أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - رحيل اللباد صاحب -كشكول الرسام-














المزيد.....

رحيل اللباد صاحب -كشكول الرسام-


يوسف ليمود

الحوار المتمدن-العدد: 3119 - 2010 / 9 / 8 - 14:16
المحور: الادب والفن
    


"عندما كنت صغيراً، كنا نسكن بقرب جامع السلطان حسن ، وكان الترام الذي يمر في الشارع الكبير – عندما يدور بجوار الجامع – يصدر صوتاً عظيماً. وكان سائق الترام عندي أعظم وأهم رجل في العالم، لأنه يقود هذا الوحش العملاق المهيب، وظللت أتمنى أن أصبح سائق ترام عندما أكبر. وكبرت ولكني لم أتمكن من أن أكون سائق ترام، بل ولم أستطع حتى أن أتعلم قيادة السيارات، لكني تعلمت الرسم، وأصبحت مجرد رسام". (محيي الدين اللباد)

قبل ثلاثة أعوام كنت في زيارة لصديقة سويسرية من أصل ألماني، تعيش وحدها في بيت كبير ذي حديقة مترامية على سفح إحدى تلال الريف السويسري الهادئ، وكعادتها في كل مرة، وهي سيدة شغوفة بجمع القطع الفنية الصغيرة من أفريقيا، من أقنعة ومنسوجات وأدوات مختلفة، أطلعتني بفرح على "كتابٍ مصوّر جميل جدا لرسام مصري"، مترجما إلى الألمانية وسألتني إن كنت أعرف صاحبه! كانت مفاجأة لي أن أرى "كشكول الرسام" وقد وصل إلى أحد أرفف هذا البيت الريفي في تلك القرية النائية: "طبعا أعرف الرسام مؤلفه، محيي الدين اللباد، أحد رموز فن الكتاب وتصميم الأغلفة، ليس في مصر فقط بل في العالم العربي..." وخانتني ألمانيتي في ترجمة المثل الشعبي المصري "ابن الوز عوام" وأنا أذكر لها، استطرادا، أن ابن صاحب الكتاب، صديق لي، تخرج معي في كلية الفنون الجميلة التي تخرج فيها أبوه سنة 1962 ويعمل في نفس مجال أبيه الذي ترك بصماته، ليس على أغلفة الكتب وتصميمات صفحات الجرائد فحسب، بل على أذهان وخيال أجيال من الأطفال والكبار، عبر لغة البصر وحواشيها من لغة الكلام، فلا عجب أن نجده يعنون كتالوجا له من أربعة أجزاء بكلمة بليغة وموحية: "نظر"، ويضع تحته البيت الشعري: "إنْ عشِقنا فعذرنا أن في وجهنا نظر".
السبت الفائت، رحل اللباد الأب، عن سبعين عاما، بعد صراع قصير مع المرض، حسب ما صرح اللباد الابن.

تُملي الموهبة الحقيقية على صاحبها وصاياها وهو صبي، فتوجه حواسه إلى كل ما يغذيها. كانت هذه هي الحال مع اللباد صبيا. أخذته صور المفردات البصرية اليومية والصغيرة التي لا ينتبه إليها أحد في الغالب: علبة سجائر، علبة كبريت، بكرة خيط،، زجاجة كوكاكولا، شكل عملة ورقية، مانشيت جريدة، أفيش سينما... مثل هذه المفردات ذات الحس الشعبي، أصبحت زادا لهذا الفنان وجعلته أكثر التصاقا بروح البساطة التي تسير بها الحياة في مصر، وإن كان لا بد من ملاحظة فنية هنا وهي أن مثل هذه المفردات، بالتناول العفوي البسيط الذي ميز أغلفة هذا الفنان وتصميماته عموما، هي أقرب لروح فن البوب العالمي، رغم عدم الذهاب بفنه بعيدا إلى عوالم الفن الخالص، حيث كانت عقيدته الثابتة أن الفن يجب أن يخدم دائما شيئا ما؛ ورغم الروح المحلية المعتزة بمصريتها والتي تفوح منها رائحة الأرض ومعنى الوطن. تلك الروح التي بخّها كبار المبدعين في مصر الستينات وعلى رأسهم صلاح جاهين.

شرط القدرة على مخاطبة الأطفال أن لا يكون المرء قد فقد الطفل داخله. إنه تواصل مع الأنا قبل أن يكون تواصلا مع الآخر. والطفل في أعمال اللباد له مساحة كبيرة، صورةً وكلمةً. أما الصورة فمستقاة من عوالم طفولة الفنان، بشكل خاص، وحياته عموما، بانطباعاتها التي غالبا ما تحيل إلى معنى أو حقبة أو حقيقة، وأما الكلمة فآتية من روح اتسعت بثقافة عميقة، عبرت عن نفسها في حدبها الإنساني على المستقبل الذي يدرك الفنان أنه يتشكل عبر ما امتلأ به إناء الطفل من حسٍ للجميل. هنا كانت روح اللباد من الرهافة والفهم بحيث لم يقع في فجاجة الوعظ، لإدراكه طبيعة الطفل الذي ينفر من كافة أشكال الوصاية الأخلاقية، كان هذا على المستويين: الإبداعي والحياتي، ولنضرب مثلا على هذا الأخير، ما قاله في معرض كلامه عن ابنه الرسام الجرافيكي الموهوب أحمد اللباد: "حرصت على أن أبتعد عنه وأن أتركه يتطور على خطوط من صنع نفسه، فإن سلطة الأب وسلطة (الأسطى) المتمثلة في شخصي كانت كفيلة بأن تعوق تقدمه".

رغم حرصه على متابعة الجديد في عالم الفن الغربي الذي تشرّب أساليبه أكاديميا أثناء دراسته، حاول اللباد أن يعتصر اسفنجة المفردات الشاربة زيت الشرق، آنيّاً أو تاريخيا، إلى أن صارت تشكيلاته البصرية ـ الكتابية أقرب ما تكون إلى إنتاج عصري لمقامات الحريري، المتداخلة كلماتها مع تصاير الواسطي. نلمس هذا في "كشكول الرسام"، وفي كتبه المصورة الأخرى التي تُبرز استخدامه للكتابة العربية بجمالية تصويرية تعيد الذاكرة إلى عصر البوصة والمحبرة ولوح الكتّاب الخشبي وأزمنة كتابة المستندات، حيث كان كل من يعرف الكتابة ذا خط جميل وكأنه خطاط محترف. تلك الأزمنة التي شهد الفنان طرفا منها طفلا، وجّهته والأصلاءَ من جيله، في عملهم، إلى مهمتهم الصعبة في مواجهة أزمنة لاحقة تتدنى في الذوق، وتمعن في التغريب والاغتراب، فكان أن اختار الهمس البصري الحميم، ليحكي عن لحظاته الحميمة والنادرة، في زمن لن يعود، ولكن شيئا من جماله قد يعود.



#يوسف_ليمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الثقافة في مصر: شجرة البؤس وأزهار الخشخاش المسروقة
- الفن المصري الحديث في الستينيات والسبعينيات، إلى أين كان، وإ ...
- جان ميشيل باسكيا .. فنه أم موته المبكر صنع أسطورته؟
- سبنسر تونيك .. كما نبي يقود أمته عرايا يوم الحشر
- عن النقد والفن في مصر .. حوار
- هيلموت نيوتن .. الفن رغماً عن أنف ما يصوره الفنان
- مان راي .. أنامل الفنان على أوتار الجسد وظلاله
- من ثقب الكاميرا: حقيقة الجسد أم وهم خياله؟
- تجربة رانيا الحكيم بين الحركية والغنائية في معرض بالقاهرة
- نينار اسبر .. جسدها آلة تعزف عليها قناعاتها
- يوسف نبيل .. الجسد مثقوبا بوجوده
- حمدي عطية وخريطة الجسد
- دينا الغريب .. وردة الرغبة في حقل جسم ملتبس
- عاصم شرف .. الواقع معكوساً في مرايا الرقص
- روح مصر كما يفهمها ثلاثة فنانين عيناً وقلباً
- سمر دياب .. أجساد مفتتة في سوريالية الوجود
- محمود سعيد .. الأرستقراطي الذائب في جسم بنت البلد
- محمود مختار والجسد الناهض
- جسد جبران
- السوريالي المعكوس حامد ندا .. لاوعي الواقع في وعي الفنان


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - رحيل اللباد صاحب -كشكول الرسام-