أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية ولبنان وفشل بناء الأمة















المزيد.....

سورية ولبنان وفشل بناء الأمة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2775 - 2009 / 9 / 20 - 02:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يعرض لبنان سورية صيغتين متعارضتين ظاهريا لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، لكنهما متماثلتان في الجوهر، تشيران معا إلى فشل عملية بناء الأمة في البلدين.
في لبنان ينتقل منطق المجتمع الأهلي التعددي دون تعديل إلى مستوى الدولة، ما يتسبب في تعدد هذه من وراء وحدتها الشكلية، وفي تدني مستوى استقلالها عن التكوينات الأهلية التي اعتمدت وحدات سياسية للنظام اللبناني. وهو ما يجعل الدولة انعكاسا لتجاذبات المجتمع ومنازعاته المحتملة، الأمر الذي يفضي إلى شلل متكرر للدولة وعجز عن المبادرة والتنظيم الفعال والقيادة. أكثر من ذلك، يتكفل النظام ذاته بصون تماسك وصلابة الجماعات الأهلية، بحيث يحد من اختلاطها وتمازجها، كما من انفتاحها على ما يتجاوزها، ما يسهل عمليا إدامة علاقة تنازعية بينها. فإن لم يكن التنازع الطائفي حصيلة مؤكدة للنظام، فإن هذا لا يتوفر على آليات فعالة لاتقاء هذا المنزلق. وعبر النظام وفرص التنازع الوفيرة التي يؤمنها، تتكون وترسخ الطوائف ذاتها. فمثل الطبقات، لا توجد الطوائف إلا في الدولة وعبرها وفي الصراع وعبره. على هذا النحو يترابط النظام والطائفية بصورة جوهرية، فلا يعاد إنتاجه إلا بعملية تضمن إعادة إنتاج الطوائف، أو بالفعل ترسيخها وتصليب عودها وإحكام صناعتها. هذا، وليس جبروتا متأصلا خاصا بها، هو ما يجعل الطوائف تلك الكيانات العنيدة المتصلبة الممانعة. الطوائف دوما كائنات سياسية، لا تحوز تماسكا خاصا بها ولا حياة مستقلة ولا دواما ذاتيا. تتماسك وتحيى وتدوم بفضل عمليات صنعية من خارجها، بفضل اندراجها في العمليات السياسية الخاصة بالتنافس على السلطة والنفوذ والأمن.
ما نريد ترتيبه على هذا التحليل الوجيز هو أن الطوائف لا توجد في المجتمع إن لم توجد أولا في الدولة، وذلك خلافا للانطباع الشائع. ومنذ أن توجد الطوائف في المجتمع فإنها موجودة في الدولة سلفا. "إلغاء الطائفية السياسية" يعني تاليا إلغاء الطوائف، أي انتظاما جديدا للمجتمع، إعادة بناء لبنان.
محصلة النظام في لبنان تآكل المستوى السيادي، وجعل الدولة ذاتها موضع تنازع سياسي.
في سورية يجري عكس ذلك ظاهريا. يفرض منطق الدولة الواحدي حتى على المجتمع الأهلي المتعدد، دون وسائط أيضا. وبينما يتكفل النظام اللبناني بإضعاف الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية والنقابات عبر الاعتماد السياسي للطوائف، يجري إضعافها في سورية لضمان خصخصة غير منازعة لسلطة الدولة، لكن ذلك يتضمن أيضا تعزيزا غير مباشر للروابط الأهلية وفرصا أكبر لتطييفها. هذا لأن إلغاء التعدد الاجتماعي والسياسي (عبر تعميم منطق السيادة الواحدي الخاص بالدولة إلى المستوى الاجتماعي) يتوقف، بفعل حسابات سياسية تتصل بحاجات استقرار السلطة وبقائها، عند حدود التكوينات الأهلية، أي عند التعددية "الطبيعية". لكن هذه لا تحوز مبدأ تماسك ودوام ذاتيين، بل هي تتجدد عبر هذه العلاقة مع مستوى سيادي لا يكف عن خذلان نفسه، متصالحا مع تكوينات مضادة للمواطنة، لأنه يولي السلطة الخاصة أهمية أكثر من الدولة العامة. وهو ما يعني أن "الأهلي" ثانوي وليس أوليا في سورية، مصنوع وليس "طبيعيا"، سياسي وليس اجتماعيا، طائفي وليس دينيا أو مذهبيا. هنا أيضا لا توجد الطوائف في المجتمع إن لم توجد في الدولة.
في المجمل، بينما تلحق السيادة في لبنان بالسياسة، يجري إلحاق السياسة بالسيادة في سورية، مع استخدام السيادة استخداما مغرضا (أي سياسيا). ومع تغييب مستوى للتعددية والسياسة والاختلاف، تجري مطابقة النظام مع الدولة مع الوطن، فيكون الاعتراض على النظام عملا ضد الدولة وخيانة للوطن. وهكذا يجري التوسع في التخوين ويستخدم أداة سياسية لضرب المعارضين والخصوم.
في لبنان، بالعكس، يُمعَن في تسييس الوطنية، فتغدو كل المواقف مشروعة على حد سواء تقريبا. ولا ريب في أن هذا الشرط مسؤول بقدر ما عن انخفاض وساوس لبنانيين حيال التعامل مع إسرائيل (وغيرها). فإذا كانت الدولة مقر السيادة منخورة بالصراعات السياسية والطائفية، وإذا كان الولاء للطائفة ومنظماتها يتقدم على الولاء للوطن، وإذا كان التخوين سلاحا مشروعا في صراع لبنانيين ضد بعضهم، فهل يبقى التعامل مع جهة أجنبية خيانة وطنية؟ بخاصة حين يكون لكل طائفة وطنيتها الخاصة وعلاقاتها الخارجية، أو حين يكون عملاء طائفة أبطال أخرى؟ إن النظام اللبناني الذي يعتقل "العملاء" بيد يزرعهم باليد الأخرى.
أما احتكار الوطنية في سورية فيضمن للنظام احتكار التخوين أيضا. لكن المحصلة هنا أيضا تسييس الوطنية، توسلها أداتيا لأغراض الطرف الحاكم.
والخلاصة أن مشكلة لبنان هي التعدد حتى على مستوى السيادة، وفي سورية تبعية السيادة للسلطة الخاصة. ولما كانت السيادة واحدة جوهريا ومستقلة جوهريا، فإن النتيجة واحدة في البلدين: سيادة وطنية منقوصة. أما اجتماع تعدد السياسة ووحدة واستقلال السيادة، تعدد الأحزاب والمنظمات ووحدة الأمة والدولة، فليس بالأمر المتاح في البلدين معا.
الخلاصة أيضا أن الدولة متقاسمة في لبنان، فلا ينعقد عليها الولاء الأعلى للبنانيين، ما يبيح لنا القول إنه ليس ثمة وطنية لبنانية. ولا ينعقد الولاء الأعلى للسوريين أيضا على الدولة، لكن بسبب تبعيتها، ما يبيح القول أيضا إنه ليس ثمة وطنية سورية. المحصلة واحدة هنا أيضا: فشل بناء الأمة.
وتآكل الدولة. مرة لحساب وظيفة السلطة، ومرة لحساب المجتمع الأهلي.
والافتقار إلى داخل وطني. في سورية الداخل "ممسوك"، وفي لبنان الداخل "منفلش". غير متماسك ذاتيا في الحالين.
في مثل هذه الشروط يغدو كل كلام على سيادة الأمة أو الشعب، على وجود الشعب ذاته، كلاما إنشائيا لا يكاد يكون له معنى.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو: كيف يتمايز في كل من سورية ولبنان مستويان للسيادة والسياسة، للدولة والمجتمع الأهلي، فتصان سيادة الدولة وتتحرر السياسة، ويحفظ التعدد الأهلي دون أن يكتسح الدولة ذاتها؟ موضوع السياسة في البلدين هو كيفية تشكل مستوى وسيط يضاف إلى مستوى الدولة الواحدة ومستوى المجتمع الأهلي المتعدد، يلعب دور حاجز للحيلولة دون التطييف المتقابل للدولة والمجتمع، ويسهم في ضبط وظيفة السلطة أو منعها من "التغول".
والخلاصة الأخيرة لهذا التناول التخطيطي أن أيا من نظامي البلدين لا يصلح بديلا عن الآخر. يوفر النظام اللبناني حريات سياسية وثقافية ثمينة، لكنه يجردها من أي مفعول تراكمي وطني، فوق أنه ينزلق بسهولة إلى الحرب الأهلية. بالمقابل هناك استقرار في سورية، لكن أيضا بلا تراكم وطني، فوق أنه يجحف في حرمان السكان من حرياتهم السياسية وحقوقهم الأساسية.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الاقتصادوية إلى الثقافوية إلى السياسوية إلى آخره
- ثلاث أسئلة بخصوص كتاب عبدالله العروي -السنة والإصلاح-، وثلاث ...
- في تأسيس المحاصّة الطائفية معرفياً
- ربيع الأقوياء العائد... مخيف حقا!
- عن التماهي مع الشاعر في حضرة غيابه
- سياسة التعقيد ك-جدار فصل- للفلسطينيين عن قضيتهم
- في نقد السياسة.. أو من تأليف القلوب إلى انشراح الصدور
- الحداثة كخير عام، كوني وضروري
- في شأن الذاكرة والسلطة والرقابة
- فيما خص أزمة الثقافة النقدية..
- منظومتا استثناء، لا واحدة، في سورية
- تعقيب على نقاش منتدى -هلوسات- حول مشروع قانون الأحوال الشخصي ...
- في أصول صناعة التشاؤم العربية
- بصدد العنف والنخبوية
- ملحوظات أولية في نقد السياسة
- ماذا يعني مفهوم الحريات الاجتماعية؟
- موقع -الديني السياسي- في وثيقتين معارضتين سوريتين
- من خرافة سياسية إلى أخرى..
- عودة إلى مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري
- -الحل- غير موجود... أين هو؟


المزيد.....




- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- خلل -كارثي- في بنك تجاري سمح للعملاء بسحب ملايين الدولارات ع ...
- الزعيم الكوري الشمالي يشرف على مناورات مدفعية بالتزامن مع زي ...
- الاحتلال يقتحم مناطق في نابلس والخليل وقلقيلية وبيت لحم
- مقتل 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة
- بالصور: زعيم كوريا الشمالية يشرف على مناورات -سلاح الإبادة- ...
- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...


المزيد.....

- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد
- في المنفى، وفي الوطن والعالم، والكتابة / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية ولبنان وفشل بناء الأمة