أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - ياسين الحاج صالح - في شأن النقاب وحركة التنقّب الاجتماعي















المزيد.....

في شأن النقاب وحركة التنقّب الاجتماعي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3095 - 2010 / 8 / 15 - 21:08
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    


خلافا لما هو مضمر في إيديولوجيا النقاب، ينتشر النقاب والتحرش بالنساء ونقص احترامهن معا، وبتناسب طردي بينهما. بالمقابل، كان اتسع نطاق سفور النساء طوال جيلين وأكثر مقترنا مع تحرش أقل ومع احترام أكبر لهن. هذا لأن السفور والتحجب (ومنه التنقب) عنوانان لحركتين اجتماعيتين تندرج ضمنهما أشياء أخرى.
تعود بدايات السفور كحركة اجتماعية إلى نهاية الحرب العالمية الأولى وبدايات تكون الدولة الوطنية الحديثة في منطقتنا. كان عنصرا من إيديولوجية أوسع تحث على العلم والعمل، وعلى بناء الأوطان، وتقول إن المرأة نصف المجتمع، ومن شأن غيابها أن يجعل هذا كأنه مصاب بفالج نصفي. كانت هذه الإيديولوجية تدعو إلى تعليم النساء وتثقيفهن، وتشجع مشاركتهن الرجال في الحياة العامة. والمشاركة تعني الخروج من البيت، وتعني الاختلاط، وتعني السفور. هذه وجوه مترابطة من سيرورة اجتماعية تاريخية، من وجوهها الأخرى اختلاط السكان متنوعي الأديان والمذاهب والإثنيات، وكذلك تمازج القيم الثقافية المحلية بقيم وافدة من الغرب، وميل عام إلى انفراد الدولة بالسيادة (الولاية العامة واحتكار العنف).
بعد الاستقلال تنامت هذه السيرورة وتوسعت قاعدتها الاجتماعية. وقد أتاحت الأحزاب السياسية، القومية والشيوعية، التقاء رجال ونساء، ومسلمين ومسيحيين، ومتحدرين من المذاهب الإسلامية المتنوعة. وتنامى إسهام ريفيين متنوعين في هذه الحركة النازعة نحو تمازج أوسع وتفاعل أكثف بين السكان. وكان لأكراد وأرمن حضور مهم في البيئة الشيوعية المحلية. وفي المجمل، كانت تلك الأحزاب والتيارات الإيديولوجية من الحلول التي أتيحت لمجتمعاتنا من أجل تعارف واندماج أكبر، لا يمكن أن يتحققا بالطبع على أرضية دينية أو مذهبية.
في المجمل أيضا كان الميل العام ميل سفور اجتماعي وثقافي، خروجا واسع النطاق من ربقة انكفاء معمر. لقد ظهرت المرأة الجديدة في سياق حركة تفتح عام ظهر بموجبها رجال جدد أيضا. لهذه الحركة أساس قيمي يقوم على التقدم والوطنية وتحصيل العلم وتحرر المرأة. هذا الأساس كان يؤسس لاحترام النساء الجديدات من قبل شركائهن، الجدد بدورهم. وبقدر ما كان سفور النساء وجها من سفور اجتماعي وثقافي وسياسي واسع، فقد جعل من الممارسات التحقيرية حيالهن علامات على ما هو "متخلف" و"رجعي"، آيل حتما إلى الزوال. كانت هناك نظرة متحفظة في أوساط اجتماعية حيال سفور النساء، لكن بدا أن السفور العام موجة المستقبل الصاعدة، وأن المواقف المتحفظة لن تأخر بالاضمحلال.
انعكس هذا "المد" الظهوري أو السفوري منذ أواخر سبعينات القرن العشرين في سورية. الشيء نفسه في مصر أو ربما أبكر قليلا. لقد سقط المشروع العام، مشروع التقدم والتشارك، وبفعل قصوراته الذاتية المتعددة أساسا. ولم يبق غير مشروع نرجسي خاص مفروض قسرا على الجميع، ومعني فقط بخلوده الذاتي. في الطور الجديد، بالكاد سيكون للتقدم العام قيمة نسبية، تابعة لدوام وسؤدد المشروع السلطوي الخاص. ليس فقط لن يعمل المشروع الخاص على تدعيم الاختلاط العام، وإنما سيجد في الانتظامات الخاصة المتدابرة ما يناسبه.
كانت هناك حركة بطيئة تسارعت في تقديري الشخصي عام 1980 نحو ارتداء الحجاب (النقاب كان نادرا جدا). في الوقت نفسه سحقت الأحزاب السياسية واحتلت الجامعات. سارت الأمور كلها باتجاه تحجب اجتماعي ودرجة أدنى من الاختلاط. ليس بين الجنسين فقط، بل وكذلك بين مختلفي الدين ومختلفي المذهب والإثنية والمحلة. وبينما كانت التفاعلات الخارجية بين الجماعات تسير في خط صاعد طوال جيل كامل بعد الاستقلال، أخذت تسير القهقرى في السبعينات، ويتحقق للتفاعلات الداخلية في كل منها رجحان حاسم. في ذلك ما يؤشر على أزمة ثقة عامة. وفي الثمانينات أيضا تصاعد الكلام على الغزو الثقافي والأصالة، وأخذت الخصومة السياسية للغرب تنقلب إلى عداء ثقافي.
لم تتلاش أوساط مختلطة، تجمع بين صيغ الاختلاط الجنسية والدينية والمذهبية، لكنها تراجعت كثيرا. وما بقي منها تحول إلى نمط حياة خاص بعد أن كان قضية عمل عام. وكذلك تراجع منسوب الاحترام بين الجماعات. تسنى لي أن ألاحظ ذلك بوضوح في جامعة حلب في أواخر تسعينات القرن المنقضي بالمقارنة مع ما كان عليه الحال في أواخر سبعيناته. "تلطيش البنات" صار أشيع، ومثله انحصار الصداقات في شركاء العقيدة والأصل، والتعبير عن احتقار منسوبين إلى جماعة دينية أو مذهبية أخرى كان أكثر ظهورا. والوعي الذاتي الفئوي أعلى بكثير، ومعه صنع الصور النمطية، ومعهما سرديات التفوق وسرديات المظلومية في آن معا. يوحد هذه الظواهر كلها ميل انكفائي عام، تحجبي.
وحده الخوف كان سافرا، يكسر عيون الجميع ويجاورهم حيثما حلوا. السلطات التي فرضت على عموم محكوميها عفة سياسية صارمة، كانت تعرض من جهتها إباحية سياسية لا حدود لها.
في هذه البيئة التي تعرض مختلف أشكال الانكفاء، الحجاب والنقاب والتعازل الاجتماعي، ينمو التحرش الجنسي والديني والمذهبي والإثني معا كتعبيرات عن عدم احترام منتشر. لا يتحتم أن يأخذ التحرش شكلا فاعلا دوما، لكن تعابير عدم الاحترام وعدم الشعور بالشراكة مع آخرين لم تكن تتحرج من الظهور.
القول إذن أن التحجب، وأكثر منه التنقب، يحد من تصرفات عدم الاحترام حيال النساء على ما تضمره إيديولوجية الحشمة غير صحيح. وهذا ظاهر اليوم عيانا، وليس أمرا يستدل عليه. تحجب أكثر يسير مع تحرش أكثر وليس أقل. وبالمثل، لا يقود تحجب الجماعات الدينية والمذهبية وتنقبها، وهو معادل اجتماعي لتحجب النساء وتنقبهن (وإن حصل أن استصلح التحجب العام سفور النساء عنصرا في بناء الهويات الخاصة)، أقول لا يقود تحجب الجماعات إلى درجة أعلى من الاحترام بينها. بالعكس. تعابير الاحتقار والكراهية لا تكاد تخفي نفسها. الواقع أن قضية السفور والحجاب تحولت اليوم من نصاب التحرر والتقدم العام إلى نصاب الهويات المتقابلة، بحيث لا يفهم سفور هنا إلا مقابل حجاب هناك، لكن في ظل علاقة تحجب وانكفاء عام. وبالمثل، تحولت مدركات التخلف والتقدم من نصاب التاريخ الاقتصادي والاجتماعي إلى نصاب الثقافة والدين والرمزيات.
والخلاصة أن السفور والاحتجاب حركات اجتماعية عامة، وليست ممارسات معزولة في أوساط خاصة. السفور بمعناه العام، كاختلاط أوسع وانفتاح على مختلفين وتعاون معهم، يعم مع وجود قضية أو مشروع مشترك، تقوم على أساسه ثقة اجتماعية متوسعة وهوية عامة جديدة. والحجاب بمعناه العام أيضا (كانعزال وتعازل) يعم في غياب القضية المشتركة والثقة الاجتماعية.
نحتاج إلى نظر يتجاوز المتداول في جذور إخفاق سفورنا السابق من أجل سفور تاريخي جديد.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -المسألة النِّقابية- وعبء المرأة المسلمة
- في تاريخية الإسلام المعاصر وحداثته - إلى روح نصر حامد أبو زي ...
- هوامش مناورة.. الولاء كنظام وكعلاقة سياسي
- في الواقع لا في النص: أيّ يسار، أين، وأية سياسات يسارية؟
- أربع صيغ للنزعة المحافظة... ثلاث منها عالمة
- من نقد الثقافوية إلى نقد الثقافة.. والدين
- هل أوضاعنا جامدة بالفعل، لا تغيير فيها؟
- في معنى أزمة الثقافة ووجوهها وحصائلها
- محمد عابد الجابري ونهاية الموجة التراثية
- هل من الممتنع تصور إيران نووية متفاهمة مع الغرب؟
- في تقدم التجزؤ وشغور موقع العام في مجتمعاتنا المعاصرة
- صراع على الألم بين أبناء الجواري، تعقيب على منهل السراج
- ثلاث استقلالات.. مستقلة عن بعضها
- من أجل نقد جمهوري وديمقراطي للقومية
- ما الذي يكفل صحة كلامنا؟
- العراق بعد سبع سنوات... مضطرب، متقلقل، لكنه حي ومتجدد!
- لا شعب ولا شعبوية.. خطط نخبوية فقط
- أي حل لعقدتنا الغوردية؟
- كل الطيبات للطيبين، وكل الأشياء الأخرى أيضا
- الطائفي هو من يؤمن بوجود الطوائف


المزيد.....




- إطلاق أول مسابقة لـ-ملكة جمال الذكاء الاصطناعي-
- الأمم المتحدة: أكثر من 10 آلاف امرأة قُتلت في غزة منذ بدء ال ...
- -الحب أعمانا-.. أغنية تقسم الموريتانيين بين حرية المرأة والع ...
- ليدا راشد.. ضحية العنف الطبي في لبنان
- دراسة: النساء استهلكن كميات أكبر من الكحول مقارنة بالرجال خل ...
- -المدرسة تلبي أوهام صبي يتظاهر بأنه فتاة-.. غضب بعد فوز عداء ...
- لبنان.. العثور على جثّة امرأة مقطّعة في المية ومية
- ما هي العوائق التي تواجه النساء في إجراء تصوير الثدي بالأشعة ...
- توصية بتشريع الإجهاض في ألمانيا.. بين الترحيب والمعارضة
- السعودية.. القبض على رجل وامرأة ظهرا بطريقة -تحمل إيحاءات جن ...


المزيد.....

- الجندر والجنسانية - جوديث بتلر / حسين القطان
- بول ريكور: الجنس والمقدّس / فتحي المسكيني
- المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم / رشيد جرموني
- الحب والزواج.. / ايما جولدمان
- جدلية الجنس - (الفصل الأوّل) / شولاميث فايرستون
- حول الاجهاض / منصور حكمت
- حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية / صفاء طميش
- ملوك الدعارة / إدريس ولد القابلة
- الجنس الحضاري / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - ياسين الحاج صالح - في شأن النقاب وحركة التنقّب الاجتماعي