أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟















المزيد.....

هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2591 - 2009 / 3 / 20 - 10:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نفترض بعامة أن الناس يريدون الحرية. بيد أن هذا يحتاج إلى تدقيق وتلوين.
الحرية تعني أن يفكر الإنسان من رأسه لا من رأس غيره، وهذا شاق.
وهي تعني أيضا أن يتخذ قرارات صعبة وغير مضمونة النتيجة، غير تارك للمقادير ومقدريها أن يسيروا حياته، وهذا شاق بدوره.
وتعني الحرية كذلك أن يحرص الإنسان على استقلاله وفرديته، وما قد يحمله ذلك من عزلة. وهذا شاق أيضا.
وقد تعني أن يتمرد وينفلت، "قاتلا الأب"، ومحطما سياج البيت، متطلعا على اعتلاء قمة رأسه، وهذا أشد مشقة بعد وقد يفضي على الجنون.
يميل الناس عموما، في الغرب وليس لدينا فقط، إلى الاقتداء بمرجعيات أو سلطات يعتبرونها أكثر حكمة وأوسع إدراكا منهم. إن زعيما سياسيا أو رجل دين أو نجما من نجوم الفن أو إعلاميا مشهورا.. "يعرف" أكثر وأحسن منا، فإذا رأينا رأيه أو اعتنقنا عقيدته أو قلدنا زيه أو تكلمنا كما يفعل.. كبرت فرصتنا في أن ننجح مثله، أو على الأقل ألا نضل ضلالا بعيدا. الرئيس عبقري، والشيخ الفلاني بحر علم، والنجم الفلاني مثال للوسامة، فهل نحن أذكى أو أوسع علما أو أكثر تقى أو أكثر وسامة؟ وحزبنا هو أحسن الأحزاب، فهل أنت، أيها المتنطع، "أفهم" من الحزب؟ هذا شيء يقوله المرء لنفسه، أو يقوله آخرون له إن أوجسوا منه شكا و.. حرية تفكير.
***
الأمر أصعب بعد على مستوى اتخاذ القرار. أكثر ما يزعج السجين بعد إقامة طويلة في السجن هو.. حريته التي حلم بها طويلا. إنه مضطر الآن لاتخاذ قرارات عسيرة وغير مضمونة النتائج بشأن حياته، بينما الوقت أضحى أكثر ندرة بسبب ما ضاع منه في السجن. وتلك قرارات قد تكون لها تبعات مؤلمة عليه وعلى من يعنى بأمرهم، ما يدعو أناة وتريث قد يسلمان إلى إحجام أو خور.
هذا يواجه الإنسان في كل وقت. ينبغي أن تتوفر له معرفة وافية في شأن العالم الذي يعيش فيه، وتحت تصرفه غير قليل من المال وغير قليل من الوقت (شاب)، كي تثمر قراراته النتائج المرجوة، أي كي لا يكون لفشلها المحتمل آثار مدمرة. لكن من يحوزون وقتا ومالا ومعرفة ليسوا كثيرين بيننا، ويحتمل أن يستغنون بمالهم عن حريتهم. الأفضل إذن أن لا نقرر، نترك الأمور تجري على أعنتها، ونساير جميع السائرين حولنا. أو كما يقول المثل الشعبي السوري: "حط راسك بين الروس، وقول يا قطاع الروس"! أي امتثل ولا تخالف ولا تستقل، فأن يكون راسك مقطوعا بين الرؤوس أصوب من أن يبقى موصولا بجسمك وحيدا. والدين يثبت هذا الشرط الامتثالي المضاد للحرية والاستقلال الشخصي حين يجعل من مفارقة الجماعة مساسا بالإيمان ذاته. والأعراف الشعبية تفعل الشيء نفسه حين تجعل من مخالفة العرف بحثا محتقرا عن الشهرة: خالف تعرف!
فوق ذلك يحمل الانفراد والتطلع على الاستقلال خطر العزلة وخسارة "دفء" المجتمع الأهلي، ومقاطعة الأصدقاء والرفاق. ها أنت حر، لكنك معزول ووحيد!
وكقضية عامة، تقتضي الحرية إقداما قد يكون باهظ الكلفة، بل هو غالبا كذلك. وسوء التفاهم المتكرر الذي يقع فيها "المناضلون من أجل الحرية" هي افتراضهم أنهم يدافعون عن قضية عامة بديهية. هذا قلما يكون صحيحا.
تفكير شخصي، قرارات صعبة وغير مضمونة، انفراد وعزلة، إقدام مورد للمهالك، هذا ما تساويه الحرية. فهل هي ذلك الشيء العظيم؟ إنها محنة وليست كسبا صافيا، مشقة وليست فوزا. لكن
لولا المشقة فاز الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
على أنه يبدو أن الناس لا يتحملون بالفعل، ما استطاعوا، خسارة نوع من الحرية: أن تنصب عراقيل دون ممارستهم نمط الحياة الذي اعتادوا. أي أن يكونوا أحرارا في تقرير نمط تخليهم عن الحرية الذي ارتضوه لأنفسهم. لا تفرض علي أن ألبس حجابا أو أن لا ألبس حجابا. قد اتبعك، لكن لا تقرر عني أن أتبعك. لا تسخّرني. لا تحرّرني. اتركني بحريتي. والحرية التي يبدو أننا نحرص عليها ولا نطيق خسارتها، هي الحرية السلبية (بتعبير إيسايا برلين). ليست حرية أن نفعل كذا وكيت، بل أن نترك لما نرضى أن نفعل، أن لا تنصب الحواجز بيننا وبين ما نريد.
أما الحرية الإيجابية بمصطلح برلين نفسه، أو الحرية الجمهورية، التي تقتضي سلطة تحددها وأهدافا تتوافق معها، والتي تضيق بمفهوم الحرية السلبية، الليبرالية، فتجنح إلى التدخل في حياة الأفراد والجماعات، وقد تتحول إلى استبداد "محرّر"، يبرر نفسه باسم حرية جمعية. إنها تريد أن تعلمنا وتنورنا وتضمن لنا المساواة وتزجنا في العملية التحررية التي قد تسمى بناء الوطن أو الاشتراكية أو التنمية الشاملة. كل ذلك لمصلحتنا، نحن الجماهير أو الشعب أو الإنسانية...، المصلحة التي يعرفها على حقيقتها محررونا المفترضون.
لكن ينتهي الاستبداد المحرر أن يحتكر التفكير والقرار والاستقلال الذاتي والإقدام. فهو وحده الحر.
***
الحرية الإيجابية مستبدة. بيد أن حرية سلبية ترتد إلى غياب العوائق أمام ما قد نريد، قد ترتد هي ذاتها إلى ضرب من النزعة المحافظة الخاملة، تكرار لما اعتدنا وجمود عليه. مفهوم الحرية السلبية لا ينصب أية حواجز ضد قيام وسيادة نظم تخنق الحياة والإبداع والجديد من حيث هي تكتفي برفع أية حواجز من أمام ما يرتضيه الناس لأنفسهم. ولما كانت الحرية جهدا شاقا، فإن الحرية السلبية إذ تؤهل الظروف المناسبة لتجنب المشقة، قد تولد استبداد التقاليد والعرف، مما نعرفه جيدا في مجتمعاتنا العربية. إنقاذ فرص الحرية يقتضي مبدأ آخر، غير رفع الحواجز. أي مبدأ؟ كيف تنتظم الحياة الاجتماعية بحيث توفر أوسع مضطرب حياتي وفكري لأكبر عدد من الناس؟ الإجابة الماركسية تقفز إلى الحرية الجمهورية التي آلت إلى استبداد محرر مخيف. ثمة إجابة نيتشوية (أخلاق الإنسان المتفوق)، بيد أنها نخبوية، وقد تحمل عناصر فاشية.
ربما يمكن لمزيد من الأفراد أن ينعموا بالحرية والاستقلال بنتيجة تحول اجتماعي وثقافي وتربوي واقتصادي مديد. والسؤال الحاسم هو: هل يمكن أن يحظى الناس جميعا باستقلال ذاتي تام؟ هل يمكن أن تتكون البشرية يوما من مليارات الأفراد القائمين برؤوسهم، المستقلين، الأحرار؟ هذه هي على أية حال طوبى الليبرالية التي كانت اعتنقتها الشيوعية، وأسستها على فاعلية إنتاجية متقدمة و"مسيطرة على الطبيعة". لكن الحرية هذه تبدو خطرة ومكلفة، وربما مستحيلة. فهي تقتضي استعبادا مطلقا وغير مسؤول لكوكب الأرض، والكوكب منذ الآن يئن من حرية ربع سكانه فحسب.
السؤال إذن: كيف نتجاوز الحرية الليبرالية من أجل حريات أوسع لأعداد أكبر من الناس مع الحفاظ على الحاضنة الطبيعية للحياة الإنسانية، بل ومع احترامها وإغنائها؟





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإخوان المسلمون السوريون وتعليق النشاط المعارض.. ماذا بعد؟
- أصول ثقافية للعسر السياسي العربي
- سورية موضوعا مستقلا للمعرفة!
- في شأن -الأخلاق الموضوعية- لمقاومة الطائفية
- الرحيل الأخير لصالح بشير
- أربعة وجوه للمسألة الغربية
- نقد مفهوم التقدم كشرط لبلورة نقد تقدمي
- مضاربة، مضاربة، مضاربة
- بصدد بعض أصول هشاشتنا النفسية ضد الوطنية القبلية
- ثقافة الحرب الأهلية ومثقفوها
- في شأن أخلاقيات مقاومة الطائفية
- في تغيرات الإيديولوجية السورية وأصولها
- في نقد العنف اللفظي ضد العرب والإسلام
- عن -المجتمع المكشوف- وتحرره
- البوشية وتحطيم الديمقراطية
- الصراع الوجودي والصراع العدمي
- ما وراء -كي الوعي- وما تحت الوعي المكوي
- في نقد لبنان.. خواطر في شأن بيروت والثقافة والحرية
- أنهاية الردعية الإسرائيلية؟!
- كسر حالة اللابديل... فلسطينياً وعربياً


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟