أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - لماذا نتخلف؟ ولم لا يكف تخلفنا وحده عن التقدم؟















المزيد.....

لماذا نتخلف؟ ولم لا يكف تخلفنا وحده عن التقدم؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2917 - 2010 / 2 / 14 - 15:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتطلع هذه المقالة التي لا تقول جديدا على مستوى المضمون إلى صوغ العلاقة بين "الاستبداد" و"التخلف" في العالم العربي في قضية محكمة.
تتمثل السمة الجوهرية للاستبداد المعاصر في البلدان العربية بنزوعه الثابت إلى حيازة السلطة كلها الزمن كله، أو البقاء إلى الأبد في الحكم. وبمنطقه الذاتي يفضى هذا الرهان إلى بعث المبدأ السلالي وتطور "الجمهوريات" القديمة إلى ملكيات جديدة، كما إلى اعتبار المجتمع المحكوم مصدر أخطار تتهدد الحكم، الأمر الذي يوجب مراقبة هذا المجتمع وتقييده ومنعه من الانتظام المستقل والمبادرات الطوعية. ينبغي ألا تنشأ سلطات أو حصانات مستقلة، تنافس مركز السلطة الوحيد، أو حتى تستغني عنه. ولا حتى كفاءات تستمد اعتبارها المستقل وسلطتها الاجتماعية مما تحققه من تفوق في مجالها التخصصي، أو بالخصوص تحاول توظيف هذه السلطة في الفضاء العام . وأية رؤوس قد تظهر بطريقة ما تقطف أولا بأول. تتكون على هذا النحو مجتمعات لا رؤوس لها غير رؤسائها.
لضمان كل السلطة كل الزمن يتعين الاستناد إلى قطاع موثوق من السكان، يتولى الرقابة والتقييد، والقمع الصريح إن لزم الأمر. وهو ما يلزم حتما بفعل التقاء تطلب الاستقلالية المميز للاجتماع الحديث في كل مكان مع إجحاف الملكيات الجديدة المفتقرة إلى شرعية ملكية في جباية السياسة والاستقلال من رعاياها. السند الحيوي الأمتن لمشروع السلطة المؤبدة هو هذا القطاع الذي لا يكفي أن يكون ممتازا، بل أن يدين بكل شيء للحكم المؤبد، فيتماهى به تماهيا كليا.
على هذا النحو تشكل السلطة الأبدية مشروعا لصنع الولاء أو التبعية، وحصر الكفاءة أو منعها من أن تكتسب وزنا عاما واستقلالا ذاتيا. أما محاولات المنافسة السياسية فتمزق بطرق متنوعة، إن لم يتيسر استتباعها ورشوتها. وعند الاقتضاء تسحق بفائض استباقي من العنف وظيفته إخضاع المستقبل.
تعني أولوية الولاء شيئين. أولهما تعميم علاقات المحسوبية والزبونية والتبعية الشخصية. وهنا أصل انبعاث الروابط الأهلية القائمة بطبيعة الحال على المحسوبية والولاء. وبهذه الصورة يلتقي الحكم المؤبد، السلالي بالقوة، مع العنصر المكمل له، انتعاش الروابط والعلاقات الأهلية. الشيء الثاني هو أن دوام النظام يقتضي اشتغال دينامية تقريب وصعود لأهل الولاء، وتبعيد وإزاحة غير الموالين. ولما كان من المرجح أن الأكفأ أكثر استقلالية وأدنى استعدادا لتقديم ولاء مطلق، ، ولما كان طلب الولاء المطلق لا يستدعي أصلا النظر في خصائص أخرى للموالين الذين تتناسب قوة تبعتيهم مع تدني كفاءتهم، بل هو يتوافق مع تحريرهم من أية قيود أخلاقية أو قانونية أو وطنية، كان من الطبيعي أن تفضي دينامية النظام إلى بقاء الأسوأ وحظوته بفرض ارتقاء أعلى. هذا الاستخلاص المنطقي تعززه ملاحظة التدني الغريب لمستوى الأجهزة الحكومية والتنفيذية في الملكيات الجديدة واتساع هجرة الأدمغة، وكذلك الملاحظة المتواترة الخاصة بأن أداء أشخاص اختيروا من خارج آلة النظام لكفاءتهم التخصصية متدن وسيء. لكن تفسير ذلك ميسور. من ناحية يغلب طبع الآلة الاستتباعية المتأصل تطبّع النظام الواعي، فلا تثق بغير المنحدرين من صلبها ولا تكف عن تطويقهم ومنع عدواهم الاستقلالية. ومن ناحية ثانية وأهم، هناك ما يشبه حكومة خفية، يد السلطة الحقيقية والأمر والنهي والمراقبة والمتابعة والإشراف والتوجيه، ولا تعدو الحكومات والوزراء والمدراء واجهات لها. وهذه الحكومة الخفية لا تعترف بمبدأ التخصص إلا في أضيق نطاق؛ وبما هي غريزة بقاء النظام والجهة المسؤولة عن التنسيق العام فإنها لا تقبل ولو استقلالية محدودة في التنفيذ والمتابعة يقتضيها التخصص وحسن سير العمل وضمان النتائج المرغوبة. وهي تراقب، وعند الاقتضاء تعاقب، حتى أجهزة الرقابة والتقييد الظاهرة التي ينبغي ألا تشعر بالأمن هي نفسها.
يمكن اختزال ما سبق على النحو التالي: الحكم المؤبد يقتضي ولاء مطلقا، ومنطق الولاء يشغل قانون تطور خاص، هو البقاء والارتقاء للأسوأ. وهذا طول عقود وعقود بالتعريف، لأننا نتكلم على حكم مؤبد. فهل يبقى "التخلف" سرا بعد ذلك؟ تمضي السنين والعقود وليس فقط لا يتحقق تقدم ذي قيمة على مستوى التعليم والاقتصاد والإدارة والقضاء، بل إن كل شيء يتدهور ويتداعي ويوحي بالقدم والانحلال. لأن هذا كله ليس بين أولويات الحكم المؤبد. وكذلك لأن من المفاعيل الخبيثة لقانون البقاء للأسوأ انهيار قيمة العمل. قيمته المادية كمصدر للدخل والاستقلال المادي، وقيمته المعنوية كمصدر لتأكيد الذات واغتنائها وتحققها والاعتراف بها. وبقدر ما يشغل العمل أسفل سلم القيم الاجتماعية سوف يشغل من يعيشون من عملهم حصرا أدنى الهرم الاجتماعي. من أين يأتي "التقدم" إذن؟
وعلى مستوى الاندماج الوطني والتماسك الاجتماعي الحصيلة أسوأ. لأن رهان التأبيد ينشط علاقات المحسوبية وروابط الدم، هذه التي تتوافق أيضا مع الدخول الريعية المتولدة عن امتلاك "أصول" أبرزها السلطة العمومية وما خلف الآباء. كيف لا يتقدم التخلف؟

إلى ذلك يحتاج الحكم المؤبد إلى جهاز إيديولوجي وظيفته تأكيد عصمة مركز السلطة المشخص وفرادته وتفوقه. لا ينبغي أن يصدق جميع الناس أن الأمر كذلك. المهم أن يتظاهروا أنهم يصدقون (سياسة التظاهر أو "كما لو أن" بحسب ليزا وِدِن) أو أن لا يتجرأ أحد منهم على التشكيك في ذلك. وظيفة صناعة الكاريزما هذه ملء الفضاء الاجتماعي بسردية واحدة، فارضة على أية سرديات أخرى أن تنزوي أو تستسلم لليأس، هذا "السلاح السري للطغيان" على قول لورنس ويتنر.
والرقابة المحكمة هي المفعول المشترك لكل من جهاز التقييد أو القمع العام والجهاز الإيديولوجي. يتولى الجهاز الأول منع تسمية الأشياء بأسمائها فيما يتولى الجهاز الثاني تسمية الأشياء بغير أسمائها. ومن المتوقع لمجتمع المحكومين الذي فصل بخطي نار كهذين عن تمثل واقعه وشروط حياته أن يفقد السيطرة تماما على هذه الشروط وأن تسيطر عليه هي وتجرفه في تياراتها. وإنما لذلك ترى الناس مقزمين روحيا، متخلين عن أية تطلعات رفيعة، جل طموحهم تدبر العيش وألا يكونوا مرئيين من قبل "العين" العامة. خوفهم يقصر الروابط بينهم ويعزلهم عن بعضهم، ليبدون جميعا غرباء في عين بعضهم. وغاية ما يمكن للغرباء المعزولين الخائفين المحتقرين أن يفعلوه هو أن يحتقروا بعضهم ويخافوا من بعضهم. وربما يوما أن يقتلوا بعضهم.
في المختصر، التخلف صناعة سياسية.
دون الصناعة هذه نحن بلدان متخلفة تصارع تخلفها لتتقدم كما يفعل كثيرون غيرنا. أما مع هذه الصناعة المتقدمة فالتخلف يتطور إلى تخليف قوي العزم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تفقد الواقع وأشياء أخرى
- فكأنك في -مثل غابة للحيوانات-..بعد 41 عاما موصولة!
- العلمانية كسردية صغرى..
- وعي الحاضر وتأهيل الذات (كلماتٌ لمجلة -الحوار- في ذكرى انطلا ...
- التطور بالتذكِّر: -جملكية- أم سلطانية محدثة؟
- أسئلة وردود حول قوانين الأحوال الشخصية
- في نقد النظرة التجزيئية ومنطق الاستبدال الإيديولوجي
- وضع -الدين العام-.. مناقشة في الشأن الديني السياسي العربي
- في الفتوى و-التفاتي- وصناعة التقليد
- الشعبوية إذا تنتحل.. قناع الكونية
- بصدد أزمة الفكرة الديموقراطية في التفكير السياسي العربي
- في نقد السياسوية: -إعلان دمشق- والطريق المسدود
- في شأن ما يطرحه علينا الاستفتاء السويسري من أسئلة أخلاقية وس ...
- -العلمانية الأمية-: في المحصلات المحتملة للفصل بين العلمانية ...
- الدولة السلطانية المحدثة وسيف الحروب الأهلية
- الثقافوية العربية المعاصرة، خصائص منهجية ومحددات أساسية
- من -الخيار الثالث- إلى -وضعية يسارية- جديدة
- الواقع سيئ، اماذا ينبغي أن نكون سيئين؟!
- طوباوياتنا المعاصرة... جامدة متناقضة وغير تحررية
- في اقتران التفكير التسليمي بالعلاقات الولائية، والعكس


المزيد.....




- كريم محمود عبدالعزيز كما لم ترونه من قبل في -مملكة الحرير-
- متظاهرو البندقية يزعمون انتصارهم في تغيير مكان حفل زفاف جيف ...
- ترامب يرد على طرح أن إيران نقلت اليورانيوم المخصب قبل ضربة أ ...
- ترامب يُشبه ضربات إيران باستخدام النووي في هيروشيما وناغازاك ...
- دبلوماسي ومفاوض إيراني سابق يحذّر عبر CNN: إذا سعت واشنطن إل ...
- ترامب يُشبّه ضربة إيران بـ -هيروشيما- ويؤكد: أخبار جيدة عن غ ...
- الرئيس الإيراني يعلن -نهاية حرب الـ 12 يوما المفروضة على بلا ...
- بقرار إداري.. هبوط أولمبيك ليون بطل فرنسا سبع مرات إلى دوري ...
- افتتاح فندق إسرائيلي فاخر في حي فلسطيني مسلوب غربي القدس
- 10 أشخاص كانوا خلف تطور الذكاء الاصطناعي بشكله اليوم


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - لماذا نتخلف؟ ولم لا يكف تخلفنا وحده عن التقدم؟