أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - الفن المصري الحديث في الستينيات والسبعينيات، إلى أين كان، وإلى أين وصل؟















المزيد.....

الفن المصري الحديث في الستينيات والسبعينيات، إلى أين كان، وإلى أين وصل؟


يوسف ليمود

الحوار المتمدن-العدد: 3104 - 2010 / 8 / 24 - 17:54
المحور: الادب والفن
    


ستينيات الغرب وستينيات مصر

رغم زخمه وكثافتة وتلاحق أحداثه واكتشافاته وكوارثه، لم يعرف القرن العشرون حقبة بثراء وخصوبة وحركية سنوات الستينيات وما تلاها من أعوام سبعينية. كان مخاض جديد قد بدأ في اعتصار بطن العالم لخروج جيل متمرد على كل القيم والأخلاق التقليدية التي شكّلت جسد العالم وملامحه حتى النصف الأول من القرن المذكور؛ ملامح جسدٍ مسدته يد دامية لحربين عالميتين كانتا العبث نفسه، كما كانتا إصبعاً يشير إلى نهاية الانسان كمشروع ميتافيزيقي فاشل، فكانت الحاجة إلى وقفة وجودية تُعاد فيها الحسابات والتقييمات والنظر في ما في حوزة اليد البشرية من إمكانات الإرادة والقدرة على تقرير المصير الشخصي، قياساً على ما يواجَه به الكيان الانساني من قدَر أشبه بعكازة أعمى. لا تعوزنا هنا البراهين على المدى الخطير للحراك الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي الذي عامت فيه أوروبا وأمريكا في تلك الحقبة كإرهاصات آذنت بميلاد عصر جديد وحداثة أكثر جدة، إذ يكفي أن نذكر، في سياق تاريخ العالم، لفظة "الستينات"، حتى يترجمها الذهن إلى: ثورة الطلاب ومثيلتها الجنسية، حركة الهيبيز، بلوغ النضج العملي للفكر الفلسفي على يد سارتر والوجوديين، اختراق المرأة مجالَ الفن عبر هويتها كأنثى، محوّلة بذلك مفهوم النسوية من صراع من أجل المساواة في الحقوق مع الرجل، إلى النبش في الـ"أنا أنثى"... هذا في أوروبا، أما أمريكا، الغارقة حينئذ في مستنقع فيتنام، بوجه فضائحي زالت عنه أقنعته التجميلية، فقد تجلّت، إضافة إلى مثيل ما سبق ذكره عن أوروبا، الحركاتُ الفكرية والفنية والاجتماعية المختلفة كردود أفعال عنيفة على عالم ينفلت تدريجياً من يد الانسان لحساب الآلة التي اخترقت الفضاء إلى اسطورة وصولها إلى القمر، واقتربت من تلخيص العالم وتحريكه على شاشة كمبيوتر، فبدا الفنانون، وقتها، وكأنهم في سباقٍ ماراثوني مع فكرة الزمن، فكان أن أخذ الأخير حيّزه الأشد سرعة في تنفيذ العمل الفني نفسه كعنصر أساسي في العملية الابداعية، فيما عُرف باسم "لوحة الأكشن" ورائدها جاكسون بولوك الذي أصبح فنه أيقونة تلخّص الروح الأمريكية، تماما كما كان الحال مع فن البوب ورائده آندي وارهول، الذي أسقط القداسة عن عالم الصورة بإدخاله العادي والتافه والمبتذل حيز الفن، كإشارة إلى واقع مدموغ بنفس الصفات الاستهلاكية الرخيصة، ناهيك عن ردود الفعل المعاكسة لتلك الاتجاهات الفنية، كالمينيمالية مثلاً... كذلك كان الحال مع ظهور فن البيرفورمانس الذي اصطبغت إرهاصاته الأولى بروح تجريبية لوّثتها عبثية ربما كانت تأثيراً غير مباشر من مسرح العبث الستيني، وجدت المرأة الفنانة فيه، أي فن البيرفورمانس، حلبةً تتعرى فيها وتعرض أحشاءها الأنثوية أمام الجمهور (كارولي شنيمان مثلا)، مفككةً بذلك كيانها الجنسي الذي صنعه تاريخ ذكوري متسلط، فكراً وجسداً. هذه بعض الملامح الغربية لتلك الحقبة اللافحة، لكنّ الصورة في مصر كانت مختلفة الهمّ والانشغالات، في الشكل العام، كما في الشكل الفني الذي، بوعي أو بغير وعي، عكس ظلالاً، ولو باهتة، يمكن من خلالها تلمُّس روح تلك الفترة بتضاريسها: الفكرية والسياسية والاجتماعية، من أمل ثوري، إلى تحطم الآمال وانتكاس الذات، إلى انفتاحٍ اقتصادي طال الجميع بأخلاقيات السوق وانتهازيته، إلى مد ديني غاص في رمله المجتمع بطيئا، كما الدخول في النوم بحقنة مخدر.

حسب التصنيف الوارد في كتاب الدكتور مصطفى الرزاز، "الفن المصري الحديث، القرن العشرين" (الكتاب في الواقع هو أقرب إلى قاموس حصر الأسماء منه لكتاب، لكن يجب، في الطبعات اللاحقة، تصحيح الخطأ النحوي في العنوان. الصح هو: القرن العشرون، وليس القرن العشرين)، نرصد عدداً (أكثر من عشرين فنانا) ممن يُصنفون في قائمة الجيل الثاني في الحركة الفنية المصرية، امتد بهم العمر الفني حتى غطى الستينيات والسبعينيات، بل منهم من جار على ما بعدهما من سنين حتى التسعينيات، مثل: حامد سعيد، عفت ناجي، صلاح طاهر، الحسين فوزي، محمود موسى... وغيرهم، كما أن آخرين من جيلهم نفسه تم تصنيفهم ضمن الجيل الثالث، لأسباب تعود إلى التوجه الفني والروح التي تماهت مع تجريبية وانفتاح جيل الستينات الأكثر اشتعالاً وتوهجاً ممن سبقه من أجيال، مثل: رمسيس يونان، فؤاد كامل، كامل التلمساني، منير كنعان، حامد ندا، عبد الهادي الجزار، آدم حنين، حامد عبد الله، انجي أفلاطون، تحية حليم... وآخرين كُثر، سوف نأتي على بعضهم، كما ذكرنا، منحدرين إلى جيل الستينات، في وقفة أكثر تمعناً في نتاجات ذلك الجيل وتوجهات فنانيه المتعددة والمتشعبة، عسانا نخرج برؤية واضحة نستخلص منها الخطوط العريضة لنضعها في الأخير تحت منظار التأمل، الهادئ لكن الثاقب. تجدر الإشارة هنا إلى اعتماد هذا البحث على الصور المتاحة للأعمال الفنية كمرجعية أساسية نحاول من خلالها قراءة هذا التاريخ، وليس على الكتابات النقدية والصحافية التي واكبت الحركة والتي لابد أنه كانت لكثير منها ظروفها التي جعلتها أقرب إلى التهويمات والمبالغات والتحيزات، ناهيك عن المغالطات وسوء الفهم غالباً، أو حتى عدم الفهم أحياناً.

منذ تأسيس الفنون الجميلة بمصر في بداية القرن، وتخرُّج من سُمّّوا "الرعيل الأول"، كانت المسألة الوطنية هي عود الثقاب المشتعل في قلوبهم كما في قلب الشعب، لذلك، رغم أكاديمية دراستهم داخل مصر على يد فنانين أجانب، بل ورغم إكمالهم دراستهم في فرنسا وايطاليا، كان البحث عن الهوية همّا لديهم تجلّى في وضوح في أعمال راغب عياد ومحمود سعيد، ناهيك عن محمود مختار الذي كان عمله أشبه بالمارد الآتي من صميم تراب هذه الأرض وتاريخها الأقدم العظيم. ازداد هذا الهم الباحث عن لغة فنية تبلور فكرة الهوية وعدم التلاشي في ثقافة الآخر لدى الأجيال التالية المصنفيْن بالثاني والثالث. كان العالم خارجاً من حرب أولى وداخل في ثانية، وكانت ردود فعل المثقفين والمفكرين والفنانين تضرب في موجات تمرد عنيفة أنتجت المدرستين الدادائية والسوريالية في فرنسا، والتعبيرية في المانيا، وقبلهما كانت التجريدية في كل من البلدين المذكورين قد أخذت شرعيتها وبدأت في التشعب والامتزاج بأساليب تعبيرية متعددة. وفي ضغط الحاجة على مثقفي وفناني مصر في ذلك الوقت، من الثلاثينيات إلى الخمسينيات، للإمساك بلغة فنية تقول الهوية، كمعادل فني للرغبة في التحرر السياسي والاجتماعي، ظهرت عدة جماعات، لعل أكثرها التحاماً بالروح المصرية كانت "جماعة الفن المعاصر" 1946، اعتمدت السوريالية فلسفةً وانطلاقاً، على يد فنانِين أصيلين، منهم الجزار وحامد ندا وماهر رائف وسمير رافع، تركوا منجزاً فنياً غاص في أعماق الشعب بخرافاته وممارساته الطقوسية، أشبه بالوصية لمن لحقوهم من أجيال. كذلك تبلور التمرد والثورة، لدي بعض مثقفي وفناني تلك الحقبة، من خلال جماعة "الفن والحرية" التي اعتمدت بدورها السوريالية منهجاً، مع اتساع في النظرة الفكرية العامة التي كانت أكثر انفتاحاً على الغرب، غير مشغولة بمسألة الهوية القومية، اعتباراً لفهمهم الفكرَ والفن نتاجاً انسانياً كونياً، لكن ذلك الفهم لم يجعلهم أقل مصريةً من الآخرين، بل لم يمنعهم من أن يبحثوا عن هوية وطنهم على طريقتهم الخاصة. ثم جاءت الثورة بالتغييرات الكبيرة كما جاءت بالحلم الناصري الكبير الذي انتعشت فيه وبه الحياة الفنية في مصر متمخضة عن جيل الستينات المفعم بالارادة والعمل المسئول في كل جوانب البناء الثقافي من سينما ومسرح وأدب وفن تشكيلي تجلّت مظاهره في منح التفرغ وفعاليات مرسم الاقصر الذي كان يُمنح للفنان المتفرغ فترة من الزمن، متيحاً له الفرصة النادرة لمعايشة الريف، بعاداته ورموزه والغوص في ركام الطبقات التاريخية التي شكّلت تلك العادات والرموز... الخ، فلا ننسى أن اكتشاف حامد ندا الفنَ المصري القديم، أثناء منحته بالأقصر بداية الخمسينيات، كانت خطوة تقدمية هائلة في عمله ظلت ملازمة له كمنجم ينهل منه طول عمره الفني حتى النهاية؛ أيضا كان مدّ النشاط خارج مركزية القاهرة كبيراً، فقد بدأت الاسكندرية في حفر تاريخها الفني على يد ثلاثة من فنانيها الشباب (سعيد العدوي، محمود عبد الله، ومصطفى عبد المعطي) كوّنوا "جماعة التجريبيين"، في منتصف الستينيات، وهم بعد مازالوا يدرسون في كلية الفنون الجميلة التي تأسست حديثا في مدينتهم، ويكفي أن ننظر في لفظة "التجريبيين"، من دون إغفال المكان الذي خرجت منه الجماعة (الاسكندرية)، حتى نستشعر، أو بالأحرى كي ندرك، كم كانت الحركة الفنية تفور بشتى الاتجاهات وألوان الفكر والتنظير وإعمال هذين الأخيرين في مختلف المواد التي يمكن أن تقع تحت يد فنانٍ مصورٍ أو نحات. والحق أن رصدَ النتاج الفني في مصر منذ مطالع الستينيات بل ومِن قبلها بسنين، ليضع أيدينا على حقائق مدهشة من حيث تعددية التوجهات وجدية الفكر، قياساً على ارتخاء الروح والترهّل العام الذي ألَمّ بالنتاج الفني المصري فيما بعد هذين العقدين، موضوع دراستنا، من عقود، لأسباب عديدة نذكر منها، بطريقة مرور الكرام: الانكسار الذي أصاب الشخصية المصرية جراء هزيمة يونيو والذي تعاني من ضربتها المنطقة كلها حتى اليوم، وبالتالي تبدُّد الحلم الكبير الذي لمّعه الصوت المعدني لعبد الناصر، ثم طغيان المد السلفي في السبعينات وامتزاج طين ذلك المد بوحل الانفتاح، وصعود طبقة جديدة، كانت تُصنّف، بالأمس، كطبقة وسطى أو حتى سفلى، إلى قمة السلم الاجتماعي مادياً، بينما هي لا تملك من الثقافة والوعي والذوق ما يؤهلها لوضعيتها الجديدة، فكان من نتاج ذلك أن هاجر من هاجر من كفاءات فنية إلى دول العالم المختلفة، سواء الغربية أو حتى بلاد الخليج، تاركين المنظر الفني في الداخل لمن هم دون المواهب الأصيلة، ناهيك عن تماهي البعض الآخر مع متطلبات المنظر الاجتماعي الجديد حيث نزلت أعمالهم إلى أذواق الطبقة الصاعدة محدثة النعمة، ولا حديث عن تهميش البعض من ذوي الأصالة الفنية والمواقف الرجولية، واستبعادهم من البرامج والمحافل الفنية الرسمية التي هدفها الأصلي خدمة النظام لا الثقافة، وإحلال معدومي الموهبة والمتسلقين والموظفين مكان المبدعين، الغائبين جسداً وروحاً!

يوسف ليمود
يتبع: تجريد الستينيات



#يوسف_ليمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جان ميشيل باسكيا .. فنه أم موته المبكر صنع أسطورته؟
- سبنسر تونيك .. كما نبي يقود أمته عرايا يوم الحشر
- عن النقد والفن في مصر .. حوار
- هيلموت نيوتن .. الفن رغماً عن أنف ما يصوره الفنان
- مان راي .. أنامل الفنان على أوتار الجسد وظلاله
- من ثقب الكاميرا: حقيقة الجسد أم وهم خياله؟
- تجربة رانيا الحكيم بين الحركية والغنائية في معرض بالقاهرة
- نينار اسبر .. جسدها آلة تعزف عليها قناعاتها
- يوسف نبيل .. الجسد مثقوبا بوجوده
- حمدي عطية وخريطة الجسد
- دينا الغريب .. وردة الرغبة في حقل جسم ملتبس
- عاصم شرف .. الواقع معكوساً في مرايا الرقص
- روح مصر كما يفهمها ثلاثة فنانين عيناً وقلباً
- سمر دياب .. أجساد مفتتة في سوريالية الوجود
- محمود سعيد .. الأرستقراطي الذائب في جسم بنت البلد
- محمود مختار والجسد الناهض
- جسد جبران
- السوريالي المعكوس حامد ندا .. لاوعي الواقع في وعي الفنان
- الجسد العربي في وعي الفن
- القبلة بين الالتحام والانفصال


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - الفن المصري الحديث في الستينيات والسبعينيات، إلى أين كان، وإلى أين وصل؟