أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية














المزيد.....

في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2578 - 2009 / 3 / 7 - 10:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تناولت مقالة سابقة لي الأخلاقيات الذاتية لمقاومة الطائفية، أخلاقيات مقاومي الطائفية الأفراد (متاحة في "الحوار المتمدن"). وأبرزتْ الحاجة إلى كل من فحص الضمير الذاتي والقدرة على تقمص الآخرين عند مقاومي الطائفية المفترضين. أما هذه المقالة فتهتم بالأخلاقيات الموضوعية لمقاومة الطائفية، أي القيم العامة التي ربما تضمن أكثر من غيرها تراجع تحديد الطائفية لسلوك الأفراد والجماعات، وأولهم الفاعلين العامين، في مجالي السياسة والثقافة بخاصة. إن مقاومة الأفراد للطائفية وتحررهم منها أمر حيوي ومقياس للجدارة بمجتمع متحرر من الطائفية، لكن الفضائل الفردية لا تكفي لمعالجة مشكلات لا تكف الشروط العامة عن تغذيتها. لا بد من إصلاح هذه الشروط العامة ذاتها.
والأساس هنا هو الوطنية منظورا إليها في آن كرابطة عليا بين السكان وكفضيلة عامة، تنتظر من "المواطن" أن يكون مهتما بالشأن العام، متجردا من الأنانية والولاءات الصغرى، وتضمن له فرصا وحقوقا مساوية لفرص وحقوق غيره من المواطنين، وتشركه إيجابيا في الحياة العامة لوطنه.
ومن حيث المبدأ تحيل الوطنية التي نعنيها هنا إلى دولنا القائمة، لا إلى "الأمة العربية" ولا إلى "الأمة الإسلامية". إذ يبدو أن التركيز على "الأمتين" هاتين مقترن مع إنعاش الروابط الدينية والطائفية في بلداننا، لا مع إضعافها. فكل ما يضعف الدولة، ولو من فوقها، يمنح قوة نسبية لما تحت الدولة من عشائر وطوائف. الفكرة الإسلامية تضعف الدولة من جهة أنها تطلب ولاء لكائن افتراضي هو "الأمة الإسلامية" وتحجبه عن "الدول القطرية" القائمة، ومن جهة أخرى لأن الإسلامية إما سنية أو شيعية..، أي أنها ليست مبرأة هي ذاتها من البلاء الطائفي. أما الفكرة العربية فتشارك نظيرتها الإسلامية منافسة الدولة على ولاء السكان، وهي أشد منها إنكارا على العموم لشرعية هذه الدول، ما ينعكس مرة أخرى إضعافا لولاء السكان لها. وتتوحد الفكرتان في إضعاف مناعة الجمهور الموزع بين ولائين مجردين لا يرفدان حركة اجتماعية سياسية ناهضة، وبين أطر سياسية واقعية لا تعتبر جديرة بالولاء، وتاليا في تسهيل أمر انعقاد ولاء السكان على أطرهم الاجتماعية الأهلية الضيقة، الطائفية بخاصة.
على أن شرط إضعاف الدولة ينطبق أكثر على أية سيطرات خارجية، كالاحتلال الأميركي للعراق، وكنفوذ قوى ومحاور متعددة في لبنان. ففيما عدا أن مشاريع السيطرة الخارجية تعمل بوعي على تغذية الانقسامات الاجتماعية في البلدان التي تسيطر عليها، وفق مبدأ "فرق تسد" الاستعماري المعروف، فإن لاستتباع الدول أو تدميرها، على نحو ما فعل الأميركيون في العراق، مفعول توهين الرابطة الوطنية العامة (غير المتينة أصلا في بلداننا)، الأمر الذي تستفيد منه فورا الروابط الأهلية.
والكلام على إضعاف الدولة ينطبق أيضا على الاستبدادية العربية التي تتميز بحلول السلطة محل الدولة، أو الاستئثار الخاص بالحكم عبر توسل الأدوات القمعية محل العمل على بناء الأمة وتعهد الاندماج الوطني. هنا أيضا المناخ ملائم لازدهار الطائفية، إن بسبب عدم اضطلاع الجهة المؤهلة أكثر من غيرها بالوظيفة الدمجية (نخبة السلطة)، أو حتى لأنها قد تكون "طليعية" في تغذية الطائفية عبر الاستناد تفضيليا على أهل ثقتها لحفظ سلطانها وإدامته. وأهل الثقة هم الأسرة والعشيرة والطائفة، "الأهل".
يتعين الإلحاح على هذه النقطة من أجل إبراز التمييز بين تقوية الدول المرغوبة وما يسمى عادة "تغوّل السلطة" المرفوض (ولهذا وجهان، تغول ضد الدولة قلما يُرى، وتغول ضد المجتمع هو ما يجري التركيز عليه عادة). وتقوية الدولة، معنويا وقانونيا وسياسيا، وماديا بالطبع، هو ما من شأنه أن يكون علاجا فعالا لمشكلات الطائفية، فيما من شأن تغول السلطة بالعكس أن يكون محرضا لنمو هذه المشكلات وتفجرها.
والسؤال المهم في هذا السياق هو: هل الدول العربية القائمة هي أطر اجتماع سياسي وإنساني نهائية، ويمكن التوظيف المادي والمعنوي فيها لبناء أمم مواطنين؟ أليس من صلة بين الطائفية وضعف الاندماج الاجتماعي في أكثرها، وبين كونها أصلا دول هشة كيانيا قد لا تكون مؤهلة لمستويات من الدمج تفوق ما تعرضه حاليا؟ وتاليا، ربما يقتضي التخلص من الطائفية التخلص من هذه الدول، بعضها أو كلها؟ لا نرى هذا الرأي. الدول الحالية هشة وركيكة من وجوه عديدة، لكنها رغم ذلك مكسب مهم يمكن إصلاحه والبناء عليه من أجل مستويات أرفع من التفاعل والوحدة بين سكانها، كما من أجل درجات أعلى من التفاعل والتكامل بين الدول العربية. وبدلا من النظرة القومية التقليدية التي تصدر عن تصور محصلة صفرية بين "الدول القطرية" و"الأمة الواحدة"، نفضل التفكير في ضرب من تقسيم العمل، تكون الدول القائمة بموجبه أطرا حصرية للمواطنة، أي للمساواة السياسية والحقوقية، فيما تكون الرابطة العربية إطارا للتماهي الثقافي، وربما التعاون الاقتصادي والاستراتيجي. الخطأ كل الخطأ هو في وضع هذه ضد تلك أو تلك ضد هذه. أما تصور الرابطة العربية كدولة واحدة لجمهور غير متشكل، "فراطة" من البشر دون أية تعيينات جهوية أو ذاكرات خاصة أو هويات فرعية متفاوتة الرسوخ التاريخي، فهو وصفة للتفكك والفوضى لا للتوحد والنهوض. الدول الراهنة أطر تشكل وانتظام لجمهور عربي حديث العهد بالسياسة والدولة نسبيا، وهي قابلة للتطوير عموما. أما إضعافها ونزع شرعيتها فلا يخدم أية قضية، هو فقط رجعة إلى الوراء، مرساها هو العشائر والطوائف.
الطائفية ليست الابن الشرعي للدولة القطرية، بل هي ثمرة إضعاف الدولة في بلداننا. بالعكس، إن الاهتمام ببناء وطنية سورية وعراقية ولبنانية متمركزة حول الدولة... هو إسهام أساسي في التغلب على نزعات الانقسام الطائفية، دون أن يقطع الطريق بالضرورة على أشكال تعاون وتفاعل عربي أو إقليمي أوسع.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحيل الأخير لصالح بشير
- أربعة وجوه للمسألة الغربية
- نقد مفهوم التقدم كشرط لبلورة نقد تقدمي
- مضاربة، مضاربة، مضاربة
- بصدد بعض أصول هشاشتنا النفسية ضد الوطنية القبلية
- ثقافة الحرب الأهلية ومثقفوها
- في شأن أخلاقيات مقاومة الطائفية
- في تغيرات الإيديولوجية السورية وأصولها
- في نقد العنف اللفظي ضد العرب والإسلام
- عن -المجتمع المكشوف- وتحرره
- البوشية وتحطيم الديمقراطية
- الصراع الوجودي والصراع العدمي
- ما وراء -كي الوعي- وما تحت الوعي المكوي
- في نقد لبنان.. خواطر في شأن بيروت والثقافة والحرية
- أنهاية الردعية الإسرائيلية؟!
- كسر حالة اللابديل... فلسطينياً وعربياً
- .. لكن أين يوجد -العرب-؟!
- بلى، هناك بديل فلسطيني!
- قضية عدالة جوهرية، لا تتقادم ولا تستلب
- مشروع لقتل الناس جميعا!


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية