهلك... وما إلى ذلك من نفايات الحياة (...) منير كنعان هو الفنان المصري الوحيد الذي قدم معرضا داديا كاملاً، لكنه لم يكرر التجربة وعاد إلى التعبير المجرد إلى أن انتهى إلى الكولاج الشكلي الخالي من المضمون". تعمّدت أن أستشهد بهذه الفقرة من وصف الناقد مختار العطار لمعرض كنعان الثالث بالدادائي، وهو نموذج الكلام غير الدقيق في الكتابة النقدية التي أرّخت مساحةً مديدة من تاريخ الفن في مصر، فالمعرض المذكور لم يكن له علاقة، لا في الشكل ولا في الدافع ولا في الفلسفة، بالدادائية التي انبثقت كرد فعل عنيف تجاه عالم مجرم مزيف ومنافق، وفي ظني أن منير كنعان لم يُرِد في معرضه ذاك سوى تجريب تلك الخامات والمواد والعناصر والنفايات، بنفس المنطق التجريدي الذي كان قد استقر عليه بالفعل منذ مطلع الستينات. هذا تحديداً سبب اقتصارنا على الأعمال الفنية كمصدر أساسي في قراءة نتاج الفن المصري في الفترة موضوع بحثنا. كانت هذه جملة اعتراضية شاءت أن تسكن بين السطور بعفوية، والآن عودة إلى كنعان لنرفع له قبعة وهمية، تقديرا لفنان حقيقي أصيل، عاش في فنه مترفعاً عن التفاصيل اللزجة والثقيلة: تفاصيل الواقع وتفاصيل الشكل الذي أراده الفنان لا شيئ، كهدف.


رمسيس يونان .. الحفر الوجودي بأظافر التجريد

في عام 1938، كان رمسيس يونان قد نشر كتابه "غاية الرسام العصري"، أي وهو في الخامسة والعشرين من عمره، وقت كان يعمل مدرساً للرسم في مدارس مصر الثانوية، بعدما اضطر إلى ترك مدرسة الفنون الجميلة قبل أن يتم دراسته فيها عام 1933، وحين نعرف، إضافة إلى ذلك، أنه هو مَن ترجم مسرحية "كاليجولا" لألبير كامو، و"فصل في الجحيم" لرامبو، و"الحب الأول" لتورجينيف، و"قصة الفن الحديث"، إلى جانب مقالات عديدة في الفن، جمعت بين رصانة اللغة وعمق النقد والشاعرية في آن واحد، وأنه رأس تحرير مجلة "المجلة" بعد سلامة موسى، من 1942 إلى 1944، نتيقن أيّ جمرة ثقافية تلقفتها يد جيل الستينات المتعطش للفن والثقافة من النماذج المضيئة التي سبقتهم بجيل أو جيلين وأكثر. كان قدَر يونان أن يرتبط، في مرحلته الفنية الأولى بالاتجاه السوريالي، عقيدةً وممارسةً وأسلوبَ حياة، حيث أسس مع الشاعر جورج حنين، والأخوين أنور وفؤاد كامل وانجلو دى ريز وكامل التلمساني وآخرين، جماعة "الفن والحرية" 1939، التي كانت بنتاً شرعية للحركة الأم في باريس. أنجز الفنان مرحلته السوريالية التي، رغم توخّيها اللاوعي كمفهوم انطلقت منه، إلا أن الروح المعمارية البنائية للعناصر والأجواء التي تعاملت معها وحفرت فيها، كانت حاضرة وبقوة. نفترض أن من أدرك ذلك الجانب البنائي في لوحات يونان السوريالية، ما كان له أن يندهش لتحوّل هذا الفنان إلى التجريد في مطلع الستينات، بعد عودته من عشر سنين عجاف أمضاها في باريس، تشكّل مرحلة وسطى، هادن فيها الحياة، فتزوج من فتاة بولونية الأصل تعيش في باريس وأنجب منها طفلتين، وعمل خلالها سكرتير تحرير القسم العربي في الاذاعة الفرنسية، حتى اجتاحته روح الفنان الموقف، الذي كانه، فكان أن رفض إذاعة بيانات ضد مصر أثناء العدوان الثلاثي عليها فعاد مطرودا من فرنسا، خاوي الوفاض إلا من زوجة وطفلتين وشعلة فنية وجدت في التجريد حقلاً تليق صخوره العارية بأفق المجهول الممدود أمامه، على المستويين الكوني والواقعي. عاد يونان إلى وطنه، الجغرافي والروحي عام 1957، ليبدأ رحلة صراع مع البيروقراطية والتزمت والجهل الفني وأحقاد الصغار والدخلاء والمدّعين بعدما حصل على منحة التفرغ الفني، تُجدد سنوياً بقرار موظفين همّهم التنغيص. عاد إذاً بكل ثقله وطاقته، وأيضا بهزائمه وانكساراته، ليحفر في سطح اللوحات ويخربش ويضيف ويكشط ويبني ويهدم، بحثاً عن اهتزار رهيف يقرّبه من ذبذبات مادة الوجود الأولى. تلك الأشكال الغامضة التي تبدو كأن راسمها حدّد هدفه مسبقاً، وهو أن ينسف كل ما يقرّبها من أيٍّ مما في الدماغ من خزين الصور والمعاني. وعلى رغم أنها كذلك، أي تجريدية، إلا أن بها زاداً عالياً من الشاعرية والمعمار الداخلي والتفكير والتعبير... والعاطفة كذلك، الأمر الذي يجعل تصنيفها في خانة التجريد أو التعبير أو الرمز أو الميتافيزيقا، شئياً لا يفيد لا اللوحات ولا متأمل اللوحات. إنها خليط من هذا كلّه وأكثر. ربما تخطى الواقع الفني اليوم مثل هذا التوجّه، هذا من طبيعة الأشياء والسيرورة، لكن لن تقلل هذه الحقيقة من قدْر هذا الفنان أو من قيمة عمله التي، لو لم نضع في حسابنا، حين تقييمها، اللحظةَ التاريخية التي أُنجزت فيها، سوف ندرك كم كانت أعمالاً تقدمية، بنفس القدر الذي كانته كأعمال أصيلة تحمل هماً حقيقياً، وجودياً وجمالياً معاً.


فؤاد كامل والدفق التعبيري المجرد

وجه شبه كبير بين رحلتي فؤاد كامل ورمسيس يونان وإن اختلفتا في التفاصيل حيث فرّقت هجرة الثاني إلى فرنسا بين المسيرتين اللتين بدأتا سوريالية، كما هو معروف، وجمّعتهما عودته في رحلة جديدة مع التجريدية. لكن في حين بدا يونان معمارياً بحسابية يحكمها العقل، ظل فؤاد كامل ملتصقا بقيمة اللاوعي الذي لم يُفقده إياه تحوله إلى تجريبه التجريدي الجديد الذي اعتمد الشحنة التعبيرة بدفقتها المتفجرة من عوالم الشعور وذبذبات الجسم في أدق ارتجافاته الداخلية عبر آلية سكب الألوان التي لابد وأنه استعارها من الأمريكي جاكسون بولوك لكن على المقاييس البيولوجية لفناننا. كان مطلع الستينات هو الوقت الذي تحول فيه فؤاد كامل إلى التجريد، وهي الفترة نفسها التي انطلق فيها الفن الطليعي في أوروبا وأمريكا والذي تم تصنيف كثير من نتاجها تحت اسم "فن الأكشن"، وطبعا لم تكن صدفة تاريخية أن يبتدع فؤاد كامل أسلوبه ومنهجه في تجربته التجريدية التعبيرية بمعزل عن متابعة طليعيّي الغرب من أمثال الأمريكي المذكور أعلاه وكذلك الفرنسي إيف كلاين، على سبيل المثال لا الحصر. غير أن هذا لا ينتقص من عمل فؤاد كامل شيئا، إذ نحن نرى اليوم انعكاساً لروح هذا الفنان وكيانه الداخلي في أعماله التي لا تشبه أعمال أي من الآخرين الذين انتموا إلى نفس التيار، بل إنه، في رأينا، ليُحسب لفؤاد كامل أنه أول من أدخل فن الأكشن في مصر تزامناً مع موجته في الغرب، وكأن الثقافة والفن في مصر الستينات كانت مواكبة لما يحدث في مركز العالم، ناهيك عن أنه كان بها من الفنانين مًن لا يقل عن فناني ذلك المركز المتحضر.


أبو خليل لطفي والفهم الراقي للتجريد

واصلاً بين جيل التمرد الأربعيني، من خلال اتصاله بـ"الفن والحرية"، وبين تجاربه التي عمّقتها الدراسات والترحالات والاحتكاكات بكبار الطليعيين في العالم كجاكسون بولوك وغيره، ترك أبو خليل لطفي بصمته الرقيقة على التجريد المصري منذ الستينات وحتى رحيله في بداية التسعينات، موظِّفا بذكاء شديد وحساسية بالغة، الحروفية العربية وظلال التراث عموماً في تجريدٍ عكَس روحَ ذلك التراث المشرقي، بجانبه الروحي العميق الذي تمثل في فكرة اللانهائي بدورانها بالعين في متاهة بصرية تنسكب منها المساحات والنسب البليغة الجمال والبساطة والرقة.


حمدي خميس وصفائحه الهندسية

ما قلناه عن "أبو خليل لطفي" أعلاه، يمكن أن نلصقه هنا ولن يبتعد كثيراً عن جوهر حمدي خميس وعمله، اللهم إلا أن عمل خميس قد اصطبغ أكثر بحسٍ هندسي، في نوع من تجريب على مستوى الخامة أو الوسيط، حيث طرْق الصفائح بدلاً من رسْمها، وتثبيتها على السطح بمسامير تحيل، بتشكيلاتها، إلى فكرة الزخرفة، وبالتالي تحيل على مفهوم التراث، ببساطة ومن دون ليّ عنق المفاهم أو حشرها عنوةً.


صلاح طاهر وتجريده الاستعراضي

ليس في نية هذا البحث أن يرفع البعض أو يحطّ من قدر آخرين، لكن في سياق استعراضنا بعض النماذج الفنية التي لعبت دوراً بارزاً في الحركة التشكيلية المصرية، تستوقفنا تجربة المصور صلاح طاهر بمنجزه الضخم كماً، الضحل كيفاً، في نظرنا. سجلت جلّ المقالات النقدية والتأريخية عن صلاح أنه بدأ تجاربه التجريدية الأولى بعد عودته مباشرة من رحلة إلى أمريكا، طاف فيها على المتاحف والمعارض وتعرّف على الاتجاهات الحديثة وقتها هناك وكانت التجريدية بأشكالها المتعددة، ومنها حركة لوحة الأكشن السابق ذكرها، التي كان رائدها جاكسون بولوك، ليعود صلاح طاهر وقد استيقظت فيه روح الملاكم الذي كانه في صباه ويبدأ رحلة التحدي والنزال مع تلك "الموضة الفنية"، بمنطق (أنا أيضاً أستطيع أن أفعل مثل هذا وبمهارة أكثر)، وكأن الفن الحديث من الخواء الداخلي والشكلانية المفرغة من أي مضمون والتي تعتمد فقط على براعة التقنية وسرّ المهنة، بلغة أصحاب الحرف! فشمّر هذا المصور ذراعيه وألقى بالفراجين التقليدية بعيداً ليدلق الطبقات اللونية على السطح ثم يكشط تداخلاتها بأدوات عديدة منها الممحاة أو أي شيء في طراوتها لتتلوى يده على المساحة فيشكّل بها ما يدغدغ العين الساذجة من أشكال تحيل إلى الواقعية نفسها التي كان قد تركها لتوه، وكأن بهلوانية الأداء هي كل ما في جعبة الفن. إنّ أديباً مفكراً مثل العقاد كان قد قال وقتها، عندما تحوّل صلاح طاهر من التشخيص إلى تجريده ذاك: "صرح من صروح الفن في مصر قد تحطم"، لكننا لا نعوّل كثيرا على كلام أديب لا يتذوق من الفن إلا الواقعي منه، بل إننا لو نظرنا بإمعان في تلك المرحلة الواقعية لهذا المصور لهالتنا فظاظة كثيرٍ من التركيبات والمقاييس ونسب الأشكال، حتى ليظن من لا يعرف هويةَ الرسام أنها لهاوٍ بسيطِ الأدوات ساذجِ الرؤية... لكن، كما قلنا، ليس تقييم هذا الفنان هو همّنا وشاغلنا في هذا الحيز قدر ما نود استخلاص حقيقة مؤلمة مفادها أن الحركة الفنية المصرية في تلك الحقبة، كما كانت لا تفتقر إلى المواهب الأصيلة والمفكرين والمنظرين، كان ينتشر على جلدها بقع فنية أشبه بالمرض الكامن الذي كان يستفحل عميقاً في الداخل بينما هو يلمع في الخارج كبؤرة اشعاع ضللت الكثيرين من الممارسين وجمهور المتذوقين في الوقت ذاته لتكون في النهاية أشبه برافد يصب ماءه غير النقي في بحيرة الفن والثقافة العامة لبلد يبحث عن هويته ولم يجدها بعد.
.
يتبع: السوريالية، هناك وهنا
رابط المادة السابقة: http://www.doroob.com/?p=46581



#يوسف_ليمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود فان جوخ بين الوعي والخرافة
- رحيل اللباد صاحب -كشكول الرسام-
- عن الثقافة في مصر: شجرة البؤس وأزهار الخشخاش المسروقة
- الفن المصري الحديث في الستينيات والسبعينيات، إلى أين كان، وإ ...
- جان ميشيل باسكيا .. فنه أم موته المبكر صنع أسطورته؟
- سبنسر تونيك .. كما نبي يقود أمته عرايا يوم الحشر
- عن النقد والفن في مصر .. حوار
- هيلموت نيوتن .. الفن رغماً عن أنف ما يصوره الفنان
- مان راي .. أنامل الفنان على أوتار الجسد وظلاله
- من ثقب الكاميرا: حقيقة الجسد أم وهم خياله؟
- تجربة رانيا الحكيم بين الحركية والغنائية في معرض بالقاهرة
- نينار اسبر .. جسدها آلة تعزف عليها قناعاتها
- يوسف نبيل .. الجسد مثقوبا بوجوده
- حمدي عطية وخريطة الجسد
- دينا الغريب .. وردة الرغبة في حقل جسم ملتبس
- عاصم شرف .. الواقع معكوساً في مرايا الرقص
- روح مصر كما يفهمها ثلاثة فنانين عيناً وقلباً
- سمر دياب .. أجساد مفتتة في سوريالية الوجود
- محمود سعيد .. الأرستقراطي الذائب في جسم بنت البلد
- محمود مختار والجسد الناهض


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - الفن المصري الحديث في الستينيات والسبعينيات (2)