أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - -الدولة الخارجية- وغريزتها السياسية















المزيد.....

-الدولة الخارجية- وغريزتها السياسية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2349 - 2008 / 7 / 21 - 10:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعن تدهور علاقات سورية مع القوى الغربية في أية لحظة ثورة سورية على نموذج "الدولة الخارجية" الذي استقرت عليه منذ أيام الأسد الأب، الدولة التي هي الركيزة الأساس لتدويل المنطقة وفشلها المتمادي في التقدم الحضاري والتنمية الاقتصادية والتحول الديمقراطي. والجوهري في الدولة الخارجية أو الدولة المتوجهة نحو الخارج هو أن المجتمع المحكوم مجرد ركيزة لسلطة، معنية أولا وأساسا بدوامها، دون أن يكون للركيزة هذه دور ذاتي ودون أن تكون فاعلا سياسيا. تقوم الدول الخارجية على إقالة محكوميها من السياسة والرأي والمبادرة المستقلة، وكفالة دوام هذه الإقالة كشرط لدوام ولايتها ذاتها. وبهذه الصفة ليست الدولة هذه غير ديمقراطية فقط وإنما يمتنع تحويلها ديمقراطيا دون تحويل وجهها ومركزها نحو الداخل. مركز الدولة هذه يقع في جهاز الدولة المتوجه نحو "الخارج"، الغرب أساسا. هذا ثابت بنيوي، لا يطعن فيه خصومة إيديولوجية أو توتر سياسي أو أزمة دبلوماسية قد تعرض بين وقت وآخر.

في مثل هذا الشرط علاقة جيدة مع الغرب أفضل من علاقة سيئة معه، وأفضل من علاقة جيدة مع غير الغرب، إيران مثلا. ليس أفضل لأن علاقات عادية أو طيبة مع الغرب قد تنعكس انفراجا سياسيا داخليا أو تحسنا على مستوى حقوق الإنسان؛ فلا يعدو التعويل على هذا أن يصلّب الوضع الذي يجعل الانفراج السياسي والحقوقي أكثر امتناعا، أعني وضع الدولة الخارجية ذاته. هو أفضل بالأحرى لأن نظاما مسترخيا في البلاد أقل خطرا من نظام متشنج قلق، ولأن سورية جيدة العلاقة مع الغرب قد تستفيد من تدفقات تكنولوجية واستثمارية ربما تكون لها مفاعيل محرضة للنمو الاقتصادي.
على أن خياراتنا الوطنية لا تنحصر بين علاقة جيدة أو سيئة مع الغرب، إلا إذا رفضنا إدراج شرط الدولة الخارجية في النقاش العام، سواء بأن اعتبرناها معطى نهائيا، أو اكتفينا بمعلنها الإيديولوجي، "السوبر وطني" دوما، فبذلنا لها ولاء غير متحفظ أو متحفظ قليلا فحسب. وإلا فإن الخيار الذي يمكن صوغ سياسة وطنية متسقة حوله هو تغيير النموذج ذاته. وهذا بالطبع ليس شأن النظام أو نخبة الدولة الخارجية، ولا هو شأن "المفكرين القوميين" الذي انعقد لهم مؤخرا مؤتمرا في دمشق لـ"تجديد الفكر القومي".
على أية حال لم تكف السلطات السورية عن محاولة تحسين العلاقات مع القوى الغربية، توقيا من أخطار بدا لبعض الوقت أنها تهدد وجود النظام ذاته، لكن أيضا لأن الدولة الخارجية "تشتاق" غريزيا إلى "الخارج" على نحو ما "تشتاق" إبرة البوصلة إلى الشمال المغنطيسي. ويتملكها شعور باليتم والاكتئاب واللاأمن إن انفصلت عنه لسبب ما. ونرجح منذ الآن أن الحصيلة المجملة لنحو أربع سنوات من تأزم العلاقات السورية الغربية هي المزيد من ترسيخ شرط الدولة الخارجية أو المتوجهة إلى الخارج. ومرة أخرى ينبغي التمييز بين هذا الشرط البنيوي وبين حسن العلاقات أو سوئها مع الغرب. فلا سوء العلاقات عنى في أي يوم قطيعة مع نموذج الدولة والسياسة هذا، ولا حسنها هو الذي أنشأ هذا النموذج. على أن تناوب الحسن والسوء يرسخ الدولة الخارجية ويسد آفاق التطور السياسي بحصرها بين بديلين مختلفين ظاهريا وإيديولوجيا، لكنهما سيان في العمق.
قد يخيب هذا الكلام توقعات إيديولوجيين سوريين وعرب لطالما تعلقوا بحبال الريح وجعلوا من تدهور العلاقات مع الغرب برهانا على ممانعة ومقاومة وقومية..، أو أملوا أن يتجه النظام إلى الانفتاح على الداخل ما دامت أبواب الخارج قد أغلقت. لكنه يخيب أيضا توقعات إيديولوجيين آخرين يتجاذبهم الاستياء من تحسن العلاقات مع الغرب لأنه يعني تمكين النظام، والرجاء بأن يفضي هذا التحسن إلى انفراج داخلي. لا هذا ولا ذاك ولا ذلك. لا الضغط الخارجي يمكن أن يفضي إلى توجه الدولة الخارجية نحو الداخل الاجتماعي السوري، ولا حتى إلى سياسة ممانعة متسقة؛ ولا هو من جهة أخرى يندرج أو يقبل إدراجا في مسار يقود إلى تغيير حاسم في هياكل الدولة الخارجية، أساس التبعية السياسية. ومن جهة أخرى لا يعني تحسن العلاقات مع الغرب "خيانة" من طرف نخبة الدولة الخارجية أو تخليا منها عن إيديولوجيا الممانعة، كما لن يفضي (إلا عرضا) إلى انفراج داخلي أو إلى تشدد داخلي. المشكلة ليست في السياسات المتبدلة بل في البنى الأطول أمدا، وليست في الخارج بل في نموذج الدولة الخارجية التي تطلب الخارج الغربي (القوي الغني) وتدمن عليه. لا يغير من ذلك إيديولوجية الممانعة أو العداء للخارج والغرب، فوظيفتها تقنيع أو تحجيب شرط الدولة البنيوي كدولة متوجهة نحو الخارج. ولا تخرج عن ذلك أيضا وظيفة التخوين النشط، تضطلع به نخبة الدولة الخارجية أو تتركه لوكلاء إيديولوجيين لها.

ليست الدولة الخارجية هي الدولة "المنفصلة عن المجتمع" أو المفروضة عليه من خارجه. قد تكون بالأحرى منقوصة التشكل الدولتي والاستقلال عن المجتمع بسبب قوة تأثير المحدد الأهلي على طبعها ومزاجها وتوجهاتها. وقد تكون الصفة الأهلية لنخب الدولة الخارجية، وما يحتمل أن يقترن بها من هشاشة في الشرعية، عنصرا محفزا ودافعا إلى بناء نموذج الدولة الخارجية التي تغلق الداخل الاجتماعي أو تحجر عليه سياسيا، وتعرف نفسها بلعبها في عالم الدول. ويفترض بالوطنية الفائقة أن تخفي صفتي الدولة الأهلية والخارجية في آن معا.
ويساعد مفهوم الدولة الخارجية في فهم أفضل لمسألة الدور الإقليمي. فهذا الدور مرهون بتفاهم عريض بين "الخارج" والدولة الخارجية، تنال بموجبه هذه الأخيرة ولاية واسعة الصلاحية في تشكيل محيطها من جهة، وتنقل خطوط الدفاع عن ذاتها وتأمين حكم نخبتها إلى خارج الركيزة الداخلية الأصلية من جهة أخرى. فطالما ثمة ولاية إقليمية مكفولة فالدولة الخارجية آمنة ومطمئنة، حتى إذا ضعفت الولاية تلك أصيبت الدولة الخارجية بأزمة عاطفية واحتد شعورها بالخطر وفقدان الأمن.

إعادة بناء الدولة والسياسة في بلداننا حول الداخل الاجتماعي بدل بقائها مشدودة إلى "الخارج" الغربي، ترتاح له أو تغضب منه، هو ما قد نجمله تحت عنوان التحول نحو الدولة الداخلية. ولدينا في هذا الصدد جدول أعمال حافل: التنمية الاقتصادية، محاربة الفقر والبطالة والتهميش، إصلاح التعليم والتربية، إصلاح المؤسسات والهياكل السياسة، الإصلاح القانوني، العمل على تطوير هوية وطنية جامعة والحد من النزعات الطائفية، ضبط العلاقة بين السلطتين السياسية والدينية، وغير ذلك كثير. لا بديل عن هذا التوجه إن كنا نروم التحرر السياسي والنفسي من هاجس الغرب. فلن يتسنى لسياستنا أن تستقل عن الغرب دون أن تستقل بحيز ذاتي لها. ولا يمكن لهذا إلا أن يكون الداخل الاجتماعي المهمش. فهنا، كما في أي شان آخر (علاقة الدين والدولة مثلا)، الاستقلال عن (الغرب..) متعذر دون الاستقلال بـ ("ملعب" سياسي داخلي..). وفرصة استقلالنا عن الغرب تزدادا بقدر ما نغدو أكثر شبها بنيويا به؛ وبالعكس يخدم نموذج الدولة الخارجية، المدمن على الغرب وعلى التعريض بالغرب دوما، إبقاءنا مجتمعات قاصرة ولا سياسية، وغير مستقلة.

في السنوات الأخيرة، التالية لاحتلال العراق، فقدت الدعوة الديمقراطية الكثير من سمعتها وشرعيتها. وبعد أن كانت نظم الحكم العربية في وضع دفاعي فكريا وأخلاقيا استعادت زمام المبادرة وسلكت الدرب القديم ذاته: المشاركة مع القوى الغربية من أجل الاستمرار في عزل مجتمعاتها والتحكم بها. فالدولة الخارجية لا تضل أبدا سبيلها إلى .. "الخارج".
قد ينقضي وقت قبل أن يتحرر الديمقراطيون السوريون والعرب من الكارثة التي ألحقتها السياسة الأميركية واحتلال العراق بقضية الديمقراطية. ولعل من شأن مفهوم "الدولة الخارجية" أن يكون أداة مساعدة في إعادة بناء تفكير الديمقراطيين وسياستهم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون والمسألة الإسلامية
- في -التفكير العضوي- والأساطير والانحطاط...
- ماركس لم يكن ملحداً؛ لماذا؟
- مبادئ لسياسة معارضة عقلانية في شروط الكفاف السياسي
- خواطر في شأن نحوس الليبرالية العربية وسعودها
- نظريات الفساد السوري وبرامجها العلاجية المقترحة
- غسان المفح يحاور ياسين الحاج صالح
- سورية والسير على قدم واحدة
- أي موقع للسلطة الدينية الإسلامية في الدولة الحديثة، عندنا؟
- المثقفون والمخابرات والمؤامرات والتنوير...
- المثقفون السوريون والتفاوض السوري الإسرائيلي
- الوطنية التخوينية والتدين التكفيري
- أفحمتُه، أفحمناهم... النقاش كاستمرار للحرب بوسائل أخرى
- في نقد الأهل وأهل النقد
- لبنان: السهل والصعب والغريب!
- لبنان، سورية، إسرائيل وفلسطين: -نماذج مثالية- لدول استثنائية
- في شأن الإصلاح السياسي والهوية الوطنية في سورية
- -التفاصلية- والعلمانية ونقد الشأن الإسلامي
- حزب الله مقاوماً في .. بيروت
- شتاينماير ضد كانط


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - -الدولة الخارجية- وغريزتها السياسية