أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - التمثيل القومي لسورية عائقا دون التمثيل الديمقراطي للسوريين















المزيد.....

التمثيل القومي لسورية عائقا دون التمثيل الديمقراطي للسوريين


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2427 - 2008 / 10 / 7 - 09:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


على أي مفهوم للمصلحة الوطنية يقوم مفهوم الأمن الوطني الذي يسوغ اعتقال ومحاكمة ناشطي "إعلان دمشق" الاثني عشر؟ تحاول هذه المقالة أن تظهر أن غياب مفهوم للأمن الوطني وللمصلحة الوطنية، وليس حضوره، هو ما يسهل أمر محاكمة المعارضين السياسيين في سورية.
يحصل أن يستخدم تعبير المصلحة الوطنية في خطاب السلطات السورية، لكنه لا يحيل إلى مضمون محدد، ولن نجد أي مرجع مقرر أو وثيقة أساسية تناقشه. ينبغي أن يكون هذا غريبا، بيد أن غرابته ترتفع فورا إن تبينا أصله. تقول المادة الأولى من دستور "الجمهورية العربية السورية" الصادر عام 1973: "2- القطر العربي السوري جزء من الوطن العربي؛ 3- الشعب في القطر العربي السوري جزء من الأمة العربية يعمل ويناضل لتحقيق وحدتها الشاملة". وعلى الفور نتبين أن ما يحول دون التفكير في مصلحة وطنية سورية وأمن وطني سوري هو شيء أكثر أساسية منهما معا: مفهوم الهوية الوطنية للبلد، وهو مفهوم "قومي عربي" تشكل في خمسينات القرن العشرين وستيناته.
هاهنا تفارق ظاهر بين المفاهيم المتاحة والواقع المعاش. ثمة من جهة مفاهيم للهوية الوطنية والمصلحة الوطني والأمن الوطني تحيل إلى كيان افتراضي يتجاوز سورية، وهناك من جهة ثانية كيان واقعي غير مفكر في هويته وفي تطوير تصورات محددة لمصلحته وأمنه. ولوقت ما، حين كان ثمة حركة قومية عربية نشطة قبل نحو نصف قرن، كان يبدو أن التفارق متجه إلى التئام. ولم يكن الالتئام يعني غير زوال سورية أو ذوبانها في كيان عربي أوسع. لكن الأمور التي لم تسر في اتجاه ما تقرر الفكر القومية أيام "المد القومي" كانت سائرة سلفا في اتجاه معاكس وقت صدور الدستور السوري قبل ثلاثة عقود ونصف.
استمرت مع ذلك مفاهيم وتصورات المرحلة القومية مهيمنة في تفكير وخطاب النخب السياسية والثقافية في سورية. الفضل في ذلك لتحول وظيفتها من تفسير الواقع وتوجيه العمل فيه إلى توحيد طاقم الحكم والحد من فرص الانشقاق الفكري والثقافي. هذا فوق أن حضور مفاهيم غير مطابقة يحرر السياسة العملية للطاقم نفسه من الانضباط بأية مفاهيم على الإطلاق. ومن يفرط في "حرية" كهذه؟
هذا هو الوضع الذي نجدنا فيه راهنا: الوطنية السورية، هوية ومصلحة وأمنا، غير مفكر فيها، علما أن التفكير فيها وحده هو ما من شأنه تطوير أفكار ومفاهيم وضوابط للممارسة السياسية في البلاد. ومن المفهوم أن تحكًم السوريين الفكري والسياسي بشروط حياتهم الفعلية سيتراجع حين لا يتاح لهم التفكير بهذه الشروط وتمثلها. المفاهيم المتاحة، بالمقابل، لا تمكن السكان من عقلنة وتنظيم حياتهم السياسية الوطنية. لقد آل التمثيل القومي لسورية إلى تعطيل تمثل السوريين لواقعهم وتمثيل ذاتهم سياسيا، ما يعني أيضا أنه أمسى عنوانا لاغترابهم النظري والعملي.
وكان "إعلان دمشق"، وثيقته التأسيسية بخاصة (أكتوبر، 2005)، تلمس هذا الشرط الغريب، ونزع إلا الانفصال عنه، وإن تلمسا أيضا. تكلمت الوثيقة على "منظومة عربية" وعلى "مكونات" للمجتمع السوري، وعلى الأكراد السوريين وحقوقهم، لكن بعبارات قلقة و"تجريبية". لم تطور تصورا متسقا للهوية الوطنية، وتاليا لكل من المصلحة والأمن الوطنيين، لكنها انشقت على التصور المهمين واعترضت عليه سياسيا.
ورغم صيغتها القانونية العامة القابلة لكل التأويلات، ورغم إغراضها وسوء نيتها، تشخص إحدى التهم الموجهة لمعتقلي الإعلان ("إضعاف الشعور القومي وإثارة النعرات العنصرية والمذهبية") نوعية توجههم بصورة قريبة من الواقع. فقد قرنت وثيقة الإعلان بين إرادة ابتعاد أكيدة عن البلاغة القومية وانفتاح على الواقعة السورية، وبين تنبه غير مألوف للتعدد السوري الداخلي. والارتباط بين التوجهين وثيق. فاعتبار سورية وحدة عمل يتوافق مع توجيه الأنظار إلى بنى المجتمع السوري الداخلية ومكامن نزاعاته المحتملة، فيما يفضي إدراج سورية بلا باق في متعدد عربي أكبر إلى إنكار تعددها الذاتي، وتغليب النظر إليها كوحدة مصمتة.
بالمقابل، يكشف اتهام المعتقلين بـ"ترويج أنباء كاذبة في زمن الحرب من شأنها أن توهن نفسية الأمة" الوظيفة الوحيدة التي ينهض بها اليوم التصور القومي لسورية. ترى، أية أمة هي المعنية؟ الأمة العربية؟ كيف تسنى للقضاء السوري أن يشخص تبدلات الحالة النفسية للعرب في 22 بلدا، المترتبة على تشكل ائتلاف "إعلان دمشق"؟ أم لعلها "الشعب العربي في سورية"؟ ما وضع الأكراد في هذه الحالة؟ وهل ينتظر منهم الاعتناء بالصحة النفسية العربية؟ وقبل ذلك، أية حرب؟ وأية أنباء كاذبة؟ وما هو معيار الحكم عليها؟ ومن يحدد البراهين على صحة الأنباء أو كذبها؟
يمكن طرح أسئلة كثيرة على التهم الموجهة للمعتقلين الذين ينتظر أن يحكم عليهم في الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر الجاري. لكن ليس ثمة أدنى فائدة من ذلك. فدون استعداد لتسمية الأشياء بأسمائها، ودون إرادة مخلصة من قبل جميع المعنيين لمعرفة الحقيقة دون مراوغة ودون تهديد أو لجوء إلى وسائل غير نقاشية، ودون حس حي مشترك بالعدالة والإنصاف يمكن لأي مراقبين مستقلين مفترضين الحكم بشأنه (وكل ذلك مفتقد بخصوص القضية مدار النقاش وبخصوص النقاش العام في سورية عموما)، دون ذلك لا تثمر المساجلات العقيمة غير تبرير الأوضاع القائمة.
ما يمكن الخلوص إليه هو أن التمثيل "القومي" لهوية ومصلحة وأمن سورية لم يعد غير مطابق للواقع فقط، وإنما هو انقلب أدوات لتجريم أي تفكير مختلف وأكثر انفتاحا على الواقع الذي يعيشه السوريون. بالمقابل، من شأن الانفتاح النفسي والفكري على الواقع المعاش، وإعادة بناء السياسة حوله، أن يتيح للسوريين عقلنة أوضاعهم وتحسين تحكمهم بها. وهذا الجهد الهادف إلى بناء تمثيل مطابق لهوية سورية ومصلحتها وأمنها الوطنيين يستمد قيمته وشرعيته من تمكين السوريين الملموسين من تملك السياسة والمعرفة السياسية وتمثيل أنفسهم، وليس من "قومية سورية" يحصل أن تفكر في نفسها عبر شعار "سورية أولا"، لكنها لا تفعل غير توفير مرجعية مختلفة، وأكثر شبابا، لتجديد اغترابهم السياسي.
ليس السؤال ما إذا كانت سورية "قطرا عربيا" أو "أمة سورية" مستقلة؛ السؤال كيف تكون "وطنا" لسكانها، وكيف يكون هؤلاء "مواطنين" في بلدهم.






#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إرهاب بلا وجه وأمن بلا لسان!
- الاستبداد كاغتراب سياسي
- الطائفية بين أهل الإباحة وأهل العفة
- من الشعبوية والنخبوية إلى استقلال السياسة والمعرفة
- الليبرالية الجديدة والبرجوازية الجديدة في سورية
- -مرشد الأمة- وتأسيس الطغيان
- -السنة والإصلاح- لعبد الله العروي: من التسنين إلى التاريخ!
- من هم الأشرار... وكيف التخلص منهم؟
- -إعلان دمشق- وأزمة المعارضة السورية
- -نخبة- متخلفة في مجتمع متغير
- كأنها حرب أهلية...
- في شأن مسألة الحاكمية
- في أن القضايا -المقدسة- مطايا مثالية!
- انفصال عن الجدار مقالة في الثقافة والثورة الثقافية
- عن منظمات حقوق الإنسان والإيديولوجية الحقوقية في سورية
- من البشير الصامد إلى حنبعل الفاتح!
- قليل من السياسة، كثير من المشاعر
- الاستبداد والغرب: الحكاية نفسها دوما
- في ضروب الشعبوية العربية وبعض خصائصها
- الطغيان مخرجا من صعوبة السياسة


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - التمثيل القومي لسورية عائقا دون التمثيل الديمقراطي للسوريين