جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3106 - 2010 / 8 / 26 - 23:30
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
الأسرع منك قد يدهشك بسرعته ويجعلك مصدوما من سرعته طوال الوقت ولكن الأكبرُ منك حجماً يخيفك ويُميتك من الخوف, وعلى ما أذكرُ أنني قرأت قبل أكثر من 15 خمسة عشر عاما(خمس طعشر سنه) كتابا لعالم ومحلل نفسي يقول بما معناه : تخيل وأنت خارج من باب بيتك وإذ بشخص يقف أمامك طوله ثلاثة أضعاف طولك .
فعلاً لو تخيلنا هذا التخيل أو لو أنه قد حدث معنا على أرض الواقع حقيقة وليس تخيلاً, أنا مثلاً شخصياً أخاف أحيانا من حجم خيالي وظلي وأنا أمشي في الشارع وأقول: معقول أنني عملاق بهذا الشكل ؟!.وأحياناً أقول : لو يطلعلي شخص بهذا الحجم وين بدي أروح منه أو شو اللي راح يعمله في عقلي ! أكيد راح أعتقد إنه جن أو عفريت جاء ليأخذني في رحلةٍ إلى العالم الأسفل كما كانت تذهب عشتار الآلهة, وكمان راح عقلي يصير صغير جدا من الخوف والرُعب اللي أنا فيه, تخيل عزيزي القارئ لو أنك خرجت من باب بيتك فعلاً ووجدت شخصا يقف أمامك حجمه ضعف حجمك أو أربعة أضعاف حجمك وطولك ووزنه أكثر من خمسة أضعاف وزنك وأحيانا 10عشرة أضعاف وزنك , تخيل أيضاً بأن صوته أقوى من صوتك ب 100ضعف أوب 1000 ضعف ووقف بوجهك هذا الشخص مثل المارد في قصص السندباد وعلي بابا وحسن الشاطر , تخيل يا عزيزي لو أن هذا الشخص بهذه المواصفات وقف أمامك فجأة أمام باب البيت وبيده عصاه أو سكين أو حجر أو زنار أو بربيش ماء وصاح في وجهك وصرخ صرخة كلها غضب وأراد أن يضربك على رأسك أو على وجهك , تخيل معي مرة أخرى ما الذي سيحل بك من الرعب ومن الخوف , وما الذي سيحدث معك من مضاعفات الخوف والهستيريا ؟.
من المؤكد لو حصل معي أنا شخصياً هذا الكلام أو هذه الصورة من المؤكد أنني سأموت رعبا وخوفا أو سأركضُ في الاتجاه المعاكس إلى باب الدار أي أنني سأرجع من الشارع إلى بيتي وسأرتمي فورا في أحضان أمي أو أبي , أو سأغلق الباب على نفسي ولن أخرج من غرفتي ريثما يذهب المارد أو (الحبطرش) وسأطلب سيارة الإطفاء أو الإسعاف وسأذهب إلى الطوارئ أو سأدخل بعد ذلك إلى غرفة العناية المركزة , أو لن أتمكن من طلب المساعدة ورحت في غيبوبة مثل غيبوبة نقص السُكر.
كل هذا بسبب رؤيتي للمارد.
وهذا ليس وهما فهو يحدث في منزلنا كل يوم , وهو يحدث في باب الحارة أو على أبواب الدكاكين أو في الغرف المدرسية مع الأطفال, فغالبية الآباء يمسكون بيدهم بريشاً أو عصاة ويقفون على باب الدار يتهددون ويتوعدون الأطفال بالضرب وغالبا ما تصبح التهديدات الوهمية حقيقية فيتعرض الأطفال للرعب النفسي والعنف النفسي قبل العنف الجسدي , ويحدث هذا أيضاً في المدرسة بين المعلم اللي مش شاطر وبين التلميذ .
وأنا أحياناً أقول لأولادي : أنا جدتكوا بدها الآن تضربني , فيضحكون ويقولون : كيف بدها تضربك وأنت كبير ابتيجي قد الدار , وأحياناً يصفون حجمي أو يقارنوه بطول الخزانه أو الباب أو شجرة الزيتون , فهم يستغربون من كلامي ولا يصدقون بأن أمي وهي (جدتهم) ستضربني , ويضحكون مني ويقولون (بابا بكذّب علينا) .
طبعاً أطفالي لا يصدقون بأن أمي تضربني إذا أخطأت ذلك أنهم يقيسون حجمي بأنه حجم كبير ومن النوع المخيف أو القادر على أن يدافع عن نفسه , وحين أسألهم أحياناً : كيف الولد ضربك يا علي؟ فيرد ويقول : شو ما هو أطول مني وهو بالصف الثالث وطالع على الرابع , وأنا بالثاني وطالع على الثالث, أي أن مقياسهم للأمور مقياس كَمّي وليس كَيّفي.
فنحن بالنسبة للأطفال عبارة عن حيتان ودينصورات وعبارة عن مخلوقات عجيبة وضخمة وكبيرة جدا كالتي نشاهدها في أفلام الكرتون والقصص القديمة والمغامرات , فالطفل حين يخرج من باب المنزل ويجدني أو يجدك أنت أو أنتِ أمامه بشكل فجائي فإنه حتما سيكون في مواجهة مارد ضخم وكبير جدا ومن المفترض أن نعرف بأن هؤلاء الأطفال ينظرون لنا نظرة خوف واستهجان واستغراب من أجسامنا , لذلك يهرب الطفل الصغير كلما رأى أحدا منا يقف في وجهه, وبعض أو غالبية الناس لا يراعون مشاعر الطفولة من هذه الناحية فيصرخون في وجه الأطفال إذ يفتحون أفواههم كما يفتحون مغارة أو مستودعا كبيرا ومن ثم يصرخون في وجوههم والأطفال من هول المشهد يموتون خوفا ورعباً وفَزَعاً , ولا يدرك الكبار بأن الصغار ينظرون لنا على أساس أننا من العمالقة أو من العماليق أو الدينصورات التي انقرضت أو ك (ملوك الهكسوس) فقد كانت الشعوب الآرامية تتجنب التصادم مع الهكسوس بسبب أحجامهم الكبيرة جدا والضخمة.
وتخيلوا معي زواج القاصرات , فالبنات القاصرات في ليلة الدخلة يغمى على بعضهن من مشهد أو من منظر حجم قضيب الزوج , وهذه جريمة لا ينتبه إليها أحد , وتخيل معي فعلاً لو أن أحداً أراد أن يدخل في معدتك آلة حادة لم ترها من قبل أو أنك تسمع بها ولم ترهَ من قبل وفوجئت فجأة بحجمها الكبير الذي يفوق حجم توقعاتك , أكيد رايح تصاب بحالة من الرعب.
يجب أن نتخيل أو أن نضع أنفسنا في محل الأطفال وهم ينظرون إلينا , فالأطفال عند معظم علماء النفس لا يتعاملون مع الأشياء وفق معيار(الكيف) بل وفق معايير الكم (الحجم ) فهم مثلاً يسألون عن فلان بأنه أكبر من فلان أو طوله أطول من فلان , ومرة أذكر بأن أحد الأطفال في حارتنا كان ينظر إلى أبن الجيران على أنه هو والد أبيه , فقد كان طول أبن الجيران ما يقرب من 190سنتمتر , وطول أبيه 150أي أن الأب أصغر من الابن في كل شيء وحجم الابن في كل شيء ثلاثة أضعاف حجم أبيه وبالطول يزيد عن أبيه بنصف متر , وتفاجأ الطفل حين قال له ذلك الرجل بأن الذي حجمه قصير هو الأب وبأن الذي حجمه كبير هو الابن , فلم يصدق الطفل لاعتقاده أن الأطول هو الأكبرُ سناً , ذلك أن الطفل ينظر إلى نفسه على أساس أن حجمه صغير وبنفس الوقت ينظرُ إلى أبيه على أساس أن حجمه كبير وبالتالي لديه اعتقاد بأن الأطول هو الأكبرُ سناً.
لذلك الأطفال ينظرون للأشياء نظرة سطحية وهم في نفس القوت يهابون ويخافون من الأشياء الكبيرة التي تفوق حجمهم جميعاً.
وتخيلوا معي جميعكم: كيف ينظرُ لنا الأطفال ؟ أليس على أساس أننا عمالقة وجبارين في الأرض؟.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟