أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في نقد السياسوية: -إعلان دمشق- والطريق المسدود















المزيد.....

في نقد السياسوية: -إعلان دمشق- والطريق المسدود


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2873 - 2009 / 12 / 30 - 15:14
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لمجرد مثابرته على تعريف نفسه بمعارضة النظام الحاكم، يكسب "إعلان دمشق" معركة هويته السياسية، ويتموضع بصورة صحيحة مبدئيا في الحياة السياسية السورية. غير أن هذا متولد عن طبيعة النظام، وليس عن أي شيء يفعله الإعلان. فالنظام يشغل الموقع الذي يمكنه من التحكم بجوانب الحياة العامة جميعا، وتتنشر شبكاته التي يختلط فيها الاقتصادي بالأمني بالاجتماعي بالبيروقراطي بالإيديولوجي عميقا في الجسم الاجتماعي السوري. وبصفته هذه، هو في آن مصدر نزع السياسة أو المبادرة السياسية المستقلة من المجتمع المحكوم، ومصدر الشحن السياسي لكل أوجه الحياة العامة التي يتحكم بها. فلا يتاح لأحد من السوريين أن "يعمل في السياسة" بصورة نظامية وشرعية، وفي الوقت ذاته لا يسعنا بحال الكلام على اقتصاد غير سياسي أو على مستوى ثقافي مستقل عن النظام غير سياسي، أو على حياة دينية تتبع قواعدها الخاصة ولا تتشكل وفق المتاح السياسي... إلخ. كل شيء سياسي، مشغول بخيوط من السيطرة والتحكم والامتياز والقوة، لكن ليس لأحد أن يكون سياسيا بخياره الذاتي. الواقع سياسي، لكن ليس لـ"الواقعين"، عموم السوريين، أن يكونوا سياسيين باختيارهم. وهذا الواقع يمنح قيمة تقدمية وتحررية لمحاولة اقتباس السياسة أو صنعها ونشرها في المجتمع، أو أيضا كسر حجب التحريم السياسي التي يحيط النظام نفسه بها. وهذا ما تحققه المعارضة عبر التنظيم المستقل الذي يطرح مبادرات عامة، ولا يكف عن طرح مسألة السلطة ذاتها كقضية راهنة مبدئيا. وهذا أيضا هو التوجه الذي لم تنحرف أنظار "إعلان دمشق" عنه، رغم أية اختلالات محتملة في أدائه السياسي ورغم محدودية قدرته على توصيل صوته لقطاعات أوسع من السوريين. يمكننا القول إن النظام، بحكم تكوينه الموصوف للتو، هو ما يضمن أن يبقى التوجه المبدئي لـ"إعلان دمشق" سليما، وليس فاعلية الإعلان أو مواقفه أو تفكيره. ومثابرة النظام على إغلاق نوافذ التنفس السياسي للمجتمع السوري، وإصراره على تهميش أو تفكيك أي نشاط مستقل، هو ما يضع الإعلان الذي يعرف نفسه أولا بمعارضة النظام في الموقع السليم. كان من شأن سياسة ديناميكية من طرف النظام توسِّع هوامش الاستقلال الاجتماعي والسياسي النسبي عنه، أو على الأقل تتعايش مع مستويات الاستقلال والمبادرة القائمة، أن تضعف قضية "الإعلان"؛ لكن مثابرة النظام على الاحتكار التام للسياسة وعلى القسوة حيال أية استقلالية يظهرها المجتمع السوري تبقي الإعلان في "السليم" مبدئيا.
هذه ليست شهادة للإعلان، كما هو الظاهر. بل إنها في الواقع منطلق نقد قاس له. فإذا كان ما نقوله صحيحا، فإن الصحيح في "إعلان دمشق" تابع لنوعية توجّه النظام وبنيته، وليس لسداد في مبادرات الإعلان وخياراته، منذ انعقاد مجلسه الوطني قبل نحو عامين على الأقل. وفي رأيي قبل ذلك.
لا يخطئ الإعلان في مثابرته على تسييس القضايا العامة، الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والحقوقية والجيوسياسية، فهذا التزامه الأساسي الذي ينبع من مفهومه كمعارضة سياسية، فوق أنه يستجيب أيضا لبنية النظام النازعة للسياسة. لكن الإعلان يمارس التسييس بطريقة مباشرة وميكانيكية، دون أن يطوِّر أو ينفتح على قراءات وتحليلات أكثر تركيبا حول الواقع السوري. فإذا كان صحيحا أنه لا بد من تغيير أساسي في النظام السياسي السوري من أجل أن تتقدم سورية اجتماعيا واقتصاديا وحقوقيا وإنسانيا ووطنيا، فليس صحيحا بحال أن التسييس المباشر الذي يضع النظام نصب عينيه هو السبيل الأنسب إلى التغيير، وليس صحيحا بالمثل أن مشكلات سورية متولدة حصرا عن بنية النظام، وأنه يكفي تغيير هذا حتى تنحل. هذا تبسيط مخل نظريا، وترجمته السياسية العملية، أي سياسة مواجهة للنظام، "تزنق" العمل السياسي المعارض أكثر مما تحاصر النظام. وليس صحيحا أيضا أن هذا الضرب من التسييس المباشر يجتذب قطاعات أوسع من السوريين للسياسة والعمل العام. إن كان الواقع محكِّما فإن العكس هو الصحيح. ليس فقط لأن الناس عموما يتخوفون من حصر العمل العام بمواجهة النظام، ولكن لأن كثيرين ينفرون بحق مما يتضمنه هذا الحصر من ارتباط بنوازع وسيكولوجية جيل مضى، جيل يريد خوض المعركة ذاتها التي سبق له أن خسرها.
إلى ذلك، فإن التسييس المباشر، وبقدر ما يمسي عادة آلية، روتينا، يغدو شيئا ذاتيا، متصلا بتكوين وتوجه ممارسيه وليس بالواقع السياسي الموضوعي. بمعنى آخر، بدل أن نكتشف الطابع السياسي للاقتصاد والاجتماع والدين والثقافة والعلاقات الدولية.. عبر دراساتنا المتطورة عن سورية المعاصرة، فإننا نطلي الظواهر المتنوعة بصبغة سياسية فاقعة لكن سطحية، صبغة تدل علينا، وليس على نوعية العلاقات التي تربط هذه الظواهر بالسياسة والبنية السياسية. وعلى هذا النحو، يغدو التسييس المباشر تعريفا لنا على غرار ما الرايات الشيوعية والقومية والإسلامية تعريف لتيارات سياسات أخرى. في الحالين تتغلب وظيفة الهوية على العمل السياسي المعافى، المنفتح على الغير وعلى العمل وعلى المعرفة. والسياسة المحتملة في الحالين تسلطية، نخبوية، على اختلاف في النبرة واللون الإيديولوجي فقط.
*****
أين الخلل؟ هناك غير حلقة مفقودة كبيرة في العمل السياسي المعارض في سورية اليوم. أولها المعرفة. أعني التوفر على تحليلات اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية .. متطورة عن سورية المعاصرة التي يتجاوز سكانها اليوم 22 مليون نسمة، كما عن العالم من حولها. الواقع أن الأساس المعرفي للعمل السياسي المعارض في سورية فقير جدا جدا. وهذه مشكلة كبيرة جدا جدا. فالمعرفة ليست معارف فحسب. إنها حاسة البصر الخاصة بالعمل العام أو بعده الإدراكي الذي يتكون عبر الصراع مع الواقع، بما فيه المتاح الفكري. أو لنقل، بلغة تبدو اليوم قديمة، إننا نحتاج إلى معرفة "قوانين" الواقع أو المجتمع، أعني الاتجاهات العامة لحركتهما وتطورهما، من أجل التأثير عليهما في الاتجاه الذي نراه مناسبا، أو أقله من أجل تجنب جهود ضائعة، ربما تعزز جمود الواقع لأنها تتحرك عشوائيا ودون معرفة بالاتجاهات المرجحة لحركة الواقع.
وبما هي صراع مفتوح مع الواقع، ومع المتاح المعرفي، ليس فعل المعرفة نقيضا للتسجيلية السلبية وحدها، ولكن كذلك للمذهبية المنغلقة التي تحتكر الصواب. الأولى تستسلم للواقع، والثانية تنكره تماما. المعرفة كفعل صراعي خصم للعقائد الناجزة (ماركسية، إسلامية..)، كما للانفعال التلقائي بالواقع أو للتجريبية بالمعنى الشائع للكلمة.
هل نتصارع نحن مع الواقع معرفيا؟ هل يثمر صراعنا معه تفكيرا خصبا وذا قيمة عن اللوحة الاجتماعية السورية؟ عن التحولات الاقتصادية والطبقية؟ عن الحياة الدينية ومعادلات الارتباط المحتملة بين الانتماءات الدينية والانحيازات السياسية؟ عن العلاقة بين الدين والدولة؟ عن المسألة الكردية؟ عن تحولات البيئة الإقليمية؟ عن التغيرات الإيديولوجية والفكرية في سورية والعالم العربي خلال العقدين الأخيرين؟ عن توجهات الشباب السوري؟ عن بنية النظام ذاتها؟ لا شيء. ما هي السياسة التي يمكن أن تبنى على هذا اللاشيء؟ لا شيء، سياسة تخبط في ظلام دامس، فلا تكف عن مراكمة الإخفاقات. وهل إخفاقنا في تحقيق أي تقدم مهم في العقد الأخير منقطع الصلة عن هشاشة الأساس المعرفي لسياستنا؟
وبالمعنى الذي نتكلم عليه هنا ليست المعرفة علما محايدا أو اختصاصا معزولا. إنها هي ذاتها ممارسة عملية، انخراط حي في صراعات اليوم ومتفاعل مع شروط الحياة العيانية للجمهور العام، ومن موقع معترض وناقد لما هو متاح من عتاد فكري وإيديولوجي. وهي بهذا المعنى تؤسس حصرا لسياسة يسارية تحررية وديمقراطية ومستنيرة.
والسياسة هذه ليست انحيازا إيديولوجيا، ولا هي صدى لبروز الطابع النخبوي اليميني للنظام، ولا لأن ضربا من أرستقراطية جديدة تهيمن في مراتبه جامعة السلطة والثروة بيدها، ولا كذلك لأن اليسارية التقليدية في الصيغة الشيوعية تجمع بين التسلطية والتمركز حول الذات الإيديولوجية والفقر الفكري والثقافي، ولا حتى لأنه سوف يتعذر أكثر وأكثر تطوير سياسية ديمقراطية لا تكون يسارية اجتماعيا بوضوح، وطليعية فكريا وثقافيا؛ وإنما لكون العمل المعرفي ذاته انخراط إيجابي في العمل العام وانفتاح على خبرات الجمهور وتجاربه وسماع لأصواته، ومقاومة لكل التشكلات الثقافية المغلقة، من مذاهب مكتملة دينية أو دينوية، ومن سلطات معصومة أو شبه معصومة. هذا فضلا عن أن المنظور اليساري يتوافق مع إرادة استعادة السياسة إلى المجتمع، أي الجمهور الواسع المكتوم الأصوات.
في غياب المعرفة كتملك صراعي للواقع وكأساس معرفي للعمل السياسي لا يبقى غير تسييس مباشر، سياسة مواقفية بلا أفق، واستعداد آلي للوم النظام على كل شيء وأي شيء. وهو ما يجد تتويجه في تكوين نفسي وفكري شحيح وخال تماما من الأريحية والكرم، فقير ثقافيا وضيق الأفق أيضا، يبث في نفس الملاحظ شعورا بالانقباض، بل الاختناق. ويبرز في أوساط المعارضة نموذج المناضل الموتور الذي لفرط انشغاله بالنظام ومقته له ترك النظام يحتل كل تفكيره ووجدانه احتلالا استيطانيا. وكما أن الموتور المعادي للدين منفر، منفر بالدرجة ذاتها الموتور الذي تتمحور حياته الفكرية والانفعالية حول النظام. ليست هذه الروحية المأمولة من "قوى التغيير". بل إنه لا مجال لتغيير تحرري فعلا دون التحرر منها. الروحية التغييرية إيجابية، منفتحة، سخية وودودة ورفيقة. هذه معان يتعين أن تقع في صلب مفهوم اليسار الذي ننوه به. وهي تميزه عن اليسار التقليدي، المذهبي والعصبوي، كما عن اليمين النخبوي الثقافي الذي يجد نفسه نسقيا على قرب من النظام.
هنا على كل حال الحلقة الثانية المفتقدة في العمل السياسي المعارض. ما يتعلق بالحساسية الشابة والروح المتوثبة والإقبال على الحياة والعالم. الانطباع الذي تعطيه أجزاء المعارضة السياسية غير جذاب كيلا نقول إنه منفِّر، متوتر وغاضب بدل أن يكون مسترخيا وهادئ الأعصاب، متشائم وليس متفائلا ولا متفاعلا. شائخ، فكيف يخاطب الجيل الشاب وكيف يجتذبه إلى العمل العام؟ ويبدو فوق ذلك متصلب المفاصل، عاجزا عن مراجعة ذاته أو إصلاح حاله.
******
ليس الدافع للكلام على دور المعرفة والثقافة في العمل السياسي المعارض دافعا معرفيا، أو رفعا من شأن بضاعة الكاتب. الدافع هو نجوع السياسة الديمقراطية ذاتها. أريد القول إنه حين نخسر المعرفة فإننا نخسر السياسة والديمقراطية أيضا. ينحط العمل السياسي إلى سياسوية، ممارسة مبتذلة ترد كل شيء إلى السياسة، وترد السياسة ذاتها إلى مسألة السلطة. ولما كانت هذه طرفا قويا ومبادرا قياساً إلى المعارضة اليوم، يؤول الأمر عمليا إلى دوران المعارضة حول النظام وفقدانها المبادرة تماما، ووقوعها في أسر الانفعال السلبي. أي إلى عكس الغرض المتوخى من التسييس الكلي المباشر. يفعل النظام شيئا فنعلق عليه، ربما بعبارات حادة. لكن هذا هو كل شيء. وبعد أن كان بيننا مناضلون موتورون، نجازف عبر السياسوية الضيقة أن نغدو جميعا موتورين. ولما كان من المتعذر أن يبقى المرء لوقت طويل موتورا، مشدود الأعصاب ومستنفر الإرادة ومتشنج النفس، فإن المآل النهائي للموتور هو أن يحطم نفسه، أو يستسلم، وقد تجده يوما في صف أعدائه المفترضين. هذا مسلك لا يكفي اجتنابه، بل ينبغي محاربته من أجل عمل ديمقراطي مفتوح الأفق.
أما المعرفة المتوافقة مع السياسوية فهي التسجيلية السلبية أو "التجريبية" الخام. وهي للأسف السمة الغالبة على ما تنتجه قوى "إعلان دمشق" من مقالات ووثائق. هذا بالمناسبة شأن مناقض للديمقراطية بقدر ما هي المذهبية المغلقة، الواسمة للتنظيمات الشيوعية والقومية والإسلامية مناقضة لها.
******
وكمتابع عن كثب طوال سنوات، يبدو لي أن التسييس المباشر والسياسوية يقترنان بتهميش المثقفين والضيق بمقارباتهم غير التبسيطية. كان لينين قد عرض ما يشبه ذلك في زمن الثورة البلشفية، متهما المثقفين بالذاتية والتذبذب ونقص الروح الثورية. لكن ما لن تظهر آثاره الكارثية في روسيا إلا بعد حين بفعل الحركية الثورية ذاتها، يظهر عقمه منذ الآن عندنا. لدينا لينينية بلا حركة وبلا أفق. فوق كونها متزمتة وأنانية وبلا أريحية.
وسألاحظ أنه كان ممكنا دوما، وإن ليس دون توترات، تعايش المثقفين والسياسيين في بيئة المعارضة الديمقراطية السورية. فقط في السنوات الأخيرة اتجه هذا الرابط إلى الانفصام. صرنا نجد سياسيين مستغنين عن الثقافة، بل معادين لها وللمثقفين؛ ومثقفين إما مبتعدين عن السياسة، أو معادين لها أيضا. من شأن هذا "الفصام النكد" (على قول سيد قطب، في سياق مختلف) أن يدخل البهجة على قلب النظام وحده.
هل يتحمل المثقفون بعض المسؤولية عن ذلك؟ جزئيا فقط. وموطن مسؤوليتهم ليس ابتعادهم عن العمل السياسي المباشر. هذا ما ينبغي أن يبتعدوا عنه على الدوام. تقصير المثقفين يتمثل بالتحديد في شيئين. أولا قلة ما وفروه من طروحات فكرية أساسية، تتيح قفزة في فهم سورية المعاصرة، مجتمعا ودولة. وثانيا ترددهم في نقد المعارضة وتفضيلهم السكوت على ما يرونه من عوج في عملها بذريعة عدم إضعاف قضيتها. هذا ينطبق عليّ مثل غيري أو أكثر. ومحصلته الوحيدة تدهور المعارضة، حالا وقضية.
وقد أضيف أن بنية الواقع السوري سياسية، متشكلة من علاقات قوة وسيطرة وهيمنة ونفاذ تفاضلي إلى السلطة العمومية والموارد الوطنية. وتاليا يؤول الابتعاد عن السياسة، مع الزمن، إلى الغفلة عن بنية الواقع وعن صراعاته وتحولاته ومكامن الحركة فيه. أي عمليا إلى خسارة الثقافة ذاتها وفرص تجدد التفكير.
على أن بنية الواقع ليست شيئا ظاهرا، ولا تتطابق بالضرورة مع الهياكل السياسية المرئية على نحو ما قد تعتقد السياسوية الشائعة؛ إنها شيء أشد خفاء، نحتاج إلى الانخراط في التفاعلات السياسية والاجتماعية الصراعية في بلدنا، كما إلى تطوير أدوات نظرية ومنهجية معقدة لإدراكه. هذا ما يقصر عنه في آن المزاج السياسوي المهيمن في أوساط "إعلان دمشق"، كما مثقفون انعزلوا في نطاق اهتماماتهم المهنية وفقدوا الإحساس بحركة الواقع ومحركاته السياسية. وبالمناسبة، السياسوية تنتهي أيضا إلى العزلة. فهي إذ ترهن كل شيء بتغير النظام أو زواله، تركن إلى هذه القناعة نائية بنفسها عن ميادين العمل العام الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الأخرى.
******
لقد وصل العمل العام المعارض إلى طريق مسدود في سورية في السنوات الأخيرة. لا مخرج من هذا المأزق دون تغيير أساسي في تفكير وأساليب عمل الناشطين المعارضين. وإنه لمن باب تضليل الذات الاعتقاد بأن السبب الوحيد للأزمة الوطنية في سورية هو النظام واستبداده. فوق أن هذا تنصل من المسؤولية. فلأن النظام مستبد وعدواني تلح الحاجة إلى معارضة نشطة وحيوية، سديدة البصر وإن لم تكن قوية العضلات. من أجل هذا، الأولوية لتغيير الذات: تغيير الحساسية السياسوية أو نزع الطماشة السياسوية التي تقود حصرا إلى الدوران حول النظام، وتطوير معرفة أفضل بالمجتمع السوري وعوالمه المتنوعة.. وعبر نقد السياسوية والصراع معها نكتشف السياسة، كما نطور معرفة أغنى عبر نقد المذهبية الجاهزة والصراع معها. وعبرهما معا ربما نكتشف المجتمع السوري ونسهم في "صنع" الشعب السوري، فنمهد السبيل إلى الديمقراطية.
أمامنا طريق طويل. فلنسترخ! لا شيء في العالم يستحق هذا التصلب النفسي الذي نستسلم له. ولا شيء طيبا يأتي من نفوس متصلبة. ولا أحد يستطيع السير طويلا وهو متصلب النفس.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في شأن ما يطرحه علينا الاستفتاء السويسري من أسئلة أخلاقية وس ...
- -العلمانية الأمية-: في المحصلات المحتملة للفصل بين العلمانية ...
- الدولة السلطانية المحدثة وسيف الحروب الأهلية
- الثقافوية العربية المعاصرة، خصائص منهجية ومحددات أساسية
- من -الخيار الثالث- إلى -وضعية يسارية- جديدة
- الواقع سيئ، اماذا ينبغي أن نكون سيئين؟!
- طوباوياتنا المعاصرة... جامدة متناقضة وغير تحررية
- في اقتران التفكير التسليمي بالعلاقات الولائية، والعكس
- استئناف نقاش غائب في شأن مفهوم الإيديولوجية وإحالاته
- عبيد السلطة وعبيدهم وما إلى ذلك
- ما هي الرقابة؟ وماذا تراقب؟
- في أبنية الدولة السلطانية المحدثة: ليبرالية اجتماعية وطغيان ...
- من الطاعة المفروضة إلى التطوع الذاتي
- في الوقائع نصف الغريبة لاختفاء الشعب
- في شأن إيران والغرب و..العرب!
- -الدولة السلطانية المحدثة-: سيادتان وسياسة واحدة
- تركيا كنموذج عملي يُتعلّم منه
- ما وراء الزيدي وحذاءه: اعتلال الروح العربية
- المحركات المحتملة للعلاقات الأميركية السورية في النصف الأول ...
- سورية ولبنان وفشل بناء الأمة


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في نقد السياسوية: -إعلان دمشق- والطريق المسدود