أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - العلم والفتوى و..الفوضى














المزيد.....

العلم والفتوى و..الفوضى


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2647 - 2009 / 5 / 15 - 07:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دعا العالم المصري الشهير أحمد زويل مؤخرا إلى منع الإفتاء في القضايا العلمية، مسوغا دعوته بأن "تدخل الفقهاء في القضايا العلمية من الممكن أن يعرقل تقدم العلم". كلام زويل الفائز بجائزة نوبل للكيمياء عام 1999 يتوافق مع منطق تقدم العلوم: تتقدم بقدر ما تكون مستقلة، لا تتحكم بها شرعية خارجية، ولا تلتزم بغير بروتوكولات المعرفة العلمية ومناهجها. العلم لا يتقدم إن كان تابعا، سواء كانت التبعية لإيديولوجية حديثة أو للدين أو لسلطة سياسية.
بيد أن دعوة زويل ووجهت فورا باحتجاجات من "العلماء"، أي الفقهاء والمفتين. قالوا إن في الفصل بين مجالي الفتوى والقضايا العلمية "بتر وقطع لحاكمية الشرعية على الحياة" ولـ"هيمنتها" عليها، وأضاف متكلم باسمهم، الشيخ وهبة الوحيلي، إن "معنى ذلك أن نجعل العلم يتجه اتجاها عقلانيا محضا"!
ثمة مشكلتان خطيرتان في هذا الطرح: الأولى هي انفصامه التام عن عمليات إنتاج العلم الفكرية والمؤسسية وغربته المطلقة عنها. يريد السادة الفقهاء أن يكون لهم القرار الحاسم والحاكم في شأن قضايا العلوم وأن يهيمنوا عليها مع افتقارهم إلى الحد الأدنى من المعرفة بمناهجها وأصولها ومعقوليتها الخاصة. لماذا؟ وبأي حق؟ من أين لهم الأهلية للحكم في شؤون، يحتاج المرء إلى تأهيل خاص ومعقد كي يحيط بجوانب منها؟ لديهم جواب مهيب: الشريعة إلهية، والإلهي حاكم على البشري ومتفوق عليه إلى ما لا نهاية. يجرون النقاش إلى مجالهم في قضية ليست من مجالهم. وراء إقحام الباري في القضية ليس ثمة غير إرادة السلطة واحتكار الهيمنة. حاكمية الشريعة هي في الواقع حاكمية الفقهاء الذي ينطقون باسم الشريعة، وهيمنة الشريعة تعني هيمنتهم هم، وبتر حاكمية الشريعة يعني البتر الخطر لحاكميتهم.
لكن يبدو أن السادة العلماء لا يعترفون أصلا بأن هناك قضايا ليست من مجالهم. كل شيء من مجالهم. لا يزالون يجعلون من "العلم الديني" العلم الوحيد أو العلم السيد. وبسعيهم إلى بسط سيادة علمهم على مجالات الحياة الاجتماعية كافة يؤسسون سلطة مطلقة، توتاليتارية بحق، لا يمكن أن يزدهر في ظلها علم ولا فن، بل ولا الدين ذاته كإيمان حي وتجربة روحية متجددة.
المشكلة الثانية تنبني على ما سبق: ينكر السادة العلماء سيادة العلم، أي كونه صاحب السلطة العليا في التقرير والإبطال في مجالاته المتوسعة، من علم الفلك إلى البيولوجيا الجزيئية. من شأن هذا الإنكار أن يقزّم العلم، وله اليوم جزء من "الفضل" على الأقل في قزامته لدينا. توظيف العلوم مسألة أخرى، تنضبط بقيم المجتمع الثقافية ومنها الدين، وبقيم المعرفة العلمية وبالنقاش العقلاني المستنير في المجتمع. لكن من غير المرجح لمجتمع لا ينتج العلم أن يطور ما هو أفضل من مقاربة استهلاكية وتطفلية في مجال توظيف العلم. هذه حال مقاربة السادة "العلماء": يريدون السيطرة على توظيف علوم لا ننتجها!
على أن إنكار "العلماء" سيادة العلم أو المطالبة بحاكمية "الشريعة" و"هيمنتها" عليه، وجه واحد فحسب من وجه تطلع العلماء على السيادة الكاملة في مجتمعاتنا المعاصرة، السيادة السياسية بما فيها ممارسة الإكراه وتعريف الأمة، والسيادة العقلية بما فيها التشريع لكل علم ممكن، والسيادة الأخلاقية بما فيها احتكار تقرير الخير والشر، والسيادة الجمالية بما فيها تقرير ما هي الفنون الصحيحة والفنون غير الصحيحة. هل يمكن عزل أزمة الثقافة العربية اليوم عن هذا الطموح المفرط الذي لا نظير له في عالم اليوم؟
لعلهم يخشون أن يقود استقلال العلم والفن والسياسة والأخلاق.. إلى إبطال الدين. ولا بأي حال من الأحوال. بل إلى استقلال الدين ذاته، وتحرره من عبء مجالات لا يسعه تحمل وزرها ورعاية تطورها. ولنلاحظ قبل كل شيء أن السياسة والعلم والفن والأخلاق مستقلة فعلا عندنا (بتفاوت) عن الدين، لكننا نفتقر إلى ثقافة الاستقلالية، أعني الوعي الذاتي بتمايز هذه المستويات واستقلال كل منها بمنطق ذاتي خاص. ما يهيمن في ثقافتنا ليس الإيمان الديني بحال، بل التشوش والاختلاط العام الذي يحصل أن ينال ختم استحسان من القائمين على السلطة الدينية. يحصل كثيرا أيضا أن يلاذ بالدين من تشوش كاسح وفوضى قيمية وروحية متأججة. وحيال هذا الوضع لا يبدو "العلماء" معنيين بغير المطالبة بسلطة مطلقة لا تنال، ولا يمكن أن تزدهر في ظلها إن تحققت لهم غير مزيد من الفوضى الروحية والفكرية والأخلاقية. والحال إن الدين هو أول من يتضرر من هذا الواقع. بلى، ربما تنتشر الرموز الدينية في المجال العام، وربما يرتفع صوت ناطقين باسم الدين، لكن اختلاط المعايير وفوضى القيم وتشوش النفوس واضطراب القلوب هو البيئة المناسبة لانتشار الفساد والازدواجية الأخلاقية الفتاكة والتمزق الاجتماعي والعنف والقسوة واللامبالاة بالصالح العام من جهة، والتعصب الديني قسوة القلب والاستعداد لممارسة العنف باسم الدين من جهة أخرى. وليست هذه السمات الأخيرة أقل فتكا بالدين كإيمان وكتجربة حية للروح من السمات الأولى.
يتعين أن ندرك، ختاما، أن الدفاع عن استقلال العلوم هو ذاته ما يؤسس للدفاع عن استقلال الدين والتجربة الدينية. ولا تكون العلوم والفنون والسياسة والأخلاقيات بخير إلا إذا كانت مستقلة، فإن لم تكن بخير فلن يكون الدين بخير أيضا. وهو ما ينبغي أن يعني أن استقلال العلوم والأخلاقيات والفن مطلب ديني أيضا. إن حلم السلطة الدينية المطلقة ليس خطرا على مجتمعاتنا وثقافتنا فقط، وإنما هو خطر على الدين أيضا.






#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نتقدم؟ أبالثقافة أولا؟
- مفهوم سيادة الدولة كأساس لحرية الاعتقاد الديني
- عولمة التقدم وانبعاث التخلف
- في عالم -الخطيئة الأصلية-
- أي رصيد للقوة بحوزة حركات المعارضة -العلمانية- العربية؟
- من يصغر مصر الكبيرة؟
- الصعود الإسلامي وأزمة التقدم العربي
- في السياسة والثقافة وأزمة العام الوطني
- انفصال الإخوان المسلمين السوريين عن جبهة الخلاص.. ماذا بعد؟
- في نقد الأصولية
- ليس الدولة أن تفهم غير لغة القوة
- بصدد التبعات الاجتماعية والسياسية المحتملة لتحرير الاقتصاد ف ...
- الثقافة العربية وغياب الموضوع
- في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل
- نظام عربي أكثر تكافلا، علاقات عربية أقل -أخوية-
- بصدد النقاش حول تعليق الإخوان المسلمين السوريين نشاطهم المعا ...
- في شأن سورية وأكرادها و..المستقبل
- -رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد
- هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟
- الإخوان المسلمون السوريون وتعليق النشاط المعارض.. ماذا بعد؟


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - العلم والفتوى و..الفوضى