أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - بصدد العنف والنخبوية














المزيد.....

بصدد العنف والنخبوية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2724 - 2009 / 7 / 31 - 09:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ماديا أم لفظيا، العنف نخبوي دوما، يمكن أن تأتلف حوله فقط مجموعات صغيرة أو زمر منعزلة عن محيطها الأوسع. وأول ما يبعد العنف عن المشاركة في العمل العام النساء. ينزوين في البيوت حيث العنف مستشر، ومثلهن يتهمش الأطفال والمسنون والضعفاء والمسالمون والمثقفون، بينما يتصدر المشهد العام الأقوى عضلات أو سلاحا أو عصبية. هذا حتى حين يكون العنف كلاميا. إذ يقترن هذا الضرب من العنف عموما بقاموس وسلوكية ذكورية عداونية ومزدرية للمرأة.
وبينما قد يكون العنف اللفظي ضد خصم متصور مشبعا نفسيا لممارسيه، فإن الإقامة عليه تفضي إلى العزلة وانقطاع التأثير الاجتماعي. هذا حتى حين يكون العنف موجها ضد أوضاع وسلطات جائرة وعنيفة هي نفسها. ربما لأن المثابرة على المواقف العنيفة تتوافق مع الثبات على رؤية جانب من الواقع فحسب (هو الأسوأ)، وكلما ضاقت مساحة ما نرى من الواقع كان من المرجح لتوجهنا السياسي العملي أن يكون فئويا ونخبويا، ولسيكولوجيتنا أن تكون منقبضة وعدوانية. لذلك فإن توسيع مساحة المرئي من الواقع ليس فعلا معرفيا مرغوبا وإنما هو كذلك ممارسة ديمقراطية محررة سياسيا وسيكولوجيا. باختصار، مساحة أوسع من الواقع تعني صدورا أكثر انشراحا حيال العالم. أقل انقيادا للعنف بالتالي.
وما ينطبق على العنف في أي من شكليه ينطبق أيضا على التطرف. يمتنع تكون منظمة أو مجموعة متطرفة وجماهيرية في الوقت نفسه، ربما إلا في أوقات الأزمة الاجتماعية والنفسية والسياسية على نحو ما عرفت ألمانيا حين صعد النازيون إلى الحكم فيها عام 1933. في غير أوقات كهذه، يقترن التطرف بالهامشية والانعزال.
وعلى نحو ما يسارع عموم الناس إلى الهرب من ميدان يجرى تبادل إطلاق الرصاص فيه، يطرد العنف والتطرف الجمهور العام من الملعب السياسي. وهو تاليا ذو مفعول مضاد للديمقراطية بعمق.
وللانبساط الاجتماعي. أعني بهذا حضور الجنسين وحضور مختلف الأجيال في الحياة العامة، أي ظهور أوسع طيف اجتماعي. وقد يساغ لنا الاستدلال من سعة الطيف الاجتماعي المرئي على منسوب العنف في المجتمع المعنى. طيف أوسع، إذن عنف أقل. ولا ريب مثلا أن انزواء النساء النسبي والمتفاوت في مجتمعاتنا، لكن الأكيد، يتصل بالارتفاع النسبي لمنسوب للعنف فيها، سواء كان عنفا سائلا أم بنيويا، سياسيا أم اجتماعيا.
وكلما تدهور الأمن في مجتمع (العراق، غزة..) ازداد انسحاب النساء، وانحسر ظهور الناس عامة مكانيا وزمانيا: يظهرون نهارا فقط، وفي الأماكن الأقل خطرا والأقرب إلى ملاذاتهم الآمنة. بينما تخلو المدن ليلا كأنها مدن أشباح على ما شهدت شخصيا في مدنية حلب السورية عامي 1979 و1980، أيام الصراع العنيف بين النظام والإسلاميين. وإذ يحوج انتشار العنف المرأة إلى حماة أقوياء فإنه يرسخ تبعيتها ويضعف فرص استقلالها وتحررها.
ومن شأن تبيِّن العلاقة بين العنف والنخبوية أن يمكننا من نقد مختلف للإرهاب. يندر أن يقال إن الإرهاب نخبوي، لكنه كذلك بالفعل. لا يكفي أن يكون ممارسوه إسلاميون، يعتنقون ما يفترض أنها عقيدة الجمهور الأوسع، حتى يكف الإرهاب عن كونه نخبويا ومولدا للدكتاتورية. وبالفعل تعرض المنظمات العنفية الإسلامية احتقارا للحياة العادية للناس وانعزالا نخبويا ومترفعا حيال العاديين من الناس. وميل أشدها عنفية في عزل النساء والأطفال والمسنين، واحتقارها للمثقفين الدنيويين، أمور معلومة.
في بالنا هنا قضية فلسطين بخاصة. العنف المسلح المنتشر يحيد أكثرية الفلسطينيين عن النضال الوطني الذي يعنيهم جميعا. وهو ما ينال من صفته التحررية أو ما يفك العروة الوثقى المرغوبة بين النضال من أجل حرية الوطن وبين مشاركة المواطنين الديمقراطية. هنا المشكلة أولا وأساسا.
لكن ينطبق هذا الكلام على منظمات جعلت من الإرهاب منهجها الحصري في السياسة، مثل منظمة "القاعدة". هنا النخبوية القصوى، والانعزال الأقصى عن الجمهور الذي يفترض أن هذه المنظمة تحامي عنه. وهنا لا مكان للنساء، لا يظهرن أبدا. ويتجسد الانعزال في مكافئ "مادي"، يتمثل في تواري قادة "القاعدة" وفي السرية القصوى لخلاياها.
والواقع أن السرية من لوازم النضال العنفي، وهي أحد مصادر الانعزال والنخبوية. هذا لأنها ليست "معاشا طبيعيا" إن حاكينا لغة ابن خلدون في سياق مختلف، فلا يمكن أن تكون قاعدة حياة عامة أو قابلة للتعميم. إنها حياة "خاصة" واستثنائية، يحصل كثيرا أن تدوم كثيرا إلى درجة أن يألفها المناضلون أو المقاومون السريون، فتغذي لديهم شعورا بالانفصال عن بيئاتهم الاجتماعية والتعالي عليها، ما يجعل عملهم عقيما. فإن نجحوا في قلب الأوضاع القائمة بطريقة ما، فسوف يكون حكمهم استبداديا وقاسيا حتما.
ختاما، إن قضايا العنف والتطرف والإرهاب والنخبوية والسرية هي قضايا سياسية لا تناقش بصورة مجردة، وبانفصال عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والتاريخية العيانية. وليس غرضنا هنا "الإفتاء" هنا بلا شرعية العنف في كل زمان ومكان، أو "تحريم" المقاومة السرية، ولا نصدر عن إيديولوجية لا عنفية راسخة. الغرض بالأحرى التنبه إلى معادلات مرجحة للنضال العنيف والعمل السري والتكتيكات الإرهابية وما إليهما. قد يضطر أفراد أو جماعات أو مجتمعات لمقاومة عنيفة جدا لأوضاع متطرفة عنيفة هي ذاتها، لكن فيما يكون القدر رؤوفا بالأفراد والجماعات والمجتمعات إن جنبها هذه الاضطرارات إلى أقصى حد، ويكون رؤوفا جزئيا أن أتاح لها قيادات حصيفة تمكنها من السيطرة على هذه الاضطرارات بدل الركون لها وتحويلها إلى قيمة إيجابية، فإنه لا يكون إلا بالغ القسوة إن جعلها تسكن إلى اضطراراتها، فتجعل من الاستثناء نظاما للحياة أو ثقافة. لعلنا، فلسطينيين وعربا ومسلمين، ممن لم يرأف بهم القدر.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملحوظات أولية في نقد السياسة
- ماذا يعني مفهوم الحريات الاجتماعية؟
- موقع -الديني السياسي- في وثيقتين معارضتين سوريتين
- من خرافة سياسية إلى أخرى..
- عودة إلى مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري
- -الحل- غير موجود... أين هو؟
- في بئري الدين والدولة
- في شأن الديمقراطية والإصلاح السياسي... سيرة استهلاك إيديولوج ...
- الطائفية والأحوال الشخصية في سورية
- عالم السادة الرجال -المسلمين- وما وراءه
- بحثا عن توازنات جديدة.. إيران تتحرك!
- تساؤلات بصدد السياق السياسي والمؤسسي لمشروع قانون الأحوال ال ...
- نتنياهو، كيف حصلنا عليه؟ وأي سلم يتحصل منه؟
- ما معنى البقاء في السلطة إلى الأبد؟
- الكثير الذي فات خطابك يا أخ أوباما!
- هذه أو هذه وإلا فتلك: عقائد الحتمية في السياسة السورية
- نظرات في اللوحة الإيديولوجية العربية السائدة
- العلمانية والقومية والامبريالية.. أسئلة مفتوحة
- نظريتان في الطائفية.. بلا نظر
- الكتابة العمومية كسياسة كتابة


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - بصدد العنف والنخبوية