أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - قوة بلا حدود















المزيد.....



قوة بلا حدود


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 938 - 2004 / 8 / 27 - 12:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


Unlimted Power
- الفصل الثالث
لجزء الأول
استنساخ القدرات المتطورة لدى المتفوقين
الفصل الثالث
أهمية الوضع النفسي في تحقيق السعادة والنجاح
تأليف
آنتوني روبينس

إنه العقل من يصنع المرض أو الصحة ،
العقل وحده من يمكن أن يمنحك السعادة أو التعاسة

أدموند سبنسر
________
هل عشت مرةٍ تلك الحالة الشعورية الغريبة التي ملأتك ثقةٍ وبهجةٍ حتى بلغ بك الإحساس وكأنك تسبح في الفضاء بحريةٍ ، وكأنك سموت على الأشياء والناس وبلغ بك الزهو أنك امتلأت إيماناً بأن كل ما تفعله مضمون النجاح وإنك لم تعد تملكُ هماً أو غماً على الإطلاق . شعورٌ رهيبٌ بالقوة والمنعة والثقة تجعلك تحس بشيء من القداسة في نفسك ، وبأنك قادر على مواجهة أي عائق كائناً ما كان والانتصار عليه بسهولة .
ربما حصل هذا بفضل نصرٍ صغير حققته في مباراة ما ، أو مكسبٍ غير متوقع نلته من صفقة معينة وجاء أكبر من كل توقعاتك ، ربما شهادة دراسية نلتها بعد جهدٍ جهيد …!
وقطعاً عشت يوماً الحالة الأخرى التي لا يود الواحد منّا أن يعيشها ، ولكنها لا بد وأن تعاشْ .
حالة الهزيمة المطلقة ، حيث تفشل في كل ما تفعل ، وحيث تولي وجهك ، تصطدم بظروف قاسية وناس سيئون ومعوقات لا تنتهي ، وما أن تضع يدك بشيء لتنجزه إلا وتجده يتحطم إلى شظايا ، ليزيد من شعورك بالخيبة والمرارة والإحباط .
حسناً ما الفرق بين هاتين الحالتين وأنت ذاتك أنت في كليهما …؟
وذات القدرات والإمكانات التي رصدتها في الحالة الأولى وحققت لك النجاح ، يفترض أن تكون ذاتها قدراتك وطاقاتك في الثانية ، فلم نجحت هنا وفشلت هناك …؟
لماذا تكون النتائج خارقة في إيجابيتها ، وتكون ساحقةٍ في سلبيتها في موقفٍ آخر …!
الفرق هو في الحالة الفسيو- عصبية التي تكون عليها في هذا الموقف وذاك بنفس الوقت مع الفرق في اتجاه تلك الحالة بين الإيجاب هنا والسلب هناك ، فحالاتٌ شعوريةٌ من قبيل " الثقة ، الحب ، الإيمان ، الإعجاب ، القوة الداخلية …الخ " ، تستقطب لك طاقاتٌ إيجابية هائلة من احتياطي القوة الداخلية الجوهرية المخبأة في أعمق أعماقك ، وبالتالي تفضي بك إلى التألق والنجاح ، في حين تجد أن حالات شعورية مثل " الكآبة ، الخوف ، الشعور بالوحدة ، المرارة ، التعاسة …الخ " تؤدي إلى إيصالك لحالة من العجز التام ، بحيث لا تعد تقوى على فعل أي شيء .
إننا جميعاً نراوح أغلب الوقت بين الحالين ، نتألق هنا ونخبو هناك ، رغم أننا نملك ذات الرصيد من القوة ، ولكنه يهدر هنا بالمجان بسبب الحالات الشعورية السلبية ، ويتعزز هناك ويقوى بفضل الحالات الشعورية الإيجابية .
وإذن ، ماذا لو أمكن لنا أن نغير الحالة النفسية أو الشعورية ، من السلب إلى الإيجاب …؟
ماذا لو إننا تمكنا من تحويل الكآبة إلى سعادة أو الخوف إلى شعور بالقوة والعظمة ، والحزن إلى فرحٍ غامر …؟
قطعاً ، سنتمكن من أن نضمن التألق الدائم والقوة المستمرة المطردة والنجاح الأكيد في تحقيق كل ما نصبو إليه …!!
حيث أن الحالة الشعورية هي التي تحدد نوع السلوك ، وحيث أن السلوك هو مولد النتائج ، سلباً كانت أو إيجابا ، فإذن بتغيير الشعور أو الحالة النفسية ، من السلب إلى الإيجاب ، يتغير السلوك بذات الآن .
إن تغيير الحالة الشعورية هو مفتاح تطوير القدرة على تحسين الأداء في أي عملٍ أو نشاطٍ من الأنشطة بما يضمن بالنتيجة الوصول إلى تفوق وتميز عالي جداً . نحن نقدم أفضل ما لدينا حينما نكون في حالة شعورية متوهجة ، ولكن أحياناً تصيبنا حالة من الهبوط في المعنويات تؤدي بنا إلى أن ننكمش ونتردد ونتلعثم ونرتجف وبالتالي يأتي الأداء بغاية الرداءة والضحالة .
أذكر أني عشت مثل هذه الحالات مرات ومرات عديدة ولدرجة أني كنت متشنجاً في تعاملي مع نفسي ومع الناس ، وكم من مرة جاءت أحكامي متهورة أو مترددة ، وكم من مرة ندمت لاحقاً على ما قلت أو فعلت وأنا في تلك الحالة من هبوط المعنويات نتيجة الخوف أو الوحدة أو …الخ .
إننا إذا ما تذكرنا تلك الأحوال التي كنا فيها قاسين في أحكامنا أو مترددين في إظهار الود والامتنان والتقييم النزيه للآخرين ، إذا ما تذكرنا ذلك أمكن لنا أن نكون أكثر عدلاً مع الآخرين حين يواجهونا بمواقف متشنجة أو عدائية ، إذ نتذكر أننا ذواتنا كنا كذلك يوماً بسبب رداءة وضعنا النفسي ساعتها وليس لأننا عدائيين بطبيعتنا ، وبالتالي فهؤلاء الناس الذين يظهرون لنا العداء أو يعاملونا بقسوة ، هم في الواقع يعانون من حالة معنوية سالبة ، وليس لأنهم بطبيعتهم عدائيين …!
حسناً …فلنعد إلى ما وعدنا به من إمكانية تغيير الحالة المعنوية عامة من السلب إلى الإيجاب .
قلنا ، ماذا لو أمكن لنا أن نغير حالة هبوط المعنويات والضيق النفسي الشديد والكآبة والشعور بالعجز إلى حالة من التدفق والثقة والقوة والشعور بالرحابة والسعة والقدرة اللامحدودة …؟
ماذا لو أمكن لنا هذا وبلمسة واحدة أو قرصةٌ صغيرة على راحة الكف أو بمجرد ضغط الإبهام على السبابة …؟
هذا ما ستناله بالتأكيد قبل أن تنتهي من هذا الكتاب ، ولكن قبل ذلك ، ينبغي علينا أن نعنى بدراسة الحالات الشعورية والتعرف عليها عن كثب ، لكي ما نستطيع التحكم بها .
يمكن تعريف الحالة الشعورية بأنها خلاصة كم هائل من العمليات العصبية المعقدة ، ملايين العمليات العصبية ، التي تحدث في داخلنا ، وخارج إطار سيطرتنا العقلية ، والتي تجتمع في اللحظة الزمنية لتفجر تلك الحالة التي نجد فيها أنفسنا ، سواء كانت تلك سعادة ، تألق ، خوف ، كآبة …الخ .
إنها في الغالب حالات لاواعية إذ قد نرى شيء معين ثم نقوم بإنتاج رد فعل من خلال الدخول في حالة شعورية معينة قد تكون ثرية بالطاقة الإيجابية أو تكون سلبية مستهلكة للطاقة ومسببة للاضطراب في السلوك والأداء ، والأغلبية منّا وللأسف لا يحاولون وعي تلك الحالة ( سلبية كانت أو إيجابية ) لكي ما يمكن تغييرها أو تطويرها إن كانت إيجابية .
الفرق بين أولئك الذين يصلون إلى أهدافهم وأولئك الذين يفشلون ، هو في أن الفئة الأولى تملك القدرة على أن تتموضع في حالة نفسية إيجابية ، وإن وجدت نفسها في الحالة السلبية أمكن لها أن تقلب السلب إلى إيجاب ، بينما الفئة الثانية تجدها غالباً متموضعة بإصرار عند السلب وإن جاء الإيجاب لم تتقبله وتجذرّه في الداخل بل سرعان ما انقلبت باحثة عن السلب ، وكأنها تود أن تعاقب نفسها بالإصرار على الحالات التي تدمر خزين الطاقة النفسية الداخلي وبالتالي تكبح كل فرص النجاح .
حسناً …ماذا لو دونت قائمة بكل تلك الرغبات والأمنيات التي تريد نيلها في هذه الحياة .
أتريد حباً ؟ الحب هو حالة نفسية ، شعور نطلقه لأنفسنا ثم نشعر به بحكم محرضات أو حوافز تأتينا من الخارج .أتريد الثقة بالنفس ؟
الاحترام ؟ ، كلا القيمتين ، نخلقهما نحن في الداخل عبر أحوالنا النفسية . ربما تريد النقود ، المال ، الثراء ؟ حسناً … الثراء ليس تلك الأوراق الخضراء أو قطع النقد الفضية أو الذهبية ، لا وإنما أنت تريد ما وراء النقود ، الحب ، الاحترام ، الاهتمام ، الإعجاب ، الحرية ، وأي قيم روحية ومعنوية أخرى تتصور أنها قادرة على أن تمنحك إياها النقود ، وإذن فما تريده موجود لديك ، في داخلك من خلال أحوالك النفسية نوعية تلك الإشارات الحبية الإيجابية التي تبعثها إلى الخارج فتعود إليك مضاعفة بشكل أكبر .
وإذن فكل ما تريده من الخارج ، يعتمد على ما عندك في الداخل ، فهل بمقدورنا أن نغير ما عندنا في الداخل أو نسيطر عليه ، بحيث نقدر على أن ننتج الوضع النفسي الإيجابي القادر على أن يخلق لنا حالات حب وثقة وأمان وألق وجمال وسعادة وتفاؤل وإصرار على النجاح في الخارج ؟
أظن أننا قادرين على ذلك …!
مفتاح النجاح الأول للسيطرة وقيادة أحوالنا النفسية وبالتالي الوصول إلى تلك الأهداف التي نجهد من أجلها ، يعتمد على تعلم كيفية قيادة المخ بشكل سليم ، ولكي ما يتسنى لك ذلك ، يتوجب عليك أن تعرف ولو القليل عن كيفية عمل المخ .
في البدء علينا أن نعرف كيف يستدعي المخ أو ينتج حالة نفسية معينة …!
كان الناس للمئات من السنين ، مفتتنون بما اكتشفوا من مناهج روحية لتغيير الحالة النفسية وبالتالي تغيير خبراتهم ومعايشتهم الحياتية . كانت أساليبهم لتغيير أحوال النفس تعتمد على الصيام ، التعبد في أماكن منعزلة ، استخدام المخدرات والخمور لتغيير الحالة النفسية ، الطقوس الدينية الغامضة والغريبة في إجراءاتها ، الجنس… التنويم المغناطيسي …الخ ، جميع هذا كان فيه الكثير من الإمكانات الجدية للتغيير وبذات الآن فله معوقاته وقيوده ، إنما الآن بمقدورك أن تنال التغيير في الحالة النفسية والشعورية بشكل أسهل وأسرع وأكثر فعالية .
بما أن كل سلوك هو نتيجة للحالة النفسية ، وإن بمقدورنا أن نتواصل ونتصرف ( مع أنفسنا ومع الخارج ) بشكل مختلف حينما نكون بحالة نفسية غنية بمنابع الطاقة الروحية البناءة ( حالة تفاؤل ، ثقة عالية بالنفس ، إيمان عميق بالذات ، توهج روحي ) ، عنه في حالة أن نكون في حالة نفسية فقيرة بمنابع الثراء الروحي ( حالة من اليأس ، التشاؤم ، الممل ، ضعف الثقة بالنفس ، الشعور باللامعنى والعدمية …الخ ) .
طيب … لنسأل أنفسنا إذن ، ما الذي خلق هذا الوضع النفسي الفقير أو الغني بالطاقة الروحية البناءة والذي نحن فيه الآن ؟
يتكون أي وضع نفسي من عاملين أو مكونين أساسيين هما :
1- تصوراتنا الشخصية الداخلية الذهنية .
2- الحالة الفيسيولوجية التي نحن عليها في هذه اللحظة ، وكيف نستخدم أعضاء كياننا الفسيولوجي : حركة اليدين أو الساقين ، طريقة التنفس ، تعابير الوجه …الخ .
إن ما تراه والكيفية التي تراه من صورٍ ذهنية أمام عينك الداخلية ، وماذا تقول لنفسك عن هذا الذي تراه وهذا الذي تتصوره ، هو ما يخلق الحالة النفسية التي تتملكك ( كآبة ، توتر ، خوف ، سعادة …. الخ ) وبالتالي يخلق سلوكك أو رد فعلك الشخصي تجاه نفسك أو تجاه الحياة والآخرين .
كيف تتعامل على سبيل المثال مع الزوج أو الزوجة أو الحبيب أو الابنة إذا عاد متأخراً من الخارج ؟
سلوكك يعتمد على حالتك النفسية التي بدورتها قامت على أساس التصورات التي تملكتك والآخر غائب ، تصوراتك عن سبب تأخر هذا الآخر عن العودة ، فلو إنك مثلاً ولساعات عديدة تصورت أن هذا الزوج أو الابنة أو الحبيبة أو قد تعرض لا سمح الله لحادثٍ ما أو أنه تورط في موقفٍ صعب فإنك ستستقبله حين يعود بالدموع ممتزجة بأنفاس متقطعة وبالإكثار من الحمد والشكر للرب على النجاة ، أما إن كانت تصوراتك سلبية من قبيل أنها تخونني أو إنه الآن مع صديقة أو حبيبة أو أنه جالس يتناول كؤوس الخمر مع أصدقائه بينما أنا جالسة هنا بالانتظار ، فإنك ستستقبله حين يعود بالشتائم ربما أو العراك .
في الحالتين كان سلوكك انعكاس لتلك التصورات التي تصورتها سلفاً عن غياب الزوج أو الزوجة .
هنا يصدمنا سؤال مهم:
لماذا تنبثق بعض التصورات من قلبٍ طيبٍ مفعم بالحنان والرأفة والرحمة والفهم ، بينما تنبثق تصورات أخرى من قلب مفعم بالشك والريبة وربما الكراهية …؟
هناك عوامل عديدة تدخل في هذا الأمر ، بعضها أننا نقلد أمهاتنا وآبائنا في نمط تفكيرهم ونوعية التصورات التي تنتجها عقولهم ، فلو إن أمك مثلاً كانت تبدي دوماً الحنان والخوف والقلق عند غياب أبيك فإنك تفعل الأمر ذاته مع أبنتك أو زوجتك أو أبنك ، أما إن كانت أمك تردد دائما إنها لم تكن تثق بأبيك فإنك أيضاً لن تثق بالشريك الآخر ( الزوج أو الزوجة ) .
وإذا كانت تصوراتنا تبنى في الداخل وبغير وعي جليٍ منّا ، ولأسباب عديدة وكثيرة فإن هناك عاملٌ أكثر خطورة وأهمية في إنتاج التصورات وبالتالي في التأثير عليها ، ومثل هذا العامل يمكن اعتماده ذاته للتسريع في تغيير التصور ، هذا العامل هو العامل الفسيولوجي ، وطريقة استخدامنا لعناصرنا الفسيولوجية أو أعضائنا وتأثير العادة على طرق استعمال هذا الجسم وتلك الأعضاء الفسيولوجية .
عضلاتنا على سبيل المثال وكيف نقبضها ونبسطها ، طريقة التنفس ، كيفية التهامنا للطعام ، كيف نقف أو نجلس ، كيف نحرك أقدامنا حين نمشي ، وضع الجسم بشكلٍ عام ، جميع هذا له تأثيرٌ حاسم على وضعنا النفسي .
إن كلا من التصورات والعامل الفسيولوجي يلعبان أدوار متبادلة ومؤثرة في بعضهما البعض ، فالعامل الفسيولوجي يؤثر في إنتاج التصورات بكيفية معينة ، والتصورات تؤثر على الوضع الفسيولوجي بالمقابل تأثيراً فاعلاً ، وبالتالي إن غيرّنا هذا تغير ذاك وبالعكس ، فإذن إن لم نعرف كيف نغير منظومة تصوراتنا في لحظةٍ ما ، فبمقدورنا أن نغير العامل الفسيولوجي فيتغير الآخر .
لو إن جسمك كان في وضع فسيولوجيٍ غني بمنابع العافية والصحة ، وكان أبنك أو زوجك أو الحبيب خارج البيت فإن حالة توقع إيجابي هي التي تغمرك وبالتالي تكون تصوراتك إيجابية وودية ، لكن لو إنك كنت في حالة فسيولوجية سيئة من حيث أن عضلاتك كانت متوترة وأنفاسك متدفقة أو متعب جداً فإن تصوراتك المنتجة في تلك اللحظة عن غياب حبيبك أو عن أي أمرٍ آخر ستكون قطعاً سلبية .
إننا حين نكون مرتاحين جسمانياً وحيويتنا عالية فإننا نرى العالم بغير تلك الحالة التي نراه فيها حين نكون مجهدين عصبياً ومتعبين جسمانياً ونعاني من الرشح أو الصداع أو أي مرضٍ كان ، وبالتالي فإننا نملك ساعتها تصورات إيجابية تنعكس لاحقاً بسلوكٍ إيجابي ، بذات الوقت لو إننا امتلكنا تصورات سلبية أو اختلقناها تجاه موقفٍ ما فقلنا أنه موقف عصيب أو مؤلم فإن هذا التصور سينعكس بذات اللحظة على أجسامنا فتجد أن أعصابنا وعضلاتنا تتوتر ، وهكذا ، كلا العاملين يؤثران في إنتاج بعضهما البعض أو تعزيز قوة أحدهما للآخر مما ينعكس على الحالة النفسية العامة فتظهر سلبيةٍ أو إيجابية .
وبالتالي فحيث أن الحالة النفسية العامة تنتج سلوكاً فإن تغيير السلوك يعتمد على تغيير أحد العاملين الأساسيين في خلق الحالة ، أما التصور أو الوضع الفسيولوجي ، إن نجحت في تغيير هذا ، تغير الآخر وبالتالي تغيرت الحالة النفسية العامة وتغير السلوك .
وإذ نقول تغيير أحد العاملين أو كليهما ، فإننا نعني السيطرة الواعية على هذا العامل أو ذاك ، وكلاهما من الممكن السيطرة عليهما ، فخلق التصورات الذهنية ممكن أن نسيطر عليه من خلال الانتباه إلى أن هناك تصورات تتشكل وإنها لا نفع فيها ، مجرد أن تقول هذا لنفسك ، ستشعر في الحال بأن التصور بدأ يتزحزح قليلاً عن مكمنه في الذهن وكلما سلطت وعيك عليه وناقشته بالعقل والحكمة تجد أنك قادر على تغييره .
تصور أن بمقدورك السيطرة على حياتك الذهنية الداخلية في أي لحظة من لحظات العمر ، هذا ممكن جداً لو إنك آمنت بأن عالم الذهن هو الذي يخلق النجاح أو الفشل في الخارج .
حسناً …قبل أن نسعى للسيطرة على نمط فهمنا ومعايشتنا للحياة ، من الموجب أن نفهم كيف نعيش الحياة نحن أساساً .
إننا نتلقى المعلومات من الخارج عن طريق الحواس ، البصر ، السمع ، اللمس ، التذوق ، الشم ، وأغلب استنتاجاتنا وقراراتنا وتصوراتنا التي تنعكس لاحقاً على سلوكنا ، تبنى على أساس الحواس الرئيسية الثلاث ( البصر ، السمع ، اللمس ) ، حيث تقوم أعصاب معينة متخصصة بنقل المؤثرات الخارجية إلى المخ ، فيقوم المخ بدوره وعبر عملية معقدة ( تعميم المعلومة أو إشهارها أو التخلي عنها ) ثم تتم عملية ترشيح النبضة الكهربية المتضمنة للمعلومة ، ثم تحول إلى منتجٍ جديدٍ هو التصور الداخلي ، ولهذا فإن تصورك الداخلي ليس بالضبط هذا الذي حدث وإنما إعادة شخصية لخلق الحدث .
طبعاً لا يمكن لوعي المرء أن يتعامل أو يستخدم كل تلك الإشارات التي تأتي من الخارج وإلا لغدا المرء مجنون فيما لو وعي كل تلك الآلاف من الإشارات التي تأتي من كل مكانٍ من الداخل والخارج ، من أبسط نبضة دم في الإصبع الأصغر في الكف إلى تلك الاهتزازات الدقيقة جداً في الأذن ، ولهذا يقوم المخ بتبويب وتنظيم وتخزين المعلومات التي يستخدمها أو يظن أنها ستستخدم لاحقاً ، ويسمح للوعي بأن يتجاوز ما لا يعد ولا يحصى من معلومات لا نفع فيها .
عملية ترتيب وأرشفة المعلومات توضح لنا هذا الحجم الهائل لمدى وسعة الإدراك الحسي للإنسان ، فلو إن أثنين كانا شاهدين على حادثة سير مثلاً ، وجاء كل واحد منهما بإفادته ، ترى أن هناك تنوع في الإفادات ، فبينما الأول ركز ذهنه على ما يبصر ولم يعني بما قيل أو سمع ، تجد الثاني يعطيك وصفاً دقيقاً لما التقطت أذناه من أصوات وصرخات بل وحركة الريح وصوت محرك السيارة و…و…و…الخ .
إذن فالاثنين نظرا للحادث من خلال زوايا مختلفة ، وهي اختلافات فيزيولوجية تدلنا على إن هناك منطلقاتٌ مختلفة للإدراك الحسي ، وتلك المنطلقات في حالتنا هذه هي البصر والسمع ، فهذا ربما يكون ضعيف البصر ولهذا ترى أن سمعه هو الأكثر رهافة وهو المصدر الأساسي لدية للإدراك الحسي ، أو ربما يكون ذاته قد تعرض سابقاً لحادثٍ مروري وبالتالي فإن لديه تصوراً حياً لهذا الذي حدث .
على أية حال الاثنين كان لديهما مدركاتٌ حسية مختلفة ونابعة من حاستين مختلفتين ، وبالتالي فلديهما تصورات مختلفة لذات الحدث ، وبالتالي فإنهما سيستمران في تخزين خبراتهما الحسية والصور الداخلية ضمن مُرشحات جديدة ستمر عبرها لاحقاً التجارب المستقبلية المشابهة .
عندنا في NLP ( برمجة لغة الأعصاب ) ، هناك مفهومٌ مهمٌ للغاية يقول أن " الخريطة ليست الواقع القائم على الأرض " ، ولكننا نعتمدها كأداة مفيدة لما تمتلكه من تشابه مع الواقع أو مع بعض مفردات الواقع .
وكلك الحال مع تصوراتنا الداخلية فإنها لا تعكس بدقة الحدث الواقع أمامنا أو الحاصل فينا ، وإنما هي ترجمة للحدث رشحت عبر كم من التصورات الشخصية ، المواقف ، السلوكيات ، القيم الشخصية ، ولهذا فإن العظيم آينشتين قد قال يوما ً:
" كل من يحاول أن يجعل من نفسه قاضٍ على الحقيقة والمعرفة ، فإن ضحكة الرب ستقتله " .
حسناً …وحيث أننا لا نعرف كيف تحدث الأحداث حقاً وبمنتهى الدقة ، بل من خلال تصوراتنا ، فلِم إذن لا نتصور الأشياء والأحداث تصوراً يمكن أن ينفعنا ويغنينا ويسعدنا عوضاً عن هذا التصور السلبي الذي يعوقنا ويقيد حركتنا ويجعل حياتنا جحيما ؟
مفتاح النجاح في هذا المسعى هو السيطرة على الذاكرة وإدارتها بشكلٍ جديدٍ سليم ، وذلك عبر خلق تصورات تتطور إلى حالات نفسية إيجابية داعمة لنا ولأهدافنا وسعادتنا ومستقبلنا .إن كل تجربة حياتية تحتوي على ما لا يعد من العناصر التي يمكن للمرء أن يركز على بعضها ، وحتى أولئك الناس الناجحون للغاية في الحياة ، يمكن أن يشغلوا التفكير بعناصر الفشل وبالتالي تهبط معنوياتهم ويسقطوا في فخ التردد والقلق والخوف ، بذات الآن فهناك ما لا يعد من العناصر الإيجابية التي يمكن أن يركز المرء ذهنه عليها فيشعر بالتالي بالقوة والثقة ، إنها مسئوليتنا وخيارنا في أن نختار الجوانب الإيجابية أو السلبية في الحدث فنبني بالتالي تصورات إيجابية أو سلبية وينعكس هذا على سلوكنا وعلى نجاحنا أو فشلنا في ما نروم الوصول إليه .
كثير من الناس يصابون بحوادث أو يتعرضون لكوارث رهيبة ومع ذلك تراهم ينهضون وينجحون ، لماذا …؟ لأنهم ببساطة يبنون من الحادث أو الكارثة السلبية ، تصوراً إيجابياً مغايراً لاتجاه الحقيقة أو الحادثة ، لأن ما يصيبنا لا يحمل معنى خير أو شر ، بل هو شيء يحدث ونحن وحدنا من نستطيع أن نطلق عليه صفة الخير أو الشرّ ، لأنه ليس هناك إلا تصوراتنا ومعاييرنا التي تسمي الأشياء خيراً أو شراً .
وهذا ما نفعله حين نمشي على الجمر ، فلو إنني طلبت منك أن تلقي بهذا الكتاب جانباً وأن تمشي على بساطٍ من الجمر ، فإني أشك بأنك ستفعل .
لماذا …؟
لأنني أطلب منك شيئاً أنت تؤمن سلفاً بأنك لا تستطيعه ، وبالتالي فإن إيمانك هذا لا يعطيك الحوافز الصحيحة التي تنتج تصورات ومشاعر غنية بالشجاعة والثقة والقوة .
إن السير على الجمر يعلم الناس كيف يغيرون أحوالهم النفسية وبالتالي سلوكهم بحيث ينالون القوة للتصرف ونيل نتائج جديدة جميلة ، بعكس مشاعر الخوف وبقية العوامل المحبطة المعوقة .
إن من يسيرون على الجمر لا يختلفون عنهم ذواتهم قبل أن يدخلوا إلى القاعة وحيث كانوا يتصورون أن المشي على الجمر غير ممكن ، ولكنهم تعلموا كيف يغيرون وضعهم الفسيولوجي ، وكيف يغيرون تصوراتهم الداخلية عن ما يستطيعون وما لا يستطيعون ، ولهذا تحول المشي على الجمر من شيء مرعب إلى شيء يعرفون انهم يستطيعونه وإنه ليس مرعباًُ إلى هذا الحد الذي كانوا يتوهمونه .
وتأسيساً على هذه التجربة التي نجحوا فيها وما كانوا يظنونها إلا أشبه بالمستحيل ، على ضوء هذه التجربة يكونون قد استنبتوا في الذهن والذاكرة تصوراً جديداً قادر على أن يستدعي كل عناصر القوة والثقة والإيمان بالقدرة واستخدامها في أي موقف يواجههم أو يرومون اجتيازه وصولاً إلى المزيد والمزيد من السعادة والنجاح .
وكما نعلم فالحديث عن القوة الداخلية والمنابع الثرية للشجاعة والإقدام و…و…و…الموجودة في الداخل ، لا يكفي ولا يمكن أن يكون مقنعاً تماماً إن لم يقترن بفعلٍ يمارس من قبل الشخص الذي تود إقناعه بقوته الداخلية ، ولهذا فإن ممارسة المشي على الجمر ، ممارسة عملية تُختزن آلياً في الذاكرة وبمنتهى الوضوح والقوة وتعطي نموذجاً للتصور الجديد والسلوك الجديد وتعطي مشاعر جديدة ومتميزة ، وبالتالي يمكن إنتاج واستخدام وتجنيد منابع القوة الداخلية بمجرد استذكار أو إعادة إنتاج هذا الإحساس الذي تملكنا ونحن نمشي على الجمر .
إن مفتاح بوابة النجاح في نيل الرغبات والأمنيات يعتمد على إنتاج تصورات جديد يمكن أن ينقلك إلى مخابئ القوة الداخلية لديك ، والتي تمنحك بعض من فيوضها التي تنعكس على مظهرك وسلوكك بحيث يأتي غاية الإتقان ويوصلك بالتالي إلى النجاح ، فإن لم تفعل ذلك ، إن لم تنجح في بناء تصور إيجابي فإنك لن تنجح في أي محاولة تحاولها باتجاه تحقيق هذا الهدف أو ذاك ، أو إنك أدائك سيكون دون المستوى من الكفاءة مما قد لا يوصلك إلى النجاح التام المبهر .
لو إنني قلت لك " حسناً لنقم بالسير على هذا البساط من الجمر " ، فإن تأثيري عليك من خلال الكلمات وحركة أطرافي وتعابير وجهي تصل إلى مخك ، وهناك ستكوّن أنت في ذهنك تصورات معينة ، فلو كانت الصورة التي خلقتها في ذهنك هي لأناس تتدلى الأقراط من أنوفهم وهم يقومون بطقوس مرعبةٍ ، فإنك قطعاً لن تكون بحالة نفسية حسنة ، ويكون الأمر أسوأ لو إنك خلقت صورة لذاتك وأنت تحرق في فرن أو قدر ضخم ، فسيكون وضعك النفسي أكثر سوأ ، لكن بعكس ذلك ، لو إنك تصورت أناساً يحتفلون معاً ، وترى السعادة والمرح والانطلاق والنشوة في العيون والقلوب والأكف ، ورأيت السيقان ترقص بلطف والأكف تصفق والعيون تتألق ، فإن تجربتك على الجمر أو أي جمرٍ من جحيم الحياة ستغدو تجربة مختلفة تماماً .
لو أنك ترى نفسك في عينك الداخلية وأنت تمشي على مهل بمنتهى السعادة والنشوة والثقة والجمال على بساط الجمر ، وإنك لا تصاب بشيء ولا تتضرر ولا تحس بأي أذى ، وقلت لنفسك " بلا أنا أستطيع هذا ، أنا أملك الشجاعة والقوة والثقة على فعل هذا " فإن تلك الإشارات العصبية التي ينتجها مخك تأسيساً على تلك التصورات ستنقلك إلى حالة نفسية تمكنك من أداء الفعل بمنتهى الثقة وبالتالي النجاح فيه .
وهذا يحصل في كل شيء في الحياة .
إن تصورت أن الأمور لا يمكن أن تتحقق كما تتمنى فإنك بهذا تجند طاقات وقوى داخلية ( وخارجية بالتالي ) تدعم توجهك في نيل نتائج سلبية ، وهذا هو الفرق بين الناس الذين نجحوا رغم قسوة الظروف وبين أولئك الذين فشلوا رغم أن ظروفهم كانت جيدة ، أولئك خلقوا تصورات إيجابية وهؤلاء أنتجوا تصورات سلبية .
هنا يردنا سؤالٌ مهم :
إذا كان التصور الداخلي والهيئة الفسيولوجية في لحظةٍ ما ، يتعاونان في خلق حالة نفسية تؤدي إلى سلوكٍ أو نشاطٍ ما ، فما هذا الذي يقرر هذا السلوك أو الفعل المعين أو ذاك ، والذي ينبثق من حالتنا النفسية ؟
إنسان ما وهو في حالة حب مثلاً ، يحتضن حبيبه بلطف حين يلتقيان ، في حين تجد آخر يقول لحبيبه أحبك ، ولا يرفق القول بفعلٍ ما .حسناً الجواب هو :
عندما نكون في حالة ما ، فإن تلك الحالة توصل المخ بعدد من الخيارات في السلوك ، وعدد تلك الخيارات يعتمد على التصورات التي نملكها عن العالم ، فالبعض مثلاً وحين يغدون في حالة حب أو غضب ، يكون لديهم تصورٌ واحدٌ وحيد لرد الفعل المناسب ، وقد يكون رد الفعل هذا مأخوذ من تجربة قديمة سابقة ومختزنة في العقل الباطن أو ربما من أيام الطفولة أو مستوحاة من الأب أو الأم أو المعلم .
نحن جميعاً نملك عالم داخلي من التصورات ، مأخوذة من قراءاتنا ، تربيتنا ، أسرنا ، معلمينا ، أفلام رأيناها وأثرت فينا …الخ ، وقد تكون تلك الصور والتصورات القديمة قد شكلت خلفية تصورية سلبية بالكامل وقد تكون العكس ، وأحيانا شيءٌ من هذا وشيءٌ من ذاك ، وهكذا حين نواجه موقف ما فإننا نستقي تصوراتنا من خزين الذاكرة أو العقل الباطن .
وتأسيساً على هذا فإنني أرى أن من الممكن لنا أن نبني عام تصورات جديدٍ من خلال تقليد منظومة تصورات أولئك الذين نجحوا في ميادين مختلفة من الحياة ، لأن هؤلاء حسب هم من يجب أن نقتدي بهم إن أردنا أن ننجح حقاً وننال السعادة .
إننا بحاجة لأن نتعرف على تلك التصورات الخاصة المتميزة التي وضعتهم في حالة قدرة على رؤية العالم بشكلٍ من الأشكال دفعهم بالتالي لأن يتصرفوا ويسلكوا السلوك الصحيح المفضي إلى النجاح .
بلا نحن مجبرين لأن نكتشف بالضبط كيف تمكنوا من خلق تلك التصورات الداخلية ؟ كيف تتدفق تلك الصور أمام شاشة أذهانهم ؟ ماذا يقولون لأنفسهم ؟ ماذا يشعرون ؟ ، مرة واحد لو تمكنا من معرفة هذا وأنتجناه في داخلنا ، فإن بمقدورنا أن ننال ذات النتائج التي نالها هؤلاء ….!
وهذا هو ما نسميه الاستنساخ أو تقليد الكفاءات المتميزة .
إننا في واقع الحال وبوعينا أو بغير وعيٍ منا ، نخلق على الدوام نتائج ، فأنك إن لم تعي وتتخذ موقفاً من تلك النتائج المستحصلة ، وتميز بين تلك التي ترغبها حقاً وبين الطارئة التي لا تريدها ولم تكن في حسبانك ولا نفع بها لك ، ولم تكون لنفسك منظومة تصورات إيجابية تستند على تلك النتائج الإيجابية المباركة ، فإن عامل خارجي سيدخل على الخط ( كتاب أو محاضرة أو حديث مع صديق أو حدثٌ ما ) ليطلق حالة نفسية معينة غير منضبطة تفضي إلى سلوك ما قد لا يكون محموداً .
الحياة مثل النهر ، إنه يتحرك بلا انقطاع ، وأنت من أكرمت بهذا النهر الدافق فإن لم تتحكم بمنابعه ومصباته فإن هناك من سيدخل على الخط ليعكر هذا النهر أو يجعله أنقى وأرحب .
إنك إن لم تزرع البذور الذهنية والفسيولوجية السليمة في المكان السليم ، لتنال النتائج المرجوة ، فإن الحشائش ستنمو أوتوماتيكياً ، وإن لم تسيطر على عقلك وتصرفاتك فأنت تجيز للظروف في هذه الحالة أن تنتج مواقف وحالات نفسية قائمة على الصدفة وتفتقد للحكمة وبالتالي تفضي إلا نما لا ترغبه من نتائج .
لأجل هذا فإن من الضروري جداً أن نحرس بعناية اتجاهات العقل ونتابع مسيرته ونكون مدركين للكيفية التي يمكن لنا بها خلق التصورات التي نريد .
من النماذج المؤثرة القوية عن خطورة الأوضاع النفسية وتأثيرها الحاسم في المصير الفردي كله ، حكاية المرحوم " كارل واليندا " والذي كان يمارس ومنذ سنين عديدة رياضة الألعاب البهلوانية في الجو ، ضمن مجموعة من المغامرين ، وطوال حياته لم يكن لديه أي تصورٍ على الإطلاق بأن شيء ما غير سارٍ سيحدث له .
لا مطلقاً لم يرد في خاطره أنه سيسقط يوماً ما ، لكن قبل بضع سنين وفجأة بدأت تراوده هكذا فكرة ، وقد أبلغ زوجته بذلك وقال لها أنه يرى نفسه وهو يسقط ، وطبعاً يمكن أن نقول إن هذا كان إنذاراً حدسياً أو إنه هو من عمد إلى بناء هكذا تصور وبالتالي أعطى جهازه العصبي صورةٍ وكأنها هي المرغوبة ، فأنعكس ذلك في إنتاج سلوك ما قد يكون خاطئ دفع بالتالي إلى حدوث الكارثة .
لهذا فمن الضروري جداً أن نركز أذهاننا على ما نريد لا ما لا نريد .
لو إن المرء ركز ذهنه وباستمرار على السلبيات حسب ، على ما لا يتمناه ، أو على المتاعب فقط ، فإنه سيخلق لنفسه حالة سيكولوجية وشعورية تؤدي إلى تحقيق النتائج السلبية والسلبية لا غير .
إننا نخلق لأنفسنا للأسف كماً من الآلام والمرارة والحزن بإنتاجنا لتصورات سلبية من قبيل الشك بشريكك في البيت أو العمل أو العمل أو بأبنائك أو أصدقائك ، وعلى أساسٍ غير واقعي على الإطلاق ، فلو إننا تمهلنا أو وضعنا تصوراتنا الشخصية تحت الرقابة بل ولو إننا تصورناها بشكل مغاير أو أنتجنا تصورات إيجابية بديلة ، فإننا بهذا نحافظ على توازننا النفسي وتقدمنا المستمر للأمام واستمرارية ثقتنا وإيماننا بأنفسنا وبذات القدر نؤثر في ضمير الآخر وقلبه وعقله فنكسبه لصفنا بعد أن كدنا نفقده ، دون أن يعني هذا طبعاً أن شكوكنا أو تصوراتنا السلبية هي دائماً غير سليمة وغير صحيحة ، فقد تكون صحيحة ، ولكن ليس قبل أن نضعها تحت أنظار العقل والمنطق وبحيث تكون الخسارة على الأقل محدودة إذا ما ضبطنا اتجاهات السلب الحاصل في الخارج ، ولم نسمح له أن يفسد كل حياتنا بالشك والمرارة والأسى .

" كل فعلٍ آتٍ في الأصل من فكرةٍ ما "
_____________________
رالف والدو أيميرسون

حيث يكون لدينا السيطرة على قنوات تواصلنا وحوارنا مع ذواتنا والكيفية التي نخلق بها الإشارات الحسية ، السمعية والبصرية التي تتجه جهة هذا الذي نرغبه حسب ، فإننا كفء لنيل نتائج إيجابية مبهرة ، بما في ذلك في المجالات التي سبق أن أخفقنا فيها .
إن القادة والزعماء والمبدعون العظام والروحانيون الكبار هم أولئك الذين يرون الحياة بكل ظروفها المتباينة المختلفة ، يرونها في صالحهم وقابلة على أن تمنحهم الخير والنجاح ، وبالتالي فهم يبعثون بالإشارات العصبية السليمة المعافاة لأذهانهم والتي تنعكس بالتالي على أدائهم فإذ بالخارج والظروف تتغير لصالحهم ويصيبهم حيث يتوجهون قبولاً وترحاباً ونجاحاً .
وحتى لو تكررت التجربة وظل النجاح عسيراً ، فإنهم وبمثل هذا التصور الإيجابي الذي يملكون ، يظلون مستمرين بالمحاولة بمنتهى الشجاعة والصبر حتى ينجحون .
هل سبق لك أن سمعت ب" ميل فيشر " ، حسناً …إنه الرجل الذي ظل يبحث عن كنزٍ تحت الأرض لقرابة السبعة عشر عاماً ، وفي النهاية أكتشف الكنز الذي كانت قيمته تفوق الأربعمائة مليون دولار .
حين سؤل من قبل الصحفيين عن السر في هذا الإصرار ، أجاب إنه ظل يحمل صورة الكنز في مخيلته وإحساس دافق بأنه سيجده اليوم ، كان يقولها في كل يوم وحين يشارف النهار على الانتهاء يقول لنفسه ، غداً سأجد الكنز وهكذا طوال سبة عشر عاماً .
لم يكن كافياً أنم يقول هذا حسب ، بل إنه كان يقولها بقناعة ، كان يمتلك هذا الإيمان الرهيب الغريب بأنه سيصل إلى الكنز ، كان يقولها بصوتٍ ينبض بالثقة والأمل ، كان يقولها بمشاعر دافقة ودافئة ، بتصورات ذهنية ملونة وجميلة لا تكف عن التردد على ذهنه طوال الوقت ، وبذات الآن كان يعمل …كان يحفر بهمة …!
من النماذج المبهرة جداً في القدرة على تغيير التصورات من السلب إلى الإيجاب رجلٌ أسمه " ديك تومي " ، كان مدرب فريق جامعة هاواي لكرة القدم ، وذات مرة كان فريقه عقب نهاية الشوط الأول متخلفاً عن فريق جامعة " وايمونك " باثنين وعشرون هدفاً مقابل لا شيء ، تخيل اثنان وعشرون مقابل لا شيء .
كيف تتصور وضع اللاعبين عندما جلسوا في استراحة ما بين الشوطين …؟
كان وضعاً لا يحسدون عليه أبداً …رؤوسٌ محنية وأكتافٌ متهدلة ووجوه كسيرة ْ …!
حين جاءهم المدرب ، كان يسحب وراءه لوحةٍ ذات مساند ، وضعها على الأرض وهتف بهم تعالوا يا أصدقاء نقرأ قليلاً هذه القصاصات …!
كان على اللوحة عشرات القصاصات من الصحف المختلفة وعبر السنين ، لفرق كرة قدم خرجت من الشوط الأول بخسارة كبيرة ، ونجحت في الشوط الثاني في تغيير النتيجة وقلبها من الهزيمة إلى النصر …!
وقرأ اللاعبون المحبطون ذلك ، وتغيرت التصورات التي كانوا يحملونها عن أنفسهم وعن المباراة وعن الفريق المنتصر ، ولعبوا كما لم يلعبوا طوال حياتهم ، وتمكنوا من إيقاف الفريق الآخر عند النتيجة التي وصل لها في الشوط الأول ، وشرعوا في التسجيل وما إن صفّر الحكم إلا وكانت النتيجة ، سبعٍ وعشرون مقابل ذات الاثنان وعشرون التي حققها الآخر في الشوط الأول …!
تخيل …!
تذكر إن سلوك الإنسان هو نتيجة للوضع النفسي لنا في لحظة القيام بهذا السلوك وإننا إذا ما نلنا مرة نتيجة إيجابية في نشاطٍ ما فإن بمقدورك أن تحقق ذات النتيجة ثانيةٍ وعاشرة وإلى ما لا نهاية بمجرد أن تضع نفسك في ذات الحالة الفسيولوجية والذهنية التي كنت عليها في المرة التي انتصرت فيها .
لقد عملت مع " مايكل أو. براين " وهو سباح المسافات الطويلة والذي كان على وشك الذهاب للأولمبياد للمشاركة في دورة عام 1984 . كان الرجل قد تمرن جيداً ولكنه لم يكن واثقاً من أنه سيفوز ، لماذا …؟
لأنه كان قد خلق لنفسه كم من التصورات المعوقة ، وبالتالي فلم تكن تصوراته تجيز له أن يحلم بالذهبية ، بل بالكاد الفضية أو البرونزية .
لم ابذل من الجد معه أكثر من نصف ساعة قمت فيها باستنساخ واستعادة الوضع النفسي والحالة الشعورية والفسيولوجية العامة التي كان عليها في المرات التي نال فيها الذهبية ، ماذا كان يدور في ذهنه ، ماذا كان يتصور ، كيف كان وضعه الفسيولوجي ، الحركات التي فعلها ، ماذا كان يردد أو يقول في داخله لنفسه وهو ينتصر على سباحين كبار كانوا أكثر مهارة وقوة منه ، وهكذا .
ثم قمنا معاً بتوصيل جميع تلك الحالات المثالية النموذجية التي عاشها سابقاً ، توصيلها بإطلاقة المسدس التي ينفذها الحكم إيذاناً ببدء السباق .
وجاء موعد الأولمبياد وحانت لحظة سباق السباحة ، وفعل صاحبي ذات الأمر ، تصور ذات التصورات وشعر بذات المشاعر وسبح بمنتهى الكفاءة بقوة التصورات المستنسخة من مرات الفوز السابقة ، وكانت له الذهبية في ذلك السباق .
حسنا … هل سبق لك قارئي العزيز أن شاهدت فلم "The Killing Filds " ، حسناً أذكر أن مشهداً من الفلم لا يمكن لي أن أنساه ، كان فيه ولداً في سن الثانية أو الثالثة عشرة يعيش في تلك الفوضى الرهيبة التي غمرت كامبوديا في ذلك الحين ، حربٌ ودمار في كل مكان ، في لحظة خوفٍ رهيبٍ يمسك الولد بالبندقية ليطلق النار على آخر .
مشهدٌ مثير مفجع لولدٍ في الثانية عشرة يطلق النار ويقتل آخر …!
كيف يتسنى لفتى بمثل هذا العمر أن يقتل ؟
لقد حدث شيئين في آن واحد ، الأول أنه كان خائف بشكل رهيب لدرجة أنه تواصل مع جذر عنفٌ عميق غائر في شخصيته ، والثاني أنه يعيش في مجتمع كان العنف أبرز سمات ثقافته ، بحيث أن تناول بندقية وقتل آخر كان يبدو وكأنه رد الفعل المناسب .
إنه مشهد سلبي للغاية ، ومثله الآلاف من المشاهد في سينما اليوم ، مما يجعلنا نحذر ونود أن نحذر الآخرين من أن تكون السينما بعض مصادرهم لإنتاج التصورات وردود الأفعال غير الإيجابية .
نحن نملك في داخلنا ، خزينٌ لا ينضب من النبضات والأفعال والتفاصيل الصغيرة الإيجابية التي يمكن إعادة تجنيدها لتكرار أفعال إيجابية وتحقيق نتائج رائعة ، تماماً كما وإننا نملك خزيناً من السلب يكفي لأن يوردنا موارد التهلكة ، لكن علينا أن نسعى لاستعادة هذا النافع ، وتحاشي ذاك الكريه الضار …!
إن تغيير الأحوال النفسية هو ما يسعى له ولا شك الجميع وكما أسلفنا سابقاً ، كان هذا ذاته هاجس الناس الروحانيون والفلاسفة والمفكرون والمبدعون عبر أساليب مختلفة كالتأمل والصلاة والاعتكاف في الدير أو من خلال الخمر والمخدرات ، لكن هنا في أساليبنا الحديثة هذه لا نحتاج لهذا ولا لذاك .
هناك عاملٌ آخر نود أن نشير إليه وهو حاسمٌ للغاية في كيفية تمكننا من تحويل خبراتنا السلبية إلى تجارب إيجابية ، عاملٌ يقوم بترشيح نمط تصوراتنا عن أنفسنا وعن العالم ، هذا العامل سميٌ على الدوام العامل الأقوى من كل قوة إنه … إنه الأيمان …!
هذا العامل سنتحدث عنه في الفصل القادم ، في هذا الموقع المبارك …!



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزائرة - قصة قصيرة
- بمقدورك معالجة وإصلاح حياتك بنفسك - الفصل السادس والأخير
- الضيف الغريب - قصة مترجمة - تأليف ليو تولستوي
- منهاج السيلفا للسيطرة على المخ - الفصل الرابع ويليه الخامس
- رحيل - قصة قصيرة
- بمقدورك معالجة وإصلاح حياتك بنفسك الفصل الرابع ويليه الفصل ا ...
- بمقدورك معالجة وإصلاح حياتك بنفسك - الفصل الثاني & الفصل الث ...
- بمقدورك معالجة وإصلاح حياتك بنفسك
- هذا العابث القميء من يردعه ؟
- منهاج ال ( سيلفا ) للسيطرة على المخ - الجزئين الثالث والرابع
- قوانين النجاح الروحية السبع - قانون التباعد المحسوب عن الهدف
- متى تتحرر المرأة عندنا ...كشقيقتها الأوربية ...؟
- قوة بلا حدود -أستنساخ القدرات المتطورة لدى المتفوقين
- قوة بلا حدود -الفصل الأول
- من ليس لديه أزدواجية ولاء فليرمي الشيعة بألف حجر
- شهداء الكلدان ...شهداء العراق الأبرار ...!
- هذا الإعصار الذي كنّا بحاجة إليه
- القصة المحزنة لرجلٍ أطال إنتظار زوجته ...!
- قوة اللحظة الحاضرة -قراءة في كتاب في التنوير الذاتي
- لغة التعامل مع الطفل


المزيد.....




- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا لـ-حزب الله- في جنوب لبنان (فيد ...
- مسؤول قطري كبير يكشف كواليس مفاوضات حرب غزة والجهة التي تعطل ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع ومظاهرات في إسرائيل ضد حكومة ن ...
- كبح العطس: هل هو خطير حقا أم أنه مجرد قصة رعب من نسج الخيال؟ ...
- الرئيس يعد والحكومة تتهرب.. البرتغال ترفض دفع تعويضات العبود ...
- الجيش البريطاني يخطط للتسلح بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - قوة بلا حدود