أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في تقدم التجزؤ وشغور موقع العام في مجتمعاتنا المعاصرة















المزيد.....

في تقدم التجزؤ وشغور موقع العام في مجتمعاتنا المعاصرة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2986 - 2010 / 4 / 25 - 22:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شاعت منذ نحو ربع قرن عقيدة تقرر أن ثقافة مجتمعاتنا وهويتها هي الإسلام، أو يشغل الإسلام موقع المتن منها. ولطالما أسبغت على هذا الحكم صفة لا تاريخية، لا تكتفي بالتكتم على تركيب مجتمعاتنا المعاصرة ولا على تنوعها الموروث، بل وعلى تاريخية وتحولات كل من موقع الإسلام ذاته ودوره وتصوره.
هذه عقيدة الإسلاميين، تنبع من تعريفهم لأنفسهم. وكان يصدِّق عليه صعودهم العاصف، منذ ثمانينات القرن العشرين. لكن أزمة التيارات الاشتراكية واليسارية، وقد كانت هي المهيمنة في الثقافة العربية العالمة حتى حينها، وما ترتب على تلك الأزمة من تدهور معنوياتها وفقدانها الثقة بالنفس، سهل انتشار تلك العقيدة في أوساط أوسع. كان ما ألم بالعرب من مصائب كبيرة بين 1967 و1991 قد ولد شعورا بالذنب في أوساط واسعة من "الإنتلجنسيا" الملتزمة، الحديثة التكوين والتعليم، أوهنها أمام التقليد ودفعها إلى ممارسات تكفيرية، تمثلت بالاحتماء بـ"التراث" و"الهوية"، أو التصالح مع ما تمثله القيم الاجتماعية والثقافية التقليدية من أبوة مهجورة.
بيد أن هذا التيار لم يستغرق صيغ تفاعل الانتلجنسيا العربية (مثقفون- مناضلون، يعرِّفون أنفسهم بالتقدم) مع "أزمة التقدم العربي". له توأم ولد معه، نزع بالأحرى إلى مخاصمة الإسلاميين وإلى تحميلهم جانبا أساسيا من الإخفاقات العربية، أو كلها. ولقد أسهم الإلحاح الحصري لهذا التيار على "الخطر الأصولي" في تعزيز التمثل الذي يفضله الإسلاميون أنفسهم، أعني نسبة مجتمعاتنا إلى "الإسلام"، أو الإيحاء بشذوذها التاريخي والاجتماعي والثقافي عن غيرها من المجتمعات المعاصرة، الشذوذ الذي قد يكون مصدره أن فيها الكثير جدا من الإسلام. والحال ليس هذا غير صحيح فقط، وإنما هو الخرافة الأنسب لصراع مانوي مطلق بين معسكري النور والظلام أو الخير والشر. وبصفته هذه يتواطأ هذه التمثل الذي قد ينسب ذاته إلى الحداثة والعلمانية والعقلانية مع سياسات الهوية، أو هو لا ينصب أية حواجز في وجهها.
وراء توزع الانتلجنسيا السورية تحديدا على هذين التيارين محددات سوسيولوجية تحيل إلى الطبقة والمنبت الاجتماعي الثقافي والموقع الذي يتيح التثمير الأفضلي لمؤهلات المثقفين، لكنها لم تدرس جديا أبدا، رغم ما يبدو من سهولة تبيّنها.
ما يهمنا هنا هو أن انشقاق الانتلجنسيا ترك موقع النقد العام فارغا. هناك انتقادات جزئية متنوعة، نقد الدولة الاستبدادية، ونقد الإسلام السياسي أو الأصولية، ونقد صيغ السلطة الطبقية القائمة أو المستجدة، ونقد أشكال التحكم الدولي الموروثة أو المتجددة، لكن ليس هناك نقد عام مؤهل لإشغال موقع الهيمنة. ظاهر مثلا أن الحساسية المناهضة للإسلاميين لا تكاد تجد ما تقوله عن أي شيء آخر: لا الحكم الاستبدادي، ولا صيغ السلطة الطبقية المتجددة، ولا الأشكال المتجددة من السيطرة الغربية؛ وأن الحساسية المضادة للاستبداد السياسي أخذت في السنوات الأخيرة فقط تقول شيئا بحق الإسلاميين، وتتنبه أكثر إلى تحولات السلطة الطبقية ومفاعليها. وفي أوساط القوميين العرب لا يزال الاهتمام بمواجهة الاستعمار فتوى صالحة للسكوت عن كل شيء آخر. ولا تظهر الحساسية الشيوعية التقليدية إحاطة تتجاوز مستوى الشعار بتحولات السلطة الطبقية.
وأبعد من أن يكون الأمر قصورا ذاتيا من قبل المثقفين، نرجح أنه أوثق صلة بتجزؤ البنيات الاجتماعية في بلداننا بفعل فشل بناء الدولة الوطنية واستفحال الاستبداد وفاعلية الاقتصاد الريعي والتدويل الواسع للمنطقة. يمكن لمفهوم الطائفية أن يكون مفيدا لوصف هذا التجزؤ، لكن بشرطين: أن نفهم الطائفية كحالة خاصة من حالات تجزؤ معمم لا يكف عن التفاقم في بلدان مثل سورية ومصر وليبيا واليمن، وأن نمنح لاعتبارات الطبقة في دراستها وزنا يعادل وزن اعتبارات الهوية.
الإسلامية المعاصرة نتاج لهذا التجزؤ وأحد فاعليه في آن معا. ليست قوة توحيد بالقطع.
لكن لنمعن النظر أكثر في دلالات شغور موقع النقد العام.
أولها أنه أيا تكن صوابية وشرعية الانتقادات التي نوجهها لجوانب من أوضاعنا المعاصرة، فإنها تبقى جزئية ونسبية جدا وبلا أثر تراكمي. وثانيها أن صراعات المثقفين والتيارات الإيديولوجية أقل أهمية مما نفضل أن نعتقد، وأنها بالأحرى تسهم في إنتاج أو تثبيت تمزقات فكرية وثقافية ووجدانية بدرجة تتناسب مع إصرارنا على الصواب الحصري لمقارباتنا في وجه مقاربات أخرى. وثالث الدلالات أن جملة الاستعدادات الفكرية والنفسية للانتلجنسيا لا تؤهلها لأن تسهم في تشكل عام جديد، لا على مستوى الدول القائمة ولا على مستوى أوسع. هي في الواقع أقرب إلى انعكاس سلبي لزوال العام، وأن فضل كل من أجزائها رهن تكون عام جديد باعتناق معتقداته الجزئية.
وأخيرا زوال الانتلجنسيا ذاتها كالتزام بالتقدم العام، أو بالنظر إلى جميع القضايا من وجهة نظر العام.
الأصل الدينامي لذلك كله قصور البنية الاجتماعية وتعذر تشكل العام فيها، أي أيضا انحدارها إلى ما دون مستوى البنية الوطنية. في هذا يتلخص الفارق الكبير بين بلداننا وبين تركيا، وحتى إيران. لديهم بنى قومية تعاني من مشكلات؛ لدينا مجتمعات يشتد تجزؤها، ونظم سلالية متجددة ناشطة في تعميم التجزؤ، ومثقفون تجزيئيون، منخرطون بعزم في الاستقطابات التمزيقية القائمة، ومثابرون على التفكير الحربي الضدي، الذي يتولد هو ذاته عن استبطان البنية المجزأة ذاتها.
إن كان ذلك قريبا من الصحة، على ما نرجح، يغدو الشيء الأهم على الصعيد الفكري هو أن.. نتوقف ونراجع. الإمعان في تطوير مقاربات ووجهات نظر جزئية، لا يقضي إلا إلى مزيد من التمزق العام.
بالمقابل يكتسب تطوير مقاربات مركبة أهمية تأسيسية.
ومن الموقع المفترض لمقاربات كهذه ربما يسعنا إدراج مقاومة تمثيل مجتمعاتنا المعاصرة بـ"الإسلام" في سياق مقاومة أوسع لأي تمثيل اختزالي أو جزئي لها، لا بد لها أن يكون استبداديا. ولعل من شأن تفكير أكثر تركيبا وتعقدا أن ينصب أيضا حواجز عالية تمنع التماهي المباشر بمقولاته وقائليه، فتمنع تطييفه. الملاحظة المطردة تظهر أن الفكر التبسيطي، الذي يصر بخاصة على إرجاع تعقد الواقع إلى عنصر واحد (الثقافة، الدين، السياسة..)، يسهّل التماهي به، فيسهّل توظيف الأفكار في خدمة منطق الهوية وسياساتها، فيسهّل في المحصلة تطييف الثقافة. من هذا الباب، المثقفون الأكثر جدية هم من يؤسسون مقاومة منطق الهوية الطائفي في بنية تفكيرهم، وليس في ما يقولون ويجاهرون به من آراء.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع على الألم بين أبناء الجواري، تعقيب على منهل السراج
- ثلاث استقلالات.. مستقلة عن بعضها
- من أجل نقد جمهوري وديمقراطي للقومية
- ما الذي يكفل صحة كلامنا؟
- العراق بعد سبع سنوات... مضطرب، متقلقل، لكنه حي ومتجدد!
- لا شعب ولا شعبوية.. خطط نخبوية فقط
- أي حل لعقدتنا الغوردية؟
- كل الطيبات للطيبين، وكل الأشياء الأخرى أيضا
- الطائفي هو من يؤمن بوجود الطوائف
- وراء ثلاثة جدران فولاذية أو أربعة
- هل سورية معرضة للزوال ما لم يكن حكمها استبداديا؟ نقاش مع حاز ...
- الظاهرة الإسلامية.. صحوة أم رِدَّة، أم ربما فرصة؟
- الإصلاح الإسلامي وإيديولوجية الإصلاح الديني
- العدل... ولو انهار العالم
- لماذا نتخلف؟ ولم لا يكف تخلفنا وحده عن التقدم؟
- في تفقد الواقع وأشياء أخرى
- فكأنك في -مثل غابة للحيوانات-..بعد 41 عاما موصولة!
- العلمانية كسردية صغرى..
- وعي الحاضر وتأهيل الذات (كلماتٌ لمجلة -الحوار- في ذكرى انطلا ...
- التطور بالتذكِّر: -جملكية- أم سلطانية محدثة؟


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في تقدم التجزؤ وشغور موقع العام في مجتمعاتنا المعاصرة