أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في الخروج من بنية مغلقة لا مخرج منها















المزيد.....

في الخروج من بنية مغلقة لا مخرج منها


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3100 - 2010 / 8 / 20 - 15:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قلما نخطئ بتشخيص حالة شلل تتحكم بمجتمعاتنا وثقافتنا منذ عقود، ولا في ردنا حالة الشلل هذه إلى جملة تفاعلات مزمنة ووخيمة بين كل من "الدولة" و"الدين" و"الغرب"، بما في هذا بخاصة طليعته المقاتلة، إسرائيل. ومصدر الشلل بالذات هو تعارض الحاجة الحيوية إلى ثالوث القوى هذا مع التشكل الاستبدادي لكل من أطرافه. الدولة مستبدة والدين كذلك، والغرب أيضا. وما تثيره التفاعلات الخبيثة لهذه القوى من شعور عميق بالحيرة والتشوش والعجز يبدو مناسبا لعدم فعل أي شيء، أو لفعل أشياء متناقضة في الوقت نفسه، أو للتوفيقية العقيم. المحصلة أن لا شيء يحسم في عالمنا، فلا اختراق أساسيا، ولا حتى سيرا وئيدا في اتجاه تقدم مطرد. لا الموت يشتغل جيدا، ولا شيء يحيا معافى.
ولا نخطئ أيضا في القول إن تفاعل هذه القوى الثلاث يشكل اليوم "ثقافة" تثبّت الأوضاع القائمة، وإن عبر المثابرة على تأكيد أن هذا أو ذاك منها هو "الحل"، وأنه لولا أحد الطرفين الآخرين أو كليهما لكانت كل الأمور "تمام". ولعله في الأصل، تصدر هذه المواقف الواحدية عن البنية الاجتماعية والثقافية المتشكلة من تفاعل القوى الثلاث ومن استقطاباتها وتجاذباتها، وقد تشكلت لدينا في "أحزاب" ثقافية ومحاور اجتماعية، فلا تكاد تفعل شيئا غير أن تعكس هذه البنية ذاتها وتعيد إنتاجها في الثقافة والفكر.
ولعلنا لا نخطئ كذلك في القول إن هذه البنية مضادة للتجدد وللإبداع، وأنها لا تتيح لأكثرنا غير الدوران حول الذات، ولمجتمعاتنا غير المراوحة في المكان، وأنها مناسبة للاستبداد الدولتي لكون التغيير السياسي المرغوب لا ينفتح على أفق واضح، ولأن نخب الحكم الاستبدادية أضحت متمرسة بإدارة التوازنات الاجتماعية الثقافية، المحلية والدولية، الخاصة بهذه البنية؛ وهي مناسبة للتشدد الديني لكون البنية نفسها تنتج كثيرا من التشوش والضياع مما يرفع الطلب على الاعتصام بالدين ويقينياته، وكثيرا من الاستلاب والتحلل والمهانة الجمعية، مما يتوفر الإسلاميون المتشددون أكثر من غيرهم على لغة احتجاج عليه وعلى سند تذكر تاريخي يتقابل معه؛ وعقم توازنات البنية ذاتها مناسبة أيضا لترسخ شكل الهيمنة الغربية الداعم بعناد لإسرائيل، والمعزز من ثم للتكوين الثقافي والنفسي الممانع الذي يخدم في المبدأ والأساس النظم الاستبدادية (بما فيها "المعتدلة") والمجموعات الإسلامية. والبنية ذاتها أسهمت في إفساد الثقافة والمثقفين إلى حد كبير. ليس فقط عبر ما تفرزه من "فكر" يعكسها ويحجبها في آن، وليس فقط عبر ترسيخ هذه الفكر لها وإحكام انغلاقها وجعلها أفق كل تفكير ممكن، وإنما أيضا عبر تحويل الثقافة إلى نضال وتعبئة وبناء أحزاب ثقافية، بردها عمليا إلى إيديولوجيات. وكذلك عبر تزكية واحدة من هذه القوى أو اثنتين منهما ضد اثنتين أو الثالثة، ما يسهم في تثبيت البنية ككل.
والمحصلة أننا سنفتقر إلى تناول شامل لجذور أوضاعنا المعقدة، بينما تتكاثر تحليلات جزئية من كل نوع، لها جميعا بنية: كذا هو الحل، وإن أحيانا من وراء القول: كذا هو المشكلة. تتولد لدينا على هذا النحو ست إيديولوجيات: ديمقراطية/ دولانية أو عبادة الدولة، علمانية/ إسلامية، غربوية/ معاداة الغرب (يكاد يرتد إلى هذه كل مضمون الإيديولوجية القومية). وفي مناخ التشوش المعمم وفقدان الصواب سيضعف التمييز بين الدولة العامة و"الدولة الخاصة" أو حكم العصبة الاستبدادي، وبين الدين كمستوى اجتماعي وبينه كقوة خاصة أو حزب مستبد بدوره، وبين الغرب كـ"حضارة" وقوى سياسية عدوانية وبينه كغرب عام، أو اسم لقيم وقواعد مرغوبة عالميا.
يقتضي التمييز روح تفاؤل وانشراح صدر قلما يتوفران لنا أو نحرص عليهما. لكن الانفعال وحرج الصدر والتشاؤم والتشنج النفسي لا تفضي إلى غير خلط الأشياء ببعضها، ومن ثم تغذية الحيرة والتشوش وردود الأفعال التي تغذي الانغلاق والاختناق العام.
يبدو الوضع لا مخرج منه. وتبدو جملة ممارساتنا، السياسة والثقافية موجهة نحو تعزيز انغلاق وتصلبه. إن لجاجتنا وتنازعنا العنيف وهروعنا المندفع في كل اتجاه هربا من هذا التيه يجعل البنية شركا تاريخيا مسدودا بإحكام.
بالفعل لا مخرج بنيويا من هذه البنية. لا تفرز هي بحد ذاتها حلولا أو تسهل انفتاح أبواب تحرر سياسي أو ثقافي.
لكن عدم وجود مخرج بنيوي لا يعني أن لا مخارج ممكنة البتة.
هناك فيما نقدر مخرجان محتملان. أولهما، والكلام على مستوى الثقافة، هو محاولة الخروج من البنية ككل، والعمل على جعلها موضوعا للتفكير والبحث، والكف بخاصة عن توسل أحد أطرافها حلا. يقتضي الأمر جهدا مصمما للانفلات من حتميات البنية والخروج من حقل جاذبيتها الذي يدفع الجميع نحو مركزها ويزجهم في حروب لا أفق لها ضد بعضهم. هذا الانجذاب نحو المركز هو ما يتعين مقاومته بأقصى الطاقة. ومن شأن المثابرة على المقاومة أن تسهم في تحريرنا من منطق التعبئة و"التناقض الرئيسي" الذي تنخرط فيه الحزبيات الثقافية اليوم.
أما المخرج الثاني فأكثر إيجابية، ومن شأنه أن يسهل التحرر من البنية دون اضطرار أحد إلى التخلي عن تفضيلاته الفكرية أو انحيازاته الثقافية. أعني التكرس الذاتي للعمل والاجتهاد في توفير معان وأدوات فكرية تتباعد عن إيديولوجيات البنية المشار إليها، وتوسع أفقنا الثقافي. من شأن التكرس على دراسة المشكلة الدينية بخاصة، لكن أيضا مشكلة الدولة أو المشكلة الغربية، أن يتيح لنا بناء فسحات أو حيزات مستقلة متحررة من منطق الصراع الشامل ومن أجواء الضغينة والإحباط واللوم التي تلوث قلوب الجميع وتفتك بأرواح الجميع.
يبدو هذا حلا فرديا. إنه كذلك. قلنا إنه لا مخرج بنيويا من بنية على هذا القدر من التصلب.
ولا يقتضي التكرس انعزالا عن الحياة العامة بالضرورة، لكن لا مناص من الانفصال عن البنية السائدة ومن درجة أكبر من الانضباط الفكري والسلوكي. نحتاج إلى تورط أقل في الصراعات القائمة، إلى تماه أقل مع الأطراف المتصارعة، إلى تشكك أكبر في "الحلول"، لكن إلى انتباه أكبر إلى العمليات الجارية.
الانعزال وهم خادع. وقد يكون تبعية للبنية المغلقة من حيث أنه يعتبر خروجا منها. هذا شائع اليوم في أوساط المثقفين بذريعة الاشتغال الفكري وما يقتضيه من ابتعاد عن السياسة. نحتاج إلى السياسة كتمرس بتحدي البنية والخروج منها وعليها، كي نستقل عن السياسة بما هي الفاعلية الجاذبة أو الساجنة للبنية ذاتها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التدين الإسلامي والحاجة إلى أخلاقية عامة
- في شأن النقاب وحركة التنقّب الاجتماعي
- -المسألة النِّقابية- وعبء المرأة المسلمة
- في تاريخية الإسلام المعاصر وحداثته - إلى روح نصر حامد أبو زي ...
- هوامش مناورة.. الولاء كنظام وكعلاقة سياسي
- في الواقع لا في النص: أيّ يسار، أين، وأية سياسات يسارية؟
- أربع صيغ للنزعة المحافظة... ثلاث منها عالمة
- من نقد الثقافوية إلى نقد الثقافة.. والدين
- هل أوضاعنا جامدة بالفعل، لا تغيير فيها؟
- في معنى أزمة الثقافة ووجوهها وحصائلها
- محمد عابد الجابري ونهاية الموجة التراثية
- هل من الممتنع تصور إيران نووية متفاهمة مع الغرب؟
- في تقدم التجزؤ وشغور موقع العام في مجتمعاتنا المعاصرة
- صراع على الألم بين أبناء الجواري، تعقيب على منهل السراج
- ثلاث استقلالات.. مستقلة عن بعضها
- من أجل نقد جمهوري وديمقراطي للقومية
- ما الذي يكفل صحة كلامنا؟
- العراق بعد سبع سنوات... مضطرب، متقلقل، لكنه حي ومتجدد!
- لا شعب ولا شعبوية.. خطط نخبوية فقط
- أي حل لعقدتنا الغوردية؟


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في الخروج من بنية مغلقة لا مخرج منها