أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ياسين الحاج صالح - في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل














المزيد.....

في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2603 - 2009 / 4 / 1 - 09:15
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


لم ألتق بصالح بشير شخصيا، لكننا كنا على تواصل كثيف طوال نحو 30 شهرا قبل رحيله المفاجئ في 19/2/2009. الفضل لثورة الاتصالات في خلق أشكال جديدة من التعارف والصداقة بين أناس لم يسبق أن التقوا، وقد لا يلتقون أبدا. وإذا أمكن الكلام على صداقة افتراضية، صح القول إني وصالح كنا صديقين افتراضيين. ما أقوله عنه قد يختلف قليلا أو كثيرا عما قد يقوله صديق له "واقعي"، لكن لقول الصديق الافتراضي صدقيته الخاصة واستقلاله الذاتي، ولعل "الحقيقة" تتركب من القولين معا.
ويبدو أن التواصل بين شخصين دون سابق معرفة يسبغ على ما يتداولان حرية خاصة. كأنما يستفاد من الغفلية (وإن تكن غفلية نسبية، بالنظر إلى أننا نعرف بعضنا ككاتبين) لقول واستحضار أشياء قد لا يقولها المرء أو يستحضرها مع من سبق له أن عرفهم في الحياة الواقعية. كأنما المرء مستقل عن ماضيه، يستطيع بناء صورة لنفسه ولمحاوره أقل تقيدا بالماضي. صورة افتراضية، لكنها ليس أقل احتمالا من أي صورة أخرى. بهذا المعنى، يوسع العالم الافتراضي من حريتنا ويمنح حياتنا بعدا افتراضيا، أو أبعاد افتراضية.
على نحو ما عرفته افتراضيا، صالح رجل خجول، متواضع حد التواري، لا يخاصم ما استطاع، فإن خاصم طوى الصفحة وأدار ظهره دون أن يلتفت ورائه. عملنا معا في موقع ثقافي، "الأوان"، لأقل من عام. كنت "صندوق بريد" له (وكان صالح يحتج على وصفي لدوري بهذه العبارة) أما هو فقد استوطن الموقع أو أن الموقع استوطنه. كان يحرر مواده ويتواصل مع الكتّاب، وبتهذيب جم دوما. أما أنا فكنت نجيّه الشخصي ومساعده في العمل طوال هذه الفترة. كان "الأوان" يشبه صالح، ثقافة أفكار وكلمات عصية على التصنيف والاحتواء. والانطباع الذي أمكنني تكوينه عنه أن صالح مسكون بقلق جامح لا يطفئه غير عمل متواصل. العمل علاج لمن هو مثله، ولعله دفن ألمه على فقد ابنه الشاب في ربيع عام 2007 بالعمل اليومي الذي لا يتوقف.
صالح يكتب ليعيش. ليس فقط بمعنى أنه يعيش من دخل تدرّه عليه الكتابة ولا يدره غيرها، وإنما لأن إيقاع حياته وترتيبها مبنيان حول الكتابة. ليس الإيقاع الخارجي المتصل بتوزيع الوقت، بل إيقاع التفكير والتأمل الذي تسجله مقالاته. ولقد كان تأملا ضاربا على الدوام. كانت نصوص صالح تجتذب القارئ وتأسر انتباهه. وتحترم عقله دوما. تفكيره أصيل ومبتكر إلى أقصى حد، لا يشبه أحدا غيره. ولعل هذا بعض السبب في غرابته وغربته. تفكيره ونتاجه لا ينضبط في أي إطار معرفي معطى، أو يندرج ضمن تيار فكري معروف. في الوقت نفسه يصعب أن يتابعه أحد لأن تفكيره غير قابل للاختزال في عناوين عريضة قد يتشكل منها أو حولها تيار خاص.
لكن، هل كان صالح يكره الكتابة في أعماق نفسه أو في جانب منها؟ توقّف في ثمانينات القرن الماضي عن الكتابة ولم يعد إليها إلا بعد أن حبسه صديق له في بيت، ولم يفرج عنه إلا بعد أن سلم مقالة جاهزة للنشر. وخلال نحو 9 أشهر من العمل في "الأوان" لم يكتب صالح غير مقالتين اثنتين. أخمن أن ضربا من النفور من الكتابة لا بد أن يتملك بعض الكتاب، عمال الكتابة أو عبيدها المداومون من أمثالنا على الأقل.
مسار حياته كان آل به مثل كثيرين من جيله إلى فردية مستقلة إلى أبعد مدى. صالح مثال المثقف المنفصل. لقد انفصل عن الأمم والأوطان والشعوب والقبائل والأحزاب، وتجسد انفصاله في معادل مادي إن صح التعبير، أعني اغترابه عن وطنه تونس طوال 33 عاما. تجسد أيضا في هجره الإيديولوجيات والعقائد والمعلمين والمدارس جميعا. لم يعد صالح يتماهى بشيء أو يركن إلى شيء. لقد فقد موارد عيشه المعنوية كلها. فقد إيمانه بالأفكار التقدمية والثورية التي كان يعتنقها، ولم يكن مستعدا لأن يرسي مركبه إلى موانئ الدين أو يلتحق بأي سلطة. أي جروح أحدثها هذا الانفصال القاسي في روح صالح ووجدانه؟ أية تقلبات فرضتها عليه "خفة الكائن التي لا تحتمل" هذه، وهو يجد نفسه هائما على وجهه، منفلتا من كل ارتباط؟ لا أعرف. لكن لا بد أنها تقلبات وجروح أليمة تلك التي جعلت صالح يمقت عقد الثمانينات.
كيف يكون التفكير حين لا يبقى غير العقل المجرد أمام العالم؟ يكون مثل تفكير صالح بشير، نقديا، مفتوحا، لا يشبه شيئا ولا يكاد يشبه نفسه، لكن ربما يسكنه شعور بالخيبة وقدر من النخبوية. ما هو المعيار النقدي لدى المثقف المنفصل، الذي تخلى عن المعايير الجاهزة؟ إن لم يعمل على تأسيس معايير جديدة للنقد فإنه يجازف بأن يستبطن صورة العالم من حوله معيارا. والعالم في أيٍ من صوره لا يصلح معيارا.
كان صالح محتاجا إلى مرسى، إلى أرض صلبة، كي يعمل للتأسيس. كان يمكن لعودته إلى تونس في صيف 2008 أن توفر الأرض الثابتة لانطلاق جديد، تأسيسي. على الأرض لأول مرة منذ كان الرابعة والعشرين من عمره شرع صالح على الفور يخطط لعمل أوسع أو لأكثر من عمل.
أي صراع خاضه صالح ضد عاداته وإيقاعات عمله المعتادة وهو يعمل متكتما على ما أفترض أنه كتابه الشخصي الأول؟ مات وهو يصارع. كأنما لا يحق لمن انفصل طويلا، أكثر من نصف عمره، أن يرسو إلى بر. كأنما عليه أن يبقى هائما، يصارع أمواج الحياة العابثة.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام عربي أكثر تكافلا، علاقات عربية أقل -أخوية-
- بصدد النقاش حول تعليق الإخوان المسلمين السوريين نشاطهم المعا ...
- في شأن سورية وأكرادها و..المستقبل
- -رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد
- هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟
- الإخوان المسلمون السوريون وتعليق النشاط المعارض.. ماذا بعد؟
- أصول ثقافية للعسر السياسي العربي
- سورية موضوعا مستقلا للمعرفة!
- في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية
- الرحيل الأخير لصالح بشير
- أربعة وجوه للمسألة الغربية
- نقد مفهوم التقدم كشرط لبلورة نقد تقدمي
- مضاربة، مضاربة، مضاربة
- بصدد بعض أصول هشاشتنا النفسية ضد الوطنية القبلية
- ثقافة الحرب الأهلية ومثقفوها
- في شأن أخلاقيات مقاومة الطائفية
- في تغيرات الإيديولوجية السورية وأصولها
- في نقد العنف اللفظي ضد العرب والإسلام
- عن -المجتمع المكشوف- وتحرره
- البوشية وتحطيم الديمقراطية


المزيد.....




- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة
- عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ياسين الحاج صالح - في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل