أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ياسين الحاج صالح - عن منظمات حقوق الإنسان والإيديولوجية الحقوقية في سورية














المزيد.....

عن منظمات حقوق الإنسان والإيديولوجية الحقوقية في سورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2370 - 2008 / 8 / 11 - 10:55
المحور: حقوق الانسان
    


ولدت منظمات حقوق الإنسان في سورية على أيدي ناشطين سياسيين يساريين سابقين. من تجاربهم الأصلية حمل هؤلاء شيئين متناقضين: أولهما إرادة اجتناب العمل السياسي تولدت هي ذاتها عن التقاء خبرتين: الاعتقال السياسي الذي عانى منه أكثرهم، ثم تداعي الإيديولوجية الشيوعية التي تحدروا جميعا من تنويعاتها المحلية؛ وثانيهما نزوع تلقائي إلى حصر انتهاكات حقوق الإنسان بما قد يتعرض له ناشطون سياسيون على يد النظام. وبينما قاد العنصر الأول من هذا الميراث المنظمات المعنية إلى تجنب ما من شأنه إثارة غضب السلطات قدر الإمكان، وأحيانا إلى علاقات ملتبسة مع أجهزة أمنية، فقد جعلها العنصر الثاني عاجزة عن تبين انتهاكات أوسع وأشنع بكثير من تلك التي يتعرض لها ناشطون سياسيون. من هذه مثلا التعذيب الروتيني للموقوفين القضائيين على يد الشرط الجنائية أو أجهزة الأمن ذاتها (تتجاوز ولايتها القضايا الأمنية الصرف وتشمل أنشطة يفترض أنها تقع في ولاية وزارة الداخلية)، ومنها أوضاع السجون البالغة السوء، ومنها أوضاع السكن العشوائي ومناطق "المخالفات"، وأحوال العاملين في القطاع غير المنظم، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية بعامة.
تبدو دعوة حقوق الإنسان في سورية وربما في البلاد العربية كلها دعوة نخبوية بصورة متأصلة. لا ترى انتهاكات إلا ما تتعرض له أوساط تشبه تلك التي انحدر منها ناشطوها. على سبيل المثال نالت الأوضاع السيئة لمعتقلي "إعلان دمشق" في سجن عدرا تغطية معقولة، وبالخصوص توزيعهم على مهاجع مكتظة بسجناء الحق العام (100 أو أكثر في مهجع مساحته لا تتجاوز 55 مترا مربعا)، تؤجر فيها الأسرّة بالمال. ولم تذكر أوضاع السجناء هؤلاء إلا كشيء ينبغي أن لا يعم المعتقلين السياسيين، رغم أن ما يتعرض له المعتقلون السياسيون أقل سوءا من شركائهم في المهاجع. يندر مثلا أن يتعرضوا لعقوبات جسدية، على شيوع هذه بخصوص السجناء الآخرين. والانضباط الذاتي المميز ومستوى الحياة الأعلى عموما والروابط الأسرية الأمتن غالبا، فضلا عن اهتمام إعلامي لا بأس به بأوضاعهم، يجعل السجناء السياسيين في وضع محمي نسبيا مما قد يصيب عموم المساجين، إن على أيدي بعضهم أو على أيدي إدارة السجن.
في واقع الأمر يشكل الناشطون السياسيون بعامة قطاعا مسودا من النخبة السياسية السائدة في سورية. وهم يحوزون على بعض امتيازات موقعهم النخبوي (اهتمام إعلامي ودفاع قانوني مجاني ورعاية من قبل زملائهم ورفاقهم..)، وإن نالهم بالمقابل غير قليل من غُرم هذا الموقع نفسه، أعني ما يترتب على كونهم منافسين سياسيين محتملين لنخبة النظام الحاكم (أحكام سجن تعسفية، حرمانات حقوقية متنوعة..). لذلك فإن النظر الحصري إلى أوضاع حقوق الإنسان من منظور أوضاع ناشطي المعارضة يعطي فكرة مشوهة عنها، بل إن من شأن النظر إلى الأوضاع العامة في سورية من منظور حقوق الإنسان التقليدي مضلل جدا. ونشتبه أن من أسباب هذا الوضع، فضلا عما ذكرنا فوق عن ميراث الناشطين الحقوقيين، ضرب من التمركز الغربي لمنظمات حقوق الإنسان العربية، إن لم يكن على المستوى المؤسسي فعلى المستوى الثقافي حتما. فالمنظمات هذه تستبطن مفهوما للإنسان وحقوقه تطور في الغرب الليبرالي، مفهوما يقلل من شأن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وقد يتوسل فكرة حقوق الإنسان كأداة إيديولوجية للنيل من الدول والكتل الدولية الخصم. هذا يوجه نظر الناشط الحقوقي نحو ضروب بعينها من الانتهاكات، تلك التي تقوم بها أجهزة قمعية، ويتعرض لها نشطاء سياسيون، يشيع الافتراض في الغرب أنهم "ليبراليون" لمجرد أنهم خصوم للنظم المحلية الحاكمة. هذا على المستوى الثقافي.
يضاف إلى ذلك في عدد غير قليل من الحالات ارتباط مؤسسي بمنظمات حقوقية دولية، بعضها مستقل، وغير قليل منها محترم، لكنها متشربة بمقاييس ومفاهيم عالمها السياسي والثقافي والحقوقي الخاص، الغربي. هناك على سبيل المثال صيغ شبه ثابتة للتقارير الحقوقية يحصل أن يجري تدريب ناشطين حقوقيين عليها. وهناك أحيانا ارتباط تمويلي. وهناك في أحيان أخرى ضرب من الرعاية من قبل إطار حقوقي دولي مكرس. وبمجملها توجه هذه الارتباطات النشاط الحقوقي المحلي وجهة نخبوية محابية لما هو قريب من "مجتمع النخبة" (بما في ذلك المعارضة المنظمة في هذا السياق). وهي كذلك تحكم على المقاربة الحقوقية بأن تكون إيديولوجية، لا ترى من الواقع إلا ما هو منظم ورسمي ومتكلم بلغة فصحى، بينما يقع العشوائي والهامشي والعامي وغير المنظم خارج ساحتها البصرية. وإنما لذلك قلنا إن من شأن النظر إلى أحوال السوريين من منظور حقوق الإنسان الذي يفترض مجتمعا منظما أن يكون مضللا جدا. يكفي القول مثلا أن 42 % من السوريين يعتاشون من القطاع غير المنظم، أي خارج الدولة اقتصاديا واجتماعيا، وغير مرئيين سياسيا وثقافيا وحقوقيا.
بيد أن نخبوية النشاط العام في سورية قسرية، وليست اختيارا إلا بصورة عارضة. في أصلها ثمة الحجر السياسي النشط المضروب على المجتمع السوري ككل، وبالأخص تقطيع روابط نخبه المستقلة بأية قوى اجتماعية محتملة. ولهذا الحجر مفعول تجريدي، يوجه التفكير والنشاط العام تلقائيا نحو مقاربات مبنية على مبدأ "الحق الطبيعي" الذي انبنت عليه في الأصل فكرة حقوق الإنسان. في أوضاع أفضل قليلا تبرز فكرة المواطن ويطور الناشط العام مقاربات سياسية تطرح قضايا السلطة ونظام الحكم والمساواة السياسية، وهو ما مثل منطق عمل المعارضة السورية في السنوات الأخيرة. ونرجح أن الاستقلال السياسي للنشاط العام واستقرار مبدأ المواطنة يقترن باهتمام أوسع بالمسائل الاجتماعية والاقتصادية. على هذا النحو كانت تتابعت أجيال الحقوق العامة في أوربا، المساواة الحقوقية في القرن 18، والمساواة السياسية في القرن 19، والمساواة الاجتماعية في القرن العشرين، حسب ت. ه. مارشال). وفي غياب شرطها الموضوعي، أي استقرار المواطنة، فإن حضور الشاغل الاجتماعي الاقتصادي يبقى ذاتيا وإيديولوجيا، يقتصر مفعوله على تعريف المنظمات المعنية وتمييزها عن غيرها، أي يندرج في نصاب الهوية لا في نصاب العمل.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من البشير الصامد إلى حنبعل الفاتح!
- قليل من السياسة، كثير من المشاعر
- الاستبداد والغرب: الحكاية نفسها دوما
- في ضروب الشعبوية العربية وبعض خصائصها
- الطغيان مخرجا من صعوبة السياسة
- -الدولة الخارجية- وغريزتها السياسية
- المثقفون والمسألة الإسلامية
- في -التفكير العضوي- والأساطير والانحطاط...
- ماركس لم يكن ملحداً؛ لماذا؟
- مبادئ لسياسة معارضة عقلانية في شروط الكفاف السياسي
- خواطر في شأن نحوس الليبرالية العربية وسعودها
- نظريات الفساد السوري وبرامجها العلاجية المقترحة
- غسان المفح يحاور ياسين الحاج صالح
- سورية والسير على قدم واحدة
- أي موقع للسلطة الدينية الإسلامية في الدولة الحديثة، عندنا؟
- المثقفون والمخابرات والمؤامرات والتنوير...
- المثقفون السوريون والتفاوض السوري الإسرائيلي
- الوطنية التخوينية والتدين التكفيري
- أفحمتُه، أفحمناهم... النقاش كاستمرار للحرب بوسائل أخرى
- في نقد الأهل وأهل النقد


المزيد.....




- لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية طلابا مؤيدين للفلسطينيين في جام ...
- حاولوا إدخال الأرز والدقيق لغزة.. تفاصيل اعتقال حاخامات خلال ...
- 10 ألاف اسرائيلي يتظاهرون امام مبني وزارة الحرب
- إعلام عبري: واشنطن تحاول مساعدة تل أبيب في منع -الجنائية الد ...
- بعد أن فاجأ الجميع بعزمه الاستقالة.. أنصار سانشيز يتظاهرون ل ...
- شاهد.. اعتقالات جماعية للمحتجين بجامعة واشنطن وتوقيف مرشحة ر ...
- لازاريني: المساعي لحل الأونروا لها دوافع سياسية وهي تقوض قيا ...
- نتنياهو يشعر بقلق بالغ من احتمال إصدر الجنائية الدولية مذكرة ...
- على غرار رواندا.. هل يرحل الاتحاد الأوروبي اللاجئين إلى تونس ...
- اعتقال العشرات المؤيدين للفلسطينيين في حرم جامعات أميركية


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ياسين الحاج صالح - عن منظمات حقوق الإنسان والإيديولوجية الحقوقية في سورية