أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - أنهاية الردعية الإسرائيلية؟!















المزيد.....

أنهاية الردعية الإسرائيلية؟!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2532 - 2009 / 1 / 20 - 09:37
المحور: القضية الفلسطينية
    


لم يفت أحدا من المعلقين السياسيين على العدوان الإسرائيلي على غزة ذكر الدوافع الانتخابية وراءه. فمن ينل أكثر من العدو الفلسطيني من بين السياسيين الإسرائيليين يفز بنسبة أكبر من أصوات الناخبين الإسرائيليين، إذا تساوت كل الأمور الأخرى. غير أن هناك دافعا مهماً وراء الحرص الإسرائيلي العنيد على ضرب غزة يتخطى حتى إرادة تحطيم حماس وحماية سكان جنوب إسرائيل، إنه ترميم الردعية الإسرائيلية التي كانت تضعضعت بصورة جدية في مواجهة حزب الله اللبناني في حرب تموز 2006. ويقتضي الترميم هذا إرهاب الفلسطينيين والعرب بالمعنى الحرفي للكلمة، أي ترويعهم وشل مبادرتهم وكسر عيونهم وإرادة المقاومة المحتملة في أوساطهم.
"اللاتناسب" الشهير، الذي بالكاد تذمرت منه المشاعر المرهفة للأوربيين، له هذه الوظيفة الردعية بالذات. فإذا أخذناها بالاعتبار، أعني وجوب ردع أعداء إسرائيل وغرس شعور بالضآلة لديهم أمامها، عاد التناسب على أكمل وجه. أو هذا ما يؤمل من وجهة النظر الإسرائيلية. وبعبارة أخرى، ينبغي أن نرى المفعول الاستباقي المأمول من وجهة نظر إسرائيلية لـ"الاستخدام المفرط للقوة" في غزة، ولا نقف عند كونه "ردا" على "اعتداءات" حماس، على نحو ما تقرر الرواية الإسرائيلية القياسية والمقبولة على نطاق واسع في الغرب. والاستباق يتمثل بالطبع في إحباط الخطط العدوانية الفلسطينية في مهدها، بل ومنعها من البزوغ في الأذهان.
لكن يبدو أنه لن يكون للحلقة السابعة من حرب إسرائيل المستمرة منذ 60 عاما التأثير المروم. الشعور العام عند جمهور عربي واسع يتراوح بين الاشمئزاز والعداء والغضب، لكن ليس الخوف والهلع.
ولعله يمكننا في هذا السياق الكلام على قانون ردعية متناقصة (على غرار ما نتكلم في الاقتصاد على قانون الغلة المتناقصة للأرض أو الرأسمال أو الجهد البشري ) للعنف الإسرائيلي، يمثل الوجه الآخر لقانون تحول الصراع العربي الإسرائيلي من الدول إلى المنظمات العلمانية إلى المنظمات الإسلامية. وشرح هذا القانون ليس متعذرا. في الأصل كانت الردعية الإسرائيلية تأسست على القدرة على هزيمة دول وجيوش مثل مصر وسورية، وبدرجة ما منظمات الفدائيين الفلسطينيين "العلمانية" التي تعمل خارج أرضها ومجتمعها. يتعلق الأمر هنا بأطراف "عقلانية"، لديها ما تخسره (سلطتها وهيبتها، وموارد اقتصادية حرصت إسرائيل حتى حرب 1973 على ضربها؛ وحياة الأفراد والمجتمع المشتت والمهمش أصلا في حالة المنظمات الفلسطينية)، أطراف تؤوّل الوقائع الحربية والسياسية بطريقة ليست بعيدة جدا عن تأويل إسرائيل لها، وتاليا ترتدع إذا ووجهت بقوة ساحقة، محصنة، تحرص على منح الانطباع لأعدائها بأنها مجنونة لا تقف في عنفها عند حد. وهذا انطباع حرصت إسرائيل بوعي على غرسه في أذهان العرب، وجعلت منه مذهبا قتاليا معتمدا. والجنون هذا، تحت اسم "الإفراط في استخدام القوة" أو "اللاتناسب" بين الخطر المتصور والرد عليه، هو ما يحصل أن يشكو منه غربيون، تلهمهم نظرية "الحرب العادلة"، المعروفة جيدا في ثقافتهم.
الأمر مختلف حين تتحول المواجهة إلى منظمات إسلامية، لا تشارك إسرائيل عقلها السياسي، وتحوز ترياقا خاصا، مناسبا جدا يبطل المفعول السُّمّي للجنون الإسرائيلي، عقيدة الاستشهاد الإسلامية. قابلية منظمات كهذه للردع أدنى بكثير، وهي لا تعتبر الموت خسرانا محضا أو حدا مطلقا، بل لعله بداية حياة حقيقية. هذه النظرية هي ما تؤسس للعمليات الانتحارية أو الاستشهادية، تضفي عليها الشرعية بل الوجوب، وإن لم تكن بالقطع سببا لها على نحو ما يفضل أن يعتقد غربيون وعرب مقلدون لهم ("السبب" هو "الوضع الانتحاري"، أي حالة الحصار المفروضة على للشعب الفلسطيني والأفق المسدود لقضيته).
ومن جهة أخرى فإن المنظمات الإسلامية هذه، حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في لبنان، تقيم على أرضها وفي مجتمعها، فلا يمكن طردها إلى مكان آخر على نحو ما أمكن فعله بمنظمة التحرير عام 1982 وقبلها بفلسطينيين كثيرين في موجتي النزوح عامي 1948 و1967. (ولحزب الله ميزة في هذا الشأن عن حماس والجهاد من حيث أن قياداته ومقر قيادته في لبنان).
والقصد أن امتزاج الرسوخ في الأرض مع الرسوخ في الدين هو ما قد يفلّ من الطاقة الردعية للعنف الإسرائيلي المنفلت.
لعلها من "حيل التاريخ"، إذن، أن إسرائيل، بتمكنها من هزيمة الدول وإخراجها من الصراع المباشر معها (كانت حرب 1973 آخر حروب الدول)، دشنت بيديها انتهاء ردعيتها. وأنه قد يناسب إسرائيل أكثر أن تواجهها دول لا منظمات إسلامية لا ترتدع. لكن هذا يقتضي دولا كاملة السيادة، مالكة لقرار الحرب والسلم، الأمر الذي حرصت إسرائيل ورعاتها الغربيين على إعدام شروطه. هذه مفارقة لا سبيل إلى القفز فوقها يواجهها المشروع الإسرائيلي.
ومن وجوه المفارقة هذه أن أقرب المفاعيل المحتملة للتنكيل الإسرائيلي بغزة هو توثيق الارتباط بين القطاع وحماس، "تعميده بالدم"، أو تحوله إلى رباط مصيري لا ينفصم، حتى لو تعرض الجسم التنظيمي والعسكري لحماس لأذى بالغ من جراء العدوان الإسرائيلي الجاري. وهذا هو النقيض التام لما يفترض أن تصبو إليه إسرائيل (وإن لم يكن أيضا بالأمر الذي يسعد به المرء من وجهة نظر وطنية فلسطينية لكونه ربما يعمق اختلاف الطابع بين القطاع والضفة، أو من وجهة نظر حياة اجتماعية وثقافية أكثر تنوعا وتفتحا في غزة؛ لكن هذا يقتضي تناولا خاصا). وعلى هذا النحو، يبدو أن المشروع الإسرائيلي لا يكف عن خلق تناقضات بين مصالحه بالذات تحكم عليه في النهاية بالفشل. والفشل لا ينقلب إلى نجاح، لا بالقوة ولا بمزيد من القوة، على خلاف ما كان أمل بن غوريون في الأيام الأولى لتأسيس دولته.
ومنبع التناقضات جميعا هو غربة إسرائيل الجوهرية والجذرية عن المحيط الذي فرضت فيه وعليه غصبا. فلا تستطيع إسرائيل أن تكون آمنة إلا بمراكمة وسائل القوة، وباستخدامها من حين لآخر، الأمر الذي يعمق غربتها ويعزز استحالة القبول بها. ولا يؤشر العنف إسرائيلي الذي اتصف دوما بـ"اللاتناسب" إلا على أن اللاتناسب جوهري المشروع الإسرائيلي ذاته. ببساطة إسرائيل غير مناسبة ولا متناسبة هنا. هذا أمر غير قابل للتقادم ولا المحو، لا بالقوة ولا بمزيد من القوة، لا بالجنون ولا بالعقل.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كسر حالة اللابديل... فلسطينياً وعربياً
- .. لكن أين يوجد -العرب-؟!
- بلى، هناك بديل فلسطيني!
- قضية عدالة جوهرية، لا تتقادم ولا تستلب
- مشروع لقتل الناس جميعا!
- حماس وعبّاس والشيطان
- في الطائفية والهيمنة والمعرفة السياسية
- الثقافة والطائفية: شروط إمكان دراسة نقدية
- الزيدي وبوش والحذاء...سخرية في بطن سخرية!
- إصلاح النظام أم استعادة الجولان؟
- في نقد تصور الوطنية القومي العربي
- بصدد -الأخلاقوية- و-الحضاروية- و.. السياسة
- ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول
- وجهان لدينامية الصراع العربي الإسرائيلي
- لا حل إسلاميا للمشكلة الطائفية
- أي نقد للقومية العربية؟
- في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة
- القرضاوي وخصومه: من الأمة الدينية إلى الأمة السياسية
- في الرأسمالية والأزمة.. والديمقراطية
- رئيس أسود في البيت الأبيض..!


المزيد.....




- ترامب: أحمد الشرع -من أشد دعاة السلام-.. وتشرفت بقضاء بعض ال ...
- إدارة ترامب تعلن تعليق عقوبات -قانون قيصر- على سوريا.. ماذا ...
- ما أبرز ملفات لقاء الشرع بترامب وما نتائجه؟
- ترامب بعد لقائه الشرع: نريد أن تنجح سوريا وبقية الشرق الأوسط ...
- السودان- مفوض أممي: الفاشر تشهد فظائع مروعة والأطفال يموتون ...
- الكنيست يقر القراءة الأولى لمشروع قانون يُجيز إغلاق وسائل ال ...
- إسبانيا: تعرّض ضابطيْ شرطة لضربٍ وحشي أدّى لكسرٍ في الأسنان ...
- تقرير أممي: 70 ألف شخص نزحوا يوميا العقد الماضي بسبب الكوارث ...
- أمنستي تدعو نيجيريا لتبرئة 9 نشطاء أعدمتهم قبل 30 عاما
- سوريا توقع إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي ضد تنظيم الدو ...


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - أنهاية الردعية الإسرائيلية؟!