أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عبيد السلطة وعبيدهم وما إلى ذلك















المزيد.....

عبيد السلطة وعبيدهم وما إلى ذلك


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2823 - 2009 / 11 / 8 - 16:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


غير بضع "دول فاشلة" أو تكاد، تعرض الدول العربية "الناجحة" تمركزا مفرطا لحياتها العامة حول نظمها السياسة، وتمركزا مفرطا بدوره لهذه حول خلودها في الحكم، أو بقاء أطقمها الحاكمة في السلطة إلى الأبد. ولما كانت الدولة هي مركز القيادة العامة، الذي يجري فيه إنضاج القرارات والحلول المناسبة للمشكلات الوطنية، فإن بلداننا تخسر هذا المركز الذي لا منافس له، ولا يسع أية أطراف أخرى أن تحل محله. بل أن المشكلة الأولى التي تهتم بها أطقم الحكم في بلداننا، سلامة ودوام حكمها، تدفع بطبيعتها إلى تصور المجتمع المحكوم مصدر أخطار ومتاعب ومنافسين، الأمر الذي يقتضي مراقبته والحذر من أية مبادرات مستقلة تنبع منه، أو أية تفاعلات غير مراقبة تجري ضمنه. والأولوية ذاتها تتوافق مع بث مناخات من عدم الثقة ضمن جمهور المحكومين، أو ممارسة سياسة "فرق تسد" في أوساطهم. والحاكم الحصيف يبادر إلى صنع أجهزة موثوقة، مختصة في توجيه "الضربات الاستباقية"، تحبط أية استقلالية سياسية أو مقاومات اجتماعية محتملة. وضمان ولاء هذه الأجهزة قد يستلزم صنع أجهزة أخرى موثوقة أكثر، الأمر الذي يتطلب تعميم نظام المحسوبية أو الزبونية، ولهذه مفعول محرض فوري للتمايزات "الطائفية". ولا بد كذلك من بناء تحالفات إقليمية ودولية مناسبة، تضمن استقرار الحكم وأمنه. ومن وجهة النظر هذه قد تكون كثيرة الملفات على الطاولة الوطنية شيئا مرغوبا خلافا لما يبدو أن الحكومة التركية الراهنة تظن (لا تكف عن تنظيف طاولتها، بما في ذلك من ملفات بدت لوقت طويل مرتبطة بهوية تركيا ذاتها: الكردي والأرمني). فكثرة الملفات تضمن أن تطرق أبواب عواصمنا كثيرا، وأن لا تكف هواتف حكامنا عن الرنين.
هذا كله عقلاني من وجهة نظر الهدف المراد تحقيقه: الحكم الأبدي.
بيد أن هذا يعني أن حكامنا عبيد لسلطتهم أكثر حتى مما نحن عبيد لهم سياسيا. مشدودين بحبال تزداد سمكا مع طول مكثهم في الحكم إلى مصالحهم الذاتية وامتيازاتهم الخارقة، إلى روابطهم الأسرية والأهلية، إلى ماضيهم الملبّد، إلى صورهم الممجدة المعصومة التي يحبسهم ضمنها أتباعهم، فضلا عما يحتمل من قيود متينة مع أحلافهم، حكامنا بالكاد أكثر حرية منا. هل الرئيس مبارك المنشغل البال بكيفية توريث ابنه حكم مصر، وما يستلزمه ذلك شكم الإسلاميين، وإرضاء الأميركان، وتجنب المشكلات مع الإسرائيليين، وكسر عين جموع المصريين المفقرة على يد أجهزة قمعية وحشية، وتأليف قلوب أصحاب الملايين المصريين وشركاءهم الأجانب، وترويض وسائل الإعلام أو إسكاتها. هل هو حر فعلا وخلي البال؟ وأي حيز يبقى للمصلحة الوطنية المصرية بعد كل هذا؟ لنهوض المصريين وتحكمهم بشروط حياتهم؟
بلى، يريد القوم مصلحة بلدانهم ونهوضها، ولا يتعمدون بحال الإضرار بها. لكن لا يمكن عبادة ربين في آن، ولا الوفاء بالدرجة ذاتها لمصلحتين عليين متعارضتين تكوينيا: الحكم المؤبد والمصلحة الوطنية. لن يبقى لهذه غير "فضلة خير" زعماء من عيار معمر القذافي وعلي عبدالله صالح وإخوانهما.
وتفتح عبودية السلطة الباب لكل أصناف العبوديات الأخرى. قبل كل شيء لا يستطيع الحكام أن يكونوا عبيدا لسطتهم دون أن يجعلوا محكوميهم عبيدا لهم. هنا أساس آلية الاستعباد العام التي تجمع الحكام والمحكومين. فهل يمكن بعدُ الكلام على قيادة؟ على زعماء يقودون شعوبهم نحو مزيد من الحرية والقدرة والرفاه؟ وفي المقام الثاني تكسر عبودية السلطة التطابق بين طاقم الحكم وبين الدولة الوطنية، أو بين السلطة والدولة- الأمة. لنقل بعبارة أوضح إن عبودية السلطة تقوض وطنية الدولة. لمصلحة الأهلي والجزئي تحتها، والمراكز الدولية والإقليمية النافذة فوقها. فوق أنها تلغي المواطنين بطردهم من المجال العام وردهم إلى بيوت الطاعة الأهلية. وعبر العبودية هذه تخسر بلداننا سيادتها الوطنية، على نحو ما يخسر مدمن الشراب أو القمار أو المخدرات كرامته وسيادته على نفسه.
ويبدو أن هذا الذل هو ما تحررت منه تركيا. أو بلغت طورا متقدما من التحرر منه. كقيادة مفوضة ديمقراطيا، ليس لحكومة حزب العدالة والتنمية مصلحة متميزة عن المصلحة الوطنية التركية. ولا يبدو أن بال أردوغان أو غل مشغول بكيفية البقاء في الحكم، وربما توريثه لأبنائهما من بعدهما، رغم حرصهما الأكيد على فوز حزبهما في أية انتخابات عامة مقبلة. يتعلق الأمر هنا بطبقة سياسية تعيش للسياسة ولا تعتاش منها، وفقا لتمييز لماكس فيبر. هذا في آن أساس استقلال السياسة وعقلنتها، وأرضية تطور الكفاءة أو المهارة السياسية عند السياسيين. أما العيش من السياسة فيمنح الأولوية العليا لـ"العيش"، فيما لا تكون السياسة غير فن ضمان هذا العيش (أي للمليارات والنفوذ والهيبة والأبهة والأمان..والخلود). ضمانه لشريحة ضيقة من أصحاب الامتيازات دونهم شريحة أوسع من أصحاب امتيازات أقل... وصولا إلى جمهور واسع من المحرومين المنكشفين تماما.. في الحضيض.
والواقع أن عبودية السلطة هي الباب الذي عادت منه بني اجتماعية امتيازية إلى بلدان بدت في وقت غير بعيد أنها تتجه نحو طي صفحتها. يسعنا الكلام اليوم، وليس من باب المجاز أو التهكم، عن سادة ووجهاء و"نبلاء"، وعن ضروب من التبعية والحرمان والفقر الأسود كانت مقترنة بأزمنة "الإقطاع" ونظم الأعيان. هذا فضلا عن اتجاه التمايزات الاجتماعية الثقافية إلى مزيد من التصلب بفعل التعطيل السياسي للديناميكية الاجتماعية.
إذا كان صحيحا أن الأولوية العليا المفروضة في بلداننا المعاصرة هي للتأبيد في السلطة، وهو صحيح بالقطع، لزم أن تكون الأولوية الوطنية لكسر التأبيد وفتح أبوب بلداننا لرياح التغير السياسي، حتى لو كان من المحتمل لهذه أن تكون عاصفة ومزعزعة في مراحلها الباكرة. من أجل أن يتحرر المحكومون من عبوديتهم السياسية لا مناص من تحرر الحاكمين من عبوديتهم لسلطتهم. وقد يمكن تعريف الديمقراطية في هذا السياق بأنها تحرر الحاكمين من عبودية السلطة، وليس فقط تحرر المحكومين من عبوديتهم للحاكمين.
ليست مشكلة السلطة هي المشكلة الوحيدة أو الأكبر في العالم العربي، لكنها المشكلة الرئيسية. لا نتقدم في حل شيء دون حلها، وإن كان هذا لا يحل بحد ذاته أية مشكلة.






#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي الرقابة؟ وماذا تراقب؟
- في أبنية الدولة السلطانية المحدثة: ليبرالية اجتماعية وطغيان ...
- من الطاعة المفروضة إلى التطوع الذاتي
- في الوقائع نصف الغريبة لاختفاء الشعب
- في شأن إيران والغرب و..العرب!
- -الدولة السلطانية المحدثة-: سيادتان وسياسة واحدة
- تركيا كنموذج عملي يُتعلّم منه
- ما وراء الزيدي وحذاءه: اعتلال الروح العربية
- المحركات المحتملة للعلاقات الأميركية السورية في النصف الأول ...
- سورية ولبنان وفشل بناء الأمة
- من الاقتصادوية إلى الثقافوية إلى السياسوية إلى آخره
- ثلاث أسئلة بخصوص كتاب عبدالله العروي -السنة والإصلاح-، وثلاث ...
- في تأسيس المحاصّة الطائفية معرفياً
- ربيع الأقوياء العائد... مخيف حقا!
- عن التماهي مع الشاعر في حضرة غيابه
- سياسة التعقيد ك-جدار فصل- للفلسطينيين عن قضيتهم
- في نقد السياسة.. أو من تأليف القلوب إلى انشراح الصدور
- الحداثة كخير عام، كوني وضروري
- في شأن الذاكرة والسلطة والرقابة
- فيما خص أزمة الثقافة النقدية..


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عبيد السلطة وعبيدهم وما إلى ذلك