أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - سياسة التعقيد ك-جدار فصل- للفلسطينيين عن قضيتهم















المزيد.....

سياسة التعقيد ك-جدار فصل- للفلسطينيين عن قضيتهم


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2748 - 2009 / 8 / 24 - 07:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ سنوات طويلة لم أعد قادرا على متابعة مدققة لتطورات القضية الفلسطينية. من جهة لطالما بثت هذه التطورات شعورا بالإحباط والألم في نفسي، الأمر الذي آل مع الزمن إلى بناء منعكس شرطي، يقرن الوضع الفلسطيني بخبرة مؤلمة، فيزكي الابتعاد عنه أو اهتماما أقل به. لكن من جهة أخرى وأهم سارت تطورات الوضع الفلسطيني في طوره الحالي، أي منذ أوسلو، نحو تفتيت القضية وتجزئتها وإغراقها في تفاصيل وشكليات تضيع أسسها الأخلاقية والسياسية، وتتجاوز قدرة أكثرية الجمهور المهتم على المتابعة. لم أستطع أبدا فهم عم يدور الأمر في "خارطة الطريق"، أو عن أي شيء هو مؤتمر أنابوليس الدولي الذي عقد من أجل بث الحياة فيها إن كنت فهمت الأمر على وجهه الصحيح، ولم تتكون عندي فكرة واضحة عن فحوى وثيقة جنيف، أو عم يجري في تلك الزيارات والمباحثات التي لا تنتهي والوفود التي تروح وتجيء، فضلا عن تجاذبات السياسية الفلسطينية المؤلمة هي الأخرى، وخصوصا بعد انقسام الفلسطينيون قبل استقلالهم.
أذكر للقارئ صيغ التفاعل الشخصي هذه لأني أشعر أن تعقيد القضية الفلسطينية وتفتيتها على هذا النحو، المتعمد بلا ريب من قبل الإسرائيليين، ومجاراة النخب الفلسطينية لذلك، كان عاملا مؤثرا جدا في الحد من اهتمام كثيرين بالقضية الفلسطينية، معرفة ومشاركة وتعاطفا. انساقت القيادات الفلسطينية مع عملية إغراق قضيتها الوطنية بشكليات وبروتوكولات وأوراق ووثائق من كل نوع، شكلت بمجملها حاجزا عاليا يفصل جمهورا عربيا، متعاطفا دون شك، عن القضية التي لطالما اعتبرت عربية، أو "قضية العرب الأولى".
التعقيد يناسب الطرف الإسرائيلي لأنه يمكنه من كسب مزيد من الوقت، يستغله لصنع وقائع على الأرض، إما يصعب الرجوع عنها أو يتقاضى مقابلها ثمنا باهظا. هذا فوق أن نخبه أبرع سياسيا وأقدر على إدارة التعقيدات وعلى توسلها للعب بالخصم؛ ولأنه لا يناسبه البديل الوحيد عن التعقيد، أي التوقف عند الجوهر السياسي والأخلاقي للقضية كمسألة عدالة وتحقق سياسي لشعب آخر. الطرف الذي يتضرر من إحلال الإجراءات والتفاصيل والجداول محل الجوهر التحرري للقضية هو الطرف الفلسطيني، الأكثرية الفلسطينية التي يُغرِّبها التلاعب بقضيتها ورفعها فوق مستوى إدراكها الفعال. ولعل هذا الرفع يوافق مصلحة نخب فلسطينية، تجد فيه ما يمكنها من تشويش إدراك الجمهور المعني وتعطيل قدرته على مراقبتها، ومن جعل السياسة علما معقدا شاقا، تتمكن وحدها من تملك فنونه وأسراره. بهذا تصون النخب تلك مواقعها الامتيازية ونفوذها. السياسة علم صعب لا يتاح لأي كان التكلم في قضاياه أو التدخل في عملياته. دعونا وشأننا، إذن، أيها الجهلة الذين نتعب من أجلكم وأنتم لا تقدرون تعبنا وتضحياتنا!
قد يكون علم السياسة ولد من رغبة سياسيين طموحين في تسييج عملهم بأسيجة عالية تمنع اقتراب عموم الناس منه ومشاركتهم فيه، وتاليا تقيم فرزا بين مرتبتين، مرتبة السياسيين الحاكمين (وأعوانهم المحتملين) ومرتبة الجمهور العام، الدهماء أو القطيع أو الرعاع...لا يبدو أن الأسيجة هذه تكفي مع ذلك. ألا نرى السياسيين، الحكام منهم بخاصة، والأشد طغيانا على الأخص، يقيمون في قصور معزولة، محمية بأسوار عالية، بعيدا عن "شعبهم"؟
إحاطة السياسة بالخطر والصعوبة والأسرار حيلة مجربة يلجأ إليها السياسيون جميعا في العالم كله. جعل السياسة اختصاصا دقيقا ضمان لسلطة نخبوية. في البلدان العربية، وبدرجة تتناسب مع طغيان حكامها، يجري الكلام على صعوبة التحديات وخطورة المشكلات التي تواجه البلاد، وعلى أن المرحلة حرجة ودقيقة والظروف صعبة... وتاليا على الحاجة إلى ربان سياسي عبقري يقود الجماهير القلقة عبر هذه الأمواج المتلاطمة. ثمة تناسب طردي بين الإلحاح على عسر الأوضاع وصعوبة السياسية وبين الحكم الاستبدادي النخبوي. الغرض من تصعيب السياسة بناء جدار فصل يحول دون نفاذ الجمهور إليها ومساءلة السياسيين في شأنها. وللحرص على أمية السكان وتغذية الجهل العام المفعول نفسه.
بالعكس، يشارك جمهور أوسع في السياسة بقدر ما يجري الربط بين عملياتها وإجراءاتها وبين قضاياها الرئيسية. لا يسعنا الجمع بين سياسة ديمقراطية وبين اعتبار السياسة علما معقدا واختصاصا دقيقا يحتاج إلى عبقريات فذة. يمكن تصور سياسة ديمقراطية وغير شعبوية تنكب على الربط بين أسس القضايا العامة وبين تفصيلات تقنية وإجرائية خاصة بها، قد تكون أكثر تعقيدا. وقد تكون مهمة السياسي الديمقراطي هي الشرح الدائم لـ"القضايا الجوهرية"، أي التضمينات الاجتماعية والأخلاقية للسياسات المعتمدة. بالمقابل، يرجح للسياسي النخبوي أن يغلف تلك التضمينات بلغة غامضة لا تستبر معانيها.
السياسة الديمقراطية مطلوبة عربيا وفلسطينيا. هي ليست سياسة تحب الشعب أو تطلب حب الشعب لها، بل هي سياسة تشرح. توضح. تبقي أقنية مفتوحة بين المضمون الأساسي للقضايا وبين صيغ إجرائية وتنفيذية قد تقتضيها، فتعدل هذه بتلك، وتزود الجمهور بحس واقعي حول الصعوبات الواقعية. تهتم أيضا بتعليم السكان وترقية مستواهم الفكري. السياسة الديمقراطية لا تبسط العمليات السياسية، لكنها تشرح للجمهور تعقيداتها المحتملة وصعوباتها. في هذا تختلف عن الشعبوية التي يضمر تشككها بالسياسة والسياسيين (وبالثقافة والمثقفين) احتقارا للجمهور وتسليما بأنه، بالفعل، جاهل ينبغي "النزول" إليه وتوضيح السياسة له بلغة لا سياسية، بلغة الأخلاق أو المنفعة المباشرة. لا. السياسة الديمقراطية توضح دون أن تكف عن كونها سياسة. دون تنازلات شعبوية.
الغرض من هذه الدورة الطويلة نسبيا القول إن الصعوبات والتعقيدات التي أخذت تلف القضية الفلسطينية تتصل أكثر بتكوين النخب الفلسطينية وبنوعية رهاناتها وتطلعاتها مما بتعقيد ذاتي للقضية الفلسطينية. لم يرتض سياسيون فلسطينيون الانجرار إلى تفتيت قضيتهم وفصلها عن أسسها العدالية فقط، ولكنهم امتنعوا عن القيام بالشرح الواجب لشعبهم، وللعرب من حولهم، لما يجري في شأن القضية. بهذا فصلوا فلسطين عن أهلها، فسهلوا لإسرائيل مصادرتها. والواقع أنهم بينما كانوا يوغلون في إغراقها في تفاصيل ودقائق تقنية، كان الشرح الوحيد الذي يقدمونه لشعبهم وللجمهور العربي شرحا شعبويا، أخلاقويا ودينويا، يتكلم على القدس الشريف والأقصى، وعلى المقدسات والثوابت...، شرحا يفترض سذاجة الجمهور وانفعاليته، ويسهم في المحصلة في إبقائه أسير الانفعال والسذاجة. لكن دون أن يكون الجمهور العام مطلعا على أسرار السياسة وعلومها، فإنه ليس غرا ولا جاهلا. وهو ينتقم بالسلبية والتشكك على محاولات كهذه لاستغفاله.
هذه حال فلسطينية وعربية عامة. قطعها والانفصال عنها، مهما يكن صعبا، أجدى وأكرم من البقاء عليها. وجهة نظر النخبة عكس ذلك. لكن وجهة النظر هذه عريقة في الفساد والسوء.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد السياسة.. أو من تأليف القلوب إلى انشراح الصدور
- الحداثة كخير عام، كوني وضروري
- في شأن الذاكرة والسلطة والرقابة
- فيما خص أزمة الثقافة النقدية..
- منظومتا استثناء، لا واحدة، في سورية
- تعقيب على نقاش منتدى -هلوسات- حول مشروع قانون الأحوال الشخصي ...
- في أصول صناعة التشاؤم العربية
- بصدد العنف والنخبوية
- ملحوظات أولية في نقد السياسة
- ماذا يعني مفهوم الحريات الاجتماعية؟
- موقع -الديني السياسي- في وثيقتين معارضتين سوريتين
- من خرافة سياسية إلى أخرى..
- عودة إلى مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري
- -الحل- غير موجود... أين هو؟
- في بئري الدين والدولة
- في شأن الديمقراطية والإصلاح السياسي... سيرة استهلاك إيديولوج ...
- الطائفية والأحوال الشخصية في سورية
- عالم السادة الرجال -المسلمين- وما وراءه
- بحثا عن توازنات جديدة.. إيران تتحرك!
- تساؤلات بصدد السياق السياسي والمؤسسي لمشروع قانون الأحوال ال ...


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - سياسة التعقيد ك-جدار فصل- للفلسطينيين عن قضيتهم