أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل صارم - النخب الثقافية العربية بين التلقي والإنتاج./ 1- 3















المزيد.....


النخب الثقافية العربية بين التلقي والإنتاج./ 1- 3


خليل صارم

الحوار المتمدن-العدد: 3114 - 2010 / 9 / 3 - 20:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



" إشكالية "
لاأدري حقيقة ً فيما إذا كان ماأطلق عليه بالنخب الثقافية العربية تستحق في (غالبيتها ) أن تحمل صفة " نخب ثقافية " أم لا . ؟!
من وجهة نظري كمواطن من أبناء هذه المنطقة من العالم فإن صفة نخبة هي من حق منتج الثقافة وليس من حق ناقليها ومستهلكيها وحتى في مفهومنا للثقافة هناك الكثير من الخلط. وسأبين وجهة نظري .
لننظر في مفهوم الثقافة " وأيضاً "من وجهة نظري" وقبل أن نعود لبحث صفة النخبة .
قبل الدخول في هذا المفهوم علينا أن نستحضر دائما ً بديهية بسيطة وهي أن أي إنسان يبدأ متلقيا ً لكافة جوانب العلوم ثم التخصص في جانب أو أكثر حتى يكتمل تعليمه بنفس الوقت الذي يعمل فيه على تطوير مفاهيمه وزيادة خزان المعرفة لديه ولكي يتم الانتقال إلى الجانب الثقافي يتوجب أن يكون مفكرا ً ومنتجا ً للرؤى ولا يجوز أن يبقى مردداً ومكررا ًً لما تلقاه سواء كان ذلك عن اقتناع أو بطرح ماتلقاه بشكل حيادي كالطالب الذي يحفظ دروسه ويعيد إظهارها أمام مدرسه للتأكيد على حفظه ثم حصوله على العلامة .
إن الدليل على الثقافة يكون بمحاولة موائَمة ما أقتنع به مع واقعه بعد المقارنة واختيار الجانب الذي يراه الأقرب إلى الصحة .
هذا الجانب يتوجب أن يتجلى بإعادة إخراج الرأي أو الفكرة أو النظرية أو الحصيلة المعرفية وتقديمها وفق معايير جديدة تتلائم مع واقعه أو مجتمعه وحتى في البعد الإنساني تعبيرا ً عن قناعاته بالنظرية أو المفهوم وقدرته على اثبات صحة موقفه منها .
مع ذلك فإن هذا لايكفي ويبقى ضمن حيز الترداد الببغاوي لأفكار ورؤى الآخرين ممن أنتجوا تلك النظرية أو الفكرة أو المفهوم .
إن المنطق يقتضي منه أن يقوم بموائَمة ما يصلح منها ليكون أقرب إلى واقعه من خلال معالجته لحاجات مجتمعه وظروفه بحيث يسهل له سبل التغيير المنشود آخذا ً بعين الاعتبار أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية ومستوى الوعي والتطور سوف تختلف بين مجتمع وآخر حتما ً وبالتالي فإن كل مايصلح هناك قد لايمكن بأي حال أن يكون صالحا ً
كلا ً أو جزءا ً هنا.
مالعمل ..؟ هنا يتجلى دور المفكر المثقف أو هذا الذي انتحل صفة المثقف في فهم الحيز الذي يمكن التطبيق عليه من وجهة نظره في محيطه وواقعه وبيئته
لقد وقعت مايطلق عليه النخب الثقافية العربية في هذا المطب ( وهذا ماسبق واأشرت إليه كثيرا ً بمقالات متفرقة ) فقد استدعت غالبية نخبنا النظرية أو الفكرة أو المفهوم من خارج محيطها في محاولة لتطبيقها في حيز مختلف عن حيزها الحقيقي والمعدة له والخارجة من رحمه وبشكل حرفي .. لتفاجأ بردة فعل تجلت برفض الحيز الجديد " مجتمعه " للنظرية أو الفكرة أو المفهوم بكليته أو جزئيا ًأو على الأقل التردد حيالها وصعوبة تقبلها إلا من حيث العناوين العريضة كالقول مثلا ً" بالعدالة الاجتماعية " و" إعادة توزيع الثروة بشكل عادل " وحرية الرأي والعمل .. الخ وهذه أسس وعناوين تتفق عليها البشرية وتختلف أساليب تطبيقها بين مجتمع وآخر والغريب في الأمر
أن مثقفينا قد أنحوا باللائمة على المجتمع و التخلف وتدني مستوى العلم والوعي في حينه ولم يحاولوا أن يدرسوا ظروف الحيز الجديد " مجتمعاتهم " ومدى قدرتها على هضم الفكر الجديد أو النظرية بتفاصيلها بسهولة ويسر ولم يتنبهوا إلى أن ما فعلوه هو إعجاب شديد بعملية التغيير الثورية أو المتدرجة التي حصلت هناك والتي كانت لها ظروفها الناضجة وإن العلاج هنا يتوجب أن يراعي حالة الجسم ومدى قدرته على التحمل فبعض الأدوية لمعالجة الروماتيزم مثلا ً لايمكن إعطاؤها للمصاب بفشل كلوي أو المصاب بالقرحة بنفس مستوى الجسم الذي لايعاني من أسباب تمنعه من تعاطيها أو القادر على التحمل أكثر.
ماأعرفه أن الطبيب المعالج يراعي وزن المريض وسنه ومستوى المرض وفيما إذا كان هناك ثمة أمراض أخرى ظاهرة و غير ظاهرة فيكيف العلاج وفق الحالة العامة للمريض . ؟ هذا تماما ً ماكنا بحاجة إليه .
بكل أسف فإن نخبنا وأحزابنا استدعت النظرية بتطبيقاتها من بيئة مختلفة تماما ً لتحشرها في مجتمعاتنا تشدها حاجة المريض إلى العلاج دون الإمعان في حالة المريض ومدى شدة المرض من عدمه كما أسلفنا وإن مايراه علاجا قد يضيف معاناة جديدة للمريض لتفاجأ بعد أعوام وعقود طويلة بأن مجهوداتها ذهبت عبثا ً أو أنها لم تأتِ بالثمار المتوقعة الأمر الذي أفسح المجال للمشعوذين والدجالين والنصابين والمحتالين والإنتهازيين ليعيدوا إنتاج التخلف بشكل أقسى وأبشع ويقدموا أنفسهم كأصحاب حلول ومعالجين للمريض الذي فشلوا في معالجته و تسوء حالته بمرور الوقت فيتعلق بالقشة لكي ينقذ نفسه مضطرا ً لمراجعة المشعوذين الذين يتكاثرون كالفطر.
هذا ماحصل بالفعل مع كافة فصائل اليسار والعلمانية ونخبها المثقفة " قوميون , اشتراكيون بكافة أشكالهم "والماركسيون كانوا الأكثر ارتكابا ً للخطأ " أقول الماركسيون وليس الفكر الماركسي" تماما ً كالإسلاميون وليس الإسلام الصحيح والقوميون وليست القومية فالماركسيون شدتهم ثورة 1917 بنجاحاتها وأفكار لينين المتقدمة زمنيا ً في حينه ليسارعوا مبهورين إلى نقل النظرية وتطبيقاتها على الأرض في " الاتحاد السوفياتي فيما بعد " معتقدين بشكل بريء وساذج أنهم قد عثروا على الحل والبلسم الشافي وأنه يكفيهم هنا أن يعيدوا ويكرروا مايحصل هناك خطوة بخطوة وحرفيا ً دون مراعاة للفوارق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الموجودة بين شعوب هذه المنطقة وشعوب الاتحاد السوفياتي وتحديدا ً الشعب الروسي حيث بؤرة الثورة الاشتراكية .
كنا ندخل في نقاشات مع البعض من "الماركسيين المتشددين الدوغمائيين" الذين يرفضون أي شكل من أشكال النقد والمراجعة على الرغم من أن النقد هو عامل تطوير للفكر والنظرية ولا بد من أن يكون حاضرا ً بشكل دائم .
كان هؤلاء يريدون البدء هنا تماما ً من نفس النقطة التي بدأت منها الثورة في روسيا " تماما ً كالسلفيه الدينية التي تريد العودة بالمجتمع إلى عادات وسلوكيات مضى عليها أكثر من أربعة عشر قرنا ً دون أن تلامس الجوهر الإنساني وتدرس الفارق في حينه " وعندما كنا نواجههم بالفوارق الاقتصادية والاجتماعية وإن الصراع الطبقي لايمكن أن يكون بنفس الحدة التي حصلت في فرنسا " الثورة الفرنسية " وكومونة باريس وكذلك الحال في روسيا فالفوارق ومستوى الإجرام الذي ارتكبته الطبقات المتحكمة هناك لم نصل إليه هنا مع عدم وجود تحفظ لدينا على مبدأ الصراع الطبقي " والذي نفهمه صراعا ً بين مستغل ( بالكسر ) ومستغل ( بالفتح ) الذي يتجدد دوما ً بأشكال مختلفة حسب العصر والمعطيات مهما تمت المداراة عليه من قبل القوى المستغلة " الإقطاع المتخلف عندنا آنذاك ليس بنفس مستوى الحدة والإجرام الذي كان عليه في روسيا وأنهم كانوا يتعاملون مع الشعب الروسي معاملة العبيد كما أن البورجوازية عندنا كانت ماتزال بعيدة جدا ً عن أكتساب هذه الصفة ولم تكن تعدو شكل من أشكال الطبقة الوسطى الضرورية للمجتمع إذا أحسنا الحكم / أو أنها مجرد مجموعة من السماسرة والوسطاء التجاريين للخارج .
كانوا يتهموننا بالتروتسكية وربما ذهبوا ابعد من ذلك فالتهم دائما ً جاهزة تماما ً كتهمة التكفير التي يشهرها "المتشددون الدوغمائيون الدينيون الذين يقدمون دينا ً آخر لاعلاقة له بالدين الحقيقي " في محاربة المنطق الديني السليم أو في محاربة الفكر العلماني . وكأن هؤلاء الماركسيون لم يقرأوا المادية الديالكتيكية والتاريخية وإن قرأوها فهم لم يستوعبوها معطلين آلية التفكير المنطقي .
ولم يفهموا إطلاقا ً أن لينين قد أعاد إنتاج النظرية بما يلائم تماما ً وواقع الشعب الروسي وكلنا يعلم أن الماركسية قد ظهرت بذرتها في محيط مختلف عن روسيا .. وسط أوربا " بريطانيا والنمسا "
ولولا بصمات لينين ونظرته الثاقبة وقرائته المتقدمة جدا ً لواقع الشعب الروسي لما تحقق ذلك النجاح المذهل الذي حصل في روسيا
و"هز العالم " آنذاك .. من هنا كسبت النظرية إسمها الجديد آنذاك
" الماركسية اللينينية " ولم يلحظوا أن كل ماكتبه لينين كان تطويرا ً للفكر الماركسي وأنه لم يتعامل معه حرفيا ً كما هو عليه .
هذه الزاوية لم يتنبه إليها مثقفونا مع تقديرنا لجهودهم وحسن نواياهم فقد كانوا مجرد ناقلين وتلامذة مواظبين تمكنوا من الحفظ واستظهار ماحفظوه عن ظهر قلب دون أن يعملوا الفكر في واقع مجتمعاتهم وانه من المفترض بالتطبيق في بيئة مختلفة أن تتم مراجعة الفكرة والنظرية وإعادة تقييمها وتقديمها سندا ً لهذا الواقع لتقترن برؤيتهم كما في " الماركسية اللينينية " وكان من الممكن أن نقول بالتطبيق الشرقي أو العربي للماركسية اللينينية " على سبيل المثال لاالحصر" أو أية تسمية أخرى . ولربما كنا قد شهدنا في عقود سابقة مساحات تطبيق ووعي وجدلا ً فكريا ً غير كل ماحصل أو على الأقل ترسخت ثقافة متقدمة في حيز أوسع بكثير مما حصل وكان من الممكن لها أن تكون ثقافة محرضة لإنتاج الوعي بشكل متحرك ومستمر لدى كافة الاتجاهات الفكرية في ساحتنا أكثر مما بدت عليه في حينه . والغريب أكثر أن من حاول الاقتراب من هذا المنطق في تناول النظرية كان ومايزال يواجه بتهم عديدة ممن نصبوا أنفسهم كآباء للماركسية اللينينية في منطقتنا
الغريب أكثر أنهم كانوا يقفون موقف المختلف من آراء الشيوعيين الفرنسيين أو الإيطاليين ويعتبرونها منحرفة عن الرأي السوفيياتي ولم يتنبهوا إلى أن الشيوعيين الأوربيين كانوا يتناولون الأمر استنادا ً لواقع مجتمعاتهم المختلفة تماما ًعن الحالة السوفييتيه حتى أحزابهم هناك حولوها إلى شبه مؤسسات ذات بعد ثقافي اجتماعي اقتصادي إلى جانب السياسي مختلف عما هو عليه الحال في الإتحاد السوفييتي وفي كثير من الأحيان كان يتعارض معه في السياسة بوجهها الوطني والتطبيق .
كذلك فعلوا مع الماوية أو " منهج ماوتسي تونغ " في التطبيق الماركسي اللينيني الذي طبع بطابعه فأطلق عليه " الماوية " كانت الماوية تقود صراعا ً شرسا ً على عدة جبهات في أسوأ البيئات تخلفا ً وتفككا ً وانهيارا ً بدءا ً بالتحرر من الاستعمار الياباني وآثار الاستعمار البريطاني على رأسها وانتشار المخدرات والأفيون الذي أنتج مجتمعا ً ضعيفا ً , هشا ً , مفككا ً ثم القوى التابعة لشيان كاي شيك المنشقة والمعادية للثورة والتي استقلت فيما بعد في جزيرة فورموزا " تايوان " بدعم من الإمبريالية العالمية وهكذا انطلقت الماوية لتحرر الصين ثم الخروج بالشعب الصيني من شعب ينهكه الأفيون والمخدرات إلى شعب كل فرد فيه منتج .
لقد وصلت الماوية إلى إثبات أن الاشتراكية العلمية عندما تطبق بالشكل السليم والمتوافق مع البيئة الجديدة بعيدا ً عن الغرق في بيروقراطية السلطة تتحول إلى رفاهية وتطوير المجتمع لأن هدفها وغايتها الإنسان بالدرجة الأولى لتتحول بمرور الوقت إلى دولة وأمة هدفها النهوض بالإنسان وهاهي تحصد ثمار التعب والجهد الذي سبق للشعب الصيني أن قدمه فتتحول إلى أكبر وأقوى اقتصاد عالمي نموا ً .
وبرأيي المتواضع فإن الصين تعتبر دليلا ً واقعيا ً لإعادة قولبة النظرية وإخراجها وفق المفاهيم المحلية مراعية الفوارق بين مجتمع وآخر .
حتى غيفارا الثوري الإنساني العالمي شكى من بيروقراطية الحزب الشيوعي التقليدي في بوليفيا وعدم قدرته على القراءة الجيدة لحالة المجتمع هناك الأمر الذي أربك الثورة وحد من قدراتها وحركتها وانتهت بتخلص المخابرات الأمريكية والنظام العميل لها من المناضل الإنساني الأممي غيفارا .
إن القليل ممن قرأوا كتيب " لينين وشعوب الشرق " يلحظ كيف أن لينين قد فهم نمطية تلك الشعوب الشرقية وكيفية آلية النمو والوعي فيها وعوامل عرقلة نهوضها حتى قبل أن يتمدد الإتحاد السوفياتي إلى الشكل الذي صار عليه فيما بعد " طبعا ً المقصود هو شعوب شرق الاتحاد السوفياتي ضمن محيطه " ويبدو أن ماوتسي تونغ التقط الفكرة وبنى عليه بما يناسب محيطه والواضح أن من وصلوا إلى السلطة في الاتحاد السوفييتي فيما بعد لم يفهموا لينين جيدا ً بل جمدوه وحولوه مع أفكاره إلى صنم يظهرون أمامه الولاء فتقوقعوا في حدود النظرية بقسوة وأرثوذوكسية مفرطة فرضوها بشكل مخالف للمنطق على مجتمعات مختلفة تماما ً عن المركز بنفس نمطية فرضها في المركز وتعطيل عوامل تطورها وهذا ماأساء لها وأغرقها في بيروقراطية حرفية ومقيته مع ماشابها من تحريف ديكتاتوري بدأ مع ستالين وصار مدرسة محولة الدولة إلى كيان رأسمالي بالمطلق كما حول الجماهير إلى وقود لها ولأفكارها وبالتالي فإنها تسببت في ضياع الثورة في العقد الأخير من القرن المنصرم .. بكافة الأحوال هي لم تطبق بشكل صحيح في بؤرتها وبدلا ً من أن يكون الإنسان هدفها وغايتها جعلت بآليتها الإنسان وسيلتها للتحقق والذي تحول إلى وقود للفكر والنظرية التي حرقته بلا رحمة .. هذا واقع يتوجب الإقرار به حتى لاتتكرر الأخطاء ذاتها مع أي فكر متقدم وفي أي مكان آخر .
لكن رؤية لينين المتقدمة كان يمكن العمل عليها بنفس مبدأ التطور المتحرك الذي اتبعه لينين وأن تسحب على شرقنا متخذين منها نمطا ً في تحرك النظرية " أية نظرية وفكر " وديناميكتها بما يلائم الفوارق المشار إليها .
لقد بقي هؤلاء الآباء ينقلون ويجترون ماينقلونه دون أن يجدوا الشجاعة للمبادرة والتطوير والأقلمة الفكرية الموائمة للواقع
• إن ما أوردته دليل على بلادة نخبنا ليس في الماركسية وحسب بل في كافة أشكال الفكر والفلسفة واكتفائها بدور المتلقي وهذا تماما ً ماأقصده .
• إن الإعجاب بفكر الآخر " حتى وإن كان يستحق الإعجاب " ليس دليلا ً على صحة هذا الفكر وصلاحيته للتطبيق في أي مكان كان أو أن يهضم لدى كافة المستويات. مع الإقرار بأنه صحيح في مكان انتاجه وفق مفاهيم البيئة التي خرج منها وعمل عليها مبدع أو منتج النظرية أو الفكرة والذي لم يخرج عن إطار مجتمعه وحاجاته حتى وإن هدف إلى تعميمها وأمميتها وبالتالي فإن الإعجاب بالفكر يكون في موائمته التطبيقية لمكانه وزمانه حتى يتحول إلى العالمية ولايجوز أن يتحول إلى موضة أو زي موسمي ترتديه نخب أخرى مختلفة في المكان إن لم يعدل ويطور ويعاد انتاجه وفق ظروف المكان وطبيعته وإلا فإنه يتحول إلى مايشبه ذاك الذي يستحضر لباس سكان ألاسكا وعاداتهم في الطعام والسكن إلى خط الاستواء ويسعى لإلزام سكانه بها ..!!
• إن عالمية الفكر أو إنسانيته تعني الحق بتناوله ودراسته لمن يريد وأنه ملك للبشرية كلها وهذا لايعني بالضرورة إمكانية الأخذ به كما ظهر في المكان والزمان إنما يمكن أن يكون دافعا ً ومحرضا ً ومساهما ً في التطور والارتقاء الإنساني وكل يتناوله بطريقته ووفق حاجات مجتمعه فيضيف هنا ويعدل هناك ويصحح في مكان آخر وفق معطيات المحيط الجديد .
• حتى استقدام النظرية وإجراء التعديلات الملائمة عليها هو أمر قد يكون غير مريح بالمطلق وفي كافة تفاصيله وإنما يجب أن يكون أساسا ً ومحرضا ً لإنتاج فكر ملائم لمجتمعاتنا ويشخص حالتها بدقة طارحا ً الحلول الملائمة هذا عندما نعلن عجزنا عن الإنتاج الفكري .
• هنا أستغرب كيف أن النخب لاتعمل الفكر في محيطها وتدرس مجتمعاتها بالشكل الصحيح والسليم والدقيق متلمسة الحلول لكافة عوامل عرقلة تطورها ثم تصوغها في نظرية أو مفهوم أو مجموعة أفكار مستفيدة من الفكر الإنساني لتتحول إلى رافد يصب في مجرى هذا الفكر بدلا ً من الاكتفاء بالتقليد والتلقي ونظرات الإعجاب البلهاء .
إن هذا هو الأمر الذي يتوجب معه أن يحرضنا كي ننتج ثقافتنا وهذا ماأقصده
• مهما دافعت هذه النخب عن نفسها فإنها تبقى مدانة أمام مجتمعاتها بسبب عدم قدرتها على تطوير نفسها وفكرها وبالتالي فهي متهمة بأنها غير مهتمة بواقع مجتمعاتها في حقيقة الأمر بقدر ماكان إهتمامها ينصب على الاستعراض الثقافي وفرض نفسها فرضا ً على المجتمع ومن يقرأ حجم المصطلحات المستوردة والمستعملة من قبل هذه النخب خلال ثرثرتها يتأكد من صحة هذه التهمة وهذا دليل على قصورها الثقافي وضعف الشخصية .
• المطب الآخر الذي وقعت فيه هو البحث عن السلطة والصراع حولها في مناخ يفتقر إلى الحرية , كان الهم عند هذه القوى هو كيفية الوصول إلى السلطة ليدخلوا في صراع مع السلطة بما يشبه لعبة القط والفأر بدلا ً من الالتفات إلى الشارع لإغناء رصيده من الوعي بحيث يكون منسجما ً معها حتى أنها دخلت في صراع فيما بينها لزيادة أعداد قطيع كل منها , وليعذروني على هذا التشبيه .. لقد اكتشفنا بعد فوات الأوان أن هذه هي نظرة هذه القيادات إلى الشارع أو إلى كوادرها ملغية العملية الديمقراطية على الصعيد العملي داخلها رغم تغنيها بها . حتى النقد والنقد الذاتي بات بنظر هذه القيادات عبئا ً ثقيلا ً لتقفز فوقه بذرائع مختلفة تنسب للظروف .

xxx
بصراحة أنا لست على استعداد للقبول بالحديث عن ظروف الإستعمار والصراع والتخلف التي تشهرها نخبنا متعللة بها لستر عجزها وتقصيرها في إنتاج الفكر واكتفائها بالتلقي والترداد الببغائي وأخص بالذكر قيادات الأحزاب العلمانية اليسارية والقومية والليبرالية وحتى الفكر الديني الذي يوصف بالمتطور التي لم تكف عن اجترار نفسها في الوقت الذي صارت فيه خارج حدود الزمن غارقة في مستنقعات باتت آسنة .
هذا ليس أكثر من هروب واختلاق الأعذار وأرى أن هذه الأسباب التي يتذرعون بها دليل إضافي على إدانة هذه النخب ذلك أن هذه الذرائع يتوجب أن تكون عواملا ً محرضة للفكر لكي يسهم بدوره في تجاوزها وإنتاج أفكار جديدة تسهم في التحرر والتطور لأنه من الثابت تاريخيا أن أفضل الحلول قد خرجت في أشد الظروف قسوة ولم ينتجها الفلاسفة والمفكرون في ظروف مريحة أو من قبيل الترف الفكري .
لقد تسبب هذا التقصير في إفساح المجال واسعا ً أمام مجموعات
من النصابين والمزيفين ومجموعات الانتهازية الثقافية لكي تستغل الحاجة الشديدة لشعوبنا في التغيير والخروج من الواقع إلى واقع متقدم لكي تتصدر الواجهات فحرفت التيار التحريضي للتغيير عن وجهته الصحيحة ليصب في متاهات لاتوصل إلى هدف وإن وصل فإلى فتات لاتسمن ولاتغني من خلال حصاد فارغ للأماني التي بقيت في حيز الأماني مستبدلة النتائج المفترضة بأكوام من البالونات الملونة شدت إليها الجموع ثم عندما بدأت بالتفجر تبين أنها خالية إلا من هواء .
لقد بقي المثقف حاملا ً لفيروسات المرض وكل مافعلته ثقافته هو أنها قد تحولت إلى مجرد مسكنات ومع الوقت فقد طور فيروس الانتهازية والاستغلال والهيمنة من قدراته ليتكيف مع الظروف المستجدة في كل مرحلة ويخرج أشد فتكا ً
هكذا نفهم كيف أن بعض اليسار أو البارزين في اليسار قد انتقلوا إلى أحضان الامبريالية وقبعوا في الخندق المعادي بوجه قوى المقاومة كعملاء صغار فقد تخلوا عن الفكر والوطنية وتاريخهم مرة واحدة مقتنعين بمحاربة رفاق الأمس والأهل وأبناء الوطن وقد تجلى ذلك بشكل فاقع في لبنان والمنطقة عندما تحول بعض "اليساريين "..؟!! إلى حليف للقوى العميلة التي لاتخفي تحالفها مع الصهاينة وتبعيتها للنظام الأمريكي بالمطلق .
هذا أيضا ًمانراه واضحا ً مع القوى المستغلة للدين التي اكتسبت خبرة في استغلاله وتحريفه وتكييفه بما يخدم مصالحها ومصالح القوى المعادية للشعوب في استعباد هذه الشعوب بوقاحة وتركها قابعة ضمن دائرة جهنمية من الخوف بعيدة عن مقاربة هذا المحيط بدافع من موروثها المليء أصلا ً بالتزييف الذي أنتجه فقهاء السلاطين والسلطة على مر القرون
هذه القوى المتشددة التي كانت كلب حراسة لقوى الاستغلال والاستعمار العالمية في وجه أية حالة تطور جديدة لهذه الشعوب وإعادتها للمراوحة ضمن دائرتها الجهنمية مشهرة بوجهها تهم التكفير والزندقة ومتوسلة الاغتيالات والفتن وهدر الدماء البريئة في الوقت الذي هي فيه قد قضت تماما ً على الدين الصحيح وقدمت دينا ً جديدا ً في خدمة قوى الاستغلال والسيطرة والقهر والاستعمار ولو أن القوى التقدمية الحضارية أحسنت التضامن والرد لعرتهم أمام هذه الشعوب وأكدت لها أن من يشهر تهم التكفير والزندقة هو الكافر الزنديق في حقيقة الأمر .
ولنلاحظ أن هذه القوى قد فعلت كل ماتخجل قوى الاستعمار من فعله وهي الآن تقدم نفسها للعالم على أنها قوى حرية وديمقراطية في مفارقة وقحة مثيرة للدهشة وكأن هذه المجتمعات قد نسيت تاريخها المعادي لها ولطموحاتها ولحريتها .
"يتبع "



#خليل_صارم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحجاب والنقاب ومسيلمة الكذاب .؟!
- هؤلاء المتأسلمون أعداء الحياة ..؟!
- الأول من أيار بعيدا ً عن الأنظمة السياسية .
- اسرائيل تريد السلام ...حسنا ً ..؟
- مالذي يعدونه لسوريا ..؟!!
- ثقافة العنصرية والتكفير والتشدد ...ثقافة الموت 2/2
- ثقافة العنصرية والتكفير والتشدد ...ثقافة الموت ..1/2
- القرآن - العلم - العلمانية /الجزء 16
- القرآن - العلم - العلمانية /16
- النظام السياسي العربي .. وعدائه التاريخي لحركات التحرر ..!!؟
- القرآن - العلم - العلماني /15
- الأوناسيسيون..؟
- ثقافة المقاومة ..ثقافة الحياة ../ 2
- القرآن - العلم - العلمانية ../13
- ثقافة المقاومة ..ثقافة الحياة /1
- حوار مع المجتمع ... القرآن - العلم - العلمانية /14
- أهذه هي الحرية..التي تبشرون بها ..؟
- أنظمة الأعراب ..وإرث النفاق ..؟ / 1
- حمامات السلام الأمريكية ..والسماسرة العرب ..؟
- ثقافة الحوار والاختلاف / واقعنا ..2


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل صارم - النخب الثقافية العربية بين التلقي والإنتاج./ 1- 3