أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة















المزيد.....

في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2475 - 2008 / 11 / 24 - 09:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المظاهر تخدع دائما. العروبة هي الإيديولوجية التي تلبي تشكل الوطنية السورية وتحجب هذا التشكل في آن. ليس فقط لأنها الإيديولوجية المشرعة للنظام القائم، ولا لأنها أداة مناسبة للسياسة الخارجية والضبط الداخلي، ولكن لأن سورية والعروبة السياسية ولدتا معا، ومن المرجح أن المزيد من السورية يستدعي المزيد من العروبة، أو قدرا غير قليل منها. أما توقع أن كثيرا من السورية يعني قليلا من العروبة، فأمر غير مرجح، وإن اقتضت ارتفاع الطلب على السورية تشكل العروبة في صيغة دستورية: تنفتح على تعددها الذاتي وتقبل كونها مركبا في متعدد أكبر، عالمي. فإن صح ذلك، على ما نقدر، اتضح لنا لماذا من غير المحتمل أن تحظى فكرة "سورية أولا"، وهي إيديولوجية قومية سورية تفترض حصيلة صفرية بين السورية والعروبة (الفكرة القومية العربية تشاركها الافتراض عينه)، بشيء من القبول العام.
بالمقابل، ومنذ انفكاك الوحدة السورية المصرية عام 1961، لم يعن المزيد من العروبة يوما القليل من السورية، بل بالأحرى الكثير منها. لزم الكثير من العروبة من أجل "التدخل السوري في لبنان" عام 1976، وقد كان سوريا جدا. ولم تكن العروبة أقل لزوما عام 1990 حين شاركت سورية في تحالف تقوده الولايات المتحدة ضد العراق البعثي. وهي مشاركة سورية جدا بدورها. ومثل ذلك يصح على تجاذبات السنوات الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، حين بدا النظام السوري مهددا فرفع صوته بالعروبة والممانعة، فيما الرهان سوري.
يمكن القول باطمئنان إن العروبة هي العقيدة الوطنية السورية.
الأمر لا ينطبق على الأرجح على الدول العربية الأخرى.
على أن العروبة السورية كانت منذ نحو خمسين عاما مصدر توترات وعدم استقرار في العلاقات العربية بالذات. أصل المشكلة تسييس العروبة. أعني جعل ما هو عام أو ما يفترض أنه هوية جامعة موضع استثمار سياسي لطرف بعينه، وتاليا مثار تنازع وخصام. وليس إلا بديهيا أن تسييس الهوية يفقدها مفعولها الجامع المفترض. تناقض السياسة السورية، البعثية بخاصة، ينبع من هنا. من إرادة توظيف العام العروبي أداة في المنافسات والمنازعات الإقليمية والمحلية. والتوسع في وسائل الإكراه هو الحل المعتمد لهذا التناقض. لكن وسائل الإكراه عقيمة، لا تصنع حقائق غير منازعة. وهي غير قادرة أيضا على إلغاء الزمن وضمان الخلود لنفسها. هذه هي المشكلة التي ستواجه سورية بعد حين يطول أو يقصر.
معالجة هذه المشكلة أمر ميسور مبدئيا، وإن يكن صعبا عمليا. إنه يتمثل في ضرب من تقسيم عمل بين العروبة والوطنية السورية. تختص الأولى بموجبه بدائرة الثقافة وقضاياها، وهي دائرة كبيرة، من يفز بها يفوز بالمستقبل. بينما تختص السورية بالمجال السياسي وتكون إطار التماهي الأقرب للسوريين (ومنهم من ليسوا عربا)، إطار المواطنة المؤهل للوقوف في وجه الطائفية. ومجال السياسة يحوز منذ عقود أهمية مبالغا فيها بسبب استيلائه على حيزات الثقافة والاقتصاد، الأمر المتولد هو ذاته عن ضعف هذه الحيزات. الشغل في الثقافة يصب حتما، في سورية وفي غيرها، في مصلحة العروبة ويساعد على استقلالها عن السياسة.
ومن شأن التحرك في هذا الاتجاه أن يزود الوطنية السورية بوعي ذاتي متسق ومطابق للواقع لا توفره لها العروبة القومية، وأن يلقي عن كاهل العروبة تبرير سياسات سورية خاصة.
في غياب تقسيم العمل هذا تتولد مشكلة حيث يمكن وينبغي ألا تكون ثمة مشكلة، أعني التنازع الاستبعادي بين العروبة والوطنية المحلية، فإما هذه أو تلك.
لكن لا معنى ولا فائدة من خوض معركة ضد العروبة والدعوة إلى التخلص منها. قبل كل شيء هذا مسلك تبذيري وغير عقلاني. العروبة رصيد عام، قطعة أرض مهملة أو مستغلة بصورة مغرضة وسيئة، يمكن تحسين أشكال استثمارها، لكن ليس من الحكمة في شيء إهدارها أو التخلص منها.
بالمقابل ليس الفكر القومي العربي حكيما. إنه يخوض معارك الأمس التي لا يمكن كسبها، وإذا كان ما قلناه فوق عن سورية صحيحا، فإنه كذلك يترك نفسه يستخدم أداة غير واعية لتطورات تاريخية موضوعية ولا تقبل الانعكاس.
تاريخنا المعاصر ذاته يدلنا على الاتجاه الأنسب للعمل. إنه ينكر بثبات على القومية العربية فرصة تحقيق تطلعاتها. وفي الوقت نفسه يبقي الدعوات المعادية للعروبة في ميدان الإيديولوجية الذاتية المغرضة. بالمقابل، يبدو أن الدول القائمة تترسخ ككيانات، وهي مرشحة لمزيد من الترسخ إن تسنى إصلاحها كمؤسسات. وإلى جانبها تعيش العروبة في ميدان الثقافة، محمولة على اللغة العربية أولا وأساسا.
المشهد الحالي يعرض مزيدا من تماسك دولنا، أو "انفصالها" باللغة القومية العربية، ومزيدا من العروبة الثقافية أو ثباتا لها على الأقل. العقلنة، وهي نشاط المثقفين والنخب بعامة، مقصرة عن وعي هذا الواقع وضبطه وتنظيمه.
هذا يقترح استراتيجية مختلفة على القوميين الجديين الذي يناضلون من أجل الفوز لا من أجل الفشل (لا نمزح: القوميون يناضلون من أجل الفشل منذ عام 1967، كأنما دوخة تلك الهزيمة برمجتهم على العودة المتكررة إلى لحظة ما قبل 5 حزيران، التي تعقبها حتما لحظة 5 حزيران، وهكذا). عقلنة الواقع الحالي وتنظيمه هي السبيل إلى أشكال من التعاون العربي على الصعد الاستراتيجية والاقتصادية، والثقافية ذاتها. ذلك أن نزع تسييس العروبة سيعكس الاتجاه الراهن الموسوم بمقاومة واعية أو غير واعية للعروبة من قبل كيانات الدول، أو بتشنجها حيالها. من شأن استرخاء الدول القائمة أن يحرر العروبة من التوظيف السياسي القصير الأمد لتظهر طاقة تقارب وشراكة.
إذا كان لمفهوم التاريخ معنى، أي إذا كنا ندرك موضوعية التاريخ، فأول ما يترتب عليه هو أن نسلم بأن ما فشل يوما لن ينجح في يوم آخر دون تعديل عميق فيه. فشلت الرؤية القومية والاستراتيجية القومية قبل نحو أربعين عاما. البكاء على أطلالها لا يجدي.
ما قد يجدي هو تغيير الاستراتيجية والرؤية من أجل تحقيق الأهداف ذاتها تقريبا.
تحولات العروبة مرتبطة على الأرجح بتحولات سورية: ولدتا معا، ومن غير المحتمل أن تتشكل سورية في صورة سياسية جديدة دون إعادة هيكلة وعيها الذاتي، أي إعادة ترتيب العلاقة بالعروبة. مستغرب ألا يهتم المثقفون السوريون بهذا الشأن.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرضاوي وخصومه: من الأمة الدينية إلى الأمة السياسية
- في الرأسمالية والأزمة.. والديمقراطية
- رئيس أسود في البيت الأبيض..!
- عن الممانعة والسلبية والعداء للغرب
- فرصة لتوسيع الديمقراطية العالمية!
- أغزوٌ شيعي لمجتمعات سُنيّة؟!
- تغيير المعارضة أولا..
- في العلمانية والديمقراطية والدولة
- على هامش الأزمة الأميركية: النهايات والعودات
- التمثيل القومي لسورية عائقا دون التمثيل الديمقراطي للسوريين
- إرهاب بلا وجه وأمن بلا لسان!
- الاستبداد كاغتراب سياسي
- الطائفية بين أهل الإباحة وأهل العفة
- من الشعبوية والنخبوية إلى استقلال السياسة والمعرفة
- الليبرالية الجديدة والبرجوازية الجديدة في سورية
- -مرشد الأمة- وتأسيس الطغيان
- -السنة والإصلاح- لعبد الله العروي: من التسنين إلى التاريخ!
- من هم الأشرار... وكيف التخلص منهم؟
- -إعلان دمشق- وأزمة المعارضة السورية
- -نخبة- متخلفة في مجتمع متغير


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة