|
المغرب وإشكالية اللغة 2
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 3119 - 2010 / 9 / 8 - 23:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في المقال السابق رأينا ان الإشكالية اللغوية في المغرب ليست اصلا بين اللغة العربية والامازيغية او الدارجة، بل هي إشكالية حرمان جزء كبير من الجمهور المغربي من التحصيل المعرفي واختصاره على الفئة البرجوازية التي بإلحاحها المستميت على ما يسمونه بالتعريب هي في الحقيقة لا تدافع عن التعريب إلا لتفجره كأرضية عليها يتهمش جوهر المشكل، فالإشكالية أساسا ليست في اللغة بل في تحصيل المعرفة ، هي في كيف نصنع من الشعب قطيعا لايفقه شيئا، وبين أن نجعل منه شعبا واعيا بدون وساطة من أحد، ولا أدل على هذا القول سوى هذا التصريح للسيد الشامي، فهو يقول وبالبراءة نفسها التي تفضح اعتراضه عن الدارجة أن:”"المشكلة ليست في اللغة العربية الفصحى ولا في الدارجة وإنما لدى هؤلاء الأقلية الذين لا يفقهون اللغة العربية ولا الدارجة، ولدى بعض غلاة الأمازيغ ممن يرتزقون بدعاويهم ويقيمون علاقات مع إسرائيل، وإلا فإنه لا مشكلة بين الدارجة والفصحى ولا بين الأمازيغ والعربية، فالجميع متعايشون “ المشكلة إذن ليست في اللغة كما اشرت بل في هؤلاء الذين لا يفهمون اللغة العربية سواء كانت الدارجة او الفصحى(يبدو أن هؤلاء يعيشون في المريخ وليس في المغرب)، لكن هنا لا يعترض عن الدارجة بل يعترض على الذين لايفهمون الإثنتين، يعترف من حيث لا يدري ان هناك من لا يعرفون لا الدارجة ولا الفصحى وهم أكثرية وليست أقلية كما يزعم، وهم السكان الأمازيغ، مالحل إذن؟ الحل أن يعيشوا في وطن غير وطنهم، أو يصمتوا خيرا لهم، إنها بكل وضوح صهيونية عربية بامتياز، لاحظوا أن نسق هذا القول رغم فصاحته، يحكمه منطق لغة اخرى هي اللغة المغربية، فهو يشمت من عجز هذه القلة ان تكون تعرف الدارجة أو تعرف الفصحى، هو يشمت من حيث هذه الأقلية حسب زعمه لاتهمه إطلاقا، إذ ماذا يعني أن هذه الأقلية حسب الزعم، لا تفقه لا في العربية ولا في الدارجة؟ إنه التهميش معلنا بطريقة تفضح المستور في دولة الحق والقانون، معناه في المطاف الأخير لا حقوق للأقليات، لا تفقه بالدارجة المغربية هي “ مكتقشعش” وإذا كانت لاتفقه معناه أن تبقى كذلك لا حقوق لها، إنه حد السيف عند جورج بوش، “من ليس معنا ليس منا”، من هنا ليس كل من يدافع عن دسترة لغته هو بالضرورة ضد قضية الشعب الفلسطيني،لأن وضع الناطقين بالامازيغية، السكان الأصليين، هو نفسه وضع الشعب الفلسطيني مع إسرائيل، والوضع هذا يحكمه منطق التفاوت، ومنطق الإختلاف، أي أنه ليس متماثلا، بل إن طرح الدارجة المغربية كلغة رسمية نظرا لأنها اللغة المنطوقة في كامل المغرب هو الحل الأمثل واللاعنصري، وإلا فإن هذا الإصرار في وضع الفصحى هو موقف شوفيني عنصري انطلاقا من كون جل الدول العربية نفسها لا تنطق في حياتها اليومية اللغة العربية الفصحى وإذا ألح احد انها تنطق أسألكم جميعا: من منكم حادث بائع لحم قائلا:” أيها الجزار، قس لي كيلوغراما من اللحم، أو نادى نادلا قائلا: أيها النادل، اعطني كأسا من البن نصفه حليب ونصفه بنا”، دعونا نقولها صراحة: لن نكون عربا أكثر من العرب أنفسهم حتى تفرض علينا لغة ما فالإشكال الطبقي حاضر بالوتيرة نفسها عند العرب وهو إشكال تملك المعرفة، ما سبق ذكره لا يعني منا إطلاقا انه لا وجود لعناصر تسترزق من الوضع الفلسطيني، بل هي موجودة، وهي نتيجة لحدة الرفض اللامنطقي للتيار الماسك لزمام الأمور في المغرب وهو نفسه حدة الرفض عند إسرائيل مع الفلسطينين . يقول الشامي بأن “الجميع متعايشون” ونسأله باي شكل هم متعايشون؟ في الصلاة مثلا؟ المسلمون الروس أو الأندونيسيون يصلون أيضا وهم اكثرية، ولا ينطقون العربية، ثم هل المظاهرات اليومية في كل مدن المغرب تعبر عن تعايش؟ إنه منطق التيمم بالمسح فوق حجر، أن تمسح جميع المشاكل فوق صفحة حجر ،إنه السحر البدوي ان يكون الحجر واقيا، من يتعايش مع من؟ إنه التعايش الضالة المحمودة، ان لا يتصارع الناس في شؤونهم الحياتية، ان يرتفع الصراع إلى اللغة ويختزل في شأن تافه، وعاء بتعبير بناني، (اسطل بالدارجة المغربية، الإناء الذي يوضع فيه الماء)،لكنه وعاء مرفوض أن يكون بلديا، مقبول ان يكون عربيا، او ان يكون ماهو عندنا فرنسياـ لغة جلب الإستثمارات عندنا هي اللغة الفرنسية، خطاب المعاصرة، في العربية التيمم بالمسح فوق حجر هو خطاب الأصالة. وهما لغتان تأخذ حيزا كبيرا في مجال الإعلام الرسمي عندنا وغير منطوقتين شعبيا، وهو ما يعبر عن انفصام الشخصية المغربية عموما وهو مايبدوا جليا حين يلتقي مغربي مع أجنبي، يكلم المصري بلهجته المصرية، الأوربي بالفرنسية حتى وإن كان سويديا، السعودي باللهجة السعودية، وإذا كان لا يعرف النطق بلغة ما تأتأ كالقطيع دون أن ينطق لغته . نيني، الهلامة الصحفية في المغرب، يدافع عن أصالة هي ذهاب الناس إلى المساجد، يتمسح دائما في مقالاته إلى المساجد كي يبدو ورعا تقيا وواعظا، تبهدل مثلي في إسبانيا لكنه لم يرى أن كل قرية بها لها تلفزيونها وإذاعتها قبل أن يحملهم الإشفاق علينا بإطلاق قنواتهم لتخاطب العالم العربي بلغته، في تصريح له قال: "عندما نرى كيف تتسابق الدول الأوربية والغربية على إطلاق قنوات فضائية باللغة العربية، آخرها إسرائيل، للوصول إلى العالم العربي، ثم نرى كيف يطالب كل هؤلاء عندنا بالقطع مع اللغة العربية في الإعلام والتواصل والاقتصار على الدارجة والفرنسية التي تعاني من الانحسار والتراجع، نصاب فعلا بالصدمة. لكننا عندما نفهم أن كل هؤلاء الحاملين لألوية الحرب ضد اللغة العربية والقرآن والإسلام، ليسوا في الواقع سوى بيادق تحركهم أيادٍ خارجية فوق رقعة شطرنج كبيرة تريد للمغرب أن يكون مصيره هو التقسيم اللغوي والتشرذم العرقي والتيه الثقافي، نصاب بالخوف على مصير هذا البلد” ، رأى فقط أن الأوربيون يتنافسون في خلق إذاعات تسمع صوتها للعرب،ولم ير أنهم لم يفعلو ذلك حتى أتخموا بلدانهم بالإعلام، والإزدواجية في الرؤية هذه ليست بريئة، فهي تعبر عن تحول نيني المهاجر السري إلى نيني الصحافي الفذ، على وزن المهرج المغربي الفذ، يطبع مقالاته بعناوين دارجية مغربية قحة فيما هو يرفضها على الآخرين، يستميت أن يكون المغرب مغرب وعاء السيدة بناني فيما هو لأسبابا سياسية يرفض السلالة البنانية التي تقود المغرب السياسي، امازيغي قح لكنه عربي بالفطرة السياسية، لرشيد نيني قصور سياسي عبر عنه بجلاء حين يتساءل لماذا الدول الغربية تتسابق لإنشاء قنوات عربية بما فيها إسرائيل،فيما نحن نتقاطع معها، لم يتساءل نيني لماذا لم يتصارع هؤلا لإنشاء قنوات صينية وروسية تماشيا مع الأمر؟ ببساطة سيدنا نيني، لأنها محور طاقة ضرورية راهنا هي البترول، وهو جواب على كل حال غير مقنع لأنه سيدفعنا للنقاش حول مواضيع الإرهاب والحجاب وما إلى ذلك، لكني سأختزل المشكل بجملته كونه راهنا هو مركز طاقة ضرورية تحتكرها مؤسسات غربية هي في حاجة ان تقول لنا بأنها تستثمر وليست تستغل، هو إعلام تبشيري أيضا لتصدير نفايتهم إلينا، وإغراق اسواقنا بمنتوجاتهم السلعية وليس لتعليمنا قواعد اللغة العربية، يقحم نيني مثله مثل الشامي الفرنسية والإسلام والدين ليضفي قاعدة مطلقة تحريضية كما لو ان الحديث عن اللغة هو في الوقت ذاته مس بالمقدسات لكنه لا يتوارى يعود مثله مثل الشامي، ليحدثنا عن تخوفاته من التجزئة والتفرقة والنعرات، فهما معا يجعلان من اللغة إطارا غيبيا للوحدة بينما لا يتحدثان على أن ما يجعل وحدة ما متماسكة هو كل مايربط الناس بحياتهم اليومية من شغل وحقوق وعيش كريم وليس استبلاد الناس وتقسيمهم وفق قطعان ترعى في مجال جغرافي محدد تبعبع فقط لغة الراعي او الرعاة السائدون، لا يرى هؤلاء أن اوربا الهرمة توحدت بفضل إشباع شعوبها بالحقوق المدنية والسياسية بما فيها الحقوق اللغوية، وليس بفرض لغة قومية واحدة، لايرى نيني أن بلدانا كبلجيكا وسويسرا وغيرها بلدان على صغر حيزها الجغرافي تتناغم فيها أكثر من أربعة لغات دون أن تثير ضجة نزعوية كالتي تثار عندنا عندما يتعلق الأمر باللغة، لا يرى أن منح القوميات لغتها وحق التصرف في تدبير بلدياتها ومدنها هو مايجعل هذه القوميات متماسكة ووحدتها صلبة وليس حرمانها من الحقوق الثقافية والإقتصادية والسياسية، لأن الحرمان هذا هو الذي يذكي النعرات العرقية ويغذي الإضطراب، يعرف نيني أن مصطلحا فخما كالذي عنون به إحدى مقالاته الصاخبة ب”الديموكراكتورية” (ديموقراطية الجرار نكاية بحزب الهيمة الذي شعاره الجرار) هو من يجلب له فئة واسعة من القراء لقراءة مقالاته التوعيظية،التي تحتوي غسيل أخلاقيات بليدة. يقحمون الدين في السياسة لإرهاب المطالبين بحق من الحقوق، يرفضون الإرهاب فيما هم من حيث لا يدركون يمارسونه بربط مطالب فئة معينة بشكل ديموقراطي ومهما كانت أقلية بالدين، حيث أن ربط هذه المطالب بالمسجد والصلاة والدين بشكل عام هو تحريض إرهابي مبطن موجه إلى دغدغة مشاعر الناس المومنون ضد هذه الفئات ومنهم حتى أولئك الذين لا يفقهون شيئا من خطبة الإمام. يذكرني هذا التحريض المبطن بتحريض آخر مارسه رجال الدين على بعثة طلابية إلى أوربا في عهد الملك المتفتح محمد بن عبد الله، ولما عادت هذه البعثة أحرقت مراكبها بمن فيها من الطلبة حتى لا ينشروا البدعة والكفر في البلد. إنه نفس التحريض تجاه أي مطلب سياسي ديموقراطي، المطالبة بتبسيط المعرفة كحق من حقوق الناس، أي جعلها في وعاء الناس المتملك لديهم بدل استيراد وعاءات أخرى، تستنفر هذه الأقلام الرخيصة بكل شيء بما فيه الترهيب الديني. بقيت كلمة أخيرة تتعلق بهذه “الفئات القليلة” متى كان أي مطلب سياسي أو اجتماعي تبدأه فئة كثير إن لم يتبلور الوعي بهذا المطلب، دائما في كل مجتمع تتبلور فيه الأفكار بدءا بفئة قليلة ثم يتبلور انسياقا إلى مطلب جماعي عندما يتملكه المجتمع معرفيا وتبدوا له أهميته القصوى ليطالب به، لا تأتي المطالب الجماعية إلا إذا تبلور الوعي بها من هنا تأتي اهمية ان يكون المجتمع ديموقراطيا لا تقمع فيه “الفئات الصغيرة” ويحرض عليها رجال الدين ويصخر لها كل أسباب الترهيب، فالمجتمعات الحداثية اعتمادا على روح المبادرة الفردية المحترمة ديموقراطيا تصنع عبقريتها الدينامية في التقدم والنماء باحترام هذه الفئات بالضبط.
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المغرب وإشكالية اللغة
-
حكايا العبور
-
العلاقات المغربية الإسبانية
-
خواطر سياسية: كل الاحزاب المغربية أحزاب الملك
-
تأملات رمضانية: الجنة قبر جميل حالم
-
حكايا من المهجر: لاموخنيرا (2)
-
رمضان من وجهة نظر مختلفة
-
أبواب الجنة
-
نداء الأرض
-
رفاق الفرقة
-
النيولبرالية المتوحشة3 : وضع الطبقة العاملة المحلية
-
حكايا من المهجر: آلة الوتر
-
النيوليبرالية المتوحشة (2)
-
اشراقات أمازيغية
-
النيولبرالية الجديدة: الزراعة المكثفة نموذجا، إلخيدو (ألميري
...
-
إعلان عن احتجاج عمال مهاجرين بألميريا (إسبانيا)
-
العمالة المهاجرة: ودور التنسيق النقابي
-
مدخل لفهم نمط القطاع الخدماتي
-
سلام لذاكرة المعتوهين
-
هل حقا انتفت الطبقات
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|