أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أي نقد للقومية العربية؟














المزيد.....

أي نقد للقومية العربية؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2479 - 2008 / 11 / 28 - 09:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يمكن توجيه نقدين مختلفين للقومية العربية فكرة وحركة، اليوم والأمس: نقد أول ينصب على المذهب القومي بما هو كذلك، وبما في ذلك نزوعه التوسعي المتأصل والإقصائي الذي لا يقل تأصلا وتمركزه الدائم حول الذات وارتباطه الدائم أيضا بالحرب والعسكرة وعبادته للدولة؛ ونقد آخر ينصب بالأحرى على العرب، على تفرقهم وتخلفهم وضآلة وزنهم الدولي وعلى ظلمهم لأنفسهم ولبعضهم وجورهم على غيرهم، وعلى أشكال تدينهم المتشددة والعنيفة، وعلى انتشار الاستبداد في أكثر أشكاله وحشية في ظهرانيهم، وعلى سفاهة كثيرين من ميسوريهم، الحاكمين منهم والخواص..
كلا النقدين مشروع ومطلوب.
ما ليس مشروعا هو أن نخلط بينهما. إن محذور النقد الأول هو أن ننتقد القومية العربية لأنها عربية لا لأنها قومية، فيفوتنا ما في القومية العربية من أوجه شبه كبيرة بأية حركات قومية ممكنة معاصرة أو سابق، ونلبّس على القارئ أننا ننتقد القومية العربية والقوميين العرب ("القومجيين" كما يفضل البعض)، فيما نحن نطعن في كل ما هو منسوب للعرب.
أما المحذور الأساسي للنقد الثاني فهو الجوهرانية، أعني افتراض أن نواقص العرب المعاصرين، وهي وفيرة بلا ريب، متأصلة في عنصرهم أو ثقافتهم أو لغتهم أو دين أكثريتهم. قليلون من يقولون ذلك تماما، لكن للإلحاح المستمر على ثلب كل ما يتصل بالعرب والعروبة مفعول بناء العرب على النقص والقصور، كأنما ينبثق ذلك من جوهر ثابت لهم لا يتبدل .
والحال إن نقدا للعرب يتجنب ذلك المحذور ضروري، خاصة إن مارسه عرب، وبالأخص بقدر ما يتحرر هذا النقد من التورط العاطفي الإيجابي أو السلبي في المنقود، أعني من التماهي المطلق والعجز عن الانفصال عن الذات (فيمتنع النقد أو يكون "نقدا خجولا") من جهة، كما من التماهي المضاد والميل إلى الانفصال المطلق والعدوانية (يمتنع النقد أيضا بأن يغدو عدوانا) من جهة ثانية. وبنقد العرب أعني نقدهم كثقافة، كما نقد واقعهم ودولهم. لا قيد على هذا النقد سوى الانضباط بقيم عامة، يفترض أن ينضبط بها ذاتها نقد أية دول ومجتمعات وثقافات أخرى.
ولعل للعرب مصلحة قد تكون أكبر من غيرهم في الفصل بين القومية والعربية والتمييز بين النقد الموجه لواحدة والنقد الموجه للأخرى. هذا للأسف ما لا يتبينه أكثر القوميين العرب. ولعل أكثر نقاد القومية العربية لا يتبينونه أيضا. الأولون يعتبرون أي نقد للقومية العربية، طعنا جوهريا في العرب، رغم أن القومية شكل سياسي وإيديولوجي تاريخي للرابطة العربية يمكن لها أن تتشكل بغيره. فإذا لم نفصل بين الشكل والرابطة الحية (اللغة والثقافة والتعاطف ..) جازفنا بأن يكون مصير العروبة هو ذاته مصير القومية، أي أن يتبعثر العرب ويفقدوا أية رابطة معنوية بينهم لأن الصيغ السياسية لرابطتهم المشتركة تتعثر أو فات وقتها أو هي غير ملائمة للربط بينهم. بل إنه يمكننا القول إن الفصل بين القومية والعروبة، وليس الربط بينهما، هو ما من شأنه أن ينقذ العروبة أو الروح الحية من الإهاب التاريخي العارض. وبضيق أفقهم الغالب يشارك القوميون بعض أعداء العروبة الذين يستخلصون من انسداد أفق الحركة والفكرة القومية العربية إنكار الوقائع العربية نفسها أو التقليل المطلق من شأنها أو التلهف على إثبات أنها فكرة خاطئة، يشاركونهم الربط المحكم بين القومية العربية والعروبة. لكن فيما ينتظر القوميون زمنا قوميا جديدا، تلتقي فيه العروبة الهائمة صورة سياسية تسكن إليها، يتعجل خصوم القومية العربية إثبات أن العروبة فشلت لأن الفكرة القومية فشلت، هذا إن لم يمضوا إل حد القول إن العرب ذاتهم فكرة خاطئة لا شأن لها.
والحال، ليس هذا مثالا نادرا لتحالف الخصوم. نتذكر مثلا بسهولة أن الإسلاميين الذين يعرّفون مجتمعاتنا بالإسلام حصرا هم شركاء لأشد الغربيين عداء لمجتمعاتنا وللإسلام في الميل إلى تعريفنا أيضا تعريفا مستنفدا بالإسلام. ومن السهل أيضا إثبات أن أعداء الغرب الماهويين بيننا يشبهون أعداءنا في الغرب أكثر مما يشبهون النقاد الغربيين لمجتمعاتهم وثقافاتهم وسياسات دولهم. والقوميون العرب الذين يفضلون أن يستشهدوا كثيرا بنقد نعوم تشومسكي للسياسة الأميركية يشبهون خصومه الأميركيون الذين يصفه بعضهم بأنه "يهودي كاره لذاته" أكثر مما يشبهونه هو ذاته. تشومسكي ينتقد جماعته، وأصحابنا ينتقدون جماعته أيضا، فيما موقفهم من جماعتهم قَبَلي، يغوي إن غوت القبيلة ولا يرشد إلا أن رشدت.
كاتب هذه السطور شريك في نقد القومية العربية والتحفظ عليها. لكنه ينتقدها لأنها قومية لا لأنها عربية. هو لذلك ينتقد أيضا عقيدة "سورية أولا"، وهذه نزعة قومية أخرى، تنزع نحو التفكير في سورية ككيان مصمت وإلى مطابقتها بالدولة، وإلى وضعها في تقابل قطبي مع العروبة. وهي بالطبع الأخت العدوة لنزعات قومية مماثلة من صنف" لبنان أولا" و"الأردن أولا" و"مصر أولا". أما من ينتقدون القومية العربية، ثم ينحازون إلى قوميات سورية ومصرية ولبنانية.. فهم يمارسون ضربا من الغش: يوحون أنهم ينتقدون القومية العربية فيما هم يعترضون على كل ما يتصل بالعرب. وهم فوق ذلك يأخذون أسوأ ما في القومية، تمركزها حول ذاتها وأنانيتها واحتفاءها بنفسها، ويتركون روحها الحية، أي الالتزام بالتضامن مع بشر محسوسين، نشاركهم اللغة وما تحمله من بنى شعورية ونفسية.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة
- القرضاوي وخصومه: من الأمة الدينية إلى الأمة السياسية
- في الرأسمالية والأزمة.. والديمقراطية
- رئيس أسود في البيت الأبيض..!
- عن الممانعة والسلبية والعداء للغرب
- فرصة لتوسيع الديمقراطية العالمية!
- أغزوٌ شيعي لمجتمعات سُنيّة؟!
- تغيير المعارضة أولا..
- في العلمانية والديمقراطية والدولة
- على هامش الأزمة الأميركية: النهايات والعودات
- التمثيل القومي لسورية عائقا دون التمثيل الديمقراطي للسوريين
- إرهاب بلا وجه وأمن بلا لسان!
- الاستبداد كاغتراب سياسي
- الطائفية بين أهل الإباحة وأهل العفة
- من الشعبوية والنخبوية إلى استقلال السياسة والمعرفة
- الليبرالية الجديدة والبرجوازية الجديدة في سورية
- -مرشد الأمة- وتأسيس الطغيان
- -السنة والإصلاح- لعبد الله العروي: من التسنين إلى التاريخ!
- من هم الأشرار... وكيف التخلص منهم؟
- -إعلان دمشق- وأزمة المعارضة السورية


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أي نقد للقومية العربية؟