أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - -الحل- غير موجود... أين هو؟















المزيد.....

-الحل- غير موجود... أين هو؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2706 - 2009 / 7 / 13 - 08:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لطالما ووجه شعار "الإسلام هو الحل" باعتراضات محقة، غير أنها تنصب دون استثناء على مدرك "الإسلام" لا تتعداه إلى مدرك "الحل". هذا ينال فورا من جذريتها، بل يردها إلى اعتراضات محض إيديولوجية. يحصل أن يحشد المعترضون حججا سياسية وتاريخية واجتماعية بغرض "إثبات" أن الإسلام ليس هو الحل، أو لا يمكن أن يكونه، لكن مع التسليم بأن "الحل" موجود هناك، وأنه شيء آخر: الاشتراكية، الديمقراطية، العلمانية، الوحدة العربية...
والحال إن "الحل" غير موجود.
وافتراض وجود كائن غير موجود، وتمحور تفكيرنا العام حوله، هو منبع الخرافات السياسية الذي لا ينضب في ثقافتنا المعاصرة، أو منبع سقم معرفتنا السياسية، على نحو ما كان الإكسير أو حجر الفلاسفة منبع خرافات الخيميائيين، أو لخرافة الخيمياء.
ليس هناك شيء هو "الحل". هناك معالجات بشرية جزئية، نسبية، قابلة للتعديل، متطورة، لأوضاع بشرية معقدة كثيرا أو قليلا.
لكن ما هي المشكلة؟ ولماذا لفكرة الحل هذا الحضور الكاسح؟
بقدر ما أن "الحل" غير موجود فإن "المشكلة" (بحرف كبير، لو كان متاحا في العربية) غير موجودة أيضا. هناك مشكلات متنوعة، دنيوية، تاريخية، لا فرادة فيها. لكن ربما تكون صفاتها الأبرز فيما يخص العرب المعاصرين هي اختلاطها وتداخلها وتراكبها وإزمانها، وما يبثه ذلك في النفس من تشوش.
ماذا يعني التشوش؟ يعني اختلاط العالم بالوجدان، أو الدفق الحسي غير المنظم، الفاقد للشكل. لدينا قوى وأوضاع وأحوال.. لا شكل لها. منها بالمناسبة "الإسلام"، ومنها "الغرب"، ومنها "الدولة".
وما لا شكل له هو مشكلة، اختلاط وضياع، لا يتحدى الإدراك وحده بل والإحساس بالعالم والتوجه فيه وحس القياس والتناسب والموقع والوضع..، أي كل ما يضمن توطّن العالم والثقة به والتوجه السديد فيه. وبقدر ما إن الثقافة صنع للإشكال والصور، ضبط للقوى والفاعليات الحية بقواعد وأصول وأشكال منظمة، أي أيضا صنع المفاهيم والتصورات والقيم، فإنه يسعنا القول إننا نعاني من قصور ثقافي. ثقافتنا مقصرة في إنتاج الأشكال والصور والقواعد التي تنظم مجمل القوى التي تعتمل ضمن عالمنا، أو تنزع غرابتها وخارجيتها.
صنع الأشكال يحول المشكلات إلى مسائل، أوضاع متشكلة وإن تكن غير مستقرة. المسائل تقبل حلولا خلافا للمشكلات. حلولها مسألة جهد ووقت. المشكلات تشوش واختلاط وإبهام، فلا تنحل بأي جهد وأي وقت. والمشكلات التي لا تسعف الثقافة (بمعنى واسع للكلمة: "الحضارة"، الفاعلية البشرية التشكيلية والتحويلية عامة) في تحويلها إلى مسائل نظرية وعملية، محلولة مبدئيا، تتحلل. ولما كانت المشكلات شعورا مشوشا، فإن تحللها يعني تشوشا مركبا، أو تحالف إبهام العالم مع تشوش الشعور. تبدو أحوالنا اليوم محصلة تحلل مشكلات متراكبة.
ولعل هذا الوضع المبلبِل الذي لا يستبين منه مخرج هو في أساس فكرة "الحل". تنفلت شروط حياة الناس من تحكم أيديهم وأذهانهم، تغمرهم المشكلات غير المستوعبة عقليا وعمليا، فيشعرون بالضياع والعجز، فيحلمون بالخلاص. "الحل" تناسخ من تناسخات الخلاص الديني. وهو نسختنا الخاصة من "نهاية التاريخ".
ولا يبدو أن المثقفين أقل حيرة وتشوشا من غيرهم، ولا هم أقل تلهفا وتعجلا على الخروج من عالم الفوضى واللاشكل المحيط بهم. لكنهم بدل صنع الأشكال، وهو عمل عسير بلا ريب، ينتحلون أشكالا جاهزة. مسائل وحلولها. أو حلول ومسائلها. هذا مرغوب اقتصاديا (أقل مشقة)، وممكن (هناك عرض عالمي لأشكال مجربة، وكذلك ذخر "ذاتي": "التراث"). لكنه في أصل انفصال المسائل/ الحلول عن المشكلات. المفاهيم يمكن أن تنتقل من ثقافة إلى ثقافة، ومن ماضي الثقافة ذاتها إلى حاضرها، لكن الفهم لا ينتقل. والقوانين قد تنتقل من خارج إلى داخل، ومن ماض إلى حاضر، لكن الحقوق لا تنتقل. الأفكار تنتقل، وليس التفكير. المنتجات تنتقل خلافا لفاعلية الإنتاج.
الفهم والحق والإنتاج والتفكير... هي صناعة الأشكال بالعمل على المشكلات.
هناك خلل في نظام صنع الأشكال، الثقافة بالمعنى الواسع. يفشل "الحل"، الشكل المأخوذ من "الماضي" أو من "الخارج"، فتبدو المسألة زائفة، فتُنكر المشكلة ذاتها. تتعفن أو تتحلل. وعلى هذا النحو يسهم المثقفون، صانعو الأشكال المفترضون، في رفع منسوب التشوش والاختلاط العام. يحصل هنا أن ينفض بعضهم أيديهم، معلنين براءتهم، وناسبين الأمر كله إلى جوهر فاسد دخل طور الانقراض! ويحصل أن تعتبر عبارات منبرية جوفاء ومكرورة كهذه إلى آخر صيحة في مجال "التنوير"!
لم يكتب تاريخ الثقافة العربية المعاصرة. ربما لا يزال الأمر مبكرا. لكنه في وجه أساسي منه تاريخ الحلول الفاشلة والمسائل المصطنعة، والمشكلات المتحللة. وهو تاريخ صراع "الحلول"، خرافات بعضها أشد تخريفا من بعض، لكن الخرافة عنصرها جميعا. قد تنسب بعضها نفسها للأصل وبعضها للعصر، بعضها للعلم وبعضها للحرية، بعضها للعقد وبعضها للعقل، لكنها خرافية على حد سواء.
ولعل في أصل كل هذا الوضعية الخرافية أولوية "العمل"، الخروج من المتاهة، الخلاص. نفترض أن الجماعات التي تعاني الضياع أكثر من غيرها تحلم بالخلاص أكثر من غيرها. ومن لهفة الخلاص تنبثق ما يمكن تسميتها "ميتافيزيقا الحل"، السعي وراء أشكال كبرى، تنظم العالم وتنزع إبهامه، شموس منيرة.
وأبرز هذه اثنتان: "الإسلام" و"الحداثة".
لكن لمَ يبدو مع شمس هي "التنوير" ذاته، وأخرى هل "الذات" و"الحل" أن مخلوقات الظلام، الأشباح والعفاريت والشياطين والمسوخ والغيلان.. (الأصولية والامبريالية والطائفية والمؤامرة والانقراض..)، وفيرة في عالمنا؟ وهل تشهد هذه القوى التي لا شكل لها أو المختلة الأشكال إلا على أننا نعيش في قلب الخرافة؟
.."الحل" غير موجود. مثله في ذلك مثل الرخ والعنقاء والخلاص والإكسير وعالم كامل من كائنات لا كيان لها ولا شكل. ثمة حلول "علمانية" دنيوية، جزئية، نسبية، متغيرة، قابلة للتصحيح؛ وثمة جهود إنسانية تضاف لبعضها، وربما تحسن تحكمنا بأوضاع متفلتة مختلطة. هذا عمل موصول، هادئ، دائب، صبور، عادل. ليس "نضالا" ولا "جهادا" ولا "ثورة"، صارت ثلاثتها، بفعل التلهف للخلاص، معتَصما لكل ضروب اللاتناسب والتهويل والإفراط والخروج على القياس، للخرافات وكائناتها الشبحية التي لا شكل لها.
وثمة صيرورة لا يسبح في نهرها مرتين، ولا تكف عن ولادة العجيب، لكننا ربما ننفرد بالعبوس حيالها والتوجس منها، بدل الإقبال عليها والانشراح لها. نشعر أننا لم نقم بواجبنا إن لم ننثر حولنا جواً من التشاؤم والقنوط والانقباض.
نشتبه أن هذه السيكولوجيا الملازمة لميتافيزيقا الحل لا تنشد المحال إلا لأنها مفطومة على اليأس.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بئري الدين والدولة
- في شأن الديمقراطية والإصلاح السياسي... سيرة استهلاك إيديولوج ...
- الطائفية والأحوال الشخصية في سورية
- عالم السادة الرجال -المسلمين- وما وراءه
- بحثا عن توازنات جديدة.. إيران تتحرك!
- تساؤلات بصدد السياق السياسي والمؤسسي لمشروع قانون الأحوال ال ...
- نتنياهو، كيف حصلنا عليه؟ وأي سلم يتحصل منه؟
- ما معنى البقاء في السلطة إلى الأبد؟
- الكثير الذي فات خطابك يا أخ أوباما!
- هذه أو هذه وإلا فتلك: عقائد الحتمية في السياسة السورية
- نظرات في اللوحة الإيديولوجية العربية السائدة
- العلمانية والقومية والامبريالية.. أسئلة مفتوحة
- نظريتان في الطائفية.. بلا نظر
- الكتابة العمومية كسياسة كتابة
- نظرية الحتمية الثقافية في الثقافة السورية مقالة ضد العناد
- الفكرة القومية العربية (والإسلامية) كإيديولوجيتي حرب أهلية
- مسار حرج لتطور الوضع الكردي السوري
- في ذهنية المنفعة ونقد الثقافة
- العلم والفتوى و..الفوضى
- كيف نتقدم؟ أبالثقافة أولا؟


المزيد.....




- المرصد الفرنسي للهجرة: الجزائريون أكثر المهاجرين تمسكا بالهو ...
- فرحة العيال رجعت.. تردد قناة طيور الجنة toyour eljanah 2024 ...
- المقاومة الإسلامية للعراق تستهدف ميناء حيفا بأراضي فلسطين ال ...
- بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية المسيح المخلص بموسكو ...
- قمة إسلامية في غامبيا وقرار منتظر بشأن غزة
- بالفيديو.. الرئيس بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية الم ...
- استعلم الآن … رابط نتيجة مسابقة شيخ الأزهر 2024 بالرقم القوم ...
- شاهد.. الغزيون يُحَيُّون مقاومة لبنان الإسلامية والسيد نصرال ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف بيّاض بليدا والراهب والرا ...
- الاحتلال يقيد وصول المسيحيين لكنيسة القيامة بالقدس في -سبت ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - -الحل- غير موجود... أين هو؟