أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - لماذا نتأمل ...؟ الجزء الأول من الفصل الثاني















المزيد.....


لماذا نتأمل ...؟ الجزء الأول من الفصل الثاني


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 943 - 2004 / 9 / 1 - 12:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لماذا نتأمل ؟
دراسة في التأمل وتقنياته
الجزء الأول من الفصل الثاني
___________________
تأليف
دايفيد هارب
ترجمة
كامل السعدون
الحالة السيكولوجية ما فوق الطبيعية :
___________________

من المثير حقاً أن يتسنى للمرء أن ينطلق في نموه الفكري والذهني والسيكولوجي من أُسس ملموسة محسوسة واضحة المعالم ناجزة التكوين ، عن أن يشرع بذلك انطلاقا من عمليات لا تزال بعد وستبقى في طور التشكل والتكوين .
هذا الأمر ينطبق بقوة على التأمل وتلقي المعلومات الروحية وممارستها ، فليس فينا من لا يود لو إنه نال تلك المعارف مرةٍ واحدة وتمكن من امتلاكها ثم شرع بالعمل والتحرك على أساسها ، تماماً كما في حالة نيلك لشهادة الحقوق مثلاً ، فأنت لن تظل تدرس الحقوق طوال حياتك لكي ما تغدو محامياً أو قاضياً .
لكن هذا ما لا يصح وللأسف مع التأمل وبقية الأنشطة الروحية …!
فنيل المعارف النفسية والروحية هو عملية لا تكف عن التدفق والاستمرار تعلماً وتمريناً ، إنها تتطلب الوصول إلى بنية سيكولوجية وروحية معينة والمحافظة على تلك البنية عبر التمرين المستمر والممارسة المستمرة .
من السهل على أي شابٍ أو فتاة أن يبني جسماً قوياً ( بنية فسيولوجية قوية ) من خلال التمرين على رفع الأثقال مثلاً وليس إلا بضع أشهر مع غذاءٍ جيد وتمرين مستمر ، يمكن أن ينال الجسم الذي يريده ، لكن هل يمكن أن يحافظ على هذا الجسم ذاته لأكثر من شهر أو أثنين أو عشرة إذا ما توقف عن التمرين …؟
ذات الأمر مع التأمل أو أي ممارسة روحية لغرض التنوير الروحي وتطوير الشخصية …!
أي توقف طويل الأمد عن تلكم الممارسات يفضي إلى تدمير البنية فوق الطبيعية التي يود المرء بنائها ، أو التي شرع جدياً في بنائها ، ولهذا مع هذا الكتاب أو غيره ، لا ينبغي أن تكف عن القراءة والتثقف والممارسة ، لتتمكن من بناء البنية ما فوق الطبيعية ( Meta Physics Form ).

فنون القتال العقلية :
__________
المتمرن المبتدئ في فن القتال المسمى الكاراتيه ، يبدأ بممارسة ضربات وركلات مختلفة ، وكل واحدة منها يمارسها على حدة لآلاف المرات ، ويعيد كل حركة ما لا يقل عن عشرة آلاف مرة لغاية ما يتقن كل حركة بالكامل ، عندها حسب يمكن أن يتمرن على مجموعة موحدة من الحركات الأكثر تعقيداً ، وكل مجموعة حركات يتمرن عليها للآلاف المرات حتى يتقنها بالكامل ، ثم يمارسها مع بقية المتمرنين المبتدأين ولمرات ومرات عديدة ، عندها حسب يمكن أن يكون جاهزاً لممارسة هذا الفن في أي قتال حقيقي يمكن أن يصادفه في الشارع أو غيره .
ذات الأمر تحتاجه عزيزي القارئ مع التأمل ، أن تبدأ من البدايات وأن تأخذ التمارين البسيطة في البدء فترسخها في عقلك الباطن حتى تغدو يسيرةٍ عندك وممكنة الممارسة في أي وقت ، لاحقاً يمكنك أن تأخذ ما هو أصعب منها حسب حاجتك والمهمات التي تروم نيلها من وراء التأمل .

ولهذا فأنا أقترح عليك إن كنت مبتدأٍ في أن تبدأ أولاً بواحدٍ من تمارين ( التأمل لثلاث دقائق ) ، وهو قصير للغاية كما ستلحظ ولا يكلفك شيء على الإطلاق وهو يهدف إلى تصفية الذهن حسب .
وتصفية الذهن ذاتها مكسب عظيم جداً لأنه يمكنك أن تنال شعور بالصفاء الداخلي الشديد .
عقب تعلمنا للتأمل لغرض تصفية وتنقية العقل ، يمكننا أن نتطور لاحقا لنتمرن على كيفية السيطرة على المخ في حالات الخوف أو الفزع أو الخجل أو الشعور بالوحدة أو أي شيء آخر من عناصر السلب في شخصيتنا .
وبالتالي نستطيع تحسين كفاءاتنا الحياتية وتحقيق النجاح والوصول إلى مستويات عالية من التميز .
بالمناسبة …هناك الكثيرون منا من ينالون الصفاء الداخلي بل ويعيشون حالات تدفق نفسي وشعور بالثقة والامتلاء والثراء دون أن يتأملوا أو حتى يعرفوا شيئاً عن التأمل ، مثل هذا يحصل ، لكن كم مرة في اليوم أو في الشهر أو في السنة …؟
أنها حالات نادرة سرعان ما تفارقنا لتتركنا نتألم ونحلم في أن ننالها ثانية ولا تأتي ، إنما من يمارس التأمل باستمرار وينجح فيه فأن بمقدوره نيل تلك الحالات بلا انقطاع بكل مكاسبها النفسية والمادية والاجتماعية .
الحقيقة أن تماريننا في هذا الكتاب ، تحرص على أن تكون ضمن حدود ما هو اعتيادي ، فكلنا في واقع الحال نمارس التركيز بين الفترة والأخرى ، فعندما نركز كامل الذهن على روايةٍ أو كتاب نقرأه فإننا هنا نتأمل دون أن ندري ، ومع اندماجنا مع الكتاب أو الفلم نشعر بأن كل أفكارنا الأخرى قد تم إقصائها بالكامل ، وهذه هي المتعة الحقيقية من وراء القراءة أو مشاهدة السينما ، إنك تنتقل من عالم الضجيج العقلي المرعب إلى حالة صفاء ذهني جميل .

التأمل لثلاث دقائق حسب :
______________
مثل هذه المجموعة المتنوعة من التمارين القصيرة التي سنفصلها لاحقاً ، تهدف لنيل قدر من السيطرة الذهنية من حيث أنها تساعدك التركيز الذهني وتعزيز قدرتك على الانتباه للمجريات الذهنية بحيث تتمكن من قيادتها لاحقاً لصالح تطورك ونموك الشخصي في مختلف المجالات .
إن هذا البرنامج فريدٌ من نوعه ، لأن أغلب التمارين الأخرى التي يمكن أن تجدها في الكتب المتنوعة أو تتعلمها في الكورسات الدراسية ، تتطلب أن تحدد وقت يومي معين وأن تمارس التأمل ضمن طقوس معينة وفي أماكن خاصة وغير ذلك ، أما هنا فلا شيء من هذا على الإطلاق .
وكما نعرف فإن المبتدئ بالتأمل لا يمكن لك أن تلزمه بأماكن معينة أو طقوس ثقيلة لأن هذا سيؤدي به لاحقاً إلى أن يضجر بسرعة ، خصوصاً وإنه لم ينل بعد منافع التأمل .

كيف تمارس التمارين :
___________
رغم إن الكثير من المبتدأين يودون أن يبتدئوا بمجموعة التمارين الأسهل التي تهدف إلى تنقية المخ وتصفية العقل من أدرانه ( التمارين الخمسة الأولى ) ، فإن من الضروري أن تتذكر عزيزي القارئ أن هناك الكثير من التداخل بين المجاميع من التمارين المختلفة ، فعلى سبيل المثال تقوم تمارين تصفية الذهن بمراقبة العقل وتأكيد مبدأ العيش في اللحظة الحاضرة ، في حين نجد أن تمارين مراقبة والتحكم في المخ تجدها ذاتها جزء هام من تمارين التقييم والتعاطف .
وبالتالي فحيث أن التمارين تتداخل مع بعضها فإنك ستجد نفسك تطبق أكثر من تمرين من أنواع مختلفة بينما أنت تمارس نوعاً واحداً ، ولكن يحبذ طبعاً أن تمارس كل للتمارين وبمختلف تنويعاتها لتطوير قدرتك على التأمل وإيصالها إلى أقصى مدياتها .

ماذا أفعل لو إن الأمر غدا مؤلماً :
_________________
هناك نوعين مختلفين من المعاناة الذهنية ، الأول نتعرض له حين لا نكون ممارسين للتأمل أو في الفترات التي تسبق تعلمنا للتأمل ، حيث تقوم مشاعر الوحدة والقلق والخوف والألم والرغبات العسيرة التحقيق ، وهذا النوع ليس فينا من لم يتعرض له قبل أن نتعلم التأمل ، وبالتأكيد لا يمكن لمثل هذا النوع من الألم أن يعالج إلا بأن تغير بعض الظروف المعيشية ومجمل الأوضاع المحيطة بك فتخلق بالتالي تغييراً في أفكارك وتعود لتمتلئ بشعورٍ زائف بالراحة ، وقد لا يدوم الأمر معك كثيراً لأن الألم سيتسلل إلى ظروفك الجديدة طالما أنت لم تغير جوهر حياتك وأفكارك ، بل غيرت ظروف الخارج حسب .
أما أنواع الألم التي تصيبك في أثناء التأمل ، فهي تختلف تماماً وإن كانت في الظاهر تبدو متشابهة ، ما يميزها أنها الآم تهدفٌ إلى وضع نهاية لآلام أكبر وأكثر استمرارية فإن أصبت بمثل هذه المشاعر المؤلمة بينما أنت عاكفٌ على التأمل ، عليك أن تؤمن بأن هذا ليس إلا ألمٌ وقتي زائل لا محالة ، بل وسينفعك في التخلص من ذاك الذي لا يتوقف ولا يكف .
إنه تماماً مثل ألم قلع السن إذ هو النهاية الطبيعية المحكمة لألم امتلاك سنٍ مريض .
تمارين مراقبة العقل يمكن أن تكون أرقى العلاجات لأمراض النفس والذهن ، شريطة أن نراقب الألم ونمنحه اسما دون أن نستغرق في تفاصيله ، هنا يمكنه أن ينقشع بسرعة ويزول وتعود لنا العافية الذهنية .
كذلك فتمارين التعاطف مع الذات ، مفيدة للغاية في إزالة الآلام النفسية الثقيلة الوطأة والتي لها تاريخ طويل من الاستقرار في أذهاننا وتركيبتنا النفسية .
عموماً جميع هذا سنجربه في تماريننا القادمة ، ولكني وددت فقط التقديم هنا لكي نتفرغ للتمارين ونحن نعرف سلفاً منافعها ومقاصدها .
تعليمات عامة قبل الشروع في التأمل :
___________________
هناك في الواقع لا أكثر من ثلاث تعليمات رئيسية قبل الشروع في التأمل ، الأول هو أن تتذكر أنك تتأمل ، أي أنك تقوم بعملية واعية وذات قصد وهدف وبالتالي فعليك أن تركز على الشيء الذي تتأمله سواء كان هذا الشيء التنفس مثلاً أو دقات القلب أو خطواتك وأنت تمشي أو صوت معين تركز كل فكرك وذهنك عليه أو ضوء الشمعة أو دقات الساعة ….الخ .
وفي كل مرة تفتقد تركيزك أو يشت ذهنك عليك أن تعود إلى مادة التأمل هذه وتعيد تركيز ذهنك عليها .
الأمر الثاني أن تكون متابعاً لنفسك وأنت تتأمل بحيث لا تترك ذهنك وحده المتأمل وأن تتركه ينزلق بحرية هنا أو هناك ، لا يجب أن تكون بكامل قلبك وروحك وإصرارك وعنادك مع المهمة التي قصدتها ، فإن طرقت بالك فكرةٌ من قبيل الغداء أو موعدٍ ما أو الفلم الذي تنتظر رؤيته الليلة في التلفاز أو استذكار موقفٍ حصل البارحة أو نكهة لقائك السابق مع الحبيب أو غير ذلك ، فعليك أن تعود سريعاً إلى التأمل لأنه أهم من كل هذا ، دون أن تشعر بتأنيب الضمير أو تلوم نفسك بقوة أو تستنكر شرودك الذهني بشكل مبالغ به ، لا… ببساطة عد إلى التأمل ومارسه حسب الوقت الذي قررت مع نفسك .
الأمر الثالث وله علاقة بالثاني وبقوة ، هو أن تدرك في داخلك أن تلك الأفكار التي تشتت ذهنك ، هي في واقع الحال مفيدة إلى حد ما في أنها تعزز من انتباهك لذاتك ولحركة ذهنك وبالتالي فإنك مع تكرار مرات التشتت والعودة إلى التأمل تزداد قوةٍ ومهارة في فن السيطرة على المخ ، فلا تلوم نفسك بقوة إذا ما شت ذهنك قليلاً .
تصور في ذهنك هذا الكلب الصغير الذي تسعى لتعليمه كيف يتبول على الجريدة بدلاً من الأرض ، إنك تبدو هنا وكأنك تلزمه على التبول وكلما أوقفته عليها أنسحب هارباً ، ومع الاستمرار بالتمرين وبمنتهى الصبر ستنجح أخيراً في تعليمه أن يتبول حيث تريد لا على الأريكة .
إنك لا تستطيع أن تلزمه على فعل ما لا يريد لأنها تلك طبيعته ولا شأن له بطبيعتك أو توجهاتك ، ولو إنه وقف على الجريدة ولم يغادرها مرات ومرات فإنك من الصعب عليك ساعتها أن تعلمه لماذا هو يجب أن يقف على الجريدة ، إنك تريده أن يقف هنا ليتبول لا لشيء آخر .
وكذلك المخ فإن طبيعته التي أعتاد عليها طوال عمره أو عمرك هي أن يتجول بحرية ، فلو إنه لا يتجول لما احتجت لتمارين تأمل أو لما أمكن لك أن تعيده إلى حظيرة التأمل وبالتالي تعوده على تقبل سيطرتك عليه .

مثال :
______
حين شرعت في التأمل لأول مرة صادفتني متاعب التشتت الذهني وبقوة ، فبينما أحاول أن أركز ذهني على العد ، تغزوني الأفكار الأخرى وبالشكل التالي :
شهيق …واحد ، شهيق …أثنين .." يا إلهي إنني أتأمل .." لا …لا ينبغي أن أفكر بالتأمل علي أن أفكر بالعد حسب …"…شهيق …واحد …شهيق …أثنين …" إنني جائع …حقيقة أنا جائع …، لا …ينبغي أن لا أفكر بالطعام الآن ؟…حسناً " شهيق واحد …شهيق …أثنين …" اللعنة …أنا لست صبوراً بما فيه الكفاية ها هي الأفكار تغزوني كمن جديد …اللعنة …" شهيق …واحد …شهيق أثنين …شهيق ثلاثة …" …لقد نجحت …لقد نجحت بالتأمل أحسنت يا …اللعنة …يجب أن لا أفكر بالنجاح الآن يجب أن أعود إلى التأمل " شهيق واحد…شهيق …أثنين …شهيق …ثلاثة .."
وهكذا …وكم من مرة استغرقت في حلم طويل ، أخذ مني الكثير من الوقت والطاقة قبل أن أعود ثانيةٍ إلى التأمل من جديد ..!
لقد كانت تجربة رائعة رغم إنها متعبة جداً في البدء ، ولكنها انتهت الآن وقد أعتاد ذهني على التأمل حالما أبدأ بمتابعة تنفسي ولأطول فترة أريد .
القصد من هذا عزيزي القارئ هو أن أؤكد لك أن العملية ليست صعبة جداً ولكنها تحتاج إلى أن تؤمن بها ويسكون لديك حاجة حقيقية وغرض حقيقي وأن تكون صبوراً مع نفسك ولا تسرف في اللوم ولا تسمح للغرور أن ينتابك إذا ما نجحت مرة أو اثنتين ، بل أستمر وأستمر بلا تردد حتى تتمكن من السيطرة على مخك وتوجيهه بالوجهة التي تريدها أنت لا التي يريدها هو حسب طبيعته الذاتية .
أوضاع الجسم واليد إثناء التأمل :
_________________
رغم أهمية بعض الأوضاع الخاصة إثناء التأمل ، مثل الجلوس بشكل زهرة اللوتس أو غيرها ، فإني لا اطلب منك مثل هذا في تمارين التأمل لثلاث دقائق ، فقط … أحبذ أن يكون جسمك منتصباً وأن تستقر قدميك على الأرض بشكل مستوي ، أما في حالة التأمل إثناء المسير فيفضل طبعاً أن يكون الجسم مسترخٍ غير متوتر وأن تمشي بشكل بطيء للغاية ، وعلى كل حال فلك وحدك تقرير الشكل الذي تفضله وستختبر لا شك منافعه من مضاره .
بالنسبة لليدين ، هناك أوضاع مختلفة ولكل وضع منافعه ، ولك أن تختار الوضع الذي تريده ، أما المنفعة القصوى من وضع اليدين بشكل من الأشكال فهو كمحرض للدخول في الحالة التأملية لأن الوضع الذي تختاره وتتعود عليه سيختزن في الذاكرة وسيغدو صورة ثابتة من الصور المختزنة فيها بحيث إذا تكرر ذات الوضع فإنه سيغدو مع مرور الزمن مفتاحاً للتأمل أو للدخول في حالة التأمل مباشرة دون عد أو متابعة تنفس وبالتالي ففي الحالات التي لا يتسنى لك فيها أن تتأمل بشكل اعتيادي كما في حالة أن تكون لديك مقابلة من أجل وظيفة أو غيرها ، فمجرد وضع يديك بهذا الوضع الذي تعودت عليه سيعطيك نفس الحالة الشعورية المرجوة من التأمل ، وسيتدفق عبر عينيك وحركات جسمك الألق والقوة والثقة المطلوبة لاجتياز هذا الاختبار أو ذاك الموقف .

السيطرة على الأفكار
_____________
الأغلبية من تلك التمارين التي سأفصلها أدناه ، تعتمد على ما أسميه " مبدأ إقصاء الأفكار الغير نافعة " ، من خلال أن نعطي العقل تعليمات بسيطة جداً ولكنها آسرة بحيث لا يستطيع تجاوزها أو التنكر لها ، تلك التعليمات تفضي إلى أن يقوم العقل بإخماد أصوات الخوف والقلق والغضب .
حين سُأِل أحد النحاتين المبدعين ، كيف يتسنى له نحت فيلٍ من حجر كبير جداً ، أجاب ببساطة أنا أطرح من الحجر كلما لا يمكن أن يشبه الفيل ، فلا يبقى بالتالي إلا الفيل .
هذا ما نود أن نفعله هنا ، أن نطرح كل الأفكار الفائضة التي لا ضرورة لحضورها في العقل ، فلا يبقى بالتالي إلا ما نريد له أن يبقى وما نؤمن أن له مبرر في أن يبقى ، وبالتالي ستنال شعورا بالراحة النفسية والثقة والطمأنينة والسعادة .

1- التأمل بمتابعة التنفس :
____________
أبدأ بممارسة هذا التمرين ينما أنت جالس بشكل مريح على كرسيك في مكانٍ آمن لا توجد فيه أصوات أو منغصات أو آخرين حولك ، ضع راحتي يديك في حجرك بشكل مسترخٍ بحيث يكون إبهام اليمنى ملامساً لسبابة اليسرى .
حسناً ، الآن وقد أستقر بك الحال في مكانك ، أشرع بمتابعة تنفسك وعدّ أنفاسك الداخلة والخارجة بغير ما صوتٍ مسموع ، بل في داخلك وبلا تحريك الشفاه ، بل بالتصور حسب للأعداد ، مع ذكر أسم العملية التنفسية هكذا :
شهيق …واحد ، شهيق …أثنين ، شهيق …ثلاثة ، شهيق …أربعة .
يعني …تذكر عملية الشهيق حسب لأن الزفير يتبعها بشكل تلقائي عقب ثانية أو اثنتين أو عشرة فلا ضرورة لذكره .
حسناً …لا زلت مسترخ بكامل جسمك مع انتصاب جذعك ، عد الآن ثانيةٍ إلى العد حالما تنتهي من الأربعة الأولى ، ومجدداً :
شهيق …واحد ، شهيق …أثنين …وهلم جراً .
لا تحاول التدخل بعملية التنفس أو أن تنظمها على إيقاع معين ، لا بل دعها تكون تلقائية بالكامل ، وحاول جهد مستطاعك أن تتصور الأعداد في شاشة الذهن الداخلية وألزم نفسك بالمحافظة على جريان عملية العد بتدفق طبيعي .
حين تكون صورة الأعداد أمام ذهنك جلية ويكون فكرك مركزاً على التنفس ، ستهرب كل الصور والأفكار من خيالك وتنعم ( ربما ) لأول مرة من حياتك ، بنعمة الفراغ والسكينة الداخلية التامة ، حاول أن تتحسس بعمق مجريات عملية التنفس ، لحظة دخول الهواء إلى الرئة ، لحظة الخروج من الأنف والفم أو أحدهما ، حاول أن تركز على هذه العملية بينما أنت تعد .
لو لاحظت أن أفكارٍ معينة تغزو ذهنك في تلك اللحظة ، لا تبالي ولا تكتئب ولا تقول لنفسك " لا فائدة ها أنا أفكر مجدداً بكذا أو كذا " ، لا …بل عد إلى العد بشكل انسيابي .
من الطبيعي بالنسبة للذهن الذي تعود على الاشتغال طول حياته وطحن الأفكار والصور التي طحنت ألف أو مليون مرة سابقاً ، من الطبيعي أن يقاوم ، فأنت تزج به في حالة لم يتعود عليها سابقاً ولا يمكن أن يباركها من المحاولة الأولى ، لكنه بالتأكيد سيستلم لاحقاً وسيغدو من اليسير عليك أن تتأمل متى شئت وأينما كنت .
وبالتالي فمتى أنشغل ذهنك مجدداً بأفكار خارج إطار فكرة العد والإحساس بالتنفس ، ما عليك إلا أن تعود ثانية للعد بمنتهى العزيمة والإصرار .
اللطيف في هذا التمرين أنه إذا ما تعلمته ومارسته ونجحت فيه مرة واثنتين وثلاثة فإن بمقدورك ممارسته متى شئت وفي أي مكان لأنه ، لا يتطلب منك إلا أن تعد وتركز ذهنك على تنفسك .
يمكنك أن تمارسه وأنت منتظراً لحافلة نقل الركاب أو القطار أو صديقٍ تأخر عن الوصول في موعده المتفق عليه ، ويمكن أن تطوره حسب رغبتك ، مثلاً يمكن أن تعد بلا انقطاع ولا توقف وإلى أي مدى تريد ، أنا شخصياً نجحت مرةٍ في العد إلى أربعمائة واثنان وأربعون وكنت ساعتها في دورة دراسية لمدة عشرة أيام ، ولولا إحساسي المبالغ فيه بالبهجة لوصولي لهذا الرقم لكان ممكناً أن أتجاوزه إلى مدى أكبر ، ، إذ غزتني فكرة أني الأول في الفصل من يصل إلى هذا الرقم وبالتالي نسيت إلى أين وصلت وحين تذكرت ، كان ينبغي أن أتوقف في الحال لأني شعرت بأني فشلت ، إنما لم أفشل طبعاً في الوصول إلى قسطٍ عظيم من الصفاء الذهني .

2-عد الأنفاس مع المهمات الروتينية اليومية :
____________________
جرب هذا التمرين بعد أن تكون قد جربت عد التنفس بضع مرات .
هذا التمرين يمكن أن تقوم به إذا كنت مقبل على مهمة معينة أو عمل روتيني تقوم به مرةٍ على الأقل في اليوم .
أنا شخصياً أمارس هذه العملية في الأشغال الروتينية الصغيرة ، فمثلاً حين أضع الورق في الطابعة أو للاستنساخ ، أقوم بعد أنفاسي ، ومثل هذه العملية تكلف حوالي ست مرات شهيق ، أو حين أشرب قدح ماء ويكلفني أربع مرات شهيق … وهكذا مع الكثير من المهمات والأشغال الصغيرة .
مثل هذا التمرين أبسط بكثير من تمرين الجلوس وعد الأنفاس ، إذ يمكنك القيام به مرات عديدة في اليوم الواحد دون أن تفقد انسيابية حياتك الاعتيادية ومهماتك اليومية ، وبذات الآن فأنت تحافظ على عادة التأمل طوال يومك ، وهذا ما يسرع من تطورك الروحي ويحقق لك الصفاء الذهني طوال الوقت ، ويمكن أن يكون مقدمة لممارسات روحية أكبر وأطول وقتاً وأكثر نفعاً .
إذا وجدت نفسك تحب هذا التمرين ، يمكن لك أن تمارسه في مهمات ووظائف أكثر تعقيداً ، وطبعاً متى وجدت نفسك تخطأ العد ، عد ثانية بمنتهى الإصرار والعزيمة ، بمثل هذا حسب يمكن أن تنجح في أن تغدو خبير بالتأمل وأن تنال منه ما تريد من تحقيق تغييرات خطيرة في حياتك .

3- التأمل إثناء المشي :
_________
حاول أن تمشي بشكل أبطأ من المعتاد وركز ذهنك على تنفسك ، شهيقاً وزفيراً مع ذكر أسم العملية الجارية ، فإن شهقت قل لنفسك في داخلك ، شهيق وأن زفرت ، قل زفير وهكذا ، ويحبذ أن تضع الإبهام على السبابة إن وجدت ذلك غير مستنكر أو غير مرئي من قبل الآخرين ، وإلا بإمكانك أن تبتدع الوضع الشخصي الذي يناسبك أكثر في مثل هذه الحالة ليكون محرضاً للذاكرة في المرات القادمة حين تجد نفسك تتمشى لوحدك ، يحبذ أيضاً أن توفق بين تنفسك وبين وضع قدمك اليمنى أو اليسرى على الأرض ، أنتبه لعدد المرات التي تخطوها مع كل شهيق وعددها عند كل زفي ثم قم بعد الخطى مع كل شهيق وعدها مع كل زفير وكالتالي :
شهيق …واحد … أثنين …ثلاثة …أربعة ، زفير …واحد …أثنين …ثلاثة …أربعة .
بمثل هذا سيتسنى لك التركيز على تنفسك وعلى حركة أقدامك بذات الآن وبالنتيجة ستختفي كل الصور من الذهن ولا يبقى إلى خطواتك وأنفاسك .
حين تعود الأفكار إلى غزوة ذهنك ، أطردها مجدداً وعاود الخطو والعد .
يمكنك أن تعتمد هذا النوع من التأمل وأنت في العمل أو إثناء انتقالك من مكان إلى آخر ضمن روتين عملك ، وبدلاً من أن تجري هنا وهناك بمخ مشغول بكل ترهات الدنيا ، وبالتالي غالباً ما يتشتت ذهنك إثناء الوصول إلى هدفك ، عليك أن تخطو بهدوء وأنت في حالة تأمل ، فتصل بالنتيجة إلى مقصدك وأنت في غاية الصحو والتألق وستنجز المهمة التي جئت من أجلها بكامل النجاح .
وفي الجزء التالي من هذا الفصل ، سنعطي المزيد من تمارين التأمل المختلفة القصيرة منها والطويلة ، الشائعة منها أو المكتشفة من قبلنا .



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا نتأمل - دراسة في التأمل وتقنياته
- لن تأمنوا يا عراقيين فجيش المهدي لم ينتهي بعد ...!
- جاء البابا فهرولوا ورائه أيها الحفاة العراة....!!!
- الإنتحار الجماعي للشيعة في العراق
- قوة بلا حدود
- الزائرة - قصة قصيرة
- بمقدورك معالجة وإصلاح حياتك بنفسك - الفصل السادس والأخير
- الضيف الغريب - قصة مترجمة - تأليف ليو تولستوي
- منهاج السيلفا للسيطرة على المخ - الفصل الرابع ويليه الخامس
- رحيل - قصة قصيرة
- بمقدورك معالجة وإصلاح حياتك بنفسك الفصل الرابع ويليه الفصل ا ...
- بمقدورك معالجة وإصلاح حياتك بنفسك - الفصل الثاني & الفصل الث ...
- بمقدورك معالجة وإصلاح حياتك بنفسك
- هذا العابث القميء من يردعه ؟
- منهاج ال ( سيلفا ) للسيطرة على المخ - الجزئين الثالث والرابع
- قوانين النجاح الروحية السبع - قانون التباعد المحسوب عن الهدف
- متى تتحرر المرأة عندنا ...كشقيقتها الأوربية ...؟
- قوة بلا حدود -أستنساخ القدرات المتطورة لدى المتفوقين
- قوة بلا حدود -الفصل الأول
- من ليس لديه أزدواجية ولاء فليرمي الشيعة بألف حجر


المزيد.....




- كبسولة زمنية من عام 1920 عُثر عليها في جدار مدرسة أمريكية.. ...
- شاهد: لقطات تُظهر حجم الدمار بعد أشهر من الضربات الروسية على ...
- بريطانيا تُرحل طالب لجوء إلى رواندا في أول عملية من نوعها
- توقيف شرطي بريطاني بسبب -إظهار دعمه لحماس-
- كييف: أولى مقاتلات -إف-16- قد تظهر في أوكرانيا بعد عيد الفصح ...
- إطلاق سراح شقيقة هنية ووضعها رهن الإقامة الجبرية
- الإعلام العبري: المناورة العسكرية الإسرائيلية في رفح بدأت تض ...
- تحمل اسم -السيسي-.. شيوخ القبائل يدشنون مدينة هامة في سيناء ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة خسائر القوات الأوكرانية خلال 24 سا ...
- بريطانيا.. اتهام ضابط شرطة بارتكاب جرائم إرهابية بعد نشر صور ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - لماذا نتأمل ...؟ الجزء الأول من الفصل الثاني