أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ياسين الحاج صالح - ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول















المزيد.....

ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2489 - 2008 / 12 / 8 - 08:20
المحور: حقوق الانسان
    


قد يبدو أن إدراج مسائل حقوق الإنسان في العلاقات بين الدول يمثل تقدما أخلاقيا مهما وخطوة نحو أنسنة النظام الدولي. سنناقش هنا ضد هذا الفكرة، وندعو إلى فصل قضايا حقوق الإنسان عن السياسة والعلاقات الدولية. ليس فقط لأن من المحتمل أن يجري التلاعب بمبادئ حقوق الإنسان وتوسلها في الصراعات بين الدول والكتل الدولية التي تدور حول المصالح والموارد وتتحكم بها موازين القوى، ولكن كذلك لأن من شأن ذلك التوظيف أن يمس باستقلال السياسة وعقلانيتها، فيحد من فرص التوافق السياسي بين اللاعبين الدوليين. المسألة لا ترتد إلى احتمال تسييس حقوق الإنسان والتلاعب بها، بل تتخطاه إلى تخريب السياسية بإضفاء طابع حقوقي وأخلاقي عليها.
كانت إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر (1977-1980) أول إدارة أميركية تدرج حقوق الإنسان في صراعها مع المعسكر الشرقي أيام الحرب الباردة. ومنذ ذلك الحين استقرت الفكرة بندا في الأجندة الأميركية للعلاقات الدولية. وعند نهاية الحرب الباردة بنصر غربي مؤزر انضم لها الأوربيون. ومنذ ثمانينات القرن العشرين صارت الفكرة حاضرة في كل مكان كأحد معايير النقد السياسي. العالم العربي ليس استثناء من هذا الوضع.
لكن جيلا كاملا انقضى على دخول فكرة حقوق الإنسان التداول السياسي والقانوني الدولي دون أن يظهر ما يفيد ارتفاعا في السوية الأخلاقية للعلاقات بين الدول، ولا بالخصوص في اتساق هذه السياسات. لقد بدا دوما أن الدول التي يجري التركيز على انتهاكها لحقوق مواطنيها هي الدول التي تعاني علاقاتها مع المراكز الغربية من التدهور لسبب ما. والشكوى من تبعية معايير القوى الغربية في الحكم على سياسات الدول لمصالحها الأنانية مسوغة تماما رغم صدورها في الغالب من نظم استبدادية تتعدى بالفعل على حقوق مواطنيها. ولطالما كان ارتبط إدراج الكتلة الغربية لمبدأ حقوق الإنسان في سياستها حيال هذا البلد أو ذاك بالتحالفات والخصومات والمصالح السياسية وليس بوضع حقوق الإنسان في البلد المعني، دون أن يكون ثمة استثناء واحد مقنع لهذه القاعدة. ولطالما استطاع من يشاء أن يفضح بسهولة تامة، وإن بنفاق وازدواجية معايير، نفاق وازدواجية معايير الغرب حيال إسرائيل وبلدان عربية. بل وتفاوت التركيز حول الدول العربية ذاتها وفقا لاعتبارات سياسية تتصل بقربها وبعدها من القوى المقررة في المركز الغربي ذاته.
قد يبدو هذا كله عقلانيا رغم ذلك من وجهة نظر القوى الغربية المعنية التي تعتبر أن مبادئ حقوق الإنسان تنبع من هويتها وثقافتها بالذات. لكن 11 أيلول 2001 وما بعده أظهر أن الحقوق السياسية والمدنية لمواطني الغرب، الولايات المتحدة بخاصة، ليست بمنأى عن الافتئات والتلاعب على مذبح الأمن القومي، بما يذكر ببلدان عربية وعالم ثالثية كثيرة. ونضرب صفحا في هذا المقام عن مسألة ما إذا كان يمكن لأية سياسات قومية أن تكون عقلانية في عالم مختلط وما بعد قومي. درس 11 أيلول 2001 ذاته أقرب إلى إجابة بالنفي على هذه المسألة.
ما نريد ترتيبه على ما سبق هو أن القوى المعنية استخدمت بند حقوق الإنسان استخداما أداتيا توجهه مصالحها القومية الضيقة، وأنها كانت مستعدة للتخلي عنه دونما وساوس كبيرة حتى داخل بلدانها، إذا اقتضت المصالح تلك ذلك.
على أن هذا كله نصف الحكاية فحسب.
النصف الآخر ولعله الأهم يتمثل في أن إقحام قضايا فوق سياسية في السياسة يفسدها ويجعلها أدنى قدرة على تعهد التسويات والحلول الوسط، وأقدر بالمقابل على صنع الصراعات "الوجودية" وحروب الإلغاء وشتى تنويعات الجهادية..
لا يقل الأثير المفسد لصبغ السياسة بصبغة حقوقية عن إلحاق السياسة بالأخلاق أو بالدين أو بالحضارة أو الإيديولوجية. فمثل ذلك لا ينال فقط من عقلانية السياسة مفهومة كتوافق على قواعد لعب مشتركة بين فرقاء مختلفين، وإنما هو كذلك يضعف إمكانية تطوير مفهوم عالمي أو لغة عالمية للسياسة. فالأديان و"الحضارات" والعقائد والإيديولوجيات تختلف نوعيا، وتاليا يقود ربط السياسي بها إلى تعسير التفاوض والتوافق العالمي، وإلى الاعتباط الذي تكرس في أفضل صورة في السنوات الأخيرة في مبدأ "الضربات الاستباقية" الذي أقرته استراتيجية الأمن القومى الأميركية عام 2002. ومثل ذلك يصح على فكرة حقوق الإنسان التي يشير مجرد توسلها في السياسة الدولية إلى اعتبارها رصيدا ذاتيا، أوثق ارتباطا بهوية وثقافة الدول المتوسلة لها منها بمطمح عالمي يمكن التيقن بصورة مستقلة من سداده واتساقه. فكيف إن أخذنا بالاعتبار أن توسل حقوق الإنسان في السياسة اقترن مع الانتصار الغربي في الحرب الباردة ومع ارتفاع أصوات تؤكد أن الحرية والإنسانية قيم غربية خالصة؟ هنتنغتون، أبو "صراع الحضارات"، هو من يقول إن الحرية عنصر في الهوية الأميركية قبل أن تكون بندا في السياسة الأميركية.
فهل ينبغي أن يثير تفكيرنا صعود فكرة حقوق الإنسان في المجال الدولي مع موجة الصعود الغربي الأخيرة التي دامت جيلا، ولعلها في سبيل الانتهاء اليوم بفعل مقاومات وأزمات متنوعة؟ ليس كثيرا. فلطالما صعدت أفكار وقيم القوى الصاعدة، إن دوليا أو في كل مجتمع على حدة. لكن ما يمكن استخلاصه من ذلك أن صعود فكرة حقوق الإنسان ليس تعبيرا عن ضرب من العالمية السياسية أو أنسنة السياسة، بقدر ما هو مؤشر على صعود كتلة دولية خاصة، تضع نصب عينها استملاك السياسة والعالمية معا تحت راية فكرة الإنسان المجردة. وفي اقتران صعود الأفكار بصعود القوى الحاملة لها ما من شأنه حل المفارقة المتمثلة في الاستحواذ الثقافي الغربي على مبدأ حقوق الإنسان والتطلع إلى تعميمها عالميا في الوقت نفسه. وفيه أيضا ما يفسر قصر حقوق الإنسان على الجيل الأول (المدني) منها، أي عمليا العودة إلى القرن الثامن عشر الليبرالي من وراء ظهر القرن التاسع عشر الديمقراطي والقرن العشرين الاشتراكي، حسب تحقيب ت. ه. مارشال.
والخلاصة العملية لهذا المقال تدعو إلى الفصل بين قضية حقوق الإنسان والعلاقات بين الدول، لمصلحة السياسة وحقوق الإنسان معا. فكلما كانت السياسة مستقلة كانت أكثر قابلية للإصلاح وأنسب لبناء تفاهمات عالمية عريضة. وكلما كانت حقوق الإنسان مستقلة، فكريا وسياسيا ومؤسسيا، عن أجندات الدول كانت أقرب إلى تشكيل مرجعية أخلاقية عالمية أو رعاية تكون ضمير عالمي مستقل.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجهان لدينامية الصراع العربي الإسرائيلي
- لا حل إسلاميا للمشكلة الطائفية
- أي نقد للقومية العربية؟
- في العروبة والوطنية السورية: المحصلة الصفرية ليست محتومة
- القرضاوي وخصومه: من الأمة الدينية إلى الأمة السياسية
- في الرأسمالية والأزمة.. والديمقراطية
- رئيس أسود في البيت الأبيض..!
- عن الممانعة والسلبية والعداء للغرب
- فرصة لتوسيع الديمقراطية العالمية!
- أغزوٌ شيعي لمجتمعات سُنيّة؟!
- تغيير المعارضة أولا..
- في العلمانية والديمقراطية والدولة
- على هامش الأزمة الأميركية: النهايات والعودات
- التمثيل القومي لسورية عائقا دون التمثيل الديمقراطي للسوريين
- إرهاب بلا وجه وأمن بلا لسان!
- الاستبداد كاغتراب سياسي
- الطائفية بين أهل الإباحة وأهل العفة
- من الشعبوية والنخبوية إلى استقلال السياسة والمعرفة
- الليبرالية الجديدة والبرجوازية الجديدة في سورية
- -مرشد الأمة- وتأسيس الطغيان


المزيد.....




- مسؤولون إسرائيليون: نعتقد أن الجنائية الدولية تجهز مذكرات اع ...
- نتنياهو قلق من صدور مذكرة اعتقال بحقه
- إيطاليا .. العشرات يؤدون التحية الفاشية في ذكرى إعدام موسولي ...
- بريطانيا - هل بدأ تفعيل مبادرة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ...
- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...
- اجتياح رفح أم صفقة الأسرى.. خيارات إسرائيل للميدان والتفاوض ...
- احتجاجات الجامعات الأميركية تتواصل واعتقال مئات الطلاب
- الأونروا: وفاة طفلين بسبب الحر في غزة
- لوموند تتحدث عن الأثر العكسي لاعتداء إسرائيل على الأونروا
- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ياسين الحاج صالح - ضد إدراج حقوق الإنسان في أجندة العلاقات بين الدول